كلمات أينشتاين المنسية عن فلسطين
إدوارد سيزكورغان
ترجمة: رنده القاسم
لا ينتهي الخلاف حول آراء أينشتاين السياسية لا سيّما المتعلّقة بقضية فلسطين وإنشاء دولة يهودية. ويزعم كثير من الصهيونيّين أنّ أينشتاين واحد منهم. ولكن أينشتاين كان رجلا مسالماً وكونياً وممقتاً للقومية العنصرية.
نشر حديثاً نكتاب بعنوان "أينشتاين عن إسرائيل والصهيونية : يترجم أفكاره المثيرة حول هذا الموضوع" بقلم (فريد جيروم) وقد تمكّن من إعادة أفكار أينشتاين ثانية إلى دائرة الضوء.
ودليل موقف أينشتاين ضد انشاء دولة صهيونية في فلسطين والصهيونية أوضح ما يكون في كلماته هو وأفعاله المتعلّقة بالموضوع.
فعلى سبيل المثال مَثُل أينشتاين أمام لجنة التحقيق الأنغلو-أميركية وكانت تناقش القضية الفلسطينية في كانون الثاني 1946،
وتحدّث ضدّ خلق دولة يهودية. وإليكم مقطعاً من شهادة أينشتاين أمام القاضي هوتشيسون رئيس اللجنة الأميركي:
- القاضي: قال الصهيونيّون أمام لجنتنا إنّ القلب الغاضب لكلّ يهودي لن يهدأ حتى تكون هناك دولة يهودية في فلسطين.
ويتم التأكيد على وجوب أن يكونوا أكثرية بالنسبة للعرب. وقيل لنا من قبل ممثّلي العرب بأنّ العرب لن يسمحوا بهذا الوضع، أي لن يسمحوا أن يتحوّلوا من أكثرية إلى أقلية.
- أينشتاين: نعم.
- القاضي: لقد سألت أولئك الأشخاص العديدين إن كان من الأساسي لحقوق وامتيازات اليهود أن يذهبوا لفلسطين،
إذا كان من الأساسي للصهيونيّة الحقيقية أن يتبلور هذا المشروع وبهذا يكون لليهود دولة يهودية وأكثرية يهودية دون اعتبار لرأي العرب.
هل تتّفق مع وجهة النظر هذه، أو تعتقد بإمكانية معالجة الموضوع وفقاً لأسس أخرى؟
- أينشتاين: بالتأكيد نعم، فكرة الدولة لا تنسجم مع قلبي. ولا أستطيع فهم الحاجة لها، إنها مرتبطة بالكثير من المصاعب وضيق الأفق, أعتقد أنها سيئة.
- القاضي: أليس من المفارقة التاريخية، التأكيد على خلق دولة يهودية؟
- أينشتاين: برأيي نعم، أنا ضدّها.
عام 1948 بعد مذبحة دير ياسين كتب البيرت أينشتاين رسالة إلى صديق أميركي من المدافعين عن حرية إسرائيل
أشار فيها إلى منظمة أرجون بقيادة مناحيم بيغن الذي أضحى فيما بعد رئيس وزراء، وإلى عصابة شتيرن التي ضمّت إسحاق شامير وأصبح أيضاً رئيساً للوزراء
على أنّهما منظَّمتين إرهابيّتين ورفض دعم أولئك الأشخاص "الضالّين والمجرمين".
البيرت أينشتاين وسيدني هوك وحنا اريندت وخمس وعشرون شخصيّة يهودية بارزة كتبوا رسالة إلى نيويورك تايمز في الرابع من كانون الأول 1948
اتّهموا فيها حزب مناحيم بيغن وإسحاق شامير الليكود بالفاشية واعتناق خليط من القومية المتطرّفة والإبهام الديني وشعور التفوّق العرقي.
عام 1950 نشر أينشتاين التصريح التالي حول مسألة الصهيونية. وقد قال هذه الكلمات أمام لجنة العمل القومية لأجل فلسطين،
في نيويورك عام 1938، ولكن أعاد نشرها بعد إنشاء إسرائيل:
"إنني أفضّل اتفاقاً منطقيّاً مع العرب على أساس العيش المشترك في سلام عوضاً عن خلق دولة صهيونية في فلسطين.
فإذا وضعنا جانباً الاعتبارات العملية، فإنّ فهمي للطبيعة الجوهرية لليهودية يدفعني لمقاومة فكرة دولة يهودية بحدود وجيش وقوة دنيوية مهما كانت معتدلة
إني أخشى من خلل داخلي يصيب اليهودية وخاصة من جراء تطوّر قومية ضيّقة ضمن صفوفنا،كان ينبغي علينا محاربتها مسبقاً بدون دولة يهودية".
رفض أينشتاين رئاسة دولة إسرائيل وفي كتاب "ألبيرت أينشتاين: سيرة ذاتية" تحدّث البريخت فولسينغ حول العرض الذي قُدّم لأينشتاين ليغدو ثاني رئيس لإسرائيل
فقال: "بينما كان بين غوريون ينتظر قرار أينشتاين ويحتسي القهوة سأل مساعده إسحاق نافون الذي أصبح فيما بعد رئيساً:
أخبرني ماذا سنفعل إن قال نعم، لقد كان علي عرض المنصب عليه لأن من المستحيل عدم القيام بذلك، ولكن إن قَبِل سنكون في ورطة".
كتب أينشتاين إلى ابنة زوجته مارغوت بعد رفضه للرئاسة :"لو أصبحت رئيساً، فإنّني في بعض الأوقات سأقول للشعب اليهودي هناك أشياء ما كانوا ليحبّوا سماعها".
لم يكن أينشتاين صهيونياً وكانت معارضته لإسرائيل معروفة بشكلٍ واسع خلال حياته،
غير أنّ أسطورة دعمه لإسرائيل وُلدت يوم وفاته في نَعْيه بصحيفة نيويورك تايمز والتي كتبت بوقاحة أنّه ناصر إنشاء دولة يهودية، الأمر الذي ناقض أفكاره المعلنة على مدى عقود. ففي عام 1930 نشرت مقالة بعنوان "أينشتاين يهاجم السياسة البريطانية الصهيونية " وعام 1946 أخرى بعنوان "أينشتاين يعارض دولة يهودية"..
ومن الواضح أنّ البيرت أينشتاين لم يدعم الصهيونية السياسية وعارض قيام دولة يهودية على أساس عرقي وإثني. و
كانت آراؤه السياسية باستمرار مؤيّدة لحقوق الإنسان الكونية. وعارض الحرب والشوفينية القومية العرقية .
واليوم يبجّل كأيقونة سياسية وعلمية ولكن للأسف ينسى الكثيرون كلماته الحكيمة عن القضية الفلسطينية وصراعها مع الصهيونية.