رُؤيا ”فرعون” ومَرَائي ”رابعة العدوية”
الاثنين 29 جويلية 2013
الدكتور بومدين بوزيد
تحفَل كتب التاريخ السّياسي الإسلامي ومناقب الأولياء والمتصوّفة بقصَص الرؤيا لِما لها من سَطوة نفسية واجتماعية، لأنّها ”جزء من النبّوة”، كما أنّ تأويلها علمٌ، فقد كان ذلك من معجزات يوسف عليه السّلام في تفسير رؤى المسَاجين و ”حُلم فرعون” وبذلك نال الوِزارة والتّمكين. تَكثُر الأحلام في فترات الأزمات، وهي ”قصَص نثرية رمزية مُكثّفة” خَصّ لها الفقهاء حيّزًا وحَفلت بها كتب الرّقائق والمواعظ والتراجم، وعند فرويد كان ”الدليل الملكي للاشعور” وعلاجًا نفسيًا للمريض، فهو –أي الحُلم– تنفيس عن ”الكبت” و”الرغبة”، وقد بقيت العلاقة بين علماء النفس والرؤيا المنامية عِلمية، أمّا عندنا فلعبت الرؤيا دورًا في الحياة اليومية لكونها جزءًا من النّبوّة.
ففي الحديث: ”لم يَبْقَ من النّبوّة إلّا المُبشّرات، قالوا: يا رسُول الله وما المُبَشّرات؟ قال: الرؤيا الصّالِحة يَرَاها الرّجُل الصّالح أو تُرَى له”، كما كان الوعد بالعذاب للّذين يَكذِبُون في رؤاهم، وفرّق الفقهاء بين ”الرؤيا الحقّ والرؤيا الشيطانية” تُرى هل نَعتبر الرؤيا السّياسية ”حقّ” أم ”شيطان” يراد بها الدّنيا؟
كانت رؤيا الخليفة المأمون العبّاسي لأرسطو اليوناني -رغم شكّ البعض فيها كحقيقة- تبريرًا دينيًا لجأ إليه خوفًا من الفقهاء لترجمة كتب أرسطو واليونانيين، هي رؤيا فتحَت عَصر الترجمة وتسمية أرسطو بـ«الشيخ” و”الحكيم”، وأصبح ”منطقه” من الضّروري في العِلم، قال أبو حامد الغزالي: ”من لا منطق له لا يُوثَق بعِلْمه”، كما كانت ”رؤيا” فرعون وتفسير يوسف عليه السّلام منْجاة المصريين من المَجَاعة والهَلاك، أمّا رؤى الصّلحاء فهي سَرّ وكرامة تُحجَب عن العامّة إلاّ للضّرورة، فالشيخ عبد الرّحمن الثعالبي، دفين الجزائر العاصمة، لم يفشِ سرّ مَرائيه إلاّ بإلحاح من زملائه وتلامذته، وهي كلّها مرائي تدعو إلى القراءة والبحث تتعلّق بكتبه وكتب العلماء، وقد جارَى في ذلك ابن أبي جمرة، الرؤيا بحسبهم لا تُحْكى إلا لمَن تُحبّ، ولا يجهر بها في الأسواق والمنتديات.
ترى هل مرائي منصّة رابعة العدوية الّتي تتحدّث عن ”مُرسي” الّذي صلّى خلْفه الرّسول محمّد عليه الصّلاة والسّلام والمُسلمون، وما يُماثلها من دعوة للجهاد هي رؤيا ”حَقّ” أم ”رؤيا” سياسية تتعلّق بالشّأن الدّنيوي؟ ندعو الله أن يحفظ مصر وتكون الرؤيا عند نخبها السّياسية والدينية والإعلامية مستقبلية تتجاوز الاستقطاب وحُكْم الفئتين ”العَسكر والدّعاة.
باحث جامعي
http://www.elkhabar.com/ar/autres/makal/346898.html