عواجيز السعودية تضيع في الدهاليز
سهيل الخالدي
من الواضح أن أكبر الخاسرين في ما يسميه البعض بالثورة السورية هم الشعب السوري أولا ثم الحكام العرب وعلى رأسهم حكام الرياض؛ بل يبدو أن الحكم السعودي هو أكبر الخاسرين في هذه الصفقة التي تمت بين موسكو وواشنطن، وأولى علاماتها هذا الغزل الواضح الفاضح بين موسكو وطهران، حيث أن الموضوع النووي الإيراني تزحزح عن مكانه ليس في الأجندة الأمريكية فقط بل وفي الأجندة الدولية. ..واستطاعت موسكو أن تحل العديد من مشكلاتها الفرعية مع واشنطن على ظهر المصالح السورية، حيث حافظت هي على مكانتها في سورية بل اعترفت لها وأمريكا والدول الأوروبية بهذه المصالح، مما يعني أن أحدا في هذا العالم لن يبحث في الشأن السوري بعد اليوم بعيدا عن ثلوج موسكو، سواء الذي يحكم قاسيون بشار الأسد أو غيره، كما أن إيران خرجت من هذه المعركة التي خاضتها مع أمريكا على أرض سورية والعراق باعتراف كبير بأنها دولة محورية في الإقليم الشرق أوسطي، وإنها دولة على وشك الإنضمام للنادي النووي العالمي، فتصبح المملكة العربية السعودية ومعها سائر دول الوطن العربي محاطة بالقوى النووية، فإسرائيل وإيران والهند والباكستان في الشرق، والدول الأوروبية -على الخصوص فرنسا- في الغرب... وهكذا يكون كل من المعارضة السورية ومؤيدوها من الدول العربية والنظام السوري ومؤيدوه من الإيرانيين وغير الإيرانيين، قد أجهزوا على البقية الباقية من شريان التنفس الدولي للعرب في ميدان الطاقة النووية..فلا شيء بعد الآن سيتم خارج موافقة إسرائيل وإيران، وهو أمر كثيرا ما حذر باحثون ومحللون سياسيون عربا وغير عرب حكام الرياض من العبث به..
أما الثمن الذي قبضته السعودية فيبدو ثمنا وهميا، إذ أن تركيا بالاتفاق الروسي الأمريكي بخصوص الوضع السوري قد خرجت من مولد بلا حمص كما يقول العوام، فأوروبا أيدّت الاتفاق، أي أن تركيا خسرت أوروبا قبل أن تثبت إقدامها في البلاد العربية باسم الإسلام السني، ولم تعد منافسة للسعودية فيه، خاصة بعد أن خسرت مصر التي أعادها السويس للحضن السعودي.. وهذه العودة لقيادة الإسلام السني هي كل ما كسبته السعودية من معركتها مع طهران واسطنبول في دمشق، مكسب في عالم لا يحرك الدين دوله القيادية.. ولست أدري كيف يمكن تسميته مكسبا بمقاييس هذه الدول القيادية.
وكتحصيل حاصل فإن الدول الخليجية تكون قد خسرت معركتها مع طهران ولعل أولها في ذلك مملكة البحرين التي ستشترس إيران في خلق القلاقل لها تحت العنوان الشيعي؛ وليس من المتوقع أن تقوم إيران باحتلال البحرين في المنظور القريب ..فالبحرين ما تزال طعما إيرانيا ناجحا ابتلعه السعوديون وتورطوا فيه مع دول خليجية أخرى مرشحة لأن تشكل مع المنطقة الشرقية من السعودية دولة خليجية شيعية جديدة يجري الإعداد لها، ولأن هذه المنطقة هي منطقة النفط فعلينا أن نتخيل المآل الذي ستؤول إليه هذه العائلة الأثرى في العالم، وهو لن يختلف كثيرا عن مآل العائلة العثمانية التي حكمت العرب والمسلمين يوما أو عائلة القباصرة الذين حكموا روسا قرونا.
أما المعارضة السورية فستحضر إلى جنيف 2 لتوقع على شهادة وفاتها، فهي فارغة اليدين ليس لديها مال تعطي وليس لها ما تأخذ، وقد لاتجد سوى الأخضر الإبراهيمي ليخفف سكرات موتها في صياغات دبلوماسية، وهي التي هاجمته واستخفت به طويلا، ففي جنيف ليس للمعارضة السورية ومعها حلفاؤها العرب ما تعطيه أو ما تأخذه، والذي يملك هذه الورقة هم الإيرانيون والروس، فهم وحدهم الذين يملكون رأس بشار الأسد، ولا يبدو أن أيا منهما سيقدمه في هذه المرحلة على الأقل، فذلك يحتاج لأكثر من جنيف وعلى أمريكا أن تقدم للروس والإيرانيين ما يريدون،
وحتى إسرائيل التي قال رئيس حكومتها نتنياهو لأوباما لاتكن ساذجا وتُصدق إلايرانيين، لكن أوباما أعلنها بالقلم العريض أنه غريق منذ مشكلته مع إخوان مصر ... فقد أعلن أن بعض إدارات حكومته بدأت تعجز عن دفع رواتب موظفيها، وهو موضوع لا تملك إسرائيل المساعدة فيه، خاصة إذا ماكانت مساعدة فورية نقدية فكتلة النقد في العالم هي اليوم في الصين حليفة روسا في الموضوع السوري.
وهكذا يكون عواجيز العائلة الحاكمة في السعودية قد ضاعوا في دهاليز دمشق. ودهاليز دمشق أشد تعقيدا من دهاليز القصبة في الجزائر.. ففي الدهليز الواحد نجد معبد جوبيتر الوثني وكنيسة يوحنا المعمدان والمسجد الأموي وقبر صلاح الدين الأيوبي السني ورأس الحسين الشيعي وبيت الأمير عبد القادرالجزائري..ولم يستطع غليون المؤيد من فرنسا أن يكون دليلا ناجحا في هذه الدهاليز لا لعواجيز السعودية ولا لشقراوات باريس، بينما استطاعت ثلوج موسكو أن تبرد نار واشنطن بكافيار إيران... ووحدهم حكام العرب، وخاصة عرب الخليج الذين سيعانون في المرحلة القادمة.. وسيلعب عليهم الأسد دور التاجر الفينيقي الدمشقي الذي يبيع الجميع للجميع.
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/179964.html