تعديلات دستورية لتقنين عودة حزب الفساد

تعديلات دستورية لتقنين عودة حزب الفساد شرعيا

بالرغم من قيام ثورة 25 يناير إلا أننا مازلنا حتى الآن لم نرتغييرات جوهرية فى بنية النظام المصرى البائد سوى الإطاحة برأس النظام "الطاغية مبارك" وبقاء جذورنظامه تنخر فى نخاع جميع مؤسسات المجتمع المصرى. جاءت التعديلات الدستورية بردا وسلاما إلى حد ما، ويمكن قبولها فى حدود ظروفها إلا أن مشكلتين رئيسيتين ظلتا عالقتين تضرب الثورة فى مقتل وتصب فى صالح القوى المضادة للثورة، وهما سلطات رئيس الجمهورية الواسعة التى لم تمس بشكل عملى، واجراء انتخابات مجلسى الشعب والشورى قبل انتخابات رئيس الجمهورية وبالتظام الفردى. ولا أزعم أنى خبير دستورى، ولكنى سأعرض لما أراه باعتبارى مواطن عادى اضطر لتعاطى السياسة كالدواء رغما عنه.
وقبل ابداء الرأى أطرح تساؤلا ساذجا: مالهدف من قيام الثورة؟ ولاداعى لسؤال آخر عن التذكرة بحجم التضحيات من دماء وشهداء ومعتقلين لإنجاح هذه الثورة، والإجابة ببساطة المواطن العادى: الهدف من الثورة هو تغيير النظام السياسى من نظام ديكتاتورى إلى نظام ديمقراطى ذى تعددية حزبية، يكون الاختيار فيه من خلال انتخابات حرة نزيهة للمبادئ وليس للفرد، أى انتخابات بالقائمة النسبية وليس بالنظام الفردى الذى أفسد البلاد واذل العباد، وكان من مسببات قيام الثورة. والمطروح حاليا يتناقض مع ماقامت به الثورة، إذ يطالب باجراء انتخابات برلمانية قبل انتخابات رئيس الجمهورية، وأن ينتخب البرلمان لجنة تأسيسية لتعديل الدستور.
لنفترض أن الانتخابات أجريت بالنظام الفردى بعيدا عن القائمة النسبية، فالنتيجة إن النواب المنتخبين بشكل ديمقراطى وبإشراف قضائى كامل تكون غالبيتهم من فلول الحزب الوطنى وإن تغيرت وجوههم، فعائلاتهم بشكل قبلى ستكون ممثلة لسببين لامتلاكهم القدرة التنظيمية للحشد والأموال اللازمة للإنفاق على الانتخابات ويستطيعون تلبية مطالب الجماهير المسحوقة بترضية مادية (رشاوى انتخابية) تحل أزمة وقتيه، ثانيا أن نتائج الثورة الإيجابية لم تظهر على السطح فى الفترة القصيرة لصالح الجماهير الغفيرة، ولم تحل المشاكل الاجتماعية لكل الفئات المضارة، ولم ترفع رواتبهم بما يسمح لهم بحياة كريمة، فالخزينة المصرية خاوية سرقها وجرفها نظام مبارك اللصوصى. ومؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين ستمثل فى البرلمان مع فلول حزب الفساد اللاوطنى، ولايمكن وضع نواب الجماعة مع نواب حزب الفساد فى سلة واحدة، مرشحو الجماعة فى عصر القهر والظلام كانوا يفوزون فى الانتخابات البرلمانية والنظام السافل كان يزور الانتخابات ضدهم لصالح غيرهم منعدمى الوطنية والضمير.
لنمد خيط الفرضية على استقامته، ونتصور انتهاء الانتخابات البرلمانية بالشكل الفردى، وبعدها انتخاب رئيس الجمهورية، وأغلب الظن وطبقا للتعديلات الدستورية الجديدة، ستمثل جميع أحزاب النظام البائد بمقاعد برلمانية ويحق لهم التقدم بمرشحين لرئاسة الجمهورية بما فيهم الحزب الوطنى الفاسد الذى لم يصدر قرارا بحله. فى ظل الصورة التى عرضناها تكون فرصة مرشح الحزب الوطنى أكبر لأن له قواعد ومصالح تريد ان تعود للحياة مرة أخرى بشكل شرعى، وربما لايظهرون فى الصورة لكنهم سيساهمون ويساعدون على اختيار من يريدونه لتمثيل مصالحهم المهددة حاليا ولم تضرب بعد.
لنفترض أننا انتهينا من اختيار البرلمان والرئيس بشكل ديمقراطى ونزيه وشفاف، فالمراد إنجازه فى ظليهما اختيار لجنة تأسيسة للتعديلات الدستورية أو لإقرار دستور جديد، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب. قد تكون اللجنة التأسيسة المنتخبة نتاج عمل فريقين فى البرلمان، الإنجاز فيه بقدر مايترك هذا لذاك يفسح ذاك لهذا. وتكوين الأحزاب فى ظل برلمان تغلب عليه "التقية" درءا لشبهة فساد، وفى وجود رئيس منتخب يتمتع بصلاحيات الملوك يمكن تكوين حزب الرئيس من المنتفعين والمتسلقين، وتعود ريمة لعادتها القديمة بشكل دستورى. ولا أعرف الحكمة فى السرعة واانتخاب البرلمان بشكل فردى ورئيس جمهورية من أحزاب فاشلة كانت ذنبا للحزب الوطنى ومشاركة فى الفساد بشكل كبير.
ما يجرى الآن هو ضد الثورة ولصالح القوى المضادة التى يجب تسميتها بـــ "الفوضى المضادة" أو "القوى المضادة" وليس "الثورة المضادة"، فالثورة هو عمل بنائى والفوضى فعل هدمى. والدعوة لانتخابات مبكرة بطريقة فردية هو إلتفاف على الثورة بشكل دستورى، ومحاولة لتأسيس عودة فلول الحزب الوطنى بطريقة شرعية، والحل بسيط وواضح يتمثل فى مرحلة انتقالية لمدة عامين كما حددتها "حركة كفاية" منذ أكثر من عامين تدير البلاد من خلال مجلس رئاسى يتكون من قضاة مشهود لهم بالكفائة ومعهم ممثل للجيش، وحكومة تكنوقراط، فى خلال تلك الفترة تطلق الحريات العامة وحرية تكوين الأحزاب وتجرى الانتخابات على أساس القائمة النسبية.
للثورة شرعيتها التى تحمى بها نفسها، ومن أهمها عزل من أفسدوا وساهموا فى إفساد الحياة السياسية وحرمانهم من ممارسة حقوقهم السياسية، وحل الحزب الوطنى وحرمان كل نوابه من ممارسة حقوقهم السياسية لمدة دورتين برلمانيتين على الأقل، وإن لم تصنع الثورة ذلك تفرط فى نفسها طواعية وتسلم نفسها لأعدائها. ومن المخاطر المحدقة بالثورة التباطؤ والتزرع بإجراءات التقاضى أمام القضاء العادى فى ظل تعطيل الدستور، بينما الدستور كان قائما قبل ثورة 25 يناير وحوكم مدنيون أمام محاكم عسكرية، ولا أعرف إلى متى يسخرون منا ويستهزؤن بعقولنا. أرى الطريق أمامنا طويلا، وأن ماصنعناه هو كتابة السطر الأول فى ثورة بقلم رصاص يقوم البعض بمحوه بعد أن استشعروا خطورته.
الشعب صانع الثورة يثق فى الجيش المؤتمن عليها، ويطالب المجلس العسكرى الأعلى بالعمل على تحقيق مطالبها، وعدم التفريط فيما دفعه الشعب من ثمن ومازال يدفع من حياة أبنائه. جيشنا المصرى الحالى هو امتداد للجيش المصرى العظيم على مر العصور، ولانريد أن يكتب التاريخ أن الجيش المصرى فى عام 1952 صنع الثورة لصالح الشعب، والجيش فى عام 2011 فرط فى الثورة لصالح أعدائها. ومما لاشك فيه أنه لا أحد يقبل أن ترجع العجلة للخلف كما أن الساعة لاتعود للوراء. التعجل فى إجراء الانتخابات بالشكل الفردى هو إجراء لصالح قوى الفساد والظلام وتقنين عودة حزب الفساد بطريقة دستورية، ولاعزاء للشهداء. من لم يؤد الامانة كما يريدها أصحابها فهو خائن شرعا.

د.يحيى القزاز
مساء 27 فبراير 2011

--
مع تحياتى - سيد أمين
شاعر وصحفى عربى مصرى
هاتف محمول 0125499663
طالعوا مدونة البأس العربى على
http://albaas..maktoobblog.com
/
او على جوجل
http://albaaselaraby.blogspot.com/

أخي الاستاذعبدو:هذا أمر غيرمستغرب عند العارفين وأظن أن الأيام القادمة فيها الخير الكثير للأمة ولكن لا نستطيع الآن بالجزم بكل مايجري فالطبخة قد وضعت على نار وكلنا ينتظر طعمها حين تنضج ..

تحايتي لك أستاذي عبدو
د:وليد علامة

أيام العرب اليوم حبلى وشديدة الخصوبة, وإني غير متفق مع صاحب المقال في تشاؤمه وقوله بعودة الماضي كما كان, الماضي مات وانتهى أمره ولا عودة للفساد ولا للطغيان والعمالة بالشكل الذي قضي أمره بالثورة
لكن قد تقع عراقيل وربما يحدث بعض النجاح لمحاولات رؤوس الفتنة ورموز الفساد ولو إلى حين
لكن عودة الوضع كما كان من المستحيلات وأيضا إمكان استقرار أنصاف الحلول التي قد يفرضوها
المهم هو أن الوضع في نظري لا زال غامضا وشائكا والمحاولات المعادية قائمة بشراسة
والمشكل في مصر هو أن الحكم كله لا زال بيد رموز العهد البائد
ومشكلة المشاكل هي قيادة الجيش التي يجب في نظري أن يطيح بها الجيش ويعوضها بضباط من ذوي الرتب
المتوسطة. ممن لم يمسسهم الفساد إطلاقا ولا علاقة لهم بالمفسدين واللصوص والمنتفعين
هذا هو المطلوب من جيش مصر تغيير قيادته المشبوهة بالفساد ومن ثم علاقاتها بالمفسدين
لذلك فان الوضع لن يحسم الا بتنصيب مجلس رئاسة كما دعا اليه الشباب منذ الامس
مجلس مدني يشتمل على عضو عسكري وتبقى مهمة الجيش الامنية والدفاعية واضحة
ودون ان يكون هو المسير المباشر للشان السياسي لأسباب مبدئية وخاصة بسبب شبهة قيادته الحالية
اشكرك اخي العزيز وليد على التجاوب والمساهمة في توضيح الامور وتنوير الامة الثائرة

» تغييرات دستورية في المغرب
» دستورية "محلب" وديكتاتورية غيره.. السيد إبراهيم أحمد
» دستورية "محلب" وديكتاتورية غيره.. السيد إبراهيم أحمد
» الفساد الفساد الفساد
» مبارك وعد فأوفى