موضوع المناقشة اليوم الاصطفاف والمواجهة

بأمل كبير في انضمام أصحاب الرأي في منتدياتنا الصامدة الحرة الشريف نضع هذه الأطروحة للبحث والتأمل والحوار والمناقشة: الاصطفاف بين القوى التاريخية والقوى اللاتاريخية في العالم العربي ولكونها قضية مصيرية استراتيجة عالمية ونظرا للعلاقات الدولية السائدة والمنتظر سيادتها فإن هذا الاصطفاف العربي هو في ذات الوقت عالمي أو يشتمل على بعد عالمي بالغ الأهمية:

الاصطفاف العربي ذي بعدين رئيسيين:
1- البعد القطري 2- البعد القومي
1- البعد القطري: الاصطفاف الرئيسي فيه واقع عموما بين القوى الثورية المكونة خاصة من الشباب والمدعومة بالشعب وقد نعثر هنا على تفاصيل توجد في قطر وتغيب في آخر بفعل الظروف المحلية الخاصة, يجب مراعاتها بالطبع عند اتخاذ القرار وتسيير الثورة رغم أنها ليست جوهرية لكن ينبغي لأسباب موضوعية عملية ألا يقع تجاهلها, مثل القبلية أو الطائفية أو الأعراق التي تتلون بلون واقع كل بلد على حدة. ومما يلاحظ في هذا الاصطفاف أن المعارضة التقليدية التي هي في الغالب من صنع النظام حيث كان يتخذ منها وسيلة لتجميل نفسه بادعاء الديمقراطية المزيفة أمام الخارج, وفي ذات الوقت يوظفها محليا لذر الرماد في العيون وادعاء الديمقراطية, هذه المعارضة مثل النخب تحاول الالتصاق بالثورة بصفة انتهازية كما كانت تفعل مع النظام إدركا منها بأن النظام انتهت صلاحيته وعليها أن تضمن استمرارها في العهد الثوري الجديد ربما بنفس الطريقة التي كانت
تتعيش بها مع النظام, ولا ندري إن كانت هذه الطريقة ستستمر في العهد الجديد.

2- البعد القومي: نفس الاصطفاف يأخذ بعدا قوميا حيث يتكون من الشعوب والشباب أي المحتوى البشري للثورة في كل الأقطار التي أطاحت بالنظام كما في تونس ومصر أو تلك التي هي بصدد الثورة كما في ليبيا واليمن وسوريا وغيرها. هنا نلاحظ بوضوح تضامن النظام مع فروعه القطرية كما هي المحاولات الجارية للمحافظة على نيرون ليبيا السفاح أو طاغية اليمن والمواجهة المسلحة للثورة البحرينية المسالمة, ويذهب النظام في ذلك بعيدا حيث ينسى خلافاته ويهب لنصرة النظام في كل بلد تقوم فيه الثورة أو تتهيأ للقيام, إنه التاريخ الممثل في الثورة يتصارع مع اللاتاريخ الممثل في كل القوى الداخلية والإقليمية والعالمية للإطاحة بالثورة وهو المستحيل عينه لكنهم بالطبع يستطيعون العرقلة وتضخيم المعاناة والتضحيات وتضييع الوقت لكن الهزيمة في النهاية ستلحق بهم على كل المستويات كونهم ينحازون إلى مسعى لا تاريخي وهو مسعى خاسر حتما بحكم نوامس الكون وقوانين التاريخ.

أما الاصطفاف العالمي فغامض كونه يتناقض بين السلوك العملي والشعارات المعلنة مما يجعله يقع في شرك النفاق المكشوف, ففي الوقت الذي يعترف "أمريكا مع فرعون مصر مثلا" كون الطاغية صديقا لأمريكا, لكنهم في العلن يقفون ضده وذلك لأنهم لا يستطيعون أمام شعوبهم تدعيم الطغيان قولا وفعلا, فيلجأون إلى النفاق بالتأييد العملي والمعارضة العلنية " المثال الليبي", لقد لاحظ أبسط البسطاء أن النيتو يتقاعس عن منع كتائب الإجرام من إبادة المدنيين بشكل وحشي, كما ورد اليوم في الأخبار أن تلك الكتائب قد تحصلت على أسلحة نوعية جديدة, فمن أين يأتي السلاح؟ إن تجاره في الغالب من الغرب ودول الاتحاد السوفييتي السابق وهم الآن واقعين تحت سيطرة الغرب, وبالتالي حتى روسيا نفسها لا تستطيع بحكم تبعيتها النسبية للغرب أن تتاجر في السلاح دون رضاه. وعلى العموم فإن الاصطفاف العالمي والذي يتكون من الغرب والصهيونية وعملاؤهم في المنطقة وفي العالم يقف من الثورة موقف المعادي لأنه يخاف على مصالحه التي لا زال لم يعرف بعد مصيرها في ظل النظام الديمقراطي العربي الذي ستفرزه الثورة, ومن هنا فإن تحالفه القديم مع النظام العربي لا زال ساري المفعول والتالي فإنه يفضل البقاء في الوضعية القديمة المضمونة المكاسب والمغانم, وعلى هذا الأساس يمكن لنا تفسير سلوكه السياسي والديبلوماسي والعسكري والاقتصادي بالرغم من النفاق الذي يمارسه علنا بتأييد التغيير والمطالبة به كسبا لود الشعوب الثائرة واستغفالا لها وفي ذات الوقت لا يمكنه أن يساند الاستبداد خوفا من شعوبه, ومن ثم يقول شيئا ويفعل شيئا آخر. هذه خلاصة بسيطة الهف منها انطلاق النقاش الجاد المتعمق لفهم أكثر للحدث الكبير ولترقية الوعي باحتكاك الأفكار والآراء وتلاقحها وبالتالي المساهمة المتواضعة بهذه الطريقة في مجريات الأمور.