عبد المالك حمروش المدير العام
عدد المساهمات : 5782 تاريخ التسجيل : 26/02/2010 الموقع : https://elsoumoudelcharif.ahlamontada.com
| موضوع: الوطن العربى وانعدام ثقافة التنحى الأحد يوليو 10, 2011 6:04 am | |
|
الوطن العربى وانعدام ثقافة التنحى
ايهاب شوقى
تدعو ثوراتنا العربية, وهذا المد الكاسح لاشواق التغيير, والمطالبة برحيل الحكام, وتشبث هؤلاء الحكام بعروشهم الى التامل ومحاولة التحليل فى اسرار هذا التمسك الرهيب برغم هذا الضغط وهذا الاصرار الشعبى.
ان الامر لايتعلق فقط بالحكام, بل هو على مستويات اخرى متعددة, فمن النادر ان نسمع فى اخبار البلاد العربية عن خبر عاجل يذكر ان وزيرا قد تقدم باستقالته على خلفية احداث ما, مهما كانت خطورة هذه الاحداث.
وحتى عندما يحدث ذلك فان حقيقة الامر تكون إقالة وليست استقالة, احيانا ما تكون صريحة بغرض التوبيخ او امتصاص الراى العام كما حدث فى مصر مثلا عندما اقال الرئيس المخلوع وزير داخلية سابق على خلفية مجزرة ارهابية فى الاقصر, او حوادث قطارات او خلافه, واحيانا اخرى تكون إقالة فى صورة استقالة لحفظ ماء الوجه, اما وان تكون استقالة طوعية اعترافا بفشل فى تأدية المهمة, او تحملا لمسؤولية, فهو من النادر جدا وان يحدث فى بلادنا العربية.
وان كان هذا على مستوى الوزراء وهابطا على مستوى المديرين والمسؤولين بمختلف درجاتهم, فان الامر يزداد تعقيدا وتشبسا بالمنصب صاعدا على مستوى الرؤساء والحكام.
ان التنحى عن المنصب ليس امرا هينا, ويمكن ان لانجاوز الدقة ان قلنا انه ثقافة, حيث يخضع هذا الامر للثقافة العامة والنشأة وكذلك البيئة المحيطة والتراث الحضارى.
مما لاشك فيه وان التراث الحضارى العربى ثرى وملئ بالقيم الحضارية, الا انه قائم بشكل كبير على الفرد, وقائم على كبير العائلة وكبير القبيلة والقوم, والحاكم على مدى التاريخ العربى والاسلامى, هو فى العقلية الجمعية خليفة الله على الارض, وقراراته شبه الهية, ومنصبه قميص البسه الله اياه, ولا يمكنه خلعه حتى ولو اراد, وهذه الذهنية, سوغت له التصرف بيد مطلقه, دون محاسبة ولا انتقاد الا على استحياء شديد يستتبعه استغفار لله من جانب هذا المنتقد.
وربما تكون فكرة الكبير, سواء للعائلة او القبيلة او القوم لها ايجابياتها, وتحفظ القيم وتنظم العديد من المسائل وتحل الكثير من الاشكاليات, الا وانها فى مسائل الحكم, عندما تصل الى سلطة مطلقة, فان متلازمة المفسدة المطلقة تتحقق على الفور وبشكل تلقائى, حيث لايتسق لبشر غير معصوم ان يمارس السلطة المطلقة بدون فساد, وبدون اخطاء, وبدون تجاوزات حتى لو حسنت نواياه والتزم العدل ما استطاع.
وتلازما مع فكرة الكبير وصاحب السلطان, تولدت فكرة الرعايا, وبالتالى اصبح المحكومين او الشعب هو فى درجة ادنى من درجة هذا الكبير, وبالتالى فحقوق هذا الشعب اضحت بمثابة إنعام وهبة من الحاكم, وكذلك المطالبة بالحقوق المشروعة, اصبحت محل نظر وهى فى درجة التماس وليست فى درجة حقوق, والحاكم ينظر اليها واما ينعم بالموافقة عليها ويتم التسبيح بحمده على شئ لايستحق الحمد بل هو من الواجبات ومن ابجديات استحقاقه للشرعية, واما يرفض تحت اى دعوى دون مساءلة.
وثقافة الثورة والاحتجاج على مدى التاريخ العربى الاسلامى, تم كتابتها من قبل المؤرخين على انها تمرد وتم التعامل معها ومع صانعيها باعتبارهم متمردين خارجين عن القانون والشرع, باعتبار ان التاريخ كان يكتب للملوك ومن وجهة نظرهم.
ويبدو ان الاستبداد ياخذ مسارا متشعبا, حيث ان الحاكم المستبد يورث وزيرا مستبدا, ثم ولاة مستبدين ويتم ثوريث هذا الاستبداد فى كل مناحى الحياة وعلى مختلف الدرجات الوظيفية.
ومن هنا تاتى اهمية زراعة وغرس مفاهيم التكليف وليس التشريف, حيث يتم التغنى بها فى اوساط كثيرة دون تطبيق حقيقى لها, ويبدو ان تجاوز الدول التى حققت التقدم وتخطت وطننا العربى بمراحل كبيرة فى مناح كثيرة, قد ساد فيها هذا المفهوم, حيث المنصب بها مسؤولية وعبء وتكليف, وغالبا مايعانى صاحبه من توترات وامراض بعد توليه اياه بزمن يسير, على عكس مظاهر الثراء وانتفاخ البطون المعروفة بالكروش, الذى يصاحب تولى المناصب فى بلادنا وبزمن يسير ايضا.
لانريد جلدا للذات ولكن نريد زرع ثقافة مفادها ان الاعتراف بالخطأ فضيلة؟, وان الاستقالة والتنحى عن المنصب ليس عيبا ولا اهانة, بل مدعاة للفخر واستجلاب للاحترام.
ولو كان المنصب مسؤولية حقيقية وعبء , فان التخلص منه سيكون اكثر سهولة ويسر, اما وان المنصب هو (مصباح علاء الدين), فلن يتركه احد مهما فعل الانس والجن, الا بالنضال والقتال لاسترداد الحقوق المشروعة, واسترداد المبادرة.
الاكرم والاشرف والاكثر لياقة بحضارتنا, ان نتجاوز الاقالة الى الاستقالة, والتنحية الى التنحى, وهذا يتطلب نضالا فكريا وثقافيا متواكبا مع النضال السياسى. المصدر | |
|