11 سبتمبر فرنسي
محمود صالح عودة
تلفت النظر العمليات التي يقوم بها "المتطرّفون الإسلاميّون" قبل كلّ موسم انتخابات أو غزو لبلد عربيّ أو إسلاميّ. ذلك أننّا شاهدنا عمليّات 11 سبمبر قبل بداية "الحرب على الإرهاب" واحتلال أفغانستان والعراق. وظهر لنا شبيه أسامة بن لادن يهدّد ويتوعّد قبل الانتخابات الأمريكيّة عام 2004. و"قُتل" بن لادن قبل الانسحاب من العراق وبعد تدهور شعبيّة أوباما، وهاهو "الإرهابيّ" محمّد مراح، الذي اتُهم بقتل ثلاثة جنود فرنسيّين وأربعة يهود خارج مدرستهم في فرنسا، يأتي قبل انتخابات الرئاسة الفرنسيّة ليرفع من شعبيّة ساركوزي، ويزيد من التضييق على المسلمين في فرنسا.
لا يأتي كلامنا من باب نظريّة المؤامرة بل من باب التساؤل وسرد الحقائق، حيث سبق وذكرنا أدلّة تورّط الإدارة الأمريكيّة ووكالات الاستخبارت الأمريكيّة بعمليّات 11 سبتمبر، وثمة تساؤلات عدّة - التي قد تتحوّل إلى أدلّة فيما بعد – حول تورّط الإدارة الفرنسيّة بعمليّات تولوز التي تمّت الشهر الفائت، ونتائجها التي تخدم الصهيوني ساركوزي وأحبابه في تل أبيب.
1- ذكر رئيس جهاز الاستخبارات لمكافحة الإرهاب والتجسس الفرنسي برنارد سكوارسيني في مقابلة مع صحيفة "لو موند" الفرنسيّة أنّه خلال حصار منزل مراح طلب الأخير الاتصال بضابط في جهاز الاستخبارات كان قد التقى به مراح من قبل(!)، واتصل بعامل آخر في الجهاز خلال "رحلته" إلى باكستان، وبعد عودته اتصل بأحدهما لطلب لقائه إذ أراد أن يريه بعض صور "الرحلة"(!!). فما هذه الصدفة أن يعرف الشاب شخصيتين من جهاز الاستخبارات الفرنسي، ويتصل بأحدهما خلال "رحلة" إلى باكستان، وما كان محفزه ليلتقط "الصور" هناك ليريها لأحدهم لاحقًا في فرنسا!؟
2- إنّ القوّات الفرنسيّة الخاصّة من أفضل القوّات في العالم، والوحدة التي يفترض أنها قتلت محمد مراح كان بإمكانها القبض عليه حيًا من خلال قنبلة غاز أو ما شابه، فلماذا قتلته ولم تأسره؟ أم أنّها قتلته لتخفي حقائق معيّنة تدحض الرواية الرسميّة للأحداث؟
3- ذكرت محامية عائلة مراح زاهية مختاري أنها تملك أشرطة مصوّرة سجّلت خلال حصار منزل الشاب أنّه خلال عمليّة التفاوض معه قال للأجهزة الأمنية: "لماذا تقتلونني؟ أنا بريء، لقد قمتم بخيانتي!".
4- ذكر أحد شهود العيان في حادثة قتل الجنود الفرنسيّين أنّ القاتل كان سمينًا وكانت وشمة أو ندبة على رقبته، وهي مواصفات لا تنطبق على مراح النحيف.
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اعتبر العمليّات بمثابة "11 سبتمبر صغيرة"، والإحصائيات الأخيرة تظهر ازدياد شعبيّته قبل الانتخبات الفرنسيّة مقابل منافسه اليساري، وهو ما قد يكون الهدف من وراء 11 "سبتمبر الفرنسيّة". لكن القصّة لا تقف هنا.
فمنذ عام أو يزيد بدأ الإسرائيليّون بحملة دعائيّة إعلاميّة غير مسبوقة لتحفيز الإسرائيليين الذين يقيمون خارج البلاد للعودة، لانخفاض نسبة المهاجرين إلى إسرائيل وزيادة نسبة المهاجرين منها، حيث يعيش 750,000 إسرائيلي في الولايات المتحدة وحدها، وهجرة الإسرائيليّين إلى دول أجنبيّة تشكّل تهديدًا ديمغرافيًا ووجوديًا للكيان الصهيوني المنشغل دومًا بالحرب الديمغرافيّة.
إذن قتل الإسرائيليّين في الخارج يخدم سياسة إسرائيلية تسعى لتوطين المزيد من اليهود في كيانها، كما فعلت قبل إعلان الدولة عام 1948 وبعدها. أمّا نسبة نجاح وفشل هذه السياسة فتتعلّق بقوّة المقاومتين الفلسطينيّة واللبنانيّة بشكل خاص، اللتان كانتا سويًا سببًا رئيسيًا في هجرة الصهاينة. أضف إلى ذلك أداء الأنظمة الجديدة في العالم العربيّ والإسلاميّ.
بعد عمليّات تولوز قرّر الرئيس الفرنسي ساركوزي بمعاقبة زوّار المواقع "الجهاديّة" وإسراع وتيرة طرد وسحب جنسية الشيوخ "المتطرّفين"، وقامت فرنسا بمنع 6 رموز إسلاميّة من زيارة بلدها على رأسهم السيخ يوسف القرضاوي، وبما أنّ الشيخ وغيره من الممنوعين لا يمثّلون تيّارات متطرّفة بل معتدلة، فإنّه من الواضح أنّ الإسلام هو المستهدف وليس التطرّف، ليس لأن هؤلاء العلماء يمثلون الإسلام بالضرورة، بل لأنّ منهم رموز الأمّة الإسلاميّة وأئمتها، سواء اتفقنا معهم أم اختلفنا.
إنّ عمليّات "11 سبتمبر الفرنسيّة" تسمية وفعلاً تأتي لتكرّس الإسلاموفوبيا في عقول الناس ولو زعم قادة فرنسا أنّ التطرّف هو المستهدف وليس الإسلام. وأبسط رد على الحملة الفرنسيّة يكون بمقاطعة شعبيّة إسلاميّة شاملة لفرنسا والمنتوجات الفرنسيّة حتى تصحّح مسارها تجاه الإسلام والمسلمين، فلو أنّ قادة العالم الإسلاميّ لا يملكون الجرأة لفعل أيّ شيء فهذا لا يبرّر قعود الأمّة بكلّ مكوّناتها، بل يجب أن يحفّزها للعمل حتى تحافظ على كرامتها، أو ما بقي من تلك الكرامة.
الدعوة لأنصار الحريّة في العالم كذلك.
[عرباوى] 11 سبتمبر فرنسي - محمود صالح عودة