كتب العميد الدكتور امين محمد حطيط الافتتاحية في جريدة البناء بتاريخ اليوم 27 نيسان 2012
العراق في المعادلة الاقليمية ... و تأثيره في الازمة االسورية؟
تطرح الحركة السياسية و االدبلوماسية للعراق اليوم و المصحوبة برادات فعل اقليمية و دولية لا تخلو احينا من الشدة ، تطرح موقع العراق في المعادلة الاقليمية و تأثيره على اهم ازمات المنطقة الراهنة . و سبب ها الطرح عائد بشكل اساسي لما عاناه العراق من تضييق و تهميش و احتلال ، و ما يوجد فيه الان من بيئة تمكنه من الاضطلاع بدور ما .
فقد شكل العراق في في العقدين الاخيرين خاصرة ضعيفة في المنطقة و كان مدخلا واسعا لتدخل دولي في شؤونها حيث اجهضت الكثير من الطاقات ، و قيدت السيادة العراقية منذ ان غزا صدام حسين الكويت بايعاز اميركي او اقله اغراء اميركي ، و خسر العراق موقعه على خريطة التأثير السياسي في المنطقة و باتت اصغر دولة - محمية من محميات الخليج تتقدم عليه في التأثير و الوزن والثقل سياسي .
فقد اخضع العراق لوصاية الامم المتحدة تحت الفصل السابع و حرم من استغلال ثرواته و من حرية حركة قواته المسلحة في اقليمه جوا و حتى برا في بعض الاحيان ، و باتت ثرواته تنهب تحت مسميات متعددة كدفع التعويضات عن عدوان ارتكب، او التضييق عليه ضمن منظومة عقوبات دولية ، و منها برنامج النفط مقابل الغذاء ( و هنا لا بد من ان نذكر دور انان الامين العام للامم المتحدة في هدر الاموال العراقية و تبديدها هنا و هناك و تجويع العراقيين ) .
و عندما جاء الاحتلال الاميركي الى تلك الدولة الواهنة ، سارع الى الاجهاز عليها كلياً فهدم ما تبقى من مظاهر الدولة بدءا بالنظام السياسي مروراً بالمنظومات العسكرية و الادارية وصولاً الى المرافق العامة التي تديرها .
و شكل هدم العراق و على مرحلتين ( قبل الاحتلال و معه) فرصة لدول الخليج بان تتنفس الصعداء و ترتاح من "الشقيق المرعب " ثم الاستفادة من فراغ الساحة الاقليمية و التصدي لقيادة ما يسمى " العمل العربي المشترك " مستفيدة من انشغال سوريا بملف المقاومة و المواجهة مع اسرائيل ، و من ارتهان مصر- حسن مبارك للغرب و حاجتها للمساعدات و الاستثمارات التي تبقي اقتصادها واقفا على قدميه .
و ظنت دول الخليج التي تحولت الى محميات اميركية تحتضن اكثر من 12 قاعدة عسكرية غربية بما فيها قيادة الاسطول الاميركي الخامس في البحرين ، ظنت ان الاحتلال الاميركي سيجثم على العراق الى الابد و ان ريادتها للعالم العربي بقيادة سعودية لن تمس . لكن الظن هذا كذبه سلوك الشعب العراقي الذي عمل على خطين متكاملين من اجل تحرير بلاده :
- خط ميداني حيث نظم مقاومة مسلحة بوجه الاحتلال ، ابلت البلاء الحسن في المواجهة الى الحد الذي جعل الاحتلال يستشعر الالم و الخسارة المتصاعدة ،و يقرر الرحيل .
- و خط سياسي حيث مارست قيادات عراقية ذات ثقل شعبي الواقعية السياسية و انخرطت في العملية السياسية التي ادارها الاحتلال و شاءها اكذوبة يتخفى وراءها فمارستها بذكاء منطلقة من القول " لاحق الكذاب الى باب الدار " .
و رغم كل ما قام به الاحتلال من مناورات و على الخطين ( في الميدان نشر الارهاب ليجعل المقاومة رديفاً له ، و في السياسة امعن في نشر التفرقة و التجزئة على اساس عرقي و طائفي ) فقد تمكن العراقيون من اخراج قوى الاحتلال المباشر من اراضيهم و خفضوا سقف التدخل في قراراهم الى الحد الذي باتت الحكومة العراقية قادرة على صوغ قراراتها باستقلالية معقولة تفتح الباب امام العراق لاستعادة الدور الاقليمي بما يناسب وزنه الاستراتيجي و يحاكي الخريطة السياسية المتشكلة حوله .
في ظل هذه الواقع جاء الاختبار الاول للعراق مباشرة بعد اشهر ثلاثة من اتمام الانسحاب العسكري الاميركي المباشر ، فكان تحدي انعقاد القمة العربية في بغداد ، و رغم ان القمم العربية كما بات معلوما ليس لها من الوزن و القيمة ما يعول عليه استراتيجياً بعد ان شطب العرب انفسهم من خريطة الفعالية الدولية و تحولوا في معظمهم الى ادوات او ميادين للاعبين الدوليين الاساسيين ، رغم ذلك فان نجاح العراق في عقد القمة – لبضع ساعات على اراضيه و دون ان يتغيب احد - شكل له اعترافا عربيا بامتلاك السيادة و القرار المستقل و اعترافاً بحقه و قدرته على لعب الدور الذي يؤهله له وزنه الاستراتيجي الطبيعي ، و قدرة على تشكيل رقم في المعادلة الاقليمية و طبعا لم يكن هذا في مصلحة دول الخليج التي استماتت في السعي الى تعطيل القمة او تسخيفها او تهميشها ، لكن سعيها ذهب ادراج الرياح .
و الان تأتي الفرصة الثانية للعراق فرصة من طبيعة دولية - اقليمية تتمثل باستضافة العراق في الايام المقبلة للمباحثات حول الملف النووي الايراني بين ايران و دول 5+1 ( الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن + المانيا ) و هنا نسجل للعراق قدرته في الاستفادة من الظرف المتهيئ ، حيث اعتبر ان عمله هذا يأتي في سياق سعيه لتطبيق قرارات القمة العربية التي عقدت برئاسته ، و كونه هو الرئيس الدوري للقمة المسؤول عن ملاحقة تنفيذ قراراتها ، و كون القمة اتخذت قرارا بالسعي الى شرق اوسط خالي من السلاح النووي ، فقد فسرت الاستضافة بانها عمل تنفيذي لهذا القرار (طبعا لا يمكن لاحد القفز فوق الدور الايراني الذي هيء هذا الظرف ).
و مع هاتين المحطتين يسجل للعراق الانطلاق للمجاهرة بالمواقف الخارجية الواضحة و البدء باحتلال موقعه على الخريطة السياسية و الاستراتيجية للمنطقة حيث باتت الارهاصات الاولية تتشكل خاصة بعد زيارة رئيس الحكومة العراقية نور لمالكي الى طهران مع ما رافقها من مواقف و ردات فعل عليها من دول عربية و اسلامية بما يوحي صراحة بان الموقع الاستراتيجي للعراق بات محكوما بثوابت ارادها العراق كما يلي :
- العراق دولة قائمة بذاتها غير تابعة لاحد ، و لن تكون ساحة او حديقة خلفية لاي من دول الاقليم .
- التعامل مع العراق سيكون على اساس التكافؤ و الندية و الرد بالمثل على اي سلوك حسن كان او سيء .
- حق العراق و جهوزيته للعب الدور الاقليمي و الدولي الذي يؤهله له وزنه الاستراتيجي الطبيعي.
- ارتباط العراق مصلحياً مع كل من سوريا و ايران و الكويت بشكل لا يمكن تجاوزه ، و و تأثر العراق بما يجري باي من هذه الدول الثلاث لذلك فان مصالحه الوطنية تفرض عليه العمل على امن وسلام هذه الدول .
- رفض العراق لتدخل احد بشؤونه الداخلية و الا يعتبر الامر من قبيل ممارسة العمل العدائي ، ما يبرر له ممارسة الحق بالدفاع المشروع عن النفس .
انطلاقا من هذه الثوابت يطرح السؤال حول تأثير العراق العائد بهذا الشكل على الازمة السورية . هنا نرى ان الاجابة و في الحد الادنى تتمثل بالقول بان العراق لن يكون منخرطا في منظومة اعداء سوريا ، فلن يساهم في حصارها ، و لن يلعب اللعبة – الاكذوبة المسماة النأي بالنفس التي مارسها لبنان و جعل جزءاً من اراضيه قاعدة تحشيد و امداد للارهاب ضد سوريا ،. ثم انه لن يشكل حاجزا بين ايران و سوريا – قطبي محور المقاومة و الممانعة .
و على المقلب الاخر و بسبب العدائية الظاهرة التي تمارسها تركيا ضد العراق ، و محاولات التدخل الفض التي تقوم بها دول التعاون الخليجي ضد العراق ، فسيجد العراق نفسه ملزما بالتعاون الوثيق اكثر مع كل من سوريا و ايران المستهدفين من الجهات تلك ذاتها .
و على هذا الاساس ، يمكن القول بان سوريا التي استطاعت و قبل ان يدخل العامل العراقي بثقله لمصلحتها ، استطاعت مع محورها و جبهتها ان تصمد و تفشل العدوان عليها حتى الان ، فانها ستمتلك مع العامل المستجد الفرص الاكبر و الطاقات الاعلى في المواجهة وصولا الى دفع المثلث الاقليمي للعدوان عليها ( تركيا السعودية قطر ) لليأس و الاحباط - كما بدا يظهر الان - و سيجدون انفسهم رغم مالهم و اعلامهم مضطرين للمراجعة ، لان البديل سيكون ردة فعل ندية قد لا يستطعون مواجهتها ، ما يعني اننا سنكون امام متغيرات تقود الى القول ان العراق العائد قويا الى المنطقة ، سيشكل عاملا ايجابياً مساعدا لمعالجة الازمة السورية سلمياً ، و باتجاه حل يستجيب لمفتضيات المصلحة و السيادة السورية .و تاليا لمصلحة محور المقاومة و الممانعة .
العميد الدكتور امين محمد حطيط