كتب العميد امين حطيط في جريدة الثورة – دمشق بتاريخ 17\9\2012
ارهاصات افلاس الغرب ...و سورية امام مرحلة جديدة ؟
عندما انطلق الغرب بالقيادة الاميركية و شن عدوانه على سورية ، لم يكن يتوقع مأزقا يفوق كل ما واجهه من مآزق منذ ان تصدت اميركا لارساء النظام الاحادي الاقطبية وتضع العالم فيه تحت قيادتها ، لم يكن يتصور الغرب عندما اختار سورية ميدانا للانقاذ و الانتقام من محور المقاومة الذي وحده ثبت في المواجهه طيلة الفترة التي اعقبت الحرب الباردة ، و رفض الانصياع لاميركا و املاءاتها، ان هذا المحور سيتابع النهج و ستكون سورية ايضا مهد ولادة انتصار جديد للنهج المقاوم من شأنه ان يغير حركة العالم .
لقد تصور الغرب ان عقد الصفقات مع من يدعي او يرفع شعارات اسلامية سيمكنه من مواجهة الاسلام الحقيقي الحركي المقاوم الذي اثبت قدرته في الميدان و قدرته على المحافظة على استقلالية القرار. و حاولت اميركا اثر تحولها الى استراتيجية القوة الناعمة التي اعتمدتها بعد اخفاق استراتيجية القوة الصلبة ، حاول ان يخدع الامة الاسلامية و يخاطبها بلسان رجل من جذور افريقية اسلامية كان قد نصب رئيسا لاميركا ، و اتى الى مصر يتلو ايات القرآن في كلمة اسميت تاريخية عول عليها لاسقاط فكرة العداء الاميركي الغربي للاسلام بعد ان كان بوش قد اعلن الحرب الصليبية ، و كانت اميركا قد دمجت بين الاسلام و الارهاب و شنت الحرب عليه ، تماما كما فعلت يوم دمجت المقاومة التحريرية بالارهاب التدميري و شنت الحرب على المقاومة و محورها و الذي جاء العدوان على سورية مرحلة من مراحلها .
لقد استعانت اميركا بتلك الاحزاب و المنظمات و الدول التي تدعي الاسلام و تسلك سلوكا يخالفه كليا ، استعانت بهم من اجل مواجهة الاسلام الحركي المقاوم المؤمن بالانسان و حريته و حقوقه و المنطلق من القاعدة الاساس " الناس اثنان نظير لك في الخلق او اخ لك في الدين " و عليك ان تقبل كل انسان و تتعامل معه في حوار يؤدي الى التطابق ان استطعتم او تنظم حالة التكامل ان بقي التمايز و الا و في اسوأ الحالات تنظيم الخلاف و ادارته و احترام الاخر كما هو الاخر اذ ليس لاحد ان يلغي احدا لا في الوجود و لا في الدور . و هذا لالاسلام لحقيقي الذي حرفه و شوهه من اعتمد نهج التكفير و الالغاء و استباح دماء الناس و اموالهم و اعراضهم و ادعى انه وحده من يملك الحق و ينطق به اما الاخرون فكفار يجب قتلهم و ابادتهم ، فاحتضنت هؤلاء المنحرفين لانها وجدت فيهم ضالتها و اداتها لمحاربة المقاومة و الاسلام الحركي .
و قد ظنت اميركا ان احتضانها لفكر يعيش خارج التاريخ ، و خارج دائرة الحق و يعادي الانسان ، سيمكنها من الانتصار في معركتها الكونية و استباحتها للعالم ، و لان الشرق الاوسط و العالم العربي هو باب السيطرة على العالم و خزان وقود الحركة ، فقد غذت اميركا و احتضنت الفكر التكفيري التدميري الذي لا يتعدى انتشاره ال 2 % من مجموع المسلمين ( الوهابيون لا يتعدون ال 40 مليون من اصل مليار و نص مليار مسلم تقريبا ) لكنهم و ضعو يدهم على الثروة العظمى التي حبا الله بلاد المسلمين بها – النفط – و التي كان يجب ان تكون ملكا شائعا لكل الامة اعمالا للمبدأ لذي ارساه الرسول محمد ص " الناس شركاء في ثلاث الماء و الكلأ و النار" و قصد بالنار الطاقة و في عصرنا هي النفط . لكن الغرب ملك الوهابيين هذه الثروة و ليقلبها من نعمة للمسلمين الى نقمة حلت عليهم من خلال سؤ استعمال اموالها و تخصيصها لقتل العرب و المسلمين و تدمير ممتلكاتهم .
لقد اختار الغرب في سياق استراتيجة القوة الناعمة نهج ضرب الاسلام بالاسلام و العرب بالعرب لتدمير الجميع ،. و بهذه الذهنية شن حربه على سورية ،و عول عليها لتحقق اهدافه في المنطقة . و قد وجد في الجماعة الوهابية التكفيرية التي تملك المال و السلطة ، و جد فيها اداة ناجعة للتنفيذ ، فشحذها و اطلقها لحفظ مصالحه و كانت الصفقة التاريخية الملعونة بين الطرفين " السلطان العام لنا (اي للغرب) و السلطة المحلية لكم ( للتكفيرين) و المال تديرونه من اجل اقتصادنا و لكم منه ما للاجير من بدل مقابل عمله " . و تنفيذا لهذه الصفقة تغيرت انظمة و استغلت طيبة الشعوب و صدقها في الالتزام الاسلامي و خدعت حتى افرزت صناديق الاقتراع في بعض الدول ما يترجم الصفقة بين اميركا و الغرب من جهة ، و بين مدعي النهج الاسلامي من جهة ثانية .
لقد ظنت الحركات التكفيرية الاقصائية العاملة تحت عناوين اسلامية شتى ، ان سورية لن تصمد امام غوغائها و ديماغوجيتها و ارهابها ، و ان الغرب لن يقر له قرار قبل ان يقتلع نظام المقاومة فيها و يسلطها على حكمها مهما كانت الاكلاف و الاثمان . ظن جاء متطابقا مع الاهداف الاميركية –الصهيونية ،و لكن ثمانية عشر شهراً من الارهاب و القتل و الاجرام المرتكب ضد الشعب السوري على يد المعتدين لم تسقط سورية بل اظهر الميدان سقوطا مريعا للمعتدين و باتت الشعارات التي رفعت او المواعيد التي حددت لسقوط النظام مسائل تثير الضحك و السخرية و يتندر بها العقلاء ، و اضطر الغرب و بعد طول تردد الى البدء بالتعبير عن خيبته في سورية و عجزه ان لم نقل افلاسه و جاءت ارهاصات ذلك ما نسجل منها :
1) قناعة غربية بان اسقاط نظام المقاومة في سورية بقيادة الرئيس الاسد امر بات مستحيلا بعد ان لعبت كل الاوراق ضده ، قناعة عبر عنها بشكل دبلوماسي جاء على لسان سفير فرنسا في بيروت في ندوة حوارية له في الاسبوع الماضي حيث قال " لا نعلم الى اين تتجه سورية ، و لا نستطيع ان نقدم شيئا ميدانياً هناك اذ لا مجال لاقامة المناطق الامنة و لا الممرات الانسانية و لا الحظر الجوي ، نحن على يقين بان على الاسد ان يذهب لكننا لا نعرف كيف " . كلام كان واضحا باعلان العجز و الافلاس الغربي في المواجهة ، ثم جاءت مستشارة في البيت الابيضالاميركي لتنظر حول سورية و السنيايوهات المحتملة لها و ترى ان احداها و اهمها هو بقاء الرئيس الاسد في موقعه لانه يملك القوة التي تبقيه ، و في هذا ايضا تأكيد على شعور بالخيبة من العدوان .حيث ان اميركا تقول بهذا الاحتمال و تعطيه الحظوظ المرتفعة بعد ان كانت ادعت سقوط شرعية الرئيس ( في تطفل و تجاوز اكيد ) و حددت مواعيد اخراجه من الحكم .
2) دعوة صريحة وجهها بابا الفاتيكان – اعلى سلطة روحية مسيحية كاثوليكية ، و صاحب المقام المعنوي المميز و المؤثر عالميا– و حض فيها على وقف الارهاب و تهريب السلاح الى سورية و العمل على حل سلمي هادئ يتم الوصول اليه بالحوار الجدي الذي يقيم السلام الحقيقي بين جميع مكونات المجتمع السوري و من غير تدخل خارجي . دعوة ما كان للبابا ان يطلقها مع ما يملك من علاقات و اتصالات و معرفة بالوضع ، لو لم يكن يعلم ان حظوظ الاستجابة لها مرتفعة و قد تبدى ذلك بسرعة بموقف فرنسي ثم اروبي عام عبر عنه الاتحاد الاروبي بالدعوة الى وقف تسليح او تشجيع تسليح ما يسمى معارضة سورية او على الاقل عدم الانخراط في العملية .
3) التحرك الجدي للاخضر الابراهيمي الموفد الدولي في اتجاه سورية ،و حرصه على الظهور بمظهر المتحرر من ضغوط عربان الوهابية لا بل تقريعه للاداة القطرية عبر ما اسمعه لحمد وزير خارجيتها و افهامه بانه هو و لجنته باتا خارج المهمة فعلياً لان مهمة الابراهيمي هي ارساء قواعد الحل السلمي الذي عملت جامعة العربان على اجهاضه اكثر من مرة . و شعور الغرب بان الابراهيمي بات في مهمته حاجة لهم ليحفظ ماء وجههم في سورية .و هنا نسجل الموقف الملفت للابراهيمي بعد لقائه الرئيس الاسد و فيه علامتان فارقتان : الاولى نوعية لقائه بالرئيس و فهمه لهذا اللقاء ، بشكل انهارت معه كل تخرصات الغرب حول مقام الرئاسة السورية و الثاني توجيهه للانذار المبطن لكل من يعرقل مهمته و القول بان الازمة السورية ان تفاقمت فان اثارها لن تبقى داخل الحدود السورية و في هذا القول ، رد على محاولات الضغط عليه بتهديد يفهمه المعنيون، و قد اثار التهديد هذا مجموعة الادوات و العملاء و افهمهم بان الابراهيمي لن يكون انان اخر .
4) دعوة صارخة في الغرب عامة و في اميركا خاصة لاعادة النظر في الاستراتيجية الغربية الداعمة للارهاب لان استمرار هذه السياسة لن تبقي المصالح الاميركية و الغربية بمأمن . و قد جاءت ردات الفعل على الاستهتار الغربي بعقيدة المسلمين عبر الفليم الذي اساء لشخصية النبي محمد ص لتجبر اميركا على التراجع عن اعتبار الانظمة التي ارسيت تنفيذا" لصفقة السلطان و السلطة " ، انظمة حليفة ، و شعور اميركا ان خداع الشارع و الجماهير امر لا يمكن ان يستمر . و كان اوباما ملزما بعد ان شاهد ما شاهد ان يقول ان مصر الان " ليست حليفا او عدوا " قول اطلقه من اجل التنصل من احداث اعقبت الفيلم الشيطاني الذي انتجه اميركيون صهيانة ضد المسلمين .
اما على الصعيد الميداني فقد نجد ما يؤكد هذا التصور رغم وجود ما يخالفه ، خاصة لجهة ما سجل عن باخرة ال 400 طن اسلحة و ذخائر التي ارسلتها ليبيا الى ارهابيي سورية عبر تركيا او ما تردد عن عمليات خطف و تهريب اسلحة عبر الحدود اللبنانية ، لكن هذه السلوكيات او مثيلاتها لا تجهض وقائع ميدانية اهم منها ليس اقلها النجاح الذي حققه الجيش العربي السوري عبر اعتماده " استراتيجية الاحتواء و التطهير " و التي تمكن خلالها من سحق االاعداد الكبيرة جدا من الارهابيين و تطهير الكثير من المناطق التي كانوا وصلواليها حتى بات الحديث عن سيطرة ما لهؤلاء على اي منطقة امر سخيفاً .
و في المحصلة نقول بان سورية دخلت الان مرحلة جديدة يمكن اختصار سماتها بالتالي :
1) سقوط منطق التغيير بالقوة و الارهاب و شعور المعتدي بعجزه عن تحقيق اهداف هجومه و البدء بالبحث عن مخارج الانكفاء.قبل ان تتمدد النار الى خارج سورية و تلتهم المصالح الغربية .
2) قدرة المدافع على احتواء الهجوم و الانتقال الى الهجوم المعاكس . مع ثبات على الدعوة الى الحوار و اشراك مكونات الشعب السوري بانتاج الحل السلمي الذي يعيد الاستقرار ، بضمانة من محور اقليمي قادر و جبهة دولية فاعلة .
3) انكشاف الخداع الغربي و سقوط الاقنعة عن النهج التكفيري التدميري كما و احراجات شتى وقع بها قادة هذا الفكر الانحرافي المصلحي .
العميد الدكتور امين محمد حطيط