مالك بن نبي لا نبي في بلـــده
الأربعاء, 24 نوفمبر 2010 20:56
مالك بن نبي
لا يكاد يبقى، في ذاكرة الجزائريين، من المفكر مالك بن نبي سوى أنه إسلامي مع تحميلها من المعاني السلبية ما لا أساس له من الصحة· وحدث له، ولما خلفه من تراث، ما حدث لابن تيمية من حيث أن هذا الأخير يمثل الزعامة الروحية البعيدة للأصولية، بمعناها المبتذل في أيامنا، وللوهابية، ومن حيث أن مالك بن نبي يمثل الزعامة الفعلية لما عرف بالجزأرة وفي جانب واحد من جوانبها وهو علاقتها بالجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس المحل)· والقليل من الجزائريين يتركون ما يبثه العقل التلفزيوني، على رأي جاك دريدا، إلى محاولة التعرّف على المنظومة الفكرية التي أنتجها· ولا يتعلق الأمر فقط بجمهور القراء، وإنما يتعداه إلى الجامعة والإنتاج الأكاديمي، وحركة الكتابة والتأليف بوجه عام·
محمد بوازدية
القلة القليلة التي تعرفه مقسمة إلى فريقين: فريق يجله ويضعه في قمة قمم المفكرين الذين عرفهم العالم الإسلامي منذ عبد الرحمن ابن خلدون· والفريق الثاني لا يذكره إلا كما يذكر أي كاتب درس الكهرباء متخرجا في المعاهد الفرنسية، ثم اتجه إلى دراسة الإسلام، تحت تأثير أستاذه حمودة بن ساعي وبعض دوائر الاستشراق في فرنسا، والقليل من الدارسين الإسلاميين العرب المعروفين لا يذكره الواحد منهم إلا لينفي عنه كل باع في هذا المجال·
والخلاصة أن الرجل عرف ما عرفه غيره من علماء الجزائر من جحود ونكران، لأسباب شخصية أحيانا وسياسية أحيانا أخرى، وذات علاقة بالاتجاهات الفكرية واللغوية المسيطرة على الأنتلجنسيا الجزائرية في أغلب الأحيان·
مالك بن نبي من مواليد بدايات القرن الماضي (1905 بقسنطينة)، ومن ثم فقد عناصر بدايات الحركة الوطنية، وعرف عن قرب شخصيات من أمثال مصالي الحاج عندما سافر إلى فرنسا للدراسة، كما عرف الشيخ عبد الحميد بن باديس، وكانت تربطه بالشيخ العربي التبسي علاقة وطيدة امتدت لثلاثين سنة، ولا شك أن لترعرع بن نبي بمدينة تبسة صلة بهذه العلاقة· وعندما انتقل إلى القاهرة سنة 1956 كانت له جولات مع ممثلي جبهة التحرير هناك، ومنها بدأت متاعبه السياسية مع قادة الثورة· ولعل خلافاته معهم هي التي جعلت من علاقته بالثورة مسألة يكتنفها الغموض عند الكثيرين· غموض يتلخص في السؤال التالي: ما الذي حال بين مثقف من الطراز العالي، مثل بن نبي، وبين أداء دور كبير في هذه الثورة؟ سؤال طرحه، على سبيل المثال، الصادق سلام، أحد المهتمين بفكر بن نبي، في كتاباته عن علاقة هذا الأخير بجبهة التحرير الوطني· وعنده أنها علاقة سيئة إلى أبعد الحدود بداية بخلافاته الشخصية مع الدكتور لامين دباغين، وانتهاء بانتقاداته اللاذعة للكثير من المسؤولين، من عبان رمضان إلى امحمد يزيد، وللكيفية التي سيرت بها الحرب· يشهد على ذلك، كما يقول سلام، الوثيقة التي كتبها مالك بن نبي مباشرة بعد التوقيع على اتفاقيات إيفيان وسماها ''شهادة من أجل مليون شهيد''· وهي وثيقة غير معروفة لدينا إلى حد الآن· ونترك للمختصين في تاريخ الثورة أمرها، بل وأمر ما بين بن نبي والثورة التحريرية·· نقول فقط إن ذلك قد يكون أحد أسباب تهميشه سياسيا وانتقال التهميش من السياسة إلى الفكر عن طريق العدوى·· وليس ذلك بالمستحيل وقد رأينا ما لحق بغيره من التهميش الفكري بسبب استقلالية فكرهم، والمثال الأقرب إلى ذهننا هو المؤرخ المجاهد السياسي محمد حربي، الذي لم يستطع عامة القراء في الجزائر أن يتعرفوا على كتاباته إلا في نهاية الثمانينيات مع ما يسمى بالانفتاح الديمقراطي· ونترك كل ذلك إلى شيء آخر، شيء أرحب فيما يتعلق بمالك بهذا الرجل من نشاطه السياسي، وإن كان كثيفا ويحتاج وحده إلى دراسات ودراسات·
ننتقل إلى مالك بن نبي المفكر بأوسع معاني الكلمة، لنقول: إن غموض علاقته برجال الثورة اتخذ صفة أخرى بالنسبة لما أنتجه من فكر: تلك هي الجهل شبه التام بمنظومته الفكرية، عند عموم المثقفين، وإن شئت تجاهلها عند المختصين·
لا تدرس في الجامعات والمعاهد، ولا يعرضها الإسلاميون في منابرهم، ولا تقصد وسائل الإعلام إلى ذكرها مبسطة للقراء، مع أنها معروفة في سائر بلاد الإسلام وبخاصة غير العرب منهم·
ومع كل الاحتراز الواجب في الحديث عن أفكار هذا الرجل، التي منها أنه يجب أن يحاسب وفق الأوضاع التاريخية التي عاش فيها، لا نجانب الصواب إذا قلنا إنه كان مفكرا فريدا من نوعه بين كل مفكري الإسلام الذين عرفهم العصر الحديث··
وبصفة عامة يمكن القول إنه كان مشغولا بالسؤال الشهير الذي وضعه عصر النهضة الإسلامية الحديث: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وقد حاول في كل الكتب التي ألفها الجواب على هذا السؤال· وتحتاج الإحاطة بمنظومته الفكرية إلى عشرات الكتب والكثير جدا من الوقت· ونكتفي، في مقال صحفي بسيط كهذا، بعرض مختصر لمجموعة من أفكاره من خلال ما استطعنا استيعابه من قراءته· ونفعل ذلك من خلال عبارات كان لمالك بن نبي فضل اختراعها اختراعا·
القابلية للاستعمار
هذا المفهوم، القابلية للاستعمار، استعمله مالك بن نبي لأول مرة سنة 1948 في كتابه شروط النهضة· والمقصود أن الأسباب الحقيقية للاستعمار موجودة في الظروف التاريخية والاجتماعية والنفسية للشعب المستعمر (بفتح العين) لا خارجه· وبكلمة أخرى، فإن الاستعمار لم يكن قدرا مقدورا على الشعوب المستعمرة إلا بمقدار ما أرادته هي لنفسها· ويلمح، من خلال هذا التفسير، تلك الروح الخلدونية التي لها في تفكير بن نبي مكانة خاصة·· وأي مكانة·
وعندما يقول صاحبنا إن الاستعمار ضرورة تاريخية (وهي العبارة التي أسيء فهمها وحملها خصومه السياسيون على أنها من قبيل تمجيد الظاهرة الاستعمارية) يتبادر إلى ذهننا مباشرة الشروط الموضوعية التي يرى فيها ابن خلدون سببا مباشرا لسقوط الدولة وانهيارها وخراب عمرانها لتحل محلها دولة جديدة· ومثلما أن الطبيعة تخشى الفراغ، فإن الاستعمار يأتي لملء فراغ يسمى انهيار الدولة·
والمثال الكبير الذي يعطيه مالك بن نبي هو اليمن، تلك البلاد التي لم تعرف الاحتلال الأجنبي (الاستعمار الحديث) ولكنها لم تستفد من استقلالها شيئا، لأنها كانت تعاني: القابلية للاستعمار·
ما بعد الموحدين
وانتهاء عصر الموحدين هو الفترة الزمنية التي يراها فاصلة بين وجود الشعوب الإسلامية في ضوء التاريخ وبين تحللها وسقوطها في القابلية للاستعمار، التي تساوي روح عصر المرابطين وما صاحبه·
وبقيت تلك الروح (عقلية المرابطين)، بالنسبة للجزائر مثلا، إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث بدأت مجموعة من العوامل تجتمع ليعي الشعب وضعه ويستفيق· ولم تكن تلك العوامل، هي الأخرى، صدفا من صدف التاريخ، ولكنها تعكس بدايات جهود الحركة الإصلاحية والوطنية كلاهما (يمكن القول أن بن نبي محسوب على الحركة الإصلاحية ممثلة في جمعية العلماء، مع أنه انتقد مشاركة ابن باديس في المؤتمر الإسلامي سنة 1936 معتبرا مجهوده انزلق من الإصلاح إلى البوليتيك)· وكانت ثورة التحرير (1954- 1962) هي النتيجة الحتمية لـ ''الصدام القائم بين شعب استأنف سيره في الطريق، وإرادة أجنبية كانت تعمل على إعاقة هذا السير باستبقائها لضباب الاستعمار والقابلية للاستعمار ومحافظتها عليه··''·
حتى إذا ذهب الاستعمار بقيت من قابليته شوائب، هي نفسها ما نستطيع تسميته بالتخلّف، والتي لا تزال قائمة إلى اليوم·
من طنجة إلى جاكرتا
والذي يفهم من مجموع أعمال مالك بن نبي أن التخلّف الجزائري لا يمكن فهمه، ولا التخلص منه، إلا من خلال فهم الظاهرة، ظاهرة التخلّف، في عموم حقلها الحضاري (يرفض محمد أركون مثلا النظر إلى العالم الإسلامي كله على أنه مجال ثقافي وحضاري واحد وكذلك يفعل غيره من أمثال الباحث اللبناني جورج كورم) في الحدود التي وضعها له مالك بن نبي نفسه بين مدينتي طنجة وجاكرتا، أي العالم الإسلامي، وهو أيضا بمعنى من المعاني ما يعرف بجنوب الكرة الأرضية· ويقابله، كما هو معروف، مجال آخر في النصف الشمالي من الكرة، أي ما نطلق عليه اسم الغرب·· والذي يفسر وضعية هذا المحور أو ذاك هو وضعه الحضاري العام أو اطراده التاريخي· فبينما تعطل الاطراد التاريخي، أو الوضع الحضاري، الذي أنتج ابن سينا والفارابي والخليل ابن أحمد وابن رشد والخوارزمي، تواصل الاطراد أو الوضع الحضاري الذي أنتج قاليلي وليوناردو دافنشي وتوما الإكويني، وغيرهم وغيرهم إلى اليوم، ومعهم كل منتجات هذا الاطراد من الآلة البخارية إلى الصاروخ الخارق للجاذبية الأرضية··
نكتة أفغانية طريفة
ولم تحاول مجهودات عصر النهضة، مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومن جاء بعدهما، وضع المشكلة، وبالتالي حلها، في إطارها الحضاري وإنما ''تم وضعها على مستوى منتجاتها''· ويضرب بن نبي مثالا طريفا على الطريقة التي فهم بها جمال الدين الأفغاني الأشياء من خلال قولته الشهيرة، أي الأفغاني: ''لو أن جميع الهنود يبصقون معا، لأغرقوا الجزر البريطانية في بحر من اللعاب··''· ولكن الشروط الحضارية للهنود، في ذلك الوقت، لا تسعفهم للبصق في وقت واحد واتجاه واحد· والخلاصة، فإن توافر الوسائل شيء وتوافر الأفكار شيء آخر· فالعالم الإسلامي اليوم يستخدم السيارة والطائرة والهاتف النقال والكمبيوتر ويرتدي ''الكوستيم'' وربطة العنق، دون أن يعني ذلك في شيء أنه متقدم· إنه تكديس لمنتجات حضارة غيرهم، لا أكثر ولا أقل··
الإنسان والزمن والتراب
ويطرح بن نبي السؤال: كيف ننتج حضارة؟ التحليل، كما يرى، يعطينا ثلاثة حدود للمادة الجوهرية لحضارة معينة، هي التراب والزمن والإنسان· الإنسان هو صانع جميع الوقائع الاجتماعية· والتراب ''يجسم سائر هذه الوقائع ويدخلها إلى حيز الملموس''· والزمن ''يقدم للاطرادات بعلم الاجتماع الامتداد الضروري لنموها واكتمالها''· وإذن ''فإن مجموع منتجات حضارة ما، يساوي مجموع الأشخاص بزيادة مجموع ضروب الأتربة وزيادة مجموع الأزمنة''·
هذا بشرط أن تمارس هذه العناصر مفعولها ''ضمن تركيب متآلف يحقق بواسطتها جميعا إرادة وقدرة المجتمع المتحضر''· والمشكلة كلها، إذن، في كيفية تركيب هذه العناصر الثلاثة: إما بطريقة التكديس، وإما بطريقة التفكير··
والحضارات المعروفة لنا مثل الهندوسية والبوذية واليهودية والإسلام ''قد شكلت تركيبها المتآلف الأصلي للإنسان والتراب والزمن في مهد فكرة دينية'' هي فكرة الخلاص··
ومن هنا يمكن مقاربة إسلامية مالك بن نبي· والمقولة الشائعة عند الحركات الإسلامية: ''الإسلام هو الحل'' تجد لها معنى عنده في شكل هذه المنظومة التي لخصناها تلخيصا مبسطا وسريعا، ونعتذر للمختصين إن نحن شوّهناها· وما عدا ذلك فإن بن نبي، على خلاف غالبية المفكرين الإسلاميين، منذ محمد عبده، لم يغرق نفسه كثيرا في محاولة حل مشكلات هي من نتاج واقع قديم، كما حاول غيره من خلال محاولة حل معضلات علم الكلام، تماما كما حاول محمد عبده، ولكن بأسلوب آخر، أو كما أغرق غيره نفسه في تبرير الإلحاد بدعوى التاريخانية وما إلى ذلك·· مع أن بن نبي أثبت سعة إطلاعه على التراث الإسلامي يشهد على ذلك كتابه الشهير الظاهرة القرآنية· كان سيد قطب يرى عجزه في كونه يكتب بالفرنسية، بينما كان المحقق الكبير محمود شاكر يرى فيه -كما قال في مقدمة الظاهرة القرآنية- أحد المجددين في علم التوحيد· ومن حق الأجيال الجديدة أن تعرف عن هذا الرجل وما أنتجه لتحكم بنفسها بما له وما عليه، تماما مثلما أن من حقها أن تعرف عن رجال آخرين في بلادنا، أمثال محمد بن شنب وحمودة بن ساعي، وغيرهما كثير·· ذلك حقها من رجال خدموا الجزائر وأي خدمة·
م· ب
بين مالك بن نبي وطــــه حسين
الخير شوار
عندما توفي مالك نبي يوم 31 أكتوبر ,1973 كان عالم الفكر العربي مشغولا بوفاة طه حسين قبل ثلاثة أيام من ذلك (28 أكتوبر)· وبغض النظر عن قيمة القامتين في الفكر العربي المعاصر، فإن جنازة طه حسين كانت أضخم وتأثيرها الإعلامي أكبر، بالنظر إلى الكثير من المعطيات الموضوعية، ليس هذا مجالها·
كان طه حسين القادم من صعيد مصر، يكبر مالك بن نبي المولود بقسنطينة، بست عشرة سنة كاملة· وكلاهما ذهب إلى باريس، لكن طه دخلها دون أن يراها ببصره الذي راح ضحية ثقافة تقليدية· في حين أن مالك دخلها مسلحا بلغة قومها وفاقدا تقريبا للغته الأصلية التي فقدها مع حالة الاحتلال الكولونيالي التي عانى منها بدله منذ ما يقارب من القرن ساعتها·
لقد كان طه حسين ضحية ''إفراط'' في الهوية بكل مظاهرها الثقافية المتخلفة، وكان مالك ضحية لـ ''إفراط'' في فقدان تلك الثقافة· وعندما كتب الإثنان، أحدث طه انقلابا في الأدب والفكر العربي، مشبعا بالديكارتية التي اكتشفها في باريس، وشكك في الكثير من الشعر العربي القديم ونسبته إلى شعراء الجاهلية، ضمن كتاب ''في الشعر الجاهلي'' الذي صدر في عشرينيات القرن الماضي، وذهب البعض إلى حد تكفيره، لأن التشكيك في الشعر الجاهلي -حسبهم- هو تشكيك في القرآن نفسه· وبالمقابل، أحدث مالك بن نبي الذي ذهب إلى باريس يدرس الهندسة الكهربائية بكتاباته ثورة في الاتجاه المعاكس بدءا من كتابيه الأولين ''الظاهرة القرآنية'' و''شروط النهضة''، قبل أن يستعيد لغته العربية ليكتب بها مباشرة كتبه الأخيرة، وكان مثل طه حسين مسلحا بالفكر الديكارتي بكل دقته و''شكه''·
لقد كان طه حسين مبهورا بباريس التي سماها ''مدينة الجن والملائكة''، لأنه ذهب إليها فاقدا للبصر الذي تسببت له فيه ''عقلية ما بعد الموحدين'' بتعبير مالك بن نبي، لكن هذا الأخير لم تبهره مدينة ''الجن والملائكة'' تلك لأنه ذهب إليها أولا مسلحا بلغتها فاقدا تقريبا للغته الأولى بسبب ''الحضارة'' التي حملها أهل المدينة قبل حوالي قرن من ذلك الزمن·
يبدو الأمر مفارقا، والمفكران فعلا يسيران في الاتجاه المعاكس، فـ ''الديكارتيان'' (نسبة إلى ديكارت)، فرقتهما بالفعل المنطلقات الأولى، لكنهما تشابها في الكثير من الأفكار الجوهرية· فهل كانا سيختلفان لو انطلقا من بيئة واحدة، كالبيئة التي تعيشها الآن بلداهما؟
الدكتور بشير مصيطفى لـ ''الجزائر نيوز'': نظريات بن نبي سبّاقة لعصرها
نظم مركز ''أمل الشعب'' للدراسات الاستراتيجية، أمس، ندوة حول فكر مالك بن نبي الاقتصادي من خلال محاضرة بعنوان ''قراءة في الأزمة العالمية من خلال فكر مالك بن بني'' التي قدمها الدكتور بشير مصيطفى· وهذا الحوار القصير الذي جمع الدكتور بـ ''الجزائر نيوز''، يوضح بعض الأفكار الاقتصادية الأخرى للمفكر التي يمكن أن تُخرج البلدان الإسلامية من دائرة الضعف التي تعيشه اليوم·
حاوره: يزيد بابوش
السؤال الأول الذي يطرح نفسه اليوم، وفي هذا المنبر بالذات من خلال إطلاعنا عن الكثير من مؤلفات المفكر، أيتحدث مالك بن نبي في الاقتصاد الحر أو الحديث المعاصر، أم أنه يتكلم عن الاقتصاد الإسلامي، هذا المصطلح الذي بدأ يفرض نفسه في الفترة الأخيرة؟
لا، لا، مالك بن نبي كان يفكر أولا كإنسان وأيضا كمسلم، وهو يتحدث دائما في نظرياته عن جانبين، الجانب النظري الذي يؤكد فيه دائما أنه لا يسوغ لتدخل مذهبي في تطبيقه، بالإضافة إلى الجانب المذهبي الذي يتحدث فيه عن الخلفيات النفسية للسلوك المصري، هنا نجد أنه يستند في كتاباته إلى الفكر الإسلامي، لكن من دون أن يقول ذلك ومن دون أن يتفطن الكثير إليها· وإذا رأينا مثلا في نظرياته نجدها تنطبق في الكثير من الأحيان على الواقع المعيش اليوم خاصة في قوله ''إن الاستهلاك يجب أن يتساوى مع الإنتاج'' هذه المقولة التي تسبب عكسها في الأزمة العالمية التي يعيشها العالم الحالي منذ سنة ,2008 بل حتى أنه في الحديث عن مسألة الربا لم يقل أنها حرام لكن أعطى فقط تفسيرات لتفهم هذا وحدك·
وما هي المقاربة التي يمكن أن نستخلصها من أفكار مالك بن نبي من أجل الخروج من دائرة الاستهلاك التي نعيشها اليوم بدل الإنتاج؟
يقول مالك بن نبي إن الدول التي تكون في مرحلة الطفولة الاقتصادية لا مفر منها، إلا أن تتكتل، وإذا لم تتكتل فستصبح فريسة للمركز الرأسمالي، وهو الذي يحصل اليوم في الصرف والدولرة التي لم تستطع هذه الدول الخروج منه، وفي حالات عديدة، وفي هذه المرحلة الدولة الأسيوية والعربية التي تكون في هذه المرحلة التي تحدث عنها المفكر لم تتكتل ما يجعلها عرضة للتبعية، وحالة التطور والرقي يقول مالك بن نبي لا تأتي إلا من خلال تحفيز الإمكانيات المحلية بصورة رشيدة وعقلانية، والجزائر في هذه الفترة مثلها مثل العديد من الدول العربية لا تزال بعيدة في هذه النقطة، حيث تأخذ دائما فكرة الاستثمار الأجنبي عن الإمكانيات المحلية التي لا تأتي كثيرا بالفائدة، فالثروة -حسب مالك بن نبي- منشأها العمل في فلسفة التوازن الاقتصادي، وفي هذه الحالة لسنا نحن من نعمل·
إذن، فكرة الكومنولث الإسلامي الذي تحدث عنها مالك بن نبي في كتابه الشهير لا يمكن له أن يقوم اليوم؟
هذه الفكرة بحد ذاتها لا يمكن لها أن تطبق اليوم، خاصة في الظروف الحالية البعيدة عن تلك الظروف التي تحدث عنها مالك بن نبي، من خلال حديثه عن تبعية الاقتصاد العربي للاستعمار غير الموجود اليوم، فمالك بن بني في حديثة عن كومنولث العالم الإسلامي، كانت في فترة كانت فيه الدول الإسلامية في منظور مجتمعي واقتصادي غير ذلك الموجود اليوم، فلا يمكن للكومنولث أن يقوم في العالم الإسلامي من خلال اقتصاد مغلق، الذي تجري فيه التبادلات على سلم مشترك بأفضلية، بل حتى أن اليوم، الجزائر خاصة، غير موجودة أبدا في خريطة الحالات التي ذكرها مالك بن نبي حول صناعة التنمية والتقدم في نظريات ''المعادلة الاجتماعية للتقدم''، خاصة مع تبعيتنا للقطب الرأسمالي وعدم الاستعداد الفكري للشعوب الموجودة في مرحلة الطفولة الاقتصادية، التي تعتمد كثيرا على التقليد بعد الإنتاج التي تنتهجه الدول الكبرى·
معنى ذلك أننا غير موجودين لا في الأفكار، لا الأشخاص ولا الأشياء التي ذكرها مالك في تلك النظريات؟
نعم، ولأسباب كثيرة، فالمجتمعات العربية ابتعدت كثيرا عما قاله مالك في نظرياته والمتمثلة في الدين الذي يعتبر المحرك للعمل والوقت والإنسان، وحتى الابتعاد عن الاجتهاد الفردي، كل هذه ورطتنا وأعطتنا هذه النتائج، والانتقال إلى مرحلة الأفكار توجب علينا إعادة الكثير من الأفكار الخاصة بمجتمعاتنا، من نظم تربوية، ديمقراطية، اجتماعية··· كل هذا يجب علينا إعادة تأهيله من جديد لإعادة الانخراط في الحركية والانتقال من الشيئية إلى الأفكار التي تحدث عنها مالك بن نبي والتي تتطلب وقتا·
http://www.djazairnews.info/reportage/39-2009-03-26-18-29-35/22728-2010-11-24-20-03-55.html