كاتدرائية قازان في سانت بطرسبورغ
حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
مدينة سانت بطرسبورغ، على اسم مؤسّسها، القيصر بطرس الأكبر/بطرس الأوّل، ابن القيصر ألكسي الأول، ابن القيصر ميخائيل رومانوف (موسكو ١٦٧٢- سانت بطرسبورغ ١٧٢٥)، أُسّست عام ١٧٠٣، كانت عاصمة روسيا منذ العام ١٧١٢ وحتّى العام ١٩١٨. عُرفت باسم بتروغراد منذ العام ١٩١٤ وفي العام ١٩٢٤ سمّيت لينينغراد حتى ١٩٩١ لتدعى ثانية باسم سانت بطرسبورغ. يسكنها زُهاء الخمسة ملايين نسمة، وتُعرف بمدينة القياصرة والليالي البيضاء على نهر نيفا، وهي نافذة روسيا على أوروبا. تمدّدت المدينة على مائة جزيرة ونيّف، تربطها مع بعضها البعض سبعمائة جسر. إنّها موطن الكثيرين من المفكّرين والأدباء والموسيقيين، وصفوة المجتمع الروسي.
في المدينة كاتدرئيات أرثوذكسية كثيرة بُنيت في أوج عظمة وثراء الإمبراطورية الروسية، مثل كاتدرائية القدّيسين بطرس وبولس، وفيها أضرحة معظم قياصرة رومانوف؛ كاتدرائية نيقولا، بنيت بين ١٧٥٣ و ١٧٦٢؛ كاتدرائية الثالوث الأقدس، بنيت بين ١٧٧٦-١٧٩٠؛ كاتدرائية إسحق، أكبر كنيسة في المدينة، استمرّ بناؤها أربعين سنة ويبلغ علوها ١٢٢،٥م؛ كنيسة قيامة يسوع المسيح أو المخلّص على الدم، وفيها من الفسيفساء أكثر ممّا في أيّة كنيسة أخرى في العالم ؛ كاتدرائية سمولني، إحدى أجمل الكنائس في المدينة؛ كاتدرائية الأمير فلاديمير؛ كاتدرائية القدّيس اندراوس التي بُنيت في السنوات الأولى لتأسيس المدينة وتقع على جزيرة فاسيليفسكي.
هناك أيضًا كاتدرائية قازان (قازان تعني: المرجل، أنظر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=368968) الأمّ في مركز نيفسكي بروسبكت، الشارع الرئيسي في المدينة. اتّخذت اسمها بعد أعجوبة أيقونة سيّدة قازان، أمّ الإله وهي أعظم أيقونة في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. يبلغ علوّ قُبّة الكاتدرائية المعدنية ٧٦ مترًا وفيها ٩٦ عامودا. يعجّ المكان على الدوام بالمجموعات السياحية من جميع أرجاء روسيا ومن خارجها. صُمّمت على منوال بازيلكة القدّيس بطرس في الفاتيكان، وشيّدت في السنوات ١٨٠١-١٨١١ بتصميم المهندس المعماري أندريه فورونيخن (Andrei Voronikhin)، بتكلفة أربعة ملايين روبل، وهي على شكل صليب بطول ٢٣٦ قدمًا وعرض ١٨٠ قدما. كان الهدف من بنائها إيواء أيقونة سيّدتنا من قازان المعروفة أيضًا باسم ثيوطوكس (Θεοτόκος) قازان، أي حاملة الإله/والدة الإله. عند غزو نابليون لروسيا عام ١٨١٢، رفع قائد القوّات الروسية المارشال/المشير ميخائيل كوطوزوف دعاء طالبًا العون من السيّدة من قازان. وأصبحت الكاتدرائية بعد الحرب تذكارًا للانتصار الروسي.
دُفن كوطوزوف فيها عام ١٨١٣، والكلمات المنحوته على شاهده من تأليف الكاتب الشهير إلكسندر بوشكين (١٧٩٩-١٨٣٧). وبالقرب من قبره علّقت مفاتيح قِلاع فرنسية كثيرة. وهناك خارج الكاتدرائية تمثال لكوطوزوف.
يذكر أنّ أوّل مظاهرة سياسية قد جرت في السادس من كانون الأول عام ١٨٧٦ مقابل الكاتدرائية. في أعقاب الثورة الروسية لعام ١٩١٧ أُقفلت الكاتدرائية، إلا أنّها فتحت أبوابها عام ١٩٣٢ كمتحف، وفي العام ١٩٩٢ عادت لتكون كنيسة. ضلّت الكاتدرائية أكبر معبد أرثوذكسي في سانت بطرسبورغ لغاية العام ١٨٥٨ حين بناء كاتدرائية القدّيس إسحق، وهي أكبر كنيسة أرثوذكسية في العالم، إذ أنّها تتسع لأربعة عشر ألف شخص. من ذلك العام فصاعدًا استعملتها العائلة الملكية للاحتفال بأشهر الأحداث والمناسبات.
تاريخ الأيقونة، حامية وشفيعة مدينة قازان عاصمة التترستان وشفيعة كلّ روسيا، مدهش ويكتنفه الكثير من الغموض. هناك أسطورة تقول إنّ الأيقونة ابتيعت في الأصل من القسطنطينية، وفقدت في العام ١٤٣٨. يعود ظهور الأيقونة العجائبي إلى أواخر القرن السادس عشر، وبالتحديد عام ١٥٧٩، عندما احتلّ القيصر إيڤان الرابع/الرهيب (١٥٣٠-١٥٨٤) مدينة قازان. في العام ١٥٧٩ اندلع حريق مهول أتى على كنائس المدينة وأديرتها وحوّل نصف كريملين قازان إلى رماد. وكانت البنت ماترون (Matrone) ابنة العشر سنوات قد حلمت عن مريم العذراء وهي تدلّها على الموضع، الذي خبّأ فيه المسيحيون الأيقونة أيّام السيادة الإسلامية. وجدت البنت مع أمّها الأيقونة ثم نقلت إلى كاتدرائية البشارة في بلاچوڤشنسكي سوبور (Blagoveschensky sobor)، أوّل دير أرتوذكسي في قازان. وفي أثناء الرحلة شفي أعميان، إيوسيف ونيكيتا وآخرون فيما بعد. وأصبح الثامن من تموز يوم الظهور العجائبي للأيقونة عيدًا ارتوذوكسيًا عظيمًا يحتفل به أوّلًا في قازان، ومن ثم في سائر روسيا. ثمة صور عديدة للأيقونة طبق الأصل صنعت فيما بعد. ويذكر أنّه منذ القيصر ألكسي ميخايلوفيتش أصبحت الأيقونة شفيعة روسيا، سيدتنا من قازان، حامية عائلة رومانوف وفي عهد بطرس الأول نقلت الأيقونة إلى سانت بطرسبورغ. كاتدرئيتان عظميان الواحدة في سانت بطرسبورغ والثانية في موسكو مكرّستان لسيّدتنا من قازان وفيهما كما في كنائسَ كثيرة جدًّا في روسيا، نسخ من الأيقونة. يبدو أن الأيقونة الأصلية في قازان التي كانت محفوظة هناك مدّة قرون من الزمان، قد سرقت وربّما دُمّرت سنة ١٩٠٤. في سنة ٢٠٠٤ أعاد البابا يوحنا بولس الثاني أيقونة لسيّدة قازان كانت بحوزته منذ عام ١٩٩٣ إلى مقرّها الأصلي في قازان عاصمة تترستان ذات الأغلبية المسلمة. والسؤال الجوهري هو هل الأيقونة نسخة أم الأصل؟