السفارة في جوبا
بقلم:سري سمور
وضع سلفاكير النقاط فوق الحروف،ولم يدع لاحتمالات حسن النوايا نصيبا في تفكيرنا؛وهو إذ يكشف سوءته بهذه الطريقة ،إنما يوضح الهدف ويكشف للجميع عن المموّل والداعم الرئيسي لحزبه،منذ عهد الهالك جون جارانج ،فإسرائيل هي التي سلّحت ودعمت وموّلت،وبنفوذها الأخطبوطي تسعى للانتقال لمرحلة متقدمة من خطتها أي فصل الجنوب رسميا ،وافتتاح سفارة تكون بمثابة قاعدة لنشاطاتها الاستخباراتية وبقية ما تسعى إليه من حملات تعطيش للسودان ومصر،واستخدام العنصر الأفريقي لضرب العرب والمسلمين.
(1)
منذ أن نخر الاستعمار الغربي جسد الأقطار العربية التي كانت تابعة جميعا للسلطنة العثمانية،ولو إسميا بالنسبة للعديد منها،انطفأت شمسنا،وذهبت ريحنا؛كان السرطان الاستعماري قد بدأ مع حملة نابليون ،التي يهلل البعض لها باعتبارها انفتاحا على الحضارة،استهدفت الحملة مصر وفلسطين كمرحلة،أولى وتبع ذلك الغزو الفرنسي والإسباني والإيطالي لشمال أفريقيا،وحين جاءت نتائج الحرب العالمية الأولى وحان وقت تقاسم أملاك «الرجل المريض» كانت الكارثة الكبرى باتفاقية سايكس-بيكو ثم وعد بلفور الذي مهد لإقامة الكيان العبري في قلب بلاد العرب.
واستقلت بلدان العرب عن المستعمر الغربي بعيد الحرب العالمية الثانية،لكن آثار الاستعمار بقيت متجلية في الحدود المرسومة بمسطرة صحافي أو ضابط أوروبي،ولطالما سمعنا أن هذه الحدود مصطنعة،والغريب هو الحرص والاستماتة في الحفاظ على المصطنع ،وفشلت كل محاولات الوحدة ،الكلية لأقطار العرب أو الثنائية أو الثلاثية،ولم يبن العرب قوة إقليمية عسكرية مرهوبة الجانب،ولم يشكلوا اتحادات اقتصادية صامدة،بل كانت الخلافات بين الساسة تنعكس سلبا على الرعية وتمددت إسرائيل وعبثت بساحة العرب،وكان من صلب سياستها دعم القوى الساعية للإنفصال ،هذا إذا لم تكن هي من يقف وراءها منذ البداية!
(2)
رغم كل ذلك كان التقسيم الاستعماري الذي اتضحت معه خريطة الوطن العربي بعد الاستقلال أقل شرّا مما يريده الأمريكي والإسرائيلي بتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ،فالسودان كما نعلم هو أكبر بلدان العرب من حيث المساحة (حوالي 2.5 مليون كيلومترا مربعا) وهو سلة غذائية كبيرة وصاحب ثروات معدنية وزراعية وحيوانية هائلة؛كان الجنوب في صلب التفكير الإسرائيلي ولطالما حلّ جارانج ضيفا على الإسرائيليين في السرّ والعلانية،وتلقت حركته الانفصالية الدعم الغربي والإسرائيلي ؛سلاحا ومالا وتدريبا وخلافه،وجاءت مشكلة دارفور والمحكمة التي تطالب بالرئيس البشير شخصيا لتكشف المزيد عن نوايا أعداء الأمة،ونحن لا نتحدث عن نظرية مؤامرة مفترضة بل عن مخطط قائم نرى مراحل تنفيذه تترسخ على أرض الواقع.
لم يشفع للسودان تسليم كارلوس إلى فرنسا ،ولا طرد بن لادن،ولا حتى إقامة حكومة مشتركة مع الانفصاليين،ولا كل البوادر التي قدموها،وحتى لو سلّم البشير نفسه للمحكمة الإسرائيلية،نعم الإسرائيلية ولو سمت نفسها دولية، وعلقوه على حبل المشنقة فلن يتراجعوا عن انفصال الجنوب ثم دارفور.
(3)
الغريب بل ما يبعث على الحزن والغضب،هو اللامبالاة العربية تجاه السودان وكأن الأمر لا يعنيهم،أو كأن النار لن تصل لعقر ديارهم،وانتظرت لسماع مواقف عربية رسمية حول تصريحات سلفاكير وإعلانه النية عن فتح سفارة لإسرائيل بعيد الانفصال فلم أسمع حتى الآن،قد يقول قائل بأن بعض العرب يفتحون مثل هكذا سفارات،صحيح وهذه خطيئة،ولكن السفارة في جوبا وضعها مختلف،ولعلمكم لن يكون في الجنوب من يتظاهر ولن تجد من يكتب محتجا على نشاط السفارة التي أزعم أنها موجودة لكنها متسترة بمسميات أخرى!
(4)
مطلوب من العرب أن يتحركوا ،وأخص بالذكر مصر،حيث أنها الهدف التالي أو بعيد التالي،وهي متضررة مباشرة،ولا يحسبنّ أي مصري حر وعاقل أن حسن العلاقة مع الأمريكيين سيجنب مصر مخططات التفتيت والتقسيم،أو الفوضى فهؤلاء ماضون في مخططهم ولم يعد للتردد مجال.
(5)
حين يعلن أوباما عن احتمال سقوط ملايين القتلى في السودان،فهو يعني ما يقول،وهو يترجم السياسة الجديدة للإدارة الأمريكية،فالاستراتيجية التي عمل بها جورج بوش كانت تقوم على تحريك الجيوش والأساطيل الأمريكية،أما الآن فلا داعي ما دام ثمة من يقاتل بالوكالة عن أمريكا،هذا أوباما الذي استبشر البعض بلون بشرته أو نصفه «الأفريكاني»!
(6)
بلد المرحوم الطيّب صالح،يجب أن يظل وطنا للطيبين الصالحين،وليس لمن يكشر عن أنيابه مثل سلفاكير،ويتواقح ويزعم أن إسرائيل عدوة للفلسطينيين وليس للجنوبيين؛كل شيء إلا هذا،وهنا مطلوب من السودانيين الشرفاء مواقف حاسمة قاطعة وترتيبات ضرورية منها:-
- أن يضعوا نصب أعينهم أن الأمر لا يخص السودان وحده بل أمة بأسرها مهددة بالضياع لذا فلتلغى فكرة الاستفتاء وليكن ما يكن.
- على الرئيس عمر البشير ود.حسن الترابي طيّ صفحة الماضي ونسيان،أو تناسي الخلافات،على قاعدة أن يعذر كل منهما الآخر فيما اجتهد فيه ،وأن تعود لعلاقات الرجلين ومن يمثلان من قوى فاعلة حزبية وشعبية وعسكرية علاقة الدفء والوحدة في مواجهة الأخطار.
- التوجه بخطابات رسمية علنية إلى العرب بأن الثور الأبيض قد أكل بابتلاع فلسطين والعراق وحان الآن أكل الثور الأسود،فلتقفوا أمام مسئولياتكم ،وإلا فإن لعنة الله وغضبه ستصيبكم لتقاعسكم في منع حصول الكارثة...أي انفصال الجنوب.
- إذا كان لا بد من الحرب لمنع الانفصال فهي أخف ضررا مما يخطط له،وبصراحة فإن الغرب يبتز السودان وحكومته بالتهديد بالعقوبات والحصار،وبإبقاء السودان على لائحة الدول الداعمة لما يسمى بالإرهاب،لتمرير مخططاته،فليتعظ السودان بغيره،فكل تنازل يفتح الشهية لتنازلات أكثر وأعظم،فليكن الموقف الحاسم القاطع المانع عنوان المرحلة،فوحدة السودان إذا انتهت فعلى العرب السلام.
(7)
قد يأتيني من يقول:أنتم(الفلسطينيون) منقسمون مختلفون متباغضون ،رغم أنكم تحت الاحتلال،وعليك بالاهتمام بهذا ودع السودان وشأنه؛قلت:فعلا يجب على الفلسطينيين أن يتوحدوا وكفانا تكرارا لفظيا لهذا ولننتقل للتطبيق العملي ولو بالحد الأدنى،أما أن أدع السودان وشأنه فإن تصريحات سلفاكير كشفت عن الكثير من الأمور،والأمر يخصني-كفلسطيني-أكثر من الآخرين ،فقوة العرب ووحدتهم و عدم انشغالهم بمعارك جانبية أمور تنعكس إيجابا عليّ وعلى قضيتي،والعكس صحيح.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الإثنين 19 ذو القعدة/1431هــ، 29/10/2010م
من قلم/سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-فلسطين-أم الشوف-حيفا