نظرات في الاجتهاد المعاصر
نحاول هنا أن نجيب عن عدة أسئلة لابد من طرحها في هذا المقام: مقام الحديث عن الاجتهاد المعاصر.
1 . هل نحن في حاجة إلى هذا الاجتهاد؟
2. هل يتيسر لنا الاجتهاد اليوم؟
3. ما نوع الاجتهاد المطلوب؟ هل هو اجتهاد ترجيحي انتقائي، أم اجتهاد إبداعي إنشائي؟
4. ما صور هذا الاجتهاد؟
5. ما المزالق التي نخشاها على الاجتهاد المعاصر؟
6. ما المنهج الذي ينبغي اتباعه في الاجتهاد المعاصر؟ وما الاتجاه الصحيح بين الاتجاهات الاجتهادية المعاصرة؟ وما معالمه وضوابطه؟
الاجتهاد في العصر الحديث
أول سؤال نسأله لأنفسنا حين نتحدث عن الاجتهاد المعاصر هو: هل نحن في حاجة إلى هذا الاجتهاد حقا؟
ربما يذهب بعض المشتغلين بالعلوم الإسلامية ـ لفرط إعجابهم بتراثنا الحافل، وفرط ثقتهم بفقهائنا العظام ـ أننا لسنا في حاجة إلى اجتهاد جديد، فما من مسألة إلا وجدنا عند الأقدمين مثلها، فقد اجتهدوا للواقع افترضوا لما قد يتوقع، فلم نعد محتاجين إلى أن ننشئ اجتهادا بعد هؤلاء الأفذاذ،
فما علينا إلا أن نرجع إلى كتبهم وننقب في أحشائها، لنجد فيها ضالتنا والإجابة عن مسألتنا بالنص أو بالقياس أو التخريج.
ونحن لا نقلل من قيمة تراثنا، ولا من عظمة فقهنا، بمدارسه المتعددة ومشاربه المتنوعة وما فيه من اجتهادات واقعية وافتراضية.
ولكن الحق أقول: أنه من المبالغة وتجاهل الواقع، الادعاء بأن الكتب القديمة فيها الإجابة عن كل سؤال جديد.
ذلك أن لكل عصر مشكلاته، وواقعه، وحاجاته المتجددة، والأرض تدور، والأفلاك تتحرك، والعالم يسير، وعقارب الساعة لا تتوقف.
ومع هذا الدوران المستمر، والحركة الدائمة، والسير الحثيث، تتمخض أرحام الأيام والليالي عن أحداث ووقائع جديدة لم يعرفها السابقون، وربما لم تخطر ببالهم، بل ربما لو ذكرت لهم لعدوها من المستحيلات! فكيف تصور حكمهم عليها، وهي لم تدر بخلدهم لحظة من الزمان؟
على أن بعض الوقائع والأمور القديمة قد تطرأ عليها من الأحوال والأوصاف ما يغير طبيعتها أو حجمها أو تأثيرها، فلا يلائمها ما حكم به الأقدمون أو ما أفتوا به في شأنها.
وهذا ما جعلهم يقررون وجوب تغير الفتوى بتغير الزمان، والمكان، والعرف والحال. وكتب في ذلك من كتب من محققيهم في أكثر من مذهب من المذاهب المتبوعة.
فالحاجة إلى الاجتهاد ـ إذن ـ حاجة دائمة، مادامت وقائع الحياة تتجدد، وأحوال المجتمع تتغير وتتطور، ومادامت شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان، وحاكمة في كل أمر من أمور الإنسان.
وعصرنا خاصة أحوج إلى الاجتهاد من غيره، نظرا للتغير الهائل الذي دخل الحياة الاجتماعية بعد الانقلاب الصناعي، والتطور التكنولوجي، والتواصل المادي العالمي، الذي جعل العالم الكبير كأنه بلدة صغيرة.
وإذا كان علماؤنا السابقون قد قرروا تغير الفتوى بتغير الزمان، رغم رتابة الحياة وسكونها إلى حد كبير، في العصور الماضية، حتى قيل في بعض الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه: هذا اختلاف عصر وزمان وليس اختلاف حجة وبرهان، فكيف باختلاف عصرنا عن عصور أئمة الاجتهاد؟ بل كيف يكون مدى هذا الاختلاف عن عصور المتأخرين من الفقهاء مثل ابن عابدين الحنفي (ت1252هـ) أو الصاوي المالكي (ت1242هـ) أو الشوكاني المجتهد المطلق (ت1255هـ). برغم قرب عصرهم من عصرنا: بحيث لو بعث أحدهم اليوم ورأى عالمنا وما جد فيه، لقال: هذا عالم جن أو شياطين!
وهل صنع الشياطين لسليمان ـ عليه السلام ـ المسخرون له، من عجائب الصناعات ما صنع إنس اليوم من عجائب وصل بها الإنسان إلى القمر؟!