طرد السفير الصهيوني والصمت العربي وثورة الشعوب .. بقلم عبدو المعلم

طرد السفير الصهيوني والصمت العربي وثورة الشعوب

بقلم عبدو المعلم

أقدمت تركيا على طرد السفير الصهيوني وتخفيض العلاقات إلى مستوى سكرتير ثاني .. وللعلم فإن تركيا عضو بحلف شمال الأطلسي الغربي المهيمن عليه أمريكيا .. وفي ذات الوقت رفضت تركيا قرار الأمم المتحدة المتصل بالموضوع والقاضي بشرعية الحصار البحري على غزة ليعطي بذلك تبريرا واهيا للقرصنة الإسرائيلية لقافلة سفن أسطول الحرية في عرض المياه الدولية .. ومعروف أن منظمة الأمم المتحدة واقعة هي الأخرى تحت الهيمنة الغربية والأمريكية بشكل أساسي .. مما يوحي باستقلال القرار السياسي التركي بالرغم من الارتباطات والعلاقات القوية القائمة بين تركيا والغرب وأمريكا خاصة. لقد وقع ثمانية قتلى أتراك في الهجوم الصهيوني على سفينة مرمرة التركية قائدة أسطول الحرية وتاسع أمريكي من أصل تركي, فطالبت تركيا حينها باعتذار الكيان الصهيوني والتعويض المادي لعائلات الضحايا .. غير أن حكومة العدو رفضت الاعتذار واكتفت بالأسف لأسباب إنسانية كما تزعم .. فما كان من تركيا إلا أن لجأت إلى الأمم المتحدة طالبة الإنصاف والعدل .. وهي تعلم بالطبع من المسير الحقيقي لهذه المنظمة .. لكنها سارت في الطريق القانوني حتى تعدم العدو كل المبررات وليصبح موقفها وإجراءاتها بعد ذلك غير قابلة للنقاش أمام حلفائها الأمريكان والغربيين, وعندما تصرفت المنظمة الدولة بانحياز وتسييس في قرارها ذي الصلة تصرفت تركيا رافضة القرار وبدأت في إنزال العقاب المستحق بنفسها على الكيان الصهيوني وهذه أول خطوة على المستوى الديبلوماسي معلنة نيتها إصدار عقوبات أخرى منها منع عبور السفن الصهيونية في مضيق البوسفور والملاحة في منطقة شرق المتوسط عموما .. وهو رد فعل طبيعي ومبرر تماما بالاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية في عرض المياه الدولية وإزهاق أرواح تركية فلا أقل من مضايقة الملاحة البحرية الصهيونية في المناطق القريبة من تركيا وهو ما جعل الكيان الصهيوني يئن تحت وطأة الضربة الموجعة معلنا دعوته تركيا إلى احترام الملاحة في المياه الدولية وهو كلام لا يستند إلى أي منطق ما دام عدوانه هو السابق.. مما يعني أن المساس بالكرامة التركية من أي كان يتبعه الجزاء المناسب ولا يمكن أن يذهب الدم التركي هدرا إحقاقا للحق وانتزاعا للشرعية التي عجزت المنظمة الأممية عن تجسيدها .. إنه موقف سليم وقوي وشرعي يستهدف الجزاء العادل عن فعل إجرامي ارتكب .. وفي ذات الوقت تحذير الكيان الصهيوني وغيره بل ردعه عن محاولة المساس بالكرامة التركية مستقبلا منبها إياه إلى أنه يتعامل مع دولة مختلفة عن جيرانه الذين تعود الاعتداء عليهم ببساطة وسهولة واستهار دون أي رد فعل يذكر وأقصى ما يمكن أن يصدر عنهم هو رفع شكوى إلى الأمم المتحدة ولا يهم بماذا تحكم؟ متنازلين طوعا عن حقوقهم وكرامتهم ووجودهم ذاته الذي أصبح مهددا من كيان يملك ترسانة رهيبة من أسلحة الدمار الشامل لا يجرؤون على ذكرها مجرد الذكر بينما صراخهم لا ينتهي بسبب المشروع النووي الإيراني الذي لا زال مشروعا.

الصمت العربي المطبق

فقد الساسة العرب القدرة على الكلام منذ إعلان اتفاقية اصطبل داوود المشئومة والتي هي عبارة عن اتفاقية استسلام من طاغية مصر إلى الكيان الصهيوني بالرغم من انتصار الجيش المصري ومن معه من جيوش العرب في حرب رمضان أو أكتوبر .. إنها معاهدة استسلامية كان من نتائجها الرهيبة تحييد مصر عن الصراع العربي الصهيوني مما يعني قطع الرأس والقضاء بذلك على الجسد كله الذي فقد الحركة تماما ولم يعد أي كان يراعي جانبه .. وذاك ما شجع الكيان الصهيوني على ارتكاب الفظائع ومنها حصار غزة وحرب الإبادة التي شنها عليها فيما أسماه الرصاص المصبوب والذي قصد به القضاء نهائيا على المقاومة وإلحاق القطاع باستسلام الضفة وجميع بلدان العرب .. لكنه بالرغم من جرائمه الشنيعة في تلك الحرب الرهيبة خرج مهزوما لأنه لم يستطع القضاء على المقاومة ولا حتى على تحرير شاليط حيا أو ميتا .. ذاك الحدث الشنيع كان في عهد الاستسلام العربي المطلق والذي لازال مخيما بالرغم من قيام الثورة المباركة هنا وهناك .. ولو أنها لا زالت لم تكمل مهماتها بعد .. لذلك فإن حكم الأمم المتحدة الجائر بشرعية حصار إجرامي لأهل غزة لم يكن باعثا كافيا لنطق ساسة العرب .. وهل يتتظر من البكم كلام؟ هذه الحالة العدمية للنظام العربي هي التي أغرت الكيان الصهيوني باتباع نفس الطريقة العدوانية مع تركيا .. وهو الخطأ الذي سيدفع ثمنه غاليا وقد بدأ التسديد الإجباري بعد أن كان يحاول جاهدا إعادة الحياة إلى علاقاته مع تركيا خوفا من انتصار الثورة العربية في بلدان الجوار خاصة وبالأخص منها سوريا .. لقد حاول تحصين نفسه ببعث العلاقة مع تركيا لكنه سلك إلى ذلك سبيلا تعود أن يسلكه مع النظام العربي مرتكبا بذلك خطأ قاتلا.. أما صمت النظام العربي فهو أمر معتاد منذ الاتفاقية المشئومة .. وسيظل كذلك إلى أن يتم خلع الأصنام الجاثمة على صدر الشعب العربي واحدا بعد آخر ليستقروا قريبا في مكانهم المستحق وهو مزابل التاريخ .. تركيا القوية ترى هذا الأمر جيدا وتعرف أنه لا مستقبل للكيان الصهيوني القوي المخيف لأصنام العرب المحروس من أمريكا والغرب بعد نجاح الثورة العربية التي ستغير موازين القوى والسياسة الإقليمية والعلاقات الدولية في المنطقة وعبر العالم تغيير ا جذريا تصبح فيه الشعوب طرفا أساسيا في المعادلة .. مما يعني التعامل مستقبلا على أساس الكرامة وتبادل المصالح وفقا للقانون والمساواة والعدالة في التبادل..وعندها يكون مبرر وجود الكيان الصهيوني قد انتهى تماما .. ولا يمكن للغرب أن يستمر في لعب ورقة خاسرة أو تحمل عبء حمايته وهو فاقد التأثير الإيجابي على مصالحه في المنطقة وعبر العالم كله .. لذلك يكون أول من يتخلى عنه طواعية محاولا إبقاءه على صورة هزيلة لا تقوى على الاستمرار .. وبالتالي ينهار ذاتيا وعفويا بسبب فقدانه لأقوى شروط وجوده المتمثلة في الحماية الأمريكية والغربية كون هذا الكيان الذي اصطنعه الغرب لحماية مصالحه يصبح بتحرر الشعوب من الاستبداد متناقضا مع تلك المصالح مما يعني فقدانه لأسباب وجوده ذاتها .. هذا الأمر تدركه تركيا جيدا ولذلك فإنها تتصرف على أساسه .. حيث إن الورقة الصهيونية أصبحت فالسة .. بالرغم من استمرار النظام العربي في الخضوع الذليل لها .. وبذلك يفقد هو الآخر أسباب وجوده معها وذاك هو التغيير المرتقب في المنطقة وما له من انعكاسات عميقة على العلاقات الدولية برمتها .. لكن النظام العربي الأبكم المشلول المؤتمر بأوامر أمريكا والغرب والكيان الصهيوني لا زال غير مدرك لهذه الحقيقة الناصعة, وذاك أحد أسباب هلاكه المحتوم قريبا.

ثورة الشعوب

قراءة هذا الصمت المحير بمناسبة هذه الحادثة الدبلومسية الخطيرة التي كان من المفروض أن ترج المنطقة رجا وأول من يستغلها لصالح قضية فلسطين وقضية العرب عموما هو الساسة العرب ولكن لا حياة لمن تنادي .. هذه الحادثة الطبيعية المتبوعة بإجراءات أخرى أكثر إيلاما ما لم يسارع الكيان الصهيوني بالخضوع للمطالب التركية القانونية العادلة المبررة ببراعة التصرفات السياسية المتبعة .. هذه القراءة تعطي تفسيرا ومبررا قويا للثورة التي أعلنتها الشعوب العربية أو التي هي في طريق إعلانها عند البقية من تلك الشعوب ذلك أن تحليل هذا الصمت الذليل يقود إلى رؤية طبيعة هذا النظام الفاشل كونه لا قدرة له على التأثير في الأحداث الجارية في محيطه الوطتي والإقليمي فما بالك بالعالمي .. فهو مشلول تماما وقد فقد حتى القدرة على الاحتجاج ذلك الوضع الذي استغله العدو لاستصدار هذا القرار بشرعية محاصرته البحرية لغزة من الأمم المتحدة فلو كانت هذه المنظمة ومن يدفعونها إلى ما يريدون يعرفون أن ردودا عربية ستؤثر على مصالحهم في المنطقة لما تجرأوا على إصدار هذا القرار الإجرامي الذي يعطي الحق للجلاد ويتجاهل الضحية .. إذن فإن هذا النظام العربي أصبح عبئا على شعوبه ولا يستطيع أن يحمي كرامتها وشرفها ووجودها .. بل إن الأحداث بينت من خلال مجريات الثورة العربية أن هذا النظام على استعداد لشن حرب واحدة دون غيرها هي حربه على شعبه السيد المالك لكل شيء دون غيره في بلاده .. ومن هنا أصبح التنافض معلنا بين وجود هذا النظام الفاشل الأرعن ووجود الشعب ذاته وخاصة حريته وكرامته وازدهاره واستقلاله .. بحيث أصبح هذا النظام أخطر من الكيان الصهيوني ومن الاستعمار الغربي نفسه .. ومن هنا كانت الثورة عليه دفاعا عن الوجود الكريم وعملا بغريزة الصراع من أجل البقاء .. وبالرغم من كون هذا النظام مملوكا ملكية تامة للغرب وبالتالي الصهيونية فإنهم تنكروا له لاعتقادهم الراسخ بأن استمراره مستحيل ولذلك لا بد لهم من محاولة التأقلم مع النظام الناشئ والتأثير على مجريات الثورة العربية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المصالح الغربية والصهيونية. إن هذه الحادثة الدبلوماسية التركية الصنع ستثمر قريبا تطورات جذرية في المنطقة ومن ذلك التأجج الأقوى للثورة العربة وانتشارها سريعا لتعم كل بلاد العرب .. حتى يقوم الوضع الجديد بأقصى سرعة ممكنة .. وهو الوضع الذي سيكون مهما كانت محاولات تكييفه أكثر استجابة لمصالح شعوب المنطقة بعد زوال النظام العربي السيء القائم حاليا.

عبدو المعلم

» شهادتي على الربيع العربي .. بقلم عبدو المعلم 1/2
» شهادتي على الربيع العربي .. بقلم عبدو المعلم 2/2
» فلسطين تهزم أمريكا والكيان الصهيوني هزيمة نكراء على عتبة اليونيسكو .. بقلم عبدو المعلم
» الربيع العربي يرسم الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط الحر بداية من غزة - بقلم عبدو المعلم
» قراءة نقدية في نشرة منتنديات الصمود الحر الشريف .. الوضع العربي والعالمي بقلم عبدو المعلم