مزيد من المذابح في سورية
بين تفاؤل مخادع.. ووعود بتقديم السلاح .. بقلم: نبيل شبيب لئن وجد أي احتمال ضعيف لدى أشدّ الناس تنكّرا لحق شعب سورية في الحياة والحرية والكرامة وأبعدهم توهما بقابلية بقاء تلك العصابات الإجرامية المتسلّطة على البلاد، فالمفروض أن ذلك الاحتمال تبخّر نهائيا بعد الكشف يوم 12/3/2012م عن مذابح همجية أخرى ارتكبتها تلك العصابات التي يحمل زعيمها المسؤولية عنها شريكا في الجريمة، وقد أودت بحياة عشرات الأطفال والنساء والشيوخ والشباب في حمص على وجه التخصيص.
. . .
يوغلون في سفك الدماء كما لم يصنع مجرم حقير في أي مكان من الأرض..
يرتكبون الجريمة كما لم يعرفها تاريخ البشرية من قبل..
يفترسون الإنسان كما لا تفعل وحوش الغاب..
لم يُعرف مثل ذلك فيما كان يروى عن "أكلة لحوم البشر" في مجاهل إفريقية، ولم يعرف فيما أوردته كتب التاريخ عن المستعمر الغربي وهو يبيد الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها، ونضيف -بأسف شديد- ولم يعرف أيضا حتى عن ذلك العدوّ الصهيوني الذي يزعمون أن بقاءهم وبقاء استبدادهم وفسادهم وجرائمهم الهمجية معهم، فريضة قومية ووطنية من أجل ممارسة المقاومة والممانعة ضدّه وضدّ من يدعمه!.. بئس ما يقولون وبئس من يردّد معهم ذاك الذي يقولون.. وهم يرون كيف يسارع العدو الصهيوني إلى "نجدتهم" بشنّ غارات جديدة على غزة، كأنّه يريد أن يقول: الصهيونيون أعداؤكم.. فدعوا المستبدين وشأنهم، أو أنه يريد أن يعاقب شعب فلسطين على ما رصده شعب سورية مؤخرا من مواقف صدرت عن "حماس" وسواها!..
. . .
منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى كرسي التسلّط، كان واضحا أن بشار الأسد لم يكن إنسانا سويا ولا يمكن أن يقيم حكما قويما، إذ ظهر مجرما يرث مجرما، بطريقة مزرية صارخة، إنّما بدا من صياغة بعض كلماته الرسمية الأولى، أنّه يمكن أن يكون داهية.. أي قادرا على أن يثبّت نفسه بطرق مخادعة ملتوية، وظهر أنّه أغبى متسلّط عرفه تاريخ سورية منذ بزوغ فجر الحضارات البشرية على أرضها حتى اليوم.. فما ظهر مرة خلال الثورة الشعبية البطولية ولا أعلن عن موقف أو اتخذ إجراءً إجراميا آخر إلا وصبّ بذلك الزيت على نار الثورة التي ستحرقه ومن معه.
وربما توهّم من توهّم أن الاستبداد الذي ورثه عن أبيه، يمكن أن يكتسب مسحة من التمويه، لمواراة بشاعته عن الأنظار، وإذا به يضرب أرقاما قياسية في تاريخ أفجر المستبدين، من عصر فرعون ومن سبقه إلى زمن القذافي ومن عاصره.
من العسير استخدام وصف يستحقه، بما في ذلك قول من يقول إنه وحش يرتدي بزّة يرتديها البشر عادة، فما عرف عن الوحوش المفترسة مثل ذلك التقتيل إلا إذا تعرّضت لعدوان، أو جاعت فلجأت إلى افتراس كائنات أضعف منها.. فأين وجه الشبه مع تجميع البشر في مكان واحد وصبّ "المازوت" عليهم وحرقهم، أو اغتصاب النساء وتكديس الأطفال مع أهاليهم وذبحهم ذبحا بالسكاكين والخناجر؟..
. . .
ثم يقول "عنان" إنه متفائل، ويقول "العربي" بضرورة الحل السلمي، ويقول المرزوقي إن العفو لحل المأساة أهم من تحقيق العدالة، ويقول بوتين هذه مواجهة بين طرفين، ويقول بعض المدافعين عن المجرم وجرائمه: علام لا تدخل المعارضة في حوار معه؟!..
أي تفاؤل وأي حلّ سلمي وأي عفو وأي مواجهة وأي حوار؟..
ومن أين يأتي التفاؤل أو الحل السلمي؟.. بل هل يمكن القبول حتى بما يقال عنه إنه "تفاؤل ديبلوماسي"؟.. لقد عجز عنان عن الحصول على كلمة "بشرية" واحدة من أفواه محدّثيه في دمشق، فبدا عليه الحرج وهو يجيب الصحفيين قبل مغادرتها، إنه لمس عند كل من حدّثه أنهم "يتمنّون" العودة إلى السلام والأوضاع الطبيعية.. وكأنّه يقول يتمنون أن يخمدوا الثورة، للعودة إلى ما ساد خلال خمسة عقود مضت، وقد كان من بين المذابح التي شهدها العقد الأخير منها مذبحة سجن صيدنايا.. قبل الثورة بسنوات!.
ومن أجل ماذا يكون العفو ومن ذا الذي يواجه الدبابات والطائرات التي تقصف إدلب وما حولها، وحمص وما حولها وحماة وما حولها، ودرعا وما حولها.. أم يريدون أن تعفو المغتصبات ويعفو المعذّبون ويعفو المعتقلون عن أفواج المجرمين الهمجيين وهم يقتحمون بأمر زعيمهم ورهطه، حيّا بعد حي وقرية بعد قرية في ريف دمشق وفي دمشق، وفي ريف حلب وفي حلب؟..
. . .
كلا..
لن يدخل الثوار في حوار.. فمنهم من أصبح تحت تراب الوطن، ومنهم من لا يجد مبضع جرّاح، ومنهم من قضى الموت عليه قهرا وهو حيّ يشهد ما صُنع بطفلته أو طفله أو زوجه أو أخته، ومنهم من اقتُلعت حنجرته التي يراد أن "يتكلّم" بها بدلا من أن يصدع بكلمة حق لن يعود شعب سورية عنها: الشعب يريد إسقاط النظام وإعدام الرئيس وملئه، ومحاسبة كل مجرم من المجرمين في بلد يلفظ ترابه جثثهم لو دفنوا فيه، وتأبى أجواؤه أنفاسهم لو لفظوها بعد كلّ ما صنعوه.
لن يدخل الثوار في حوار.. لأن الحوار يجري بين بشر وبشر، وهؤلاء فقدوا عبر أفاعيلهم انتماءهم للبشرية، ولأن الحوار لا يدور دون هدف، ولا يعرف هؤلاء هدفا سوى القتل ولا يعرف الثوار هدفا ينتقص مقدار شعرة من تطلّعهم المشروع إلى الحرية والكرامة.. والحياة.
لن يدخل الثوار في حوار لأن الحوار الذي يريده هؤلاء المجرمون هو حوار التخيير بين صنفين من الموت.. الموت في خنادق الخضوع والخنوع، والموت في ساحات طلب العزة مهما بلغ الثمن.
. . .
الثوار لا ينتظرون اليوم من غير رب العالمين شيئا، لا ينتظرون تفاؤل عنان وديبلوماسية العربي وعبقرية المرزوقي ومخادعة بوتين والحوار الذي يطالب به القتلة والمدافعون عنهم.
إنّما هو تساؤل مشروع مطروح على آخرين.. عمّن يكرّر القول بوجوب دعم الثوار وجيشهم الحرّ بالسلاح.. فأين هو الدعم بالسلاح، بما يتجاوز الكلام إلى واقع على الأرض، يمكّن من الحيلولة دون المذابح كمذبحة كرم الزيتون وأخواتها في حمص وإدلب وأخواتهما..
التساؤل عمّن يتحدّث عن "أصدقاء شعب سورية" ثم يتحدّث عن الذرائع كغياب وحدة معارضة سياسية.. لن تتوحد، فهل ينتظرون إبادة المزيد من الشعب.. بحجة تعدّد أطياف المعارضة السياسية واختلاف رؤاها وحتى صراع أجنحتها مع بعضهم بعضا؟..
التساؤل عمّن يزعم أنّه لا يعرف "عنوان" من يرسل إليهم الدعم بالمال والسلاح.. وهو يعلم ومن يتابع قوله يعلم أيضا، أنّ هذا غير صحيح، فالعناوين معروفة، والسبل ممكنة للوصول بالمدد الموعود إلى الذين يدافعون عن أنفسهم وعن شعب سورية دون أن يكون في أيديهم إلا سلاح خفيف وبعض الذخيرة منذ تحرّروا من معتقل القمع الذي يشمل الجيش والشعب في سورية.
هؤلاء موجودون في إدلب وحمص ودرعا، وفي حماة ودمشق والجزيرة.. وهؤلاء ينتظرون ما يمكن الحصول عليه من أصحاب الوعود السخية، وإلاّ فهم لا يملكون إلا ما يصنعونه حتى الآن.. وهو الحدّ الأدنى من اشتبكات متفرقة وحماية محدودة لبعض أهليهم، كما كان في دمشق وريفها أثناء مذبحة حمص، أو كان في أريحا أثناء الفتك بإدلب.
والكلام واضح وصريح: كفوا عن وعود لا تنفذونها، تثير الأمل فخيبة الأمل وتتحوّل إلى ذريعة لدى المجادلين تحت عنوان "حوار" مستحيل، أو نفذوها.. كي تدخلوا مدخلا كريما في ذاكرة شعب سورية المنكوب بالعصابات الإجرامية.. الساقطة لا محالة، آجلا غير آجل، بعون رب العزة، مالك الملك، وقاهر العتاة المجرمين.
نبيل شبيب
[url=http://www.midadulqalam.info/midad/modules.php?
name=News&file=article&sid=2067]المصدر[/url]