أنان: بين الدفع السوري... للنجاح، والتفجير الإرهابي للتفشيل!!
الصفحة الاولى- جريدة الثورة - دمشق
الاثنين 19-3-2012
العميد الدكتور أمين محمد حطيط*
في الوقت الذي ركزت فيه الجهات المعنية بالشأن السوري اهتمامها على مهمة كوفي انان (مبعوث الامم المتحدة الى سورية)، جاء التفجيران الارهابيان ليضربا دمشق في ظروف لها دلالات هامة،
خاصة بعد ان بات المشهد العام ينبئ وبأن المؤامرة على سورية وبعد عام من الاعمال اخفقت في تحقيق اهدافها واضطر اصحابها الى البحث عن سبل ومخارج تخفف او تحجب هزيمتهم على اكثر من اتجاه وميدان.
ففي المجال العسكري الميداني، فقدت ادوات المؤامرة ما كانت بلغته من سيطرة على بضع مناطق في سورية من درعا جنوبا الى ادلب شمالاً مرورا بريف دمشق وحمص واضيف ذلك الى فقدانهم ما ادعوه من سيطرة على منطقة جسر الشغور والساحل السوري من طرطوس الى اللاذقية.
فكانت خسارة ميدانية افقدتهم الكثير من الآمال والزمت مخططي المؤامرة بالعدول عن استراتيجية بقعة الزيت القائمة على انشاء المناطق المغلقة القابلة للتوسع وصولاً الى السيطرة التامة على البلاد واسقاط النظام، خسارة اضطرتهم اليوم الى التحول الى استراتيجية الارهاق والإشغال من اجل الضغط والابتزاز طمعا في الحصول على مكسب ما، يعدل النتائج.
وعملا بالاستراتيجة الجديدة (الارهاق والاشغال) سيستمر هؤلاء باعمال التفجير والقتل والاغتيال من اجل شل الحياة ومنع انتظام عجلة العمل، وبهذه الاستراتيجية ارتكب العمل الاجرامي بتفجير ساحة التحرير ودوار الجمارك في دمشق، تنفيذا لما كانت العصابات الارهابية قد توعدت به قبل يومين من التنفيذ، ببيان اصدره ما يسمى الجيش الحر وكان سبقه اليه ايضاً ايمن الظواهري باسم تنظيم القاعدة.
وفي المجال السياسي خسر المتآمرون الرهان على الشعب السوري الذي اظهر من الوعي والوطنية ما اذهلهم، بعد ان اعرض هذا الشعب وباكثريته الساحقة عن الاستجابة للادوات التآمرية تلك ولم يخرج في مظاهراته المليونية إلا نصرة لوطنه واحتضانا للنظام فيه، معبرا عن رفضه لوقاحة الجهات الخارجية التي عينت مجلس استنبول ممثلاً للشعب السوري، واستمر الشعب متمسكاً بالدولة وقواتها المسلحة ونظامها السياسي الجاد في تطوير ذاته واصلاح ما ظهر وهنه في المسيرة السياسية السابقة، وبهذا الاحتضان اكد السوريون ارادتهم عندما ذهبوا للاستفتاء على الدستور وكانت مشاركتهم في الاستفتاء تصويتا على تأييد النظام في حركته الاصلاحية.
وانطلاقا من هذه المحصلة، وبعد تقدير موقف اجراه المعنيون الرئيسيون، علم من ساند سورية بانه كان على حق وراهن على نجاح وربح (روسيا والصين وايران)، وعلم من تآمر على سورية بانه اساء التقدير وراهن على سراب وفشل (اميركا واروبا) وبحث كل من الفريقين عن مخرج للازمة يتناسب مع المحصلة يكون فيه تثبيت للنجاح أو تخفيف او اخفاء أو تأجيل لاظهار الهزيمة فكان توافق دولي على ارسال مبعوث للامم المتحدة الى سورية لتلمس طريق حل يؤمن للفرقاء ما يبتغون كالتالي:
-اراد الروسي والصيني والايراني، من مهمة انان ان تكون فرصة لانهاء الازمة بما يثبت النجاح في كسر المؤامرة على سورية عبر بلورة الحل السلمي الذي يريده الشعب السوري ويكرسه في صناديق الاقتراع التي استعملت مرتين خلال الازمة واثبتت ان السوريين لم يتخلوا عن نظامهم ورئيسهم، وانهم متمسكون بموقع دولتهم استراتيجيا في محور المقاومة والجبهة المناهضة للهيمنة الغربية.
-اما الاميركي والاوروبي فانه رأى في مهمة انان فرصة لالتقاط الانفاس وكسب الوقت من اجل الخوض في حوارات تؤول الى صفقات سياسية واستراتيجية تحجب الهزيمة او تعوض الخسائر بشكل ما، خاصة انه لم يتبق بيدهم من اوراق يلعبونها ضد سورية شيئاً، بعد ان استنفدت الاوراق السابقة الميدانية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وهنا نرى بان الاميركي ما كان ليوافق على مهمة انان موفدا للبحث عن حل سلمي سيكون النظام القائم عموده الفقري، لو لم تهزم الجماعات المسلحة التي بلغ عديدها في لحظة ما 45الف مسلح يضمون في خلاياهم سوريين وعرباً واجانب، وتفقد السيطرة على المناطق التي اغلقتها بوجه الدولة كما حصل في بابا عمرو والزبداني.
-اما الادوات المساعدة او التابعة من اعراب واقليميين (تركيا وقطر والسعودية)، فانهم وبحمق استراتيجي يمنون النفس بان تكون مهمة انان نسخة مكررة لمهمة مراقبي الامم المتحدة في العراق والتي شاغلته وتجسست عليه لعدة اعوام، انتهت بتحضير الهجوم الاميركي عليه واحتلاله والاطاحة بصدام حسين باقل من شهر واحد، مراهنة يكررونها بعد أن لجؤوا اليها مع لجنة المراقبين العرب التي قادها الفريق الدابي، وشاؤوها فخا لسورية، وانتهت الى فخ للاعراب الذين سرعان ما تنصلوا منها واوقفوها.
- ويبقى التذكير بالدمية الارخص من الادوات: مجلس استنبول الغليوني، الذي اتخذ موقفا سلبيا من مهمة انان ونعاها قبل ان تبدأ ورفضها لانه يعلم ان الحل السلمي الذي يبحث عنه او يجب ان يبحث عنه كوفي انان لن يكون لمصلحتهم ولن يفرضهم حكاماً على الشعب السوري بل يكون بالاحتكام الى صناديق الاقتراع التي تحدد من يحكم، ولان هذا المجلس –الدمية شأنه شأن معارضات الفنادق والمقاهي الاوروبية يعرف ضعفه وانه لا يملك شعبية او شارعاً يعطيه مشروعية التمثيل، لان ليس لديه اصلا مشروعا وطنياً سوى استلام السلطة باي ثمن حتى ولو كان الثمن تدمير سورية وتسليمها لاسرائيل.
ان هذا المجلس وما شاكله يعلم ان لا مستقبل لمعارضة لا مشروع لها ولا شرعية لها ولا شارع يؤيدها، وان وصول فئة كهذه الى السلطة لا يكون بالحل التوافقي السلمي الذي يراعي حجم الاطراف ويحتكم لارادة الشعب، لهذا فانهم لم ولن يقبلوا بمهمة انان التي اذا نجحت حسب الاصول فانها تقضي على شهواتهم واحلامهم بالسلطة لذلك فانهم سيعملون المستحيل لافشالها، وما الارهاب والشتائم الا سبيلهم الوحيد لذلك.
اذن مهمة انان هي قيد تجاذب بين من يريد انجاحها وهو الحريص على سورية ونفسه، ومن يريد ان يكيفها بما ينقذ مصالحه، وبين من يريد ان يجهضها لان فيها اجهازاً على طموحه. وهذا الفريق الاخير الذي تراكمت خسائره هو المعني الآن بتطبيق استراتيجية الاشغال والارهاق ومنع الحل، ممنيا النفس بفرص قد تأتي من مستقبل قد يكون فيه متغيرات محلية او اقليمية او دولية تعمل لمصلحته.
وتأتي المتفجرات الارهابية في دمشق خدمة لهؤلاء من اجل قطع الطريق على انان ومنع تحقيق الحل السلمي المنشود، متفجرات تعاقب الشعب السوري على وعيه وارادته بالحرية والقرار المستقل، متفجرات تحيي طموحات ومعنويات الجهات التي تآمرت على سورية وعانت من الخسائر والهزائم ما احبطها، ودفعها اليوم وبعد استنفاد كل الاسلحة من مال وإعلام وسياسة واقتصاد وقتل، دفعها الى استعمال السلاحين المتبقيين بيدها: الشتائم والارهاب.
ونحن نقول لهؤلاء، ان جهات لا تملك في سورية مشروعا وطنياً، ولا شرعية شعبية، ولا شارعا جماهيرياً، وكل سلاحها الشتيمة والارهاب، هي حتما لن تنتصر بل تتشتت وتندثر وهذا ما نشهده اليوم من مصير لما يسمى المعارضة السورية وحاضنتها السعودية القطرية التركية ومن يقودهم.
*أستاذ جامعي وباحث استراتيجي