[center]
بقلم
( الشيخ صَالح العَوْد )
فشت في البلدان الأوروبيّة كتابات التّحريف والتّغيير لِـ(نصّ القرآن الكريم) بحروف غير عربيّة، وصدرت في ذلك (سور وأحزاب وأجزاء)، حتّى وصل الحال إلى ظهور (مصحف) بالكامل مكتوب بالحروف اللاّتينيّة!
وهذا عمل فظيع؛ لأنّ فيه تغييراً لوثيقة القرآن الخالدة الّتي أقرّت (الْمُصحفَ بالرّسم العُثماني) على ما هي عليه حتّى اليوم، منذ عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفّان رضي الله عنه.
وأيضاً؛ فإنّ هذا العمل الذي يجب أن يُوصف بالشّنيع لا تُقِرّهُ الشّريعة الإسلاميّة، الْمتمثّلة في الكتاب والسّنّة وإجماع الأمّة. فالقرآن الكريم نزل باللّغة العربيّة، وقد جاءت آيات كثيرة تصفه بأنّه عربيّ، ومن (السّنّة) الّتي هي المصدر الثّاني للتّشريع؛ إذ أثبتت أنّه لم يؤثر عن الرّسول صلى الله عليه وسلم أن كتب أو أمر أو أقرّ أحداً من الصحابة كتابة القرآن بغير الحرف العربي.
ثمّ (الإجماع)؛ فإنّه منذ عهد الصّحابة رضي الله عنهم وإلى يومنا هذا، لم يرَخّص أحد منهم ولا من جاء بعدهم من علماء السّلف ولا فقهاء الخلف، في كتابة القرآن بغير الحروف العربيّة، وعلى ذلك درج علماء عصرنا، ومجامع الفقه ودور الإفتاء في العالمين العربي والإسلامي؛ فإنّهم جميعا حرّموا "تغيير حروفه، وتبديل رسمه، والإخلال بضوابطه وقواعده"، مهما كانت الأسباب والتمست الأعذار؛ لأنّ (دَرْء المفاسد مقدم على جلب المصالح).
إنّ (اللّغة العربيّة) هي روح القرآن، وشعار الإسلام، ولسان الفرائض؛ فالواجب على كلّ مسلم ومسلمة أن يتعلّمها حتّى يقرأ بها القرآن، ويؤدّي بها ما افتُرض عليه؛ فالقرآن لا يسمّى قرآناً إلاّ بها، والصّلاة لا تسمّى صلاة إلاّ بها كذلك.
ثمّ إن هذا العمل عرض إلى قضيّة (التّعريب) وما أدراك ما التّعريب؟! ووازن بينها وبين قضيّة (التّغريب) في الألسن والعقول والأفهام، وقال بالحرف: الأَوْلَى أن نُعَرِّب اللّسان، ولا نغرِّب القرآن.
وبالتّالي؛ فإنّ الحكم الشّرعي في (كتابة القرآن بالحروف اللاّتينيّة) هو (التّحريم) قولاً واحداً، وقد ذهب إلى ذلك مراجع الفتوى في الأوطان الإسلاميّة، مثل: هيئة كبار العلماء في المملكة العربيّة السّعودية، والمجمع الفقهي الإسلامي بمكّة المكرّمة، ودار الإفتاء المصريّة، ومجمع البحوث الإسلاميّة في القاهرة ومعه الأزهر الشّريف، ومجلس الإقراء بدمشق، ودار الإفتاء العام في الأردن، وغيرها..
ومن شاء الوقوف على نُصُوصِهَا فليرجع إلى كتابنا "الامتناع عن كتابة القرآن بالحروف اللاتينيّة أو الأعجميّة بأدلّة الكتاب والسّنّة والإجماع"، طبع دار ابن حزم ببيروت عام (1426هـ= 2005م).
وأختم هذا الْمقال بما ذكره العلاّمة الشّيخ رحمة الله الهندي: أنّ أميراً من أمراء الإنجليز مرّ على معلّم يحفّظ التّلاميذ القرآن الكريم في بلدة (سَهَارَنْفُور)، فسأله عن طالب يحفظ القرآن كلّه، فأشار له المعلّم إلى عدد منهم، فاختار الأمير واحداً ليمتحنه وكان عمره ثلاثة عشر عاماً، فلمّا تيقّن من حفظه التّامّ تعجّب الأمير وقال: "أشهد أنّه ما ثبت تواتر لكتاب من الكتب كما ثبت للقرآن؛ يُمكن كتابته من صدر صبيّ من الصّبيان مع غاية الصّحّة في الألفاظ وضبط الإعراب".