هذه القصيدة قالها نزار في زيارته لتونس، و إليكم النصّ كاملا:
ياتونس الخضراء جئتك عاشقا *** وعلى جبيني وردة وكتاب
إني الدمشقي الذي احترف الهوى*** فاخضوضرت بغنائه الأعشاب
أحرقت من خلفي جميع مراكبي*** إن الهوى ألا يكون إياب
أنا فوق أجفان النساء مكسر*** قطع فعمري الموج والأخشاب
لم أنس اسماء النساء ..وإنما*** للحسن أسباب ولي أسباب
ياساكنات البحر في قرطاجة*** جف الشذى وتفرق الأصحاب
أين اللواتي حبهن عبادة*** وغيابهن وقربهن عذاب
اللابسات قصائدي ومدامعي*** عاتبتهن فما أفاد عتاب
أحببتهن وهن ما أحببنني*** وصدقتهن ووعدهن كذاب
إني لأشعر بالدوار فناهد *** لي يطمئن وناهد يرتاب
هل دولة الحب التي أسستها*** سقطت علي وسددت الأبواب
تبكي الكؤوس ، فبعد ثغر حبيبتي*** حلفت بألا تُسكر الأعناب
أيصدني نهد تعبت برسمه؟ *** وتخونني الأقراط والأثواب؟
ماذا جرى لممالكي وبيارقي؟*** أدعو رباب فلا تجيب رباب
أأحاسب امرأة على نسيانها*** ومتى استقام مع النساء حساب
ما تبت عن عشقي ولا استغفرته*** ما أسخف العشاق لو هم تابوا
قمر دمشقي يسافر في دمي*** وبلابل وسنابل وقباب
الفل يبدأ من دمشق بياضُه*** وبعطرها تتطيب الأطياب
والماء يبدأ من دمشق فحيثما*** أسندت رأسك جدول ينساب
والشعر عصفور يمد جناحه *** فوق الشآم وشاعر جواب
والحب يبدأ من دمشق فأهلنا *** عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا
والخيل تبدأ من دمشق مسارها *** وتشد للفتح الكبير ركاب
والدهر يبدأ من دمشق وعندها*** تبقى اللغات وتحفظ الأنساب
ودمشق تعطي للعروبة شكلها *** وبأرضها تتشكل الأحقاب
بدأ الزفاف فمن تكون مضيفتي *** هذا المساء ومن هو العراب
أأنا مغني القصر يا قرطاجة*** كيف الحضور وما علي ثياب
ماذا أقول ؟ فمي يفتش عن فمي *** والمفردات حجارة وتراب
فمآدب عربية .. وقصائد*** همزية .. ووسائد وحباب
لا الكأس تنسينا مساحة حزننا *** يوما ولا كل الشراب شراب
من أين يأتي الشعر يا قرطاجة*** والله مات وعادت الأنصاب
من أين يأتي الشعر ؟حين نهارنا*** قمع وحين مساؤنا إرهاب
سرقوا أصابعنا .وعطر حروفنا*** فبأي شيء يكتب الكتاب
والحكم شرطي يسير وراءنا*** سرا فنكهة خبزنا استجواب
الشعر رغم سياطهم وسجونهم*** ملك وهم في بابه حجاب
من أين أدخل في القصيدة يا ترى*** وحدائق الشعر الجميل خراب
لم يبق في دار البلابل بلبل*** لا البحتري هنا ولا زرياب
شعراء هذا اليوم جنس ثالث*** فالقول فوضى والكلام ضباب
يتكلمون مع الفارغ فما هم*** عجم إذا نطقوا ولا أعراب
اللاهثون على هوامش عمرنا *** سيان إن حضروا وإن هم غابوا
يتهكمون على النبيذ معتقا *** وهم على سطح النبيذ ذباب
الخمر تبقى إن تقادم عهدها*** خمرا وقد تتغير الأكواب
من أين أدخل في القصيدة ياترى*** والشمس فوق رؤوسنا سرداب
إن القصيدة ليس ما كتبت يدي *** لكنها ما تكتب الأهداب
نار الكتابة أحرقت أعمارنا *** فحياتنا الكبريت والأحطاب
ما الشعر؟ ما وجع الكتابة ؟ ما الرؤى؟*** أولى ضحايانا هم الكتاب
يعطوننا الفرح الجميل وحظهم *** حظ البغايا ما لهن ثواب
ياتونس الخضراء هذا عالم*** يثري به الأمي والنصاب
فمن الخليج إلى المحيط .. قبائل*** بَطِرَت فلا فكر ولا آداب
في عصر زيت الكاز يطلب شاعر*** ثوبا وترفل بالحرير قـ..ب!!
هل في العيون التونسية شاطيء*** ترتاح فوق رماله الأعصاب
أنا يا صديقة متعب بعروبتي*** فهل العروبة لعنة وعقاب
أمشي على ورق الخريطة خائفا*** فعلى الخريطة كلنا أغراب
أتكلم الفصحى أمام عشيرتي*** وأعيد .. لكن ما هناك جواب
لولا العباءات التي التفوا بها*** ما كنت أحسب أنهم أعراب
يتقاتلون على بقايا تمرة*** فخناجر مرفوعة وحراب
قبلاتهم عربية .. من ذا رأى*** فيما رأى قبلا لها أنياب
ياتونس الخضراء كأسي علقم *** أعلى الهزيمة تشرب الأنخاب؟
وخريطة الوطن الكبير فضيحة*** فحواجز ومخافر وكلاب
والعالم العربي إما نعجة*** مذبوحة أو حاكم قصاب
والعالم العربي يرهن سيفه*** فحكاية الشرف الرفيع سراب
والعالم العربي يخزن نفطه*** في خصيتيه وربك الوهاب
والناس قبل النفط أو من بعده *** مستنزفون فسادة ودواب
ياتونس الخضراء كيف خلاصنا*** لم يبق من كتب السماء كتاب
ماتت خيول بني أمية كلها *** خجلا وظل الصرف والإعراب
فكأنما كتب التراث خرافة*** كبرى فلا عمر . . ولا خطاب
وبيارق ابن العاص تمسح دمعها*** وعزيز مصر بالفصام مصاب
من ذا يصدق أن مصر تهودت *** فمقام سيدنا الحسين يباب
ما هذه مصر فإن صلاتها*** عبرية وإمامها كذاب
ما هذه مصر فإن سماءها *** صغرت وإن نساءها أسلاب
إن جاء كافور فكم من حاكم*** قهر الشعوب وتاجه قبقاب
بحرية العينين ياقرطاجة *** شاخ الزمان وأنت بعد شباب
هل لي بعض البحر نصف جزيرة *** أم أن حبي التونسي سراب
أنا متعب ودفاتري تعبت معي*** هل للدفاتر يا ترى أعصاب؟
حزني بنفسجة يبللها الندى*** وضفاف جرحي روضة معشاب
لا تعذليني إن كشفت مواجعي *** وجه الحقيقة ما عليه نقاب
إن الجنون وراء نصف قصائدي *** أوليس في بعض الجنون صواب؟
فتحملي غضبي الجميل فربما*** ثارت على أمر السماء هضاب
فإذا صرخت بوجه من أحببتهم *** فلك يعيش الحب والأحباب
وإذا قسوت على العروبة مرة *** فلقد تضيق بكحلها الأهداب
فلربما تجد العروبة نفسها*** ويضيء في قلب الظلام شهاب
ولقد تطير من العقال حمامة *** ومن العباءة تطلع الأعشاب
قرطاجة :قرطاجة:قرطاجة:*** هل لي لصدرك رجعة ومتاب؟
لا تغضبي مني إذا غلب الهوى *** إن الهوى في طبعه غلاب
فذنوب شعري كلها مغفورة *** والله جل جلاله التواب