رويدة الغيث عضو نشيط
عدد المساهمات : 175 تاريخ التسجيل : 13/04/2012
| موضوع: ذكريات من طفولة الحي العتيق..رويدة الغيث الأحد أغسطس 12, 2012 1:42 pm | |
| ذكريات من الحي العتيق...
وانا طفلة... ساعة ما نتدثر في فراش جماعي قبيل النوم ..وتطفئ أمي المصباح أقول لها "أنا
عطشانة"..تقول لي :"ستأتي الغزالة وتسقيك"..فأفرح العبارة وأظل انتظر قدوم تلك الغزالة
تخرج من الظلمة تحمل كوب ماء بين أظلافها..أو دلوا بين فكيها... ويرحل بي النوم إلى أحلام طفولة جميلة مشرقة الألوان.. وربما رأيت الغزالة
في المنام..
كان منزل طوب في حي شعبي عتيق ..سقفه من جذوع الشجر وأغصانها والطين...بيت عتيق يتكون من
سبع غرف في كل غرفة تسكن أسرة ..تتخذ منها مطبخا وغرفة نوم في آن واحد.. باحته واسعة
مفتوحة على السماء...وفي الصباح كنا نتنافس نحن الصغيرات في تنظيف أزقة الحي ونرش
الماء على أرضها الترابية ..يا الله ما اروع رائحة التراب حين يرش بالماء..
نبدأ صاحنا بلعبة تسمى (القش) ..وتعني الأواني والمطبخ..
كنا نجمع سدادات قارورات المشروبات الغازية ونتخذ منها أواني ونشرع في الطبخ وإعداد
الأكلات..
كنا نفتت بقايا الخبز و بعض الخضر القليلة التي تجود بها علينا امهاتنا..او حتى القشور..وبعض
العشب..ونعد سفرات جميلة..ونتخيلنا نسوة كبيرات..نتبادل الدعوات..واحيانا تذهب كل واحدة
منا الى أمها تشدها من يدها "تعالي الى بيتي..انت مدعوة عندي للطعام"...أمهاتنا غالبا ما كن
يقضين الصبيحة في نسيج الزرابي..في عادة تسمى (التويزة)..و معناها التعاون الجماعي على
انهاء عمل..أحيانا كن يلبين الدعوات وأحيانا يعتذرن..فاذا ألححن عليهن طردننا..وصرخن في
وجوهنا.. كنا أحيانا لا نفهم عصبيتهن الناتجة عن انهماكهن في شغل يوفرن لنا به
الاحتياجات..خاصة عند اقتراب العيد..
أحيانا كانت تنتهي لعبة القش بشجار بين طفلتين في لحظة سخرية واحدة من الأخرى..فيتحطم
المطبخ والأواني المصفوفة..ويتشتت الطعام..وتفسد اللعبة...ويبدأ شد الشعر والصراخ..فتتدخل
الأمهات وتهدئ الوطيس بإشعارنا اننا أخوات والأخوات لا تتشاجر ويتم الصلح... بعد لعبة القش نلعب لعبة العرائس..كنا نصنع عرائس من عودين صغيرين
نجعلهما في تصالب ونغطيهما بقطع قماش صغيرة كانت تمنحها لنا خياطة الحي..
وكم كنا نفرح عندما ندق بابها فتجود علينا بكومة منها ..نزين عرائسنا ثم نقيم حفلة عرس...
ونأخذ بعض الأواني البلاستسكية المستديرة نتخذها طبولا.. ونشرع في العرس..كنا نغني
ونرقص..ونزغرد.. ونعود لدعوة أمهاتنا الى العرس..
وينتهي حفلنا في منتصف النهار عندما يرحل عنا الظل.. فنلجأ الى شجرة كبيرة كانت تتوسط
البيت العتيق..نلعب لعبة (الدّاما) لعبة تشبه الشطرنج..وبعد العصر كنت أجلس الى الشاشة بلونين الابيض والأسود..أشاهد رسوم
متحركة (سندي بال)..أتخيل سندي روحا حية أبكي إذا بكت وأضحك إذا ضحكت..
الرسوم المتحركة ونشرة الأخبار فقط كان يسمح للأطفال بمشاهدتهما..
كنت أحدق بمقدمة النشر أنظر إلى حركة شفاهها..عينيها...الى شعرها القصير..أتساءل عن
ظفائرها.. لماذا لا تغطي شعرها بعصابات مثل امي..كيف دخلت في هذا الجهاز الصغير..
حتى الموت كنت لا أفقه منه شيئا سوى ما يخبربه الكبار أن الميت قد صعد الى السماء..
كنت أظل اتساءل كيف يصعد الميت الى السماء..هل هناك سلم.. هل تحمله الغزالة؟.. وحينما لا
أجد إجابات لتساؤلاتي أشرع في الخيال الطفولي البسيط..أتخيل ان الله ينزل من السماء دلوا
أسودا مثل الذي كان مربوطا ببئر البيت العتيق .. يوضع فيه الميت ثم يسحبه الى أعلى بالحبل
المربوط به....... ومحت الجرافات الآلية الحي العتيق وحولته إلى حي عصري ..جرفت
الذكريات الجميلة..بنت عمارات..سكنها أناس غرباء عن بعضهم أطفالهم لا يعرفون لعبة
القش..ولا العرائس الخشبية..ولا كبارهم يعرفون التويزة.. الجار لايعرف من يجاوره..
عدل سابقا من قبل رويدة الغيث في الإثنين أغسطس 13, 2012 3:31 pm عدل 1 مرات | |
|
عبد المالك حمروش المدير العام
عدد المساهمات : 5782 تاريخ التسجيل : 26/02/2010 الموقع : https://elsoumoudelcharif.ahlamontada.com
| موضوع: ذكريات من طفولة الحي العتيق..رويدة الغيث الإثنين أغسطس 13, 2012 1:16 am | |
| حكاية جميلة عن زمن جميل وعمر جميل ومجتمع جميل .. ووصف بارع وذاكرة قوية .. نور على نور أديبتنا رويدة .. ومسك الختام تلك المقارنة الحصيفة البليغة بين مجتمع جرفته الجرافة وآخر جاء مفكك الأوصال لم يع مقيموه شيئا عن الفروق الجوهرية بين الساكن والبناء المستورد الغريب المقطع للصلات المتينة والتفاعلات الجميلة الخصبة داخل المجتمع الأصيل .. نصك ممتع بفنه ومنور بفكره .. دمت متألقة أديبتنا الواعدة. | |
|
رويدة الغيث عضو نشيط
عدد المساهمات : 175 تاريخ التسجيل : 13/04/2012
| موضوع: رد: ذكريات من طفولة الحي العتيق..رويدة الغيث الإثنين أغسطس 13, 2012 1:25 am | |
| أشكر مرورك استاذي الفاضل..وزقراءتك الجميلة ..ذكريات جميلة فعلا..نسعد بتذكرها في زمن المادية الصعب...واحتقان البشر وحقدهم..وضيق الصدر... | |
|