عبد المالك حمروش المدير العام
عدد المساهمات : 5782 تاريخ التسجيل : 26/02/2010 الموقع : https://elsoumoudelcharif.ahlamontada.com
| موضوع: واقع الأمن القومي العربي وتحدياته المختلفة .. د. احمد فؤاد إبراهيم المغازى الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 12:20 pm | |
| واقع الأمن القومي العربي وتحدياته المختلفة
د. احمد فؤاد إبراهيم المغازى
التعليقات على القضية: الموضوعات والمواقع ذات العلاقة: مقدمه:شهد العالم منذ تسعينيات القرن الماضي مجموعه من التغيرات الدولية والإقليمية التي كان لها الأثر الواضح في شكل وطبيعة النظام الدولي عامة ، وفى الوطن العربي بشكل خاص ، كان من أبرزها وعلى المستوى السياسي انهيار الاتحاد السوفيتي ، والطموح الأمريكي المتمثل في النظام الدولي الجديد ، وانهيار النظام الإقليمي العربي ، والذي ظهر بديلا عنه الإستراتيجية الغربية وخاصة الأمريكية والإسرائيلية التي بدأت تتبنى مفهوم الشرق الأوسط كمفهوم أمنى واقتصادي وسياسي (احمد سليم البرصان ، 2006، ص 143) ، والشراكة الأوربية المتوسطية ، ومجموعة من التحالفات الأمنية العسكرية التي انعكست سلباً على واقع الأمن القومي العربي وشملت التحالف الأمريكي الإسرائيلي ، والتحالف الإسرائيلي الإثيوبي ، والإسرائيلي مع دولة جنوب السودان ، إضافة إلى الربيع العربي.
كذلك كان لغياب الإستراتيجية العربية الموحدة من ناحية وتنامي القوى السياسية لدول المنطقة العربية بسرعة من ناحية أخرى، وميل كل منها نحو صناعة عمق استراتيجي لقوتها من ناحية ثالثة ، الأثر البالغ في تقسيم العمق العربي الكبير إلى وحدات إقليمية اصغر، مما ساعد على توفير المناخ المناسب لإيران لتقوم بالضغط على الجناح الشرقي للمنطقة العربية ، كما تحاول تركيا بعد فترة إهمال طويلة الضغط على الشمال الشرقي للمنطقة العربية لصناعة عمق استراتيجي لها، وتقوم إسرائيل بتعقيد خريطة الصراع على العمق الدفاعي والاستراتيجي بتعميق الخلافات والصراعات وتفريغ المنطقة العربية من إمكانات التنمية من ناحية ، ومحاولة تحطيم الآلة العسكرية للقوى المتنامية من ناحية ثانية ، وصناعة عمق أمنى لها بزيادة المناطق شبة الحاجزة وقت السلم ، ونقل ساحة المعارك إلى أراضى الجيران وقت الحرب ، ومراقبة الصراع على العمق العربي من ناحية أخرى (فتحي محمد مصيلحى، 1992، ص160) ، مما جعل مفهوم الأمن القومي العربي يتراوح بين الأماني القومية صعبة التحقيق ، والأحداث التي أثبتت عدم وجود هذا المفهوم ، وخاصة في 2 أغسطس عام 1990 حين أقدمت إحدى الدول العربية باحتلال دولة عربية أخرى لينهار احد أعمدة نظرية الأمن القومي العربي ، وهو افتراض أن التهديدات تأتى من الخارج، ثم جاءت الحرب الأمريكية على العراق في عام 2003 لتكشف عجز الدول العربية عن بلورة تصور أمنى وإقليمي متكامل http://www.egyptiangreens.com/1/11/2011)) ، وتؤكد أنه لا يوجد نظام أمني حقيقي يجمع بين دول المنطقة، وأن ما هو قائم في واقع الأمر، نظرية تحمل اسم الأمن القومي العربي تعبر فقط عما يجب أن يكون.
منطقة الدراسة:
[justify]يمتد الوطن العربي ما بين دائرتي عرض 2° جنوبا و 37,5° شمالا وبين خطي طول 60° شرقا ، 17° غرباً ، ما عدا دولة جزر القمر التي تقع عند دائرة عرض 12° جنوبا ، ويغطي مساحة تقدر بـ 14,291,469 كلم2 أي بنسبة 10,2% من اليابسة، ويشتمل على 22 دولة عربية ، بعدد سكاني 338 مليون نسمةً تقريباً في تقديرات عام 2007(https://www.cia.gov/14/11/2011) ، وكما يوضح الشكل (1) يقع وسط قارات العالم القديم آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتمتد أراضيه في آسيا وأفريقيا ويفصل بينهم البحر الأحمر.
شكل (1) الموقع الجغرافي للوطن العربي وعلاقاته المكانية ويطل الوطن العربي على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي والبحر العربي ، ويطل على محيطين هما المحيط الأطلسي غرباً والمحيط الهندي شرقاً.
أهداف الدراسة:
1-دراسة مفاهيم الأمن والأمن القومي وتعريف الأمن القومي العربي.
2-رصد واقع الأمن القومي العربي من خلال مراحل العلاقات العربية – العربية ، والتحديات السياسية التي تواجه العالم العربي وتهدد أمنه القومي.
3-التعرض لوسائل النهوض بالأمن القومي العربي من خلال إنشاء قوة عسكرية مشتركه ، ومبدأ الوحدة الاختيارية ومراحلها.
4-عرض لفرص نجاح إستراتيجية النهوض بالأمن القومي العربي.
أهمية الدراسة:
* يعد الأمن القومي من ضرورات وجود الأمم ، ومطلب الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج.
* تساعد هذه الدراسة في تحديد أماكن الضعف في النظام العربي، واهم القضايا السياسية المؤثرة سلباً على الأمن القومي العربي.
* محاولة إلقاء الضوء على ما هو كائن وما ينبغي أن يكون في قضية الأمن القومي العربي في جانبه السياسي والعسكري.
فرضيات الدراسة:
أن الأمن القومي العربي مفقود ، وهذا ناجم عن عدم وجود حكومة واحدة للعرب تضع سياسة واحدة للأمن القومي العربي ، والنهوض بالأمن القومي العربي يعد أمراً ضروريا لخلق جبهة عربية موحدة إزاء التحديات الإقليمية والدولية ، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية على السياسة العربية الداخلية والخارجية.
محددات الدراسة: للأمن أبعاد خمسة تضم البعد السياسي والعسكري ، والبعد الاقتصادي ، والبعد الاجتماعي ، والبعد الأيديولوجي، وأخيراً البعد البيئي، وستقتصر الدراسة على مجال الأمن القومي العربي في المجال السياسي والعسكري.
منهج الدراسة: اتبعت الدراسة المنهج التاريخي ، والمنهج الإقليمي ، والمنهج الوصفي ، والمنهج التفسيري ، بالإضافة إلى الأسلوب التحليلي.
أولاً: دراسة مفاهيم الأمن والأمن القومي والأمن القومي العربي.
1-مفهوم الأمن:
يعد مفهوم الأمن من الأمور النسبية المتغيرة التي يتسع ويضيق وفقاً لطرق تناوله (سليمان عبد الله الحربي، 2008 ، ص 30) ، ويعرف هنري كيسنجر الأمن بأنه : " أي تصرف يسعى المجتمع عن طريقه لتحقيق حقه في البقاء " ، أو هو " القدرة على التحرر من تهديد رئيس للقيم العليا الفردية والجماعية، وذلك من خلال جميع الوسائل الممكنة للحفاظ على حق البقاء على الأقل، أو هو غياب التهديد للقيم الأساسية "(لخميسى شيبى،2009، ص10)، وللأمن مقومات عدة تضم المقومات الجيوبوليتيكية التي تشمل حجم الرقعة الجغرافية ، و التضاريس أو طوبوغرافية الأرض ، والموقع الجغرافي ،والمقومات الاقتصادية ، والمقومات الاجتماعية ، والمقومات السياسية الداخلية منها والخارجية .
كذلك فإن للأمن مستويات عده منها ما يخص امن الأفراد والأمن الإنساني ، وله أبعاد خمسة تضم البعد السياسي والعسكري ، وهو خاص بحماية الكيان السياسي للدولة ، والبعد الاقتصادي المسئول عن الوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له ، والبعد الاجتماعي الذي يسعى لتوفير الأمن الاجتماعي لتنمية الشعور بالانتماء والولاء ، والبعد الأيديولوجي والذي يؤكد ويرسخ حرية الفكر والمعتقد ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم السائدة، وأخيراً البعد البيئي الذي يسعى للحفاظ على البيئة من التلوث الأرضي والمائي والهوائي.
ويعتمد الأمن على أربع ركائز ، تضم الأولى إدراك التهديدات سواء الخارجية منها أو الداخلية، والثانية رسم إستراتيجية لتنمية قوة الدولة ، والثالثة توفير القدرة على مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية ببناء القوة المسلحة وقوة الشرطة ، والرابعة إعداد سيناريوهات للتهديدات الداخلية والخارجية ، واتخاذ إجراءات لمواجهتها ، ويشتمل على أربع مستويات بدءاً من أمن الفرد ضد أية أخطار تهدد حياته أو ممتلكاته أو أسرته ، مروراً بأمن الوطن ضد أية أخطار خارجية أو داخلية للدولة ، ثم الأمن القُطري أو القومي، وأخيراً الأمن الدولي والمسئول عنه المنظمات الدولية.
2- الأمن القومي:
يعتبر الأمن القومي من الأمور الهامة التي تتصدر أولويات الأمم وان اختلفت في قوتها وحجم الأخطار التي تتعرض لها ، حيث يقاس نجاح أي أمه بقدر ما توفره لشعبها من أمن ، ولقد برز تعبير الأمن القومي على الصعيد السياسي واضحاً في العصر الحديث ، وارتبط بالأحداث العسكرية على وجه الخصوص وبالتوازنات الإستراتيجية وصراعات القوى (صلاح الدين حافظ ،1982، ص 154) ، ويرجع أموس جوردن Amos Jordan ، ووليم تيلورW.J. Taylar ظهور الأمن القومي كمصطلح علمي منذ الحرب العالمية الثانية ، أما جوزيف ناي Nye Joseph ، وروبرت كيوهان Rebert Keohane فيعتقدان بأنه ناتج عن الحرب الباردة (لخميسى شيبى،2009، ص14) ، ويقول ماكنمارا المدير السابق للبنك الدولي بتعريف ينحو منحى اقتصادياً بقوله أن الأمن القومي هو التنمية وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن ، وأن الدول التي لا تنمو بالفعل لا يمكن أن تظل آمنة ، فالأمن القومي هو تأمين الدولة من داخلها وحمايتها من التهديد الخارجي بما يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر لها أسباب النهوض والنمو والتعبير عن هويتها بين الأمم وممارسة حريتها في استغلال طاقاتها البشرية وثرواتها المعدنية والطبيعية للوصول إلى تحقيق أهدافها في التقدم والازدهار والسلام (عيسى درويش ،1999، ص. ص 56، 57) ، ولذلك تناولته الدراسات من خلال مدرستين ، الأولى هي المدرسة الإستراتيجية التي تركز على الجانب العسكري والتهديد الخارجي ، والثانية هي المدرسة المعاصرة أو التنموية التي ترى أن مصادر التهديد لا تقتصر فقط على التهديد الخارجي وإنما أيضاً على التهديد الداخلي الذي يشمل أبعاداً اقتصادية واجتماعية وثقافية.
3- الأمن القومي العربي:
يرتبط مفهوم الأمن القومي العربي بالمرحلة التالية لحروب التحرير الوطني والاستقلال السياسي وطرد المستعمرين من المنطقة العربية ، ويعرف الأمن القومي العربي على انه هو قدرة الأمة العربية على حماية كيانها الذاتي ضد الأخطار الخارجية من اجل ضمان بقائها ، وقد اشترط التعريف لتحقيق هذا الأمن شرطين هما: الأول وجود نظم ديمقراطية حقيقية موحدة أو متحدة أو متضامنة أو حتى متفقة على خطة عمل أمنية لحدودها الجغرافية ، والثاني وجود تنمية شاملة واقتصاد متكافئ ومتكامل تحت قيادة قومية مؤمنة بحق شعوب الوطن العربي بوحدته أو باتحاده ، أي امتلاك أسباب القوة القومية المؤهلة قيادة وكفاءة، والقادرة على تحقيق المتطلبات الأمنية لكافة قطاعات الأمة العربية ، وتضمن لهذه الأمة البقاء دون هواجس أو الشعور بالخوف (محمد عوض الهزايمة ،2003، ص 9) ، غير أن الأمن القومي العربي مازال مفهوما متحركا من حيث الاتفاق على تعريفة وتحديده ورسم معالمه ، وما زالت صلته بالأمن القطري ضبابية غائمة . فأين يبدأ القومي وينتهي ، وأين أول القطري وأين آخرة وكيف يتم الانتقال من القطري إلى القومي ، مما جعل الفكر السياسي العربي بعيداً عن صياغة محدّدة لمفهوم الأمن القومي في الوقت الذي باتت فيه مفاهيم كثيرة للأمن القومي في كثير من الدول واضحة ومحدّدة، كالأمن القومي الأمريكي والفرنسي والإسرائيلي. فقد تعدّدت الآراء في هذا الخصوص، ودون الدخول في التفصيلات نستطيع أن نحدّد ثلاثة اتجاهات متباينة. الأوّل يتجاهل فكرة الأمن القومي العربي، والثاني ينظر إلى المفهوم في إطار ما ينبغي أن يكون، في حين ينظر إليه الاتجاه الثالث كمرادف لمفهوم الأمن الإقليمي (خلف محمد الجراد، 1999،ص24) ، وكانت المحصلة في النهاية تراجع للأمن القومي العربي لأسباب منها ما هو سياسي مثل التجزئة التي تعرض لها الوطن العربي وسيادة مفهوم القطرية ، ومنها ما هو أيديولوجي مثل التوظيف الخاطئ لمفهوم القومية العربية ومنها ما هو اقتصادي كالمديونية والتبعية الاقتصادية ، إضافة إلى ضبابية الفكرة ، ولم تشفع العوامل الاجتماعية من وحدة الدين و اللغة والثقافة والحضارة ، والاقتصادية من الثروة النفطية والموارد الطبيعية والمساحات الزراعية والقدرة السياحية، والعسكرية من الطاقة البشرية والترسانة الهائلة من الأسلحة ، في خلق نظام عربي قادر على حفظ الأمن القومي للدول العربية (http://www.beirutcenter.info/20/12/2011).
ثانياً: رصد واقع الأمن القومي العربي.
- مراحل العلاقات العربية - العربية:
مرت العلاقات العربية بخمسة مراحل منذ استقلال معظم الدول العربية حيث كانت المرحلة الأولى في الخمسينات والستينات والتي انقسم العالم العربي فيها ما بين المعسكرين الشرقي والغربي وانتهت بالعدوان الاسرائيلى على مصر وسوريا والأردن في 5 يونيو 1967 ، وكانت المرحلة الثانية في السبعينات والتي تعد نموذج جيد للتعاون العربي العربي والذي تجلى في حرب اكتوبر 1973 ،وانتهت بزيارة السادات للقدس وتوقيعه على معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979 وما تبعها من مقاطعة معظم الدول العربية لمصر ، وكانت المرحلة الثالثة في الثمانينات والتسعينات ومرت بمرحلتين رسختا بداية الانقسام العربي حيث انقسم العرب في البداية ما بين مؤيد ومعارض للعراق في حربة مع إيران والثانية أيضاً ما بين مؤيد ومعارض لغزوة للكويت، والتي انتهت بالاستعانة بقوات التحالف الدولي للمساعدة في تحرير الكويت ، والمرحلة الرابعة بدأت مع مطلع الألفية الثالثة وأيضاً أظهرت كم التناقضات في المواقف العربية تجاه القضايا العربية المختلفة وعلى رأسها الموقف من القضية الفلسطينية ومفاوضات السلام مع إسرائيل وتقسيم الدول العربية إلى دول ممانعة ودول اعتدال ، وظهرت بوادر المرحلة الخامسة والأخيرة مع نهاية عام 2010 والى الآن ، حيث بدأت مرحلة جديدة من العلاقات العربية العربية مع بداية الربيع العربي الذي بدأ من تونس مروراً بمصر ثم ليبيا واليمن وسوريا ، والذي أدى أيضاً إلى انقسام الدول العربية ما بين مؤيد ومعارض لما يحدث.
- التحديات السياسية والإستراتيجية التي تواجه العالم العربي وتهدد أمنه القومي:
يقوم الأمن القومي العربي على فكرة قدرة الدول العربية على حماية الأمة العربية من الأخطار الخارجية والداخلية القائمة أو المحتملة وتحقيق فكرة القومية العربية ، وهو ما يتجاوز الواقع الحالي للوطن العربي ، وما يتعرض له أمنه القومي من تهديدات ، والتي تشمل:
1- خطر وجود إسرائيل على الأمن القومي العربي:
كتب البارون اليهودي روتشيلد في عام 1840 في خطابة إلى رئيس الوزراء البريطاني بالمرستون يبين له خطر نقطة الارتكاز الجغرافي "مصر" ويربطها بالبعد القومي العربي ويبين أهمية وجود دولة يهودية من اجل احتواء خطر نقطة الارتكاز الجغرافي العربي على أوروبا والغرب ، فيقول " إن هزيمة محمد على وحصر نفوذه في مصر ليسا كافيين لأن هناك قوة جذب بين العرب . وهم يدركون أن عودة مجدهم القديم مرهون بإمكانيات اتصالهم واتحادهم ،وهكذا لو نظرنا إلى خريطة هذه البقعة من الأرض فسوف نجد أن فلسطين هي الجسر الذي يوصل بين مصر والعرب في آسيا ، وكانت فلسطين دائما بوابة الشرق ، والحل الوحيد هو زرع قوة مختلفة على هذا الجسر في هذه البوابة ، لتكون هذه القوة بمثابة حاجز يمنع الخطر العربي ويحول دونه (احمد سليم البرصان ،2007، ص122) ، أي العمل على استمرار عزل نقطة الارتكاز الجغرافي العربي عن القلب العربي الأسيوي ، وكان لهم ما خططوا له وقامت إسرائيل في 15 مايو 1948 على التراب العربي في فلسطين وأصبحت بالفعل الحاجز المانع للاتصال الطبيعي بين البلاد العربية ، ليس ذلك فحسب بل وخاضت حروب عديدة ضد الدول العربية ومصالحها منذ حرب عام 1948 ، مرورا بحرب 1956 ، وحرب 1967 ، وحرب 1973 ، واجتياح لبنان في 1982 ، والعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 ، وعلى غزة عام 2008 ، وغيرها الكثير من الخروقات والمجازر سواء بلبنان أو فلسطين ، بل وفى تونس من قبل فى 1 اكتوبرعام 1985 ، والسودان مؤخراً.
وكذلك تبنت إسرائيل في سياستها تجاه العالم العربي إستراتيجية المحاصرة ، أي تطويق السياسة العربية ، وهو ما يعرف بسياسة شد الأطراف Peripheral doctrine ثم بترها ، كما حدث في السودان والتي انتهت بظهور دولة جنوب السودان في 9 يوليو 2011 بناءً على رغبة دولية قوية لفصل جنوب السودان ، حيث تلاقت جميع المصالح الأمريكية والإسرائيلية وحتى الإفريقية بدول الجوار في إثيوبيا وكينيا وأوغندا حيث دعموا جميعا قوات التمرد بقيادة جون جارنج ومن بعدة سلفا كير بهدف التواجد الفعلي على أرض جنوب السودان التي ترى إسرائيل والولايات المتحدة فيها أفضل وسيلة للسيطرة على العمق الإفريقي ، وتهديد الأمن القومي العربي عامة ، والمصري السوداني خاصة ، وبشكل مباشر ، إضافة إلى الحصول على النفط السوداني من الجنوب والاستثمار به . وكما حدث في التعاون الإسرائيلي الأثيوبي، والذي يهدف أيضاً إلى تحقيق نظرية الأمن الإسرائيلي عن طريق تطويق الدول العربية وخاصة مصر وحرمانها من أي نفوذ في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه ، فلقد حصلت إسرائيل على كثير من الامتيازات العسكرية والإستراتيجية في إثيوبيا ، حيث تواجدت في جزر دهلك بالبحر الأحمر ، كما حصلوا على اتفاق تعاون عسكري تتمتع فيه إسرائيل بخصوصية التدخل العسكري المباشر في حالة تهديد الملاحة في البحر الأحمر ، أو وجود مخاطر أخرى تهدد مصالحها التجارية خاصة في قناة السويس ، كما تمكنت إسرائيل من بناء قاعدة عسكرية في شمال إثيوبيا تحمل طابع السرية ، وذلك لردع أي تحرك مصري سوداني معاد لإثيوبيا بصورة مفاجئة ، كما تصبح المنطقة في حوض النيل على هيئة قوس حماية من شرم الشيخ إلى جنوب مصر ووضع السد العالي كهدف عسكري ، إضافة إلى القواعد المصرية المنتشرة على جانبي السد العالي ، وذلك الإجراء يدخل المنطقة ضمن دائرة المراقبة في وقت السلم ، بما فيها شمال السودان (حسين سالم أبو شويشة ، 2007، 15) ، وذلك منذ بداية الستينات وعلى كافة المستويات من التعاون ، فلقد سمحت إثيوبيا عام 1960 بعبور خبراء إسرائيليين لمتمردي جنوب السودان الذين يقاتلون ضد حكومة الخرطوم وإقامة اتصالات معهم(Marcel Kitissou, 2004, P.13 ) ، واستطاعت إسرائيل بذلك تجنيد أثيوبيا ضد مصر في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا وحتى في منظمة الوحدة الإفريقية (أحمد سليم البرصان ،2006، ص 154).
2- التحديات التي سوف يفرضها الربيع العربي على الأمن القومي العربي:
تعيش بعض الدول العربية في هذه الفترة ثورتها الثانية ، بعد أن خاضت ثورتها الأولى في تصفية الإمبراطورية والانتقال من الاستعمار إلى التحرر ، غير أن ثورتها الحالية ليست ضد قوى استعمارية خارجية ، بل ضد ظلم داخلي وقع عليها وشمل كافة نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، غير أن هذا الواقع الجديد اوجد تحديات إضافية ستؤثر إيجاباً وسلباً على أمنه القومي وذلك من خلال:
- التعاطي المختلف مع القضية الفلسطينية ومع مسار التسوية الذي وصل إلى طريق مسدود.
- التعاطي مع القوتين المحوريتين الأخريين في المنطقة ، أي إيران وتركيا ، وفق معادلة جديدة تقوم على التعاون الاستراتيجي التكاملي وليس العداء.
- التعامل الجدي مع حالة فراغ القوة التي بدأ المجال الإقليمي للعرب يشهده مع بدء تقهقر مشروع السيطرة الأمريكي على هذا المجال (فارس أبى صعب ،2011، ص 104) .
3- ظاهرة تدويل النظام العربي والوجود الأجنبي على أراضية:
بمعنى زيادة اختراقه من خارجة بما جعل ملفات القضايا العربية الكبرى في أيد غير عربية ، كملف الصحراء المغربية الذي لم يكن يوما مسئولية أية دوله أو منظمة عربية ، وكذلك ملفات السودان ولبنان والعراق والصراع العربي – الإسرائيلي (احمد يوسف احمد ، نيفين مسعد،2011، ص34) ، لتتحول الصورة بشكل أو بآخر إلى تدخل مباشر في المنطقة ، والتي تعد حقيقة لا يمكن إنكارها ، وهى ليست جديدة ، بل حالة متواصلة تتعلق أسبابها بمكانه الوطن العربي الإستراتيجية ، سواء ما يتعلق بثرواته أو في إطار الصراع الدولي ، ولا شك في أن احتلال العراق يمثل نموذجاً صارخاً للتدخل الأجنبي بالمنطقة (صالح بن محمد الخثلان ، 2008،ص129 ) ، وهو ما تبعة الكثير من الآثار السلبية على الأمن القومي العربي جراء الوجود الأجنبي على أراضية ، والتي منها تزايد الاعتماد العربي على الولايات المتحدة في المجالات الأمنية ، وتغير الإدراك لمصادر تهديد الأمن القومي العربي ، إضافة إلى تراجع القضايا الأساسية للامه العربية نتيجة تزعزع الإرادة القومية (محمد حسون ،2010، ص 366).
4- تباين التحديات التي تعانى منها الدول العربية:
تختلف التحديات التي تواجه البلاد العربية من مكان لآخر، ومنها ما هو داخلي وما هو خارجي ، ففي المغرب العربي نجد انه يعانى من التحديات الداخلية أكثر من التحديات الخارجية حيث أصبح الإرهاب مشكلة إقليمية هناك وفرض نفسه كخطر آني ومتوسط المدى بالنسبة لجميع دول المنطقة ، وإن كان بنسب متفاوتة ، ومشكلة البطالة التي تتراوح معدلاتها ما بين 12% ، 14% في كل من الجزائر والمغرب وتونس، وتزيد عن 30% في موريتانيا ، إضافة إلى مشكلة الصحراء المغربية التي تتداخل فيها جميع الأطراف الإقليمية والدولية.
وفى ليبيا فمن المؤكد أن ما حدث بها مؤخراً قد كلف الشعب الليبي تكلفة باهظة دفعها من دماء أبناءة ومقدراته الاقتصادية ووحدته الاجتماعية ، أما في السودان فيعانى من تحديات خارجية تسبق التحديات الداخلية وان لم تمنعها حيث انتهت إحدى فصوله الخارجية بفصل جنوب السودان وظهوره كدولة مستقلة ، وما زال باقي فصول التحديات مفتوح وخاصة في دارفور، إضافة إلى التحديات التقليدية من بطالة وانخفاض لمستوى الدخل الاقتصادي ، وما يترتب عنه من تردى في مستوى الخدمات.
ويعانى الصومال بأقصى جنوب الوطن العربي وعلى نفس القدر من تحديات خارجية تتمثل في التحدي الأثيوبي المستمر، ومشكلات الحدود ، وتحديات داخلية طاحنة أدت إلى انهيار الدولة منذ يناير 1991 ونشوب الحرب الأهلية ، مما أدى إلى تدخل الأمم المتحدة ، بواسطة قوات متعددة الجنسيات، في الفترة من 1992 إلى 1994 ، ولا تزال المساعي العربية والأفريقية تبذل من أجل الحفاظ على وحدة الصومال وسلامة شعبه واستقلاله، وما زالت الصومال تشكل إحدى بؤر الصراع التي يعانى منها الوطن العربي وإحدى نقاط الضعف في نظام الأمن القومي العربي.
وفى مصر نجدها تعانى من تهديدات داخلية تمثلت في تبعات ثورة 25 يناير وما نتج عنها من اضطراب في المشهد السياسي المصري ، وتحديات خارجية متمثلة في وجود إسرائيل على حدودها الشمالية الشرقية وتهديد أمنها القومي في حوض النيل، وربما في المستقبل القريب في دولة جنوب السودان ، وأيضاً كل ما يحدث بالسودان يلقى بظلاله على أمن مصر القومي بشكل مباشر.
ونجد بشرق الوطن العربي التحدي الخارجي يسبق غيرة من التحديات والمتمثل في إيران وما تمثله من تحدي لأمن الخليج العربي ونفوذها المتزايد وخاصة بالمشهد العراقي ، إضافة إلى التواجد الأجنبي بالمنطقة حيث يشكل الوجود العسكري والسياسي للولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي والمقترن بالتحالف الإستراتيجي والوثيق مع إسرائيل خطراً حقيقياً على بلدان الخليج العربي وشعوبها, حيث اعتبرت الولايات المتحدة منطقة الخليج عام 1973 منطقة مصالح سياسية واقتصادية وإستراتيجية، وارتبط أمن الخليج وبالتالي الأمن القومي العربي بأمن الولايات المتحدة ، مما يزج بدول الخليج والدول العربية في استقطابات وتكتلات هي في غنى عنها، ويجرها إلى صراعات إقليمية لا تحتاجها ، وتواجه أيضاً بالإضافة إلى التحديات الأمنية الناشئة عن الوجود العسكري الأجنبي والتهديدات المحيطة بها تحديات أخرى تتمثل في الغلبة السكانية للأجانب فيها، والهوية القومية والوطنية(http://www.aljazeera.net/1/1/2012) ، إضافة إلى تنامي ظاهرة الإرهاب.
أما في بلاد الشام فنجد أيضا التحدي الخارجي يتمثل في الضغوطات الإقليمية متمثلة في تركيا وإيران والولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى التحديات الداخلية المتمثلة في هبوب رياح التغيير على بعض بلدان المنطقة أو ما يسمى بالربيع العربي.
5- الخلافات العربية - العربية:
في ظل ضعف النظام الإقليمي العربي ممثلاً بالجامعة العربية ، وعجزه عن مسايرة التغيرات المتلاحقة بالمنطقة العربية ، لم يخلوا النظام العربي وعبر مراحل تطوره من ظاهرة الخلافات العربية العربية، التي بلغت في بعض الأحيان درجة من الشدة جعلتها تنفجر في شكل مسلح ، مثل مسألة الحدود الوهمية بين الأقطار العربية ، التي كرست فلسفة الدولة القطرية وعززت كيانها وخلقت خلافات بين العرب تم حل بعضها ومازالت هناك الكثير منها بدون حل إلى الآن ، وكذلك الخلاف حول الحدود مع دول الجوار الجغرافي ، ومشكلة المياه وما يمكن أن تثيره من نزاعات في المستقبل سواء بين الدول العربية أو بينها وبين دول المنابع.
غير أن غزو العراق للكويت في عام 1990 كان بمثابة النقطة الفارقة في العلاقات العربية العربية ، حيث انقسم العالم العربي إلى ثلاثة معسكرات الأول أعلن تأييده للعراق واعتبر أن حرب تحرير الكويت عدوانا على الأمة العربية مثلما فعلت الأردن وتبعتها اليمن ، ومعسكر تحفظ في موقفة مثل الجزائر وتونس وموريتانيا والسودان وليبيا ، ومعسكر ساند الكويت وقام بالمساعدة مثل مصر والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان وسوريا والمغرب ، وازداد المشهد تدهوراً بعد احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق في عام 2003، وحالياً أيضاً لا تخلوا الصورة من تنامي ظاهرة الخلافات العربية ، وخاصة في ظل الثورات العربية في بعض بلدانه واختلاف المواقف العربية تجاه هذه الثورات ما بين مؤيد وداعم إلى رافض ومستنكر والى محايد لا يتدخل بأي شكل، وهو ما تكرر أثناء الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا وحاليا في اليمن وسوريا، وأدت هذه الخلافات إلى زيادة الانقسامات العربية سواء على مستوى الحكومات أو حتى على مستوى الشعوب ، وهو ما انعس سلباً على مشروعات التكامل العربي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية ، ولا شك في أن استمرار هذه الخلافات يمثل احد أهم العوامل التي تهدد الأمن القومي العربي.
6- التجزئة والانفصال في الوطن العربي:
يشمل الوطن العربى22 دولة على مساحة تقدر بحوالي 14 مليون كم2، ما أدى إلى معاناته من مشاكل التجزئة والانفصال ، والتي أثرت ومازالت في أمنه الوطني والقومي ، وتشكل عائقاً في وجه تقدمه الاقتصادي والاجتماعي.
7- مشكلة الأقليات في الوطن العربي:
يعتبر وجود الأقليات في الوطن العربي أمراً طبيعياً في ظل وجود مساحة عظيمة مترامية الأطراف للوطن العربي، إضافة إلى تعرض هذه البقعة من الأرض إلى هجرات وافدة من مناطق أخرى خارج حدوده عبر تاريخه الطويل ، ومع تطور المجتمعات العربية واتجاهها نحو مزيد من الحرية والديمقراطية سعت هذه الأقليات إلى أن تجاهر بمطالبها وحقوقها في الاعتراف بوجودها المستقل لغوياً وعرقياً وثقافياً ودينياً.
8- الخطر النووي الإسرائيلي والإيراني:
نجحت إسرائيل في أن تمتلك السلاح النووي ، وتصبح الدولة الوحيدة التي تمتلك هذا السلاح في منطقة الشرق الأوسط ، وهى الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم توقع على معاهدة حظر الانتشار النووي ، وهو ما يشكل تهديدا بالغاً على الأمن القومي العربي يجب مواجهته ، أما في حالة الملف النووي الإيراني فقد رجح الخبراء بأن إيران ستحتاج إلى عقد من الزمن على الأقل لتكون قادرة على إنتاج سلاح نووي واحد (http://www.aljazeera.net/7/1/2012)، ويتعامل العالم مع هذا الملف من خلال عدة خيارات منها ما هو دبلوماسي كما تفعل الصين وروسيا ، ومنها ما هو اقتصادي كالعقوبات الاقتصادية المفروضة حالياً ، والتي تخطط الدول الغربية إلى فرضها عن طريق مجلس الأمن مستقبلاً ، ومنها ما هو عسكري كما تهدد إسرائيل من خلال توجيه ضربات للمواقع النووية الإيرانية في بوشهر وأصفهان وأراك ونتانز.
وتتعامل دول الخليج مع الملف الإيراني بحذر شديد ، حيث تخشى آثاره الأمنية والبيئية على حد سواء ، ولا تزال دول الخليج خاصة وباقي الدول العربية عامة تشجع الحل الدبلوماسي لملف إيران النووي ولا ترحب بأي تدخل عسكري جديد بالمنطقة.
ويجب أن يكون هناك أكثر من بديل عربي للتعامل مع الملف النووي الإسرائيلي القائم بالفعل ، والإيراني في حالة تحوله من الاستخدامات السلمية إلى ملف نووي ذي طابع عسكري ، وذلك إما عن طريق التسليح النووي المقابل لتحقيق التوازن المطلوب ، وإما العمل على انضمام إسرائيل لمعاهدة منع الانتشار النووي ، أو التمسك بالمطالبة بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ، وذلك بغية التوازن الاستراتيجي بين الدول العربية والدول المجاورة لها من خارج الوطن العربي.
ثالثاً: وسائل النهوض بالأمن القومي العربي:
في البداية يجب أن نعود إلى فكرة الأمن القومي العربي من منطلق التوازن بين المثالية والواقعية ، في معادلة دقيقة في مسار العلاقات الدولية بعيداً عن سياسات الهيمنة والاستئثار بالموارد والثروات (عدنان السيد حسين ، 2008، ص5) ، حيث يجب أولاً التعريف الدقيق والواقعي لمعنى مصطلح تهديدات الأمن والسلم الإقليميين التي تعتبر في نطاق مسئولية نظام الأمن القومي العربي، ليشمل هذا التعريف الواقعي الاعتراف بأنه من الممكن أن تشكل دول عربية مصدراً لتهديد أمن دول عربية أخرى. وثانياً تفويض النظام الإقليمي بقدر معقول من السلطة السياسية والمعنوية لتقييد مجال التصرف الاستراتيجي والأمني المنفرد في الحالات التي ينشأ فيها عن هذا التصرف نتائج سلبية على أمن بقية أطراف النظام الإقليمي أو أضرار ملموسة بالمصالح الأمنية والإستراتيجية العربية العامة ، وثالثاً الترجمة المادية المحددة للالتزامات الأمنية المتبادلة في نطاق النظام العربي بإنشاء آلية تنفيذية ومؤسسية ذات ولاية أمنية إقليمية ، أي إنشاء قوة عسكرية مشتركه باعتبارها جوهر التحديث المطلوب للنهوض بنظام الأمن العربي (محمد السيد سعيد ،1992، ص .ص 288، 289) ، واعتماد مبدأ الوحدة الاختيارية للدول العربية في أشكال مكانية محددة وعبر مراحل زمنية مناسبة.
1- إنشاء قوة عسكرية مشتركه:
تشمل القوة العسكرية إطاراً عاماً يعطي الأمان داخلياً وخارجياً لقدرات الدولة ، لتنمو وتتطور وتحقق أهداف الأمن القومي بمفهومه الشامل ، وإذا كان الأمن الخارجي يشمل إقامة منظومة عسكرية متكاملة لردع العدو المحتمل وحماية الوطن وتحقيق الأمن من التهديد الخارجي فإن الأمن الداخلي يشمل إشباع حاجة المواطن للشعور بالطمأنينة في الداخل وحماية حقه داخل الجماعة وتحقيق حقوقه المشروعة في البيئة الاجتماعية المحيطة والدفاع عنها وحمايتها (عيسى درويش، 1999، ص62) ، وخاصة أن حالات أو احتمالات الحروب لم تتوقف منذ عام 2003 فقد بدأت التوترات بغزو العراق ، وإثارة احتمالات " الهدف التالي " قبل أن تنفجر حرب لبنان عام 2006 مع وجود سيناريوهات تقرر أن ثمة حرب رابعة في الخليج قد تنشب في مواجهه إيران مع وجود أزمات مسلحة مفتوحة بين تركيا وشمال العراق أو بين إسرائيل وسوريا أو بين تشاد والسودان أو أثيوبيا والصومال ، وتنسحب آثار بعضها على ما يتجاوز مسارح عملياتها (المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية (ICFS) ، 2008، ص1) ، لذلك فدراسة الموقف العسكري لدول الوطن العربي يعطى فكرة عن مدى جاهزية أي دولة لإدارة صراع مسلح إذا ما اقتضت الضرورة لذلك ، مع عدم إغفال الوضع العسكري لدول الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وباقي دول الجوار الجغرافي بالشرق والشمال ، وتصور موازين القوى الإقليمية والدولية بالمنطقة العربية ، فغياب الحرب لا يعنى عدم وجود الصراع (Mark Zeitoun and Naho Mirumachi,2008,P.3) .
وبدراسة الجدول(1) والذي يبين حجم القوات العربية وميزانية الدفاع للعام 2011 وترتيب بعض هذه الجيوش ضمن أفضل خمس وخمسين جيش على مستوى العالم يتضح أن جيوش الوطن العربي تضم 2,921,800 جندي بميزانية تقدر بـ 108,305 مليار دولار ، أيضاً يتبين أن الجيش المصري يأتي في المرتبة الأولى عربيا والسادسة عشر عالميا يليه الجيش السعودي ثانياً عربياً وبالمرتبة 26 عالمياً، وهذه الجيوش العربية مجتمعة تشكل قوة لا يناظرها أي جيش بالمنطقة سواء في عددها أو ميزانية تسليحها ، وهو ما يعطى مؤشراً عن القدرة العالية للجيوش العربية وإمكاناته التي تستطيع حسم أي صراع مسلح لصالحها ، وتحقيق إستراتيجية عسكرية رادعة في حال اتحادها ، غير أن الواقع ينافى هذه الصورة المثالية ، حيث أن الجيوش العربية لا تشكل كيانا واحدا بل هي جيوش تحمى الأمن القومي القطري.
جدول (1) الحالة العسكرية لجيوش الوطن العربي عام 2011م.
الدولة
حجم القوات المسلحة العاملة فقط بالألف ميزانية الدفاع بالمليار دولار أمريكي الترتيب العالمي للقوات المسلحة
الدولة حجم القوات المسلحة العاملة فقط بالألف ميزانية الدفاع بالمليار دولار أمريكي الترتيب العالمي للقوات المسلحة
مصر 479 7,150 16 السودان 109,3 1,991 -
السعوديه 233,5 39,200 26 تونس 35,8 0,548 -
سوريا 304 1,800 35 صومال 17,6 - -
العراق 276,6 17,900 36 عمان 42,6 4,047 -
الجزائر 435 6 38 المغرب 195,8 3,256 -
ليبيا 119 1,500 39 موريتانيا 15,9 0,115 -
الأردن 100,7 1,400 43 الإمارات 51 15,749 -
اليمن 401 0,490 48 جيبوتي 10,5 0,037 -
لبنان 60 0,875 52 البحرين 8,2 0,731 -
كويت 14,5 4,700 53 المجموع 2921,8 108,305 -
قطر 11,8 0,816 55
المصدر: http://www.globalfirepower.com & http://www.sipri.org
ولا تكتمل الصورة أيضاً بدون دراسة جيش الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وباقي دول الجوار الجغرافي بالشرق والشمال ، وتصور موازين القوى الإقليمية والدولية بالمنطقة العربية ، حيث يوضح الجدول (2) حجم الإنفاق الهائل لجيوش الجوار الجغرافي من إيران شرقا وتركيا شمالا وإسرائيل ، واهم الجيوش الأوربية في حوض البحر المتوسط ، إضافة إلى جيش الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أقوى جيش بالعالم ، لذا يجب العمل على إحياء ميثاق الدفاع العربي المشترك وتطويره ليتناسب مع واقع الأخطار التي تهدد الأمة العربية، والتأكيد على الالتزام بمبادئ الميثاق واختيار قيادة عربية عسكرية موحدة تجسد وحدة القرار السياسي ووحدة فكره الاستراتيجي ، بالرغم من توقيع كل من مصر والأردن على معاهدة سلام مع إسرائيل ودخول الفلسطينيين في مباحثات غير متكافئة مع الكيان الصهيوني تهدد بإنهاء القضية الفلسطينية كلها (عيسى درويش ، 1999، ص 76) ، وذلك وفق عناصر رئيسية للإستراتيجية العسكرية العربية تشمل الاعتماد على جيوش عربية متطورة وقوية لدرء أي خطر يهدد الأمة العربية وكيانها وحدودها الدولية ، والنهوض بمستوى الفرد في الجيوش العربية بحيث يكون على درجة عالية من التعليم والتدريب والاعتماد على النفس ويكون قادرا على استخدام احدث الأسلحة والمعدات والنظم المتقدمة ، والتنسيق والتعاون بين الجيوش العربية في كافة المجالات ، والاكتفاء الذاتي العسكري عن طريق الاعتماد على الموارد العسكرية العربية والتصنيع الحربي ، (http://aviadef.com/10/1/2012) .
جدول (2) الحالة العسكرية لجيش الولايات المتحدة الأمريكي واهم الجيوش في الجوار الجغرافي للدول العربية عام 2011الدولة حجم القوات المسلحة العاملة فقط ميزانية الدفاع بالمليار دولار أمريكي الترتيب العالمي للقوات المسلحة الدولة حجم القوات المسلحة العاملة فقط ميزانية الدفاع بالمليار دولار أمريكي الترتيب العالمي للقوات المسلحة أمريكا 1,477,896 692 1 إيران 545,000 9,174 12
المملكة المتحدة 224,500 73,746 5 المانيا 148,996 41 13 تركيا 612,900 25 6 ايطاليا 293,202 50,4 17
فرنسا 362,485 44,788 8 اسبانيا 177,000 25,507 29 إسرائيل 187,000 16 10 اليونان 177,600 10,398 33
المصدر: http://www.globalfirepower.com & http://www.sipri.org
2- مبدأ الوحدة الاختيارية ومراحلها:
لقد عاش الوطن العربي في تاريخه بعد الاستقلال محاولات عديدة للوحدة والتعاون فيما بينها سواء بشكل جماعي أو إقليمي أو ثنائي ، وقد حققت نجاحات حينا وفشلت حينا آخر ، ويمكن رصد هذه المحاولات من خلال عديد من التجارب منها: معاهدة "الدفاع المشترك" والتعاون الاقتصادي بالإسكندرية في يونيو عام 1950، والتي جمعت بين المجالين الاقتصادي والاستراتيجي الأمني ، وهو ما كان يمثل إدراكا مبكرا لتعدد أبعاد الأمن وتجاوزها البعد العسكري ، كذلك الاتفاق العسكري بين مصر والسعودية في 27 اكتوبر عام 1955 للدفاع المشترك بينهما ضد أي عدوان خارجي ، وميثاق جدة في 21 ابريل 1956 كمعاهدة دفاع عربي مشترك بين مصر والسعودية واليمن ، والاتحاد العربي الهاشمي بين الأردن والعراق عام 1958 ، والجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا عام 1958 ، وميثاق التضامن العربي الذي تم التوصّل إليه في سبتمبر عام 1965 في الدار البيضاء ، وميثاق طرابلس الوحدوي بين مصر والسودان وليبيا عام 1969 ، واتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا عام 1971 ، والوحدة الاندماجية بيم مصر وليبيا عام 1972 ، واتحاد الجمهورية العربية الإسلامية بين ليبيا وتونس عام 1974 ، وبيان حاسى مسعود الوحدوي بين ليبيا والجزائر عام 1975 ، والوحدة الاندماجية بين ليبيا وسوريا عام 1982 ، والاتحاد العربي الإفريقي بين ليبيا والمغرب عام 1984 ، ومجلس التعاون العربي بين مصر والعراق والأردن واليمن الشمالي عام 1989، إضافة إلى التجارب التي استمرت حتى الآن مثل جامعة الدول العربية ، ومجلس التعاون الخليجي في عام 1981 ، والجمهورية اليمنية منذ عام 1990 ، واتحاد المغرب العربي منذ عام 1989 ، وعلى الرغم من كل هذه المحاولات والاتفاقيات ، فقد فشلت في إنشاء قيادات موحدة أو مشتركة بسبب خوف البلاد العربية من بعضها البعض أكثر من خوفها من التهديدات الأجنبية (أمين هويدى ،1990، ص71) ، وكذلك لم تكن هذه التجارب مبنية على أساس صحيح بقدر ما كانت تعبير عن رغبات سياسية مؤقتة ، وظروف سياسية معينه ، وانتهت معظم هذه المحاولات بالانفصال ، وأصبحت في النهاية إما كيانات ميتة أو كيانات مجمدة ، عدا تجربة مجلس التعاون الخليجي التي تعد الاستثناء الوحيد في هذا الفضاء العربي ، والتي نستلهم منها النموذج ، لإحياء كيانات وحدوية مقترحة جديدة لتكون نواة للوحدة الكبرى ، حيث يتحول الوطن العربي إلى مجموعة من التكتلات الاقتصادية الإقليمية تحت مظلة جامعة الدول العربية كمرحلة أولى تتحول لاحقا إلى كيان اقتصادي وسياسي وعسكري واحد ، كما يوضح الشكل (2). شكل (2) مجلس التعاون الخليجي والاتحادات العربية المقترحة وهذه الكيانات المقترحة تضم : موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس في اتحاد واحد ، ومصر والسودان وليبيا في اتحاد واحد ، واليمن وجيبوتي والصومال وجزر القمر في اتحاد واحد ، والعراق وسوريا ولبنان والأردن في اتحاد واحد.
رابعاً: فرص نجاح إستراتيجية النهوض بالأمن القومي العربي:
هناك العديد من العوامل سوف تساعد على نجاح إستراتيجية النهوض بالأمن القومي العربي ، لعل أهمها عاملي الربيع العربي ، وتراجع الدور الأمريكي في العالم وظهور قوى دولية جديدة على الساحة تشاركها.
ففي العامل الأول سوف يشكل الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا قوة دفع في طريق انجاز المشروع القومي والحلم الكبير في الوحدة والتقدم وهو ما سوف ينعكس إيجاباً على كل مناحي الحياة ومنها الأمن القومي ، فلقد رأى المواطن العربي في هذه البلاد ما آل إلية حالة بين أقرانه في كافة أرجاء العالم ، وحتى في دول لم يكن لها وزن كبير على الساحة الدولية منذ زمن قريب وأصبحت في فترة وجيزة في مصاف الدول القوية والمتطورة والمحققة لإنجازات لا ينكرها منصف مثل تجربة الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل ، وغيرها الكثير ، وهو ما زال يعانى رغم إمكاناته العظيمة التي وهبها الله له. ولأنه يؤمن بقدرته على التغيير وصنع مستقبل يليق بتاريخه وحاضره ، فقد شرع في التحرك نحو هدفه المعلن في تحقيق الحرية والديمقراطية ، وإقامة العدالة الاجتماعية ، التي سوف تكون البداية نحو النهوض بمجتمعه على كافة الأصعدة.
كذلك كان للعامل الثاني والمتمثل في تراجع الدور الأمريكي في العالم وظهور قوى دولية جديدة على الساحة تشاركها في صنع القرار الدولي بالغ الأثر في إعطاء المنطقة العربية فرصة ومساحة لحرية الحركة والعمل ، حيث أن هيكل النظام الدولي ومنذ مطلع التسعينيات أخذ في التنقل منذ نهاية حقبة القطبية الثنائية من النمط شبه الإمبراطوري القائم على سيطرة القوى العظمى الوحيدة أي الولايات المتحدة الأمريكية إلى نموذج انتشار القوة القريب بصورة أو أخرى من توازن القوى المحكوم بين عدد من الدول والتجمعات المتكافئة القوة " الولايات المتحدة ، الاتحاد الأوربي ، الصين ، اليابان ، روسيا ، البرازيل ، الهند، وغيرها (محمد عبد الشفيع عيسى،2011، ص 149)، وهو ما أكده تقرير للمجلس القومي للمخابرات في الولايات المتحدة الأمريكية يحمل عنوان : توجهات عالمية 2025: عالم يتحول خلص إلى أن القوة النسبية للولايات المتحدة سوف تتضاءل خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة القادمة ، وان أمريكا لن تكون قادرة وحدها على حل مشاكل العالم ، أو على مواجهه التحديات المحدقة بأمنها القومي ، بل ستحتاج إلى أطراف آخرين ، يشاركونها تحمل هذه المهمة ، ويتعاونون معها ، فالعالم محمل بتهديدات أكبر من أي وقت مضى ، وأمريكا باتت تشعر بأنها وحيدة في العالم ، ولابد من إحلال تعددية التعامل مع العالم محل الاستراتيجيا الانفرادية (عاطف الغمرى ،2010، ص 127) ، وهو ما يصب في النهاية في صالح المنطقة العربية في سعيها نحو إقامة منظومة فاعلة للأمن القومي العربي ليتحول من مجرد حلم وطموح نسعى لتحقيقه إلى واقع ملموس نعيشه ونتمتع بمزاياه.المراجع:
أولاً: مراجع عربية وأجنبية وأنترنيت (اطلب المصدر أسفله):المصدر | |
|