كلام آخر
شكرا يا حاقد!
مصطفى هميسي
الثلاثاء 06 نوفمبر 2012[center]
كانت ''الحركة'' الوقحة لأحد أفراد نخبة من نخب الحكم في فرنسا، تعبيرا أوضح من واضح لمن مازال لديه شك في أن الروح الاستعمارية الحاقدة، يمكن أن تعرف الندم أو حتى أن يتسرب إليها الخجل من تاريخها الاستدماري الأسود.
لقد سبق لهذه النخبة أن اتجهت إلى اقتراح بناء علاقة بين البلدين تتجه ـ كما كانوا يقولون ـ نحو المستقبل، علاقة تفضل المصالح على العواطف. لكن هل يمكن أن نصدق أن هناك فصلا ممكنا بين المصالح والعواطف؟ لهذا فالدرس الأول للجزائريين ـ وللأجيال الجديدة قبل جيل نوفمبر والجيل الذي عايش جيل نوفمبر عن قرب ـ أن لا مصالح من دون عواطف أبدا. حب الجزائر ليس عاطفة فقط إنه مصلحة. ومن أهمل العاطفة في بحثه عن خدمة مصالح بلده وشعبه، فقد أهمل الإسمنت اللاحم لها.
هناك من رأى في ذلك التصرف تصرفا معزولا وفرديا ولا يعبر عن ثقافة وعن ''عاطفة''، وهذه ثقافة تبرير صارت تقترب من الخيانة الوطنية. فمن تصرفوا هذا التصرف كثيرون وليست هذه هي المرة الوحيدة التي يأتي فيها تصرف من هذا النوع، وفي كل الأحوال ليس هذا أكثر خطورة من الدفع بقانون لتمجيد الاستعمار ومهمته الحضارية، بل إن استطلاعات رأي جديدة أظهرت أن أكثـر من %80 ممن استطلعت آراؤهم يرفضون الاعتذار.
إن الدولة الفرنسية الرسمية، تحت حكم اليمين كما تحت حكم اليسار، لم تظهر أي ندم سياسي حتى عن أفعال جرّمها التاريخ والمؤرخون في فرنسا قبل الجزائر.
ثم ينبغي القول: لماذا هذا الإصرار الجزائري على ''الاعتذار''؟ أنا شخصيا، ليس هناك اعتذار يشفي غليلي، فكلما قرأت قانون ''الأنديجينا''، من دون الحديث عن ملايين الشهداء منذ مقاومة الأمير عبد القادر والباي أحمد، وصولا إلى ثورة التحرير، وعن آلاف الجرائم ووديان الدماء، تغلي الدماء في عروقي وأشعر بالكثير من الهوان وأخجل من هذه الإهانة التاريخية. نعم ملهاة الاعتذار ينبغي أن تنتهي. الأمور ينبغي أن تظل كما هي الحقيقة: مستعمر غاشم نهب وقتل دمّر وجهّل.
وعندما تظهر نخبة من نخب الحكم في فرنسا هذا الحقد وتتلاشى عندي كل مبررات المصلحة وكل دعوات عدم تحكيم العاطفة وحدها وتوظيف العقل والعقلانية بجانبها أو بديلا عنها. على من يطالب اليوم بـ''الاعتذار'' أن يدرك أنني، وربما هناك جزائريون مثلي، لست مستعدا أن أغفر للاستعمار ولبقايا الحقد الاستعماري جرائمه ولا الثروات التي نهبها ولا الكرامة التي داسها ولا المؤسسات التي دمرها ولا الدماء التي استباحها ولا الثقافة التي حاربها ومنعها دهرا ولا الجهل الذي نشره.
لكن ينبغي أن ننتبه إلى أن الذي كشف تصرف وزير الدفاع السابق وحقده وحقد غيره من اليمينيين الاستعماريين الجدد، هو الإعلام الفرنسي وهذا هو الوجه الذي ينبغي أن يكون لنا قدوة وليس نخبة الحكم الفرنسي وما تعتمده من منطق وثقافة وما تتبعه من أساليب ملتوية لإخفاء عواطف حنين للاستعمار وتمجيده. ولكن هناك درس آخر ينبغي أن نتمثله وهو اصطناع الخطاب السياسي الرسمي حتى لبعض من اليمين الكثير من الدبلوماسية لخدمة مصالح قائمة على حب فرنسا وخدمة مصالح الفرنسيين. ينبغي أن نحب الجزائر كما يحب الفرنسيون فرنسا وأن نخلص في خدمة مصالح الجزائريين كما يخلص الفرنسيون في خدمة مصالح الفرنسيين.
لكن لا بد أن نكون قادرين على خدمة مصالح الجزائر والجزائريين وذلك يظل مسألة في حاجة لدولة قوية بمؤسساتها وقوية بسلامة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وقوية بما نتمكن من إنتاجه من منافع وبما نتمكن من إنتاجه من ثقافة متخلصة من بقايا الاستعمار ومن فيروسات التخلف التي زرعها فينا.
ولكن هل صار الحقد الاستعماري أقوى من روح التحرر؟ وهل يصدق رهان الصهيونية في فلسطين على الجزائريين: يموت الكبار وينسى الصغار.
mostafa.hemissi@hotmail.com
http://www.elkhabar.com/ar/autres/makal/309021.html