منع المزيد من التصعيد في غزة
ديفيد ماكوفسكي
15 تشرين الثاني/نوفمبر 2012
تصاعدت وتيرة القتال الحالي بين إسرائيل و«حماس» لليوم الرابع على التوالي. وقد استهدفت الهجمات الصاروخية التي شنتها «حماس» مدن أشدود وعسقلان الساحلية [بالإضافة إلى أراضي مفتوحة بالقرب من إحدى المستوطنات في القدس] إلى جانب مناطق في أقصى الجنوب مثل ديمونة (الواقعة على بعد خمسة وسبعين كيلومتراً من غزة والتي هي موطن المفاعل النووي الإسرائيلي). وإجمالاً، تم إطلاق 274 صاروخاً على إسرائيل في اليومين الأولين للهجمات، وذكرت التقارير أنها شملت صواريخ فجر 5 ذات المدى الأطول التي وُجهت إلى منطقة تل أبيب - وهي المرة الأولى منذ "حرب الخليج" عام 1991 التي يجري خلالها استهداف المدينة بهذه الطريقة. وفي منطقة النقب الجنوبية، قُتل ثلاثة إسرائيليين في اليوم الثاني للعمليات عند إصابة مبناهم السكني. وفي غضون ذلك، تقول إسرائيل إنها ضربت 250 هدفاً لحركة «حماس» في غزة خلال اليومين الأولين، ويبدو أنها قضت على العديد من الصواريخ طويلة المدى ومخازن الأسلحة. ويأتي ذلك بعد تدشين عملية "عامود السّحاب" يوم الأربعاء، عندما قتلت إسرائيل القائد العسكري لـ «حماس» أحمد الجعبري بعد أيام من التصعيد. ويعتقد أن تسعة وثلاثين فلسطينياً قتلوا في الأيام الثلاثة الأولى من العملية.
ورداً على الأزمة، سحبت مصر سفيرها من إسرائيل. ورغم أن الرئيس أوباما حث القاهرة بالفعل على عدم تصعيد الموقف، إلا أنه سيتعين عليه على الأرجح اتخاذ المزيد من الإجراءات للحفاظ على السلام بين مصر وإسرائيل وزيادة الضغط الإقليمي على «حماس».
أهداف إسرائيل
تبدو إسرائيل عازمة على أقل تقدير، على استعادة قوة الردع التي جعلت غزة هادئة إلى حد كبير عقب عملية "الرصاص المصبوب" التي انتهت في أوائل 2009، وقد استمر ذلك الهدوء النسبي الذي أعقب الاجتياح البري - حتى عام 2011، لكن الوضع تغير هذا العام. فمنذ كانون الثاني/يناير أطلق المتشددون في غزة ما بين 750 إلى 800 صاروخ على إسرائيل، مما أجبر ما يقدر بمليون مواطن من المدنيين في منطقة النقب على التوجه مراراً وتكراراً إلى الملاجئ وإغلاق مدارسهم. وعلى الرغم من أن نظام "القبة الحديدية" الجديد لاعتراض الصواريخ قد قلل من تأثير هذا الوابل من الصواريخ، إلا أنه ليس هناك سوى عدد قليل من البطاريات قيد التشغيل، وقد تم نشرها فقط في المناطق الحضرية، وليس في المدن الأصغر. وعلاوة على ذلك، زاد نطاق صواريخ غزة وقدرتها على الفتك خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يعرض المزيد من السكان لمخاطر جمّة. فعلى سبيل المثال أصبحت الآن رابع أكبر مدينة في إسرائيل (بئر سبع في النقب) هدفاً متكرراً.
كما يتشكل نهج إسرائيل تجاه غزة من خلال حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كانت «حماس» ستلاحق الفصائل الجهادية التي ألهبت الوضع في المقام الأول. فخلال أوقات مختلفة منذ عام 2009، أحجمت «حماس» عن إطلاق الصواريخ بنفسها لكنها لم تمنع جماعة "الجهاد الإسلامي الفلسطينية" وغيرها من الجماعات الإرهابية من القيام ذلك. وحتى عندما اعتقلت مرتكبي تلك الهجمات، فإنها أفرجت عنهم بعد ذلك بفترة وجيزة. وخلال الأشهر الأخيرة، شاركت «حماس» بفاعلية في بعض الهجمات رداً على اتهامات الحركات الجهادية لها بأنها تتخلي عن مظلة "المقاومة". وفي ضوء هذا السجل، قررت إسرائيل على ما يبدو أنه لا يمكن الاعتماد على «حماس» للحفاظ على وقف فعلي لإطلاق النار؛ ويشير استهداف الجعبري في بداية الحملة الإسرائيلية في الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر إلى أن إضعاف قدرات الحركة العملياتية كان مصدر قلق جوهري.
ولا توجد أدلة حتى الآن على أن عملية "عامود السّحاب" هي مقدمة لعملية برية كبرى تهدف إلى إضعاف قدرات «حماس»، فمن شأن عملية كهذه أن تكون أكثر كلفة من حيث وقوع خسائر في الأرواح والأضرار. وفيما يتعلق بشن عملية متواصلة لإزاحة «حماس» باعتبارها الجهة الحاكمة في غزة، فذلك لم يكن هدف إسرائيل في 2008 و2009 ويبدو أيضاً أنه أمراً غير محتمل في هذه العملية. ولم تُظهر "السلطة الفلسطينية" أنها قادرة على السيطرة على القطاع، وتُفضل إسرائيل أن تكون هناك جهة حاكمة يمكن مساءلتها في حالة شن هجمات صاروخية أو غيرها من الهجمات.
«حماس» وحسابات مصر
يبدو أن حسابات «حماس» كانت خاطئة في العديد من الجبهات. أولاً، ربما اعتقدت أن إسرائيل سوف تتجنب شن هجوم كبير خشية معاداة الحكومة الجديدة في مصر، نظراً لقرب غزة من مصر وعلاقات «حماس» الوثيقة مع جماعة «الإخوان المسلمين». وربما اعتقدت كذلك أن مظاهر التضامن الإقليمي الأخيرة (بما في ذلك زيارة أمير قطر إلى غزة الشهر الماضي والدعم المستمر من تركيا) سوف ترفع التكلفة الدبلوماسية للأفعال الإسرائيلية وتعيقها.
وبالإضافة إلى ذلك، ربما لم تتوقع «حماس» هجوماً ضد هدف رفيع المستوى مثل الجعبري، وهو تغير في نمط إسرائيل القائم على شن هجمات انتقامية متفرقة رداً على الهجمات الصاروخية التي تُشن ضدها. وفي الواقع أن إسرائيل كانت تراه إرهابياً رائداً - فقد كان مسؤولاً عن الإشراف على تفجير انتحاري واحد على الأقل في أواخر تسعينيات القرن الماضي وكان عاملاً رئيسياً في العمليات التي قامت بها «حماس» أثناء الانتفاضة الثانية، عندما نفذت الجماعة العديد من الهجمات الانتحارية. وعندما استولت «حماس» على غزة عام 2007، تولى الجعبري مسؤولية تنظيم مقاتلي الحركة وجعلهم قوة عسكرية تضم سرايا وكتائب وألوية. كما يسود اعتقاد بأن الجعبري أشرف على احتجاز الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط، حيث سمح بالتقاط صور له عند مبادلة شاليط بسجناء فلسطينيين في العام الماضي.
وفيما يتعلق بمصر، سوف تختبر أزمة غزة ما إذا كانت القاهرة شريك سلام حقيقي متحمس لاحتواء التصعيد أو مجرد طرف آخر يسعى إلى سكب الزيت على النار. إن اتصال الرئيس أوباما الهاتفي يوم الأربعاء بالرئيس محمد مرسي يعكس قلق الولايات المتحدة بشأن هشاشة معاهدة السلام الموقعة عام 1979 بين مصر وإسرائيل، وذلك في ضوء دعم حكومة «الإخوان المسلمين» لحركة «حماس». وفي أول تعليق له على الأزمة، صرح مرسي قبل عقده اجتماع مع كبار وزرائه بأنه "يجب على إسرائيل أن تدرك أننا لا نقبل العدوان الذي يؤثر سلباً على أمن المنطقة واستقرارها". وأضاف أن أهل غزة يجب أن يعلموا "أننا نقف إلى جانبهم لوقف هذا الاعتداء عليهم".
وعلى الرغم من أن مرسي لم يعترض على قيام أجهزته الأمنية بلعب دور من وراء الكواليس في التفاوض على وقف إطلاق النار، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت لديه الرغبة في تكريس أي رأسمال سياسي للقيام بذلك على الملأ. وفي الوقت نفسه، أصر على قيام «حماس» بفرض سيطرتها على الجهاديين بعد أن قتل مسلحون ستة عشر جندياً مصرياً في الهجوم الذي وقع في شمال سيناء هذا الصيف.
التوقيت
بشكل أوسع نطاقاً، يرجح أن تعاود القضية الفلسطينية الظهور إلى الصدارة بعد فترة من التراجع على قائمة أولويات العالم. وقد رفض رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس طلب واشنطن إحباط التصويت المقرر في 29 تشرين الثاني/نوفمبر حول ترقية وضع "السلطة الفلسطينية" في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذا التاريخ ينطوي على رمزية بالغة الأهمية - ففي 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 صوتت الجمعية العامة على قرار التقسيم وحل الدولتين، وكان عباس قد قال بأنه كان من الخطأ أن يرفض الفلسطينيون ذلك العرض. وليس من الواضح كيف ستؤثر عملية "عامود السّحاب" على تلك القضية المتعلقة بالأمم المتحدة، هذا إن كان لها تأثير من الأساس.
وفي غضون ذلك، من المرجح أن لا يريد وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قيام أي مشاكل تؤدي إلى تشتت الكثير من الانتباه بعيداً عن مصدر قلقه الرئيسي المتمثل في البرنامج النووي الإيراني. ومن جهة، قد يكون هذا مبرراً لتسوية أزمة غزة سريعاً. ومن جهة أخرى، يمكن أن يُنظر إلى استغراق الوقت لاستئصال الصواريخ طويلة المدى في غزة على أنه طريقة للحد من الانتقام المحتمل الناشئ من القطاع في حالة شن هجوم إسرائيلي على إيران.
دور الولايات المتحدة
أظهرت مكالمة أوباما الهاتفية مع الرئيس مرسي تفهم الإدارة الأمريكية بأنه قد يكون لمسألة غزة تداعيات أوسع نطاقاً على العلاقات الإسرائيلية المصرية، ومن ثم العلاقات الأمريكية المصرية. وإذا جعلت القاهرة السلام البارد مع إسرائيل أكثر برودة - على سبيل المثال إذا واصل مرسي ووزير دفاعه الجديد عبد الفتاح السيسي رفضهما لقاء مسؤولين إسرائيليين أو إذا هددا بتعليق معاهدة السلام - فإن ذلك قد يُضعف بشكل أكبر من مكانة مصر في واشنطن، في الوقت الذي تتزايد فيه التساؤلات حول توجهات حكومة مرسي.
ينبغي على صُناع السياسة الاعتراف أيضاً بأن الوضع في غزة هو بطبيعته غير مستقر- وذلك في ظل عدم قيام «حماس» بعمل الكثير أو أي شيء لاحتواء الجماعات الجهادية. وقد صرحت مصر وقطر وتركيا بأنها تشجع «حماس» على تبني مواقف أكثر اعتدالاً. لقد حان الوقت لاختبار هذا الادعاء. ينبغي على واشنطن إطلاق جهود رفيعة المستوى تهدف إلى حث الحكومات الثلاث جميعاً على استخدام نفوذها لدى «حماس»، مع إقناع الجماعة بالتشديد على الفصائل الفلسطينية حيث تثير نيران صواريخها العشوائية مخاطر التورط في انتقام إسرائيلي واسع النطاق.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/preventing-further-escalation-in-gaza