شـارع محمـد علـي... بيـت الموسـيقى المصـري المهـدد

شـارع محمـد علـي...
بيـت الموسـيقى المصـري المهـدد

وسط زحام القاهرة المعهود، يطل شارع محمد علي قلبا نابضا للموسيقى العربية، محاولا قطع ضوضاء المدينة، ليشكل وطناً للموسيقيين والراقصات وصنّاع آلات الموسيقى الشرقية، ومقصداً لكل الراغبين في تعلم العزف أو شراء الآلات.
وكمعظم المناطق المصرية، تأثر «بيت الموسيقى الشرقية» بأحداث ما بعد الثورة، ويبدو أن نجمه مقبل على الأفول في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، والزحف السكاني غير المحسوب، والنفوذ المتنامي للمحافظين الإسلاميين.
بدأ التغيير يطال هذا الشارع الذي بني على الطراز الفرنسي، فقد عمته ضوضاء وسط القاهرة، ومحال بيع الالكترونيات، وعربات «الحنطور». وتدريجيا بدأت تختفي محلات تصنيع وتصليح الآلات الموسيقية. بعض رواد هذه المهنة أقفل أبواب محلاته التي لا تزال تحمل رسومات لآلات الموسيقى وعازفيها... ولأم كلثوم.
يقول عازف الإيقاع عزت الفيومي، وهو أحد الموسيقيين القلائل المتبقين في شارع محمد علي، إن «معظم محلات الموسيقى أنهت أعمالها، وأجرها أصحابها إلى بائعي الهواتف المحمولة». ويبدو التأثر عليه ملحوظا عندما يقول، وهو جالس في المقهى الذي أمسى مقر عمله، «الشارع ينتهي... بعد مماتي سيتوقف عزف الموسيقى».
سمي الشارع نسبة إلى مؤسس مصر الحديثة محمد علي بك الكبير، وقد استوحيت في بنائه أعمال مصمم البناء الفرنسي بارون هاوسمان الذي صمم جادة باريس الشهيرة.
وقد طوّر هذا الشارع ليصبح أحد أبرز معالم الخديوي إسماعيل الذي أراد للقاهرة أن تكون قطعة من أوروبا.
ويشكل الشارع صلة الوصل بين القاهرة الحديثة والقديمة، وهو يقدم تصميماً يتمازج فيه الطراز الإسلامي مع القناطر الضيقة المستلهمة من شارع ريفولي الباريسي، وكان يعد بيتا للموسيقيين والراقصات وعمال الملاهي الليلية من دون فروق طبقية.
ويشير الفيومي الى أنه كان يسكن في المبنى ذاته الذي كانت تسكنه الراقصة لوسي، التي أصبحت في ما بعد واحدة من أشهر نجوم الرقص الشرقي والسينما.
الفيومي، وهو عضو في فرقة حسب الله، أقدم وأشهر فرقة إيقاع معروفة، يشعر بأن الظروف السياسية والأمنية قد أسهمت في تراجع عمله، فبعدما كانت الفرقة تشارك في إحياء ثلاث أو أربع حفلات في الأسبوع، أصبحت تنتظر عشرة أيام قبل أن يصلها عرض ما... وبأجر أقل بكثير.
المد الإسلامي الذي يبشر بانتهاء عصر الحياة الليلية أصبح هو الآخر يهدد مهنة أهل شارع محمد علي، وهو أمر يثير استياء الفيومي، الذي استشعر الخطر عندما حاولت مجموعة من الشباب الإسلامي إقناعه بالاستقالة والتحول ليكون «مسلما جيدا»، لكنه رفض قائلا «أنا متدين داخل المسجد... المكان الوحيد الذي أرتاده إلى جانب المقهى».(أ ب)