قرار أمريكي روسي لحل أزمة سوريا بعقد مؤتمر دولي؟! ** عبدو المعلم

قرار أمريكي روسي لحل أزمة سوريا بعقد مؤتمر دولي؟! ** عبدو المعلم

سوريا لم تعد دولة كما قيل في الكيان الصهيوني هذه الأيام بل هي عبارة عن كيان في طريق الانهيار وهذا بالضبط ما جعل الامريكان والروس يسارعون إلى وضع ترتيبات الانهيار تفاديا لأي مفاجآت غير محسوبة مقررين مؤتمرا دوليا لمعالجة الأمر إلزاميا على أساس اتفاق جنيف الذي يسير في طريق الحل التوافقي بين النظام والثوار بحيث يكونان حتما حكومة انتقالية مشتركة في انتظار تنفيذ الجدول الذي يخرج به اللاعبان الكبيران من المؤتمر الدولي الشكلي الذي يوظف لأغراض معينة منها وضع حد لأي تدخل آخر لا يوافقان عليه في الشأن السوري ثم توزيع المهام وأهمها التمويل وتغطية مصدر القرار الثنائي بإدخاله تحت مظلة الدولي لينال الشرعية والمباركة والحماية المعنوية وتسويغ كل القرارات والتصرفات اللاحقة الخادمة في جوهرها لمصالح الطرفين الداعيين إلى المؤتمر الدولي لحل المشكلة السورية.

لم يخف الطرفان وبالتصريح لا بالتلميح أن لهما مصالح مشتركة في سوريا .. ما هي هذه المصالح؟ يمكن إجمالا
بالنسبة لأمريكا إثبات الحضور التقليدي لهيمنتها وتعميقها أكثر بما فيها من مصالح فعلية سياسية واستراتيجية واقتصادية وأمنية وثقافية وبصفة خاصة استمرار ضمان الأمن للكيان الصهيوني بالصورة المثالية التي كان عليها منذ عقود من السنين على الجانب السوري ودون ريب فإنها تحاول تقليص الوجود الإيراني وبالتالي تسليح حزب الله وتمويله مما ينعكس على أمن الكيان الصهيوني ليس فقط من ناحية الحدود السورية بل كذلك الحدود اللبنانية التي قد تفقد مناعتها من العربدة والخروقات الصهيونية بتراجع تسليح حزب الله وتمويله وبالتالي إضعاف قدراته العسكرية والمالية. وفي ذات الوقت هناك ضرورة أمريكية لضمان وجود حافظ لماء الوجه لدول الخليج خاصة منها تلك التي تتصدر الأحداث في سوريا بالتمويل والتسليح والإعلام وغير ذلك لفائدة جماعات مسلحة معينة بضمان حضور تلك الجماعات بقوة مناسبة لدى تشكيل السلطة المؤقتة التي تدير المرحلة الانتقالية في سوريا وهكذا يكون حرص أمريكا كبيرا على مصالحها ومصالح حلفائها الصهاينة والخليجيين والغربيين أيضا الذين اتخذوا مواقف وأنفقوا أموالا وسخروا إعلاما والذين دون ريب سيكون لهم حضورهم المؤثر في المؤتمر المنتظر بالإضافة إلى تمثيلهم أمريكيا في اللقاءات والأعمال القطبية المشتركة بين أمريكا وروسيا على انفراد.

ومن الجانب الر وسي هناك مصالح تتمثل خاصة في الوجود العام في سوريا وخاصة منه الوجود الاستراتيجي العسكري في القاعدة الوحيدة لروسيا على شواطئ البحر الأبيض المتوسط مما تركها تسعى لامتلاك قواعد أخرى لكن لا أحد لحد الآن من دول جنوب المتوسط وشرقه قبل المسعى الروسي فبدون شك ستحرص روسيا كل الحرص على استمرار وجود قاعدتها البحرية في سوريا وتتشبث بها ولا تقبل بالتفاوض مجرد التفاوض بشأنها وليكون لها ذلك لا بد لها من نفوذ قوي على التركيبة الجديدة للسلطة المؤقتة المنتظرة للمرحلة الانتقالية وليس من المهم أن يكون ذلك متمثلا في أشخاص من النظام الحالي ولكن لا بد أن يكون مضمونا في أي اتفاق منتظر بين الجانبين الأمريكي والروسي لأن الجانب السوري أصبح فاقد الإرادة وما عليه سوى تطبيق ما يمليه الطرفان الأمريكي والروسي عن طريق الستار الدولي المموه لحقيقة النفوذ الواقعي. إلى جانب هذا هناك مصالح استراتيجية لروسيا تتمثل خاصة في اتخاذ ىسوريا كنقطة ارتكاز وانطلاق إلى مجمل بلدان المنطقة والتعامل معها من موقع الحضور المباشر وليس الاستشعار من بعيد. ثم إن هناك المصالح الاقتصادية الضخمة لروسيا في سوريا والمنطقة في مقدمتها تجارة السلاح ومعروف أن تجار السلاح يتسببون عمدا في بروز بؤر التوتر قصد اندلاع الصراعات المسلحة حتى يتمكنوا من بيع مصنوعاتهم القديمة من الأسلحة التي تجاوزها الزمن ولم تعد مستعملة لديهم حتى لا تتسرب عناصر القوة إلى زبائنهم الذين يبقونهم بذلك في مرتبة متأخرة من القدرات العسكرية والملاحظ أن الجانب الأمريكي لا يعمل بهذه القاعدة عند تسليحه للجانب الصهيوني بل يعمل بها فقط مع زبائنه من بلدان الخليج وبعض الدول الإخرى غير إسرائيل في المنطقة. ودون تشعب لا يسمح به المقام أو تفصيل لا داعي له هنا فإن المصالح الأمريكية الروسية هي التي ستكون طاغية ومفروضة على الجميع أثناء المؤتمر المنتظر بالإضافة طبعا إلى دفاع كل واحد من الطرفين على حلفائه وشركائه مما يجعل الحصيلة في النهاية هي ميلاد كيان سوري انتقالي مؤقت لا يمثل مصالح سوريا أو هو ضعيف جدا في تمثيلها بفعل التدويل الذي أفقد الدولة السورية وجودها الحقيقي ذاته فلم تعد سوى كيان مهلهل لا يمثل شيئا وإنما هو صنيعة في يد المسيرين الرئيسيين للأحداث والمتفقين في النهاية على اقتسام المصالح بما يخدمهما هما فقط بصفة أساسية وحلفاءهما وشركاءهما بصفة ثانوية فتكون سوريا بهذا قد ارتمت بالتدويل الذي لم تحرص على تجنبه في أحضان شراكة شبه استعمارية لن تزول غدا بل سيرزح تحت نيرها أجيال عديدة قادمة وليس من السهل التكهن بتحررها منها قبل اتضاح الأمور عمليا على الأرض بعد هذا الحل التوافقي المنتظر بين اللاعبين الأساسيين أمريكا وروسيا وبالطبع لم يكن تجنب هذا المآل الحزين لسوريا ممكنا بسبب إصرار الاستبداد على مواصلة الحكم بنفس الطريقة التي رفضها شعب رزح تحت وجوده الجهنمي عقودا طويلة من الزمن إلى جانب تدخل أطراف أخرى بعد إتاحة الفرصة لها لتخدم مصالح أصحابها المحليين والإقليميين والدوليين. لكن رغم الوضع السيء القائم لا زال الوقت مبكرا لرسم الصورة التي سيكون عليها الكيان السوري الانتقالي المؤقت الذي أصبح مفروضا كالقدر على بلد وشعب كانا من اللاعبين الأساسيين في المنطقة.

[center]