مصر: أوباما النحيل يغرق في شط النيل
(2)
سهيل الخالدي
على المستوى الداخلي يعيب المعارضون وربما بعض المؤيدين على مرسي انه لم يهتم كثيرا خلال عام من حكمه بتغيير الدولة العميقة التي تحكم مصر وتمنع خيرات البلد من الوصول إلى المواطن البسيط.. مهما تغير الحاكم بل هي سوط الحاكم بجانب بندقية العسكر وبهما يحقق الحاكم المصري سطوته، والحراك الاجتماعي في مصر طالب من بين ماطالب به انهاء سيطرة العسكر وإنهاء الفساد. ولم يروا أن مرسي عمل شيئا في هذا الميدان وانتقدوا أداءه.
وهنا اعتقد أن مرسي ومن وراءه دهاقنة جماعة الإخوان كانوا اشد مكرا.. فهل لو كان البرادعي بدلا من مرسي، سيواجه العسكر، أم سيواجه الدولة العميقة باكثر من اجراءات ذات طابع اعلامي لاتغير من الأمر شيئا، وهل كان ذلك بعيدا عن متناول مرسي، فلماذا لم يفعل؟
اعتقد أن الدهاقنة ومنهم مرسي، كانوا اكثر مكرا وأكثر دهاء.. وعلينا هنا ان نفهم أن الدولة العميقة في مصر تمتد في التاريخ إلى الفراعنة وليست وليدة قرن او عشرة قرون .. لذلك فإن كثيرا من حكام مصر سقطوا عند محاولتهم نطح هذه الصخرة. ولأن الحامي التقليدي لهذه الدولة العميقة وعساسها هم ضباط كامب ديفيد، بدأ مرسي يلعب مع هؤلاء العسكر لعبة الجودو اي أن يستخدم قوتهم ضد انفسهم، فقام بما يلي:
1- وضع جيش العسس في مواجهة الجيش المقدس
يعرف مرسي وسائر الدهاقنة أن القوى المعارضة سواء للإخوان او للدور المصري مهما كان تتربص بهم وتنتظر منهم أن يرتكبوا خطيئة ضد الديمقراطية، وكانوا يتوقعون ان يقوم مرسي وجماعته بالإنقضاض على خصومه التقليديين من الناصريين وباعتقالات بالجملة لجماعات مبارك وباعتقالات واسعة في صفوف الإعلاميين او حتى في صفوف الفنانين والفنانات بل باعتقالات في صفوف صغار ضباط الجيش والشرطة والمخابرات والجمارك تحت شعار مكافحة الفساد او حتى مكافحة الإرهاب أو مسمى التطهير الإداري، وتكون هذه التحركات سببا في انقضاض تلك القوى عليه.. لكن الرجل لم يفعل .. بل جعل مطلب الانقضاض على الفساد سواء في الادارة أو السياسة أو القضاء يتزايد في الشارع ولم يلجأ لا إلى اسلوب ايران في العراق باجتثاث البعث، ولا إلى أسلوب ليبيا وتونس بالعزل السياسي، ولم يقم حتى بمطاردة الفلول.. فهو يعلم أن هؤلاء جميعا سيلجؤون إلى الجيش لحمايتهم وساعتئذ على هذا الجيش ان يقرر إما ان يتصدى للجيش المقدس وهو في هذه الحالة سيكون في موقف ضد الديمقراطية، أو انه يبتعد عن السياسة ويتخلى عن دوره كحامٍ لمصالح الدول الكبرى ويعود مؤسسة عسكرية وطنية مصرية.
فعلها مرسي وجماعته ولم يعطوا العسس فرصة للقول بانه أو انهم اعتدوا على الديمقراطية ..
2- وضع الدولة العميقة في مواجهة المجتمع العميق
قلنا أن الذي صاغ ويصوغ عقل الفلاحين المصريين في الصعيد والأرياف والنجوع، هم جماعة الإخوان المسلمين .. ويعملون على ذلك منذ ثمانية عقود تقريبا.. ولا يتحرك هؤلاء الذين يشكلون غالبية الشعب المصري إلا بأمر احد اثنين الجماعة وشيوخ القبائل.. وبين هذين الطرفين حلف باطني عميق وله امتداداته في القاهرة وسائر المدن الكبرى، وحتى في دواليب الدولة واجهزتها المختلفة، وهذا التحالف ليس فقط هو الذي اطال في عمر جماعة الإخوان المسلمين وحسب بل انه هو الذي حافظ على هوية مصر، فأقباط مصر وجلهم في الصعيد يعرفون ان الذي حماهم منذ خمسة عشر قرنا ليست الحكومات المتعاقبه وإداراتها، فلديهم وثائق تثبت بان هذه الحكومات منذ المماليك والأتراك حتى مبارك كانت تحرض ضدهم وامريكا اليوم تستعملهم في التحريض ضد انفسهم، بل أن روما المسيحية كانت ضدهم لأنهم لم يعترفوا بكنيستها وفهمها للدين المسيحي، والذي حماهم طوال التاريخ هو هذا التحالف الديني - القبلي لفلاحي مصر سواء في الصعيد أو الدلتا، وكل ما عدا ذلك فهو تلاعب سياسي ورغي مثقفي مقاه. وهذا التحالف يشكل اليوم جماعة الإخوان المسلمين شطره الديني.. وهؤلاء الفلاحون هم المتضرر الأكبر من الدولة العميقة في مصر.. وفي تعيينه للمحافظين - الولاة - لم يلجأ مرسي إلى ضباط الشرطة والجيش ويعينهم في هذه المناصب، بل لجأ إلى نخبة من المحسوبين على ثقافة الإخوان وإن لم يكونوا من حزبه.. وبذلك أعطى الفرصة لتشخيص رجال الدولة العميقة واساليبهم ومخالفاتهم في الصفقات وغير الصفقات وفي تعطيل المشروعات.. وفي تفاهماتهم مع بعض الألوية والضباط لتمرير بعض المسائل الأقتصادية والسياسية.. وكشف بعض ذلك للمجتمع.. لقد صار المجتمع العميق على استعداد لمهاجمة الدولة العميقة التي باتت بلا غطاء لها سوى عسس ابتدؤوا بدورهم يفتقدون غطاءهم الدولي منذ أن.. ومرسي في الانتظار.
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/172141.html