ميثولوجيا ناقة صالح في القرآن
أ.د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
ترد قصّة هذه الناقة مراتٍ كثيرةً في القرآن الكريم، في بنية أسطورية واضحة المعالم (مثلا الأعراف ٧٣-٧٧؛ هود ٦١-٦٧؛ الشعراء ١٤١-١٥٨؛ الحاقة ٦٤؛ الإسراء ٥٩؛ النمل ٤٥؛ الشمس ١١؛ القمر ٢٣؛ الخ.). وتظهر هذه الناقة في النص القرآني على أنها "ناقة الله" وهي مقدسة ذات أشكال وأسماء عديدة في العصر الجاهلي منها "البحيرة والسائبة والوصيلة" وفي حالة الذكَر فهو "الحامي". وما يجمع هذه الأنواع من هذا الحيوان الصحراوي العربي هو كونه قربانا منذورا به للآلهة.
السائبة والبحيرة والوصيلة
يشرح ابن اسحاق في سيرته وضعية "السائبة" قائلا: السائبة هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر، سيبت فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها، ثم خلي سبيلها مع أمها، فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف، كما فعل بأمها، فهي البحيرة بنت السائبة. أما ابن هشام في سيرته فيقول إن "البحيرة" هي الناقة التي تشق أذنها فلا يركب ظهرها، ولا يجز وبرها، ولا يشرب لبنها إلا ضيف، أو يتصدق به، وتهمل لآلهتهم. أما "السائبة" فهي الناقة التي ينذر الرجل أن يسيبها إن برىء من مرضه أو إن أصاب أمراً يطلبه، فإذا كان أساب ناقة من إبله، أو جملا لبعض آلهتهم، فسابت فرعت لا ينتفع بها. و"الوصيلة" التي تلد أمها اثنين في كل بطن، فيجعل صاحبهما لآلهته الإناث منها، ولنفسه الذكور، وهنا نجد اختلافا في رؤية "الوصيلة" بين ابن اسحاق وابن هشام. ففي رأي ابن اسحاق "الوصيلة" هي الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمس بطون، ليس بينها ذكر. قالوا: قد وصلت، فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم، إلا أن يموت منها شيء، فيشتركون في أكله، ذكورهم وإناثهم. أما "الحامي" فهو عند ابن اسحاق "الفحل" إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينها ذكر، حمي ظهره فلم يركب، ولم يجز وبره، وخلّي في إبله يضرب فيها، لا ينتفع منه بغير ذلك1.
قد تكون هذه الناقة طوطما مقدسا كما قد يستخلص من الحديث النبوي الشريف لوفد طيء "إني خير لكم من العزى ولاتها ومن الجمل الأسود الذي تعبدونه من دون الله2". ويشار إلى أن بعض القبائل العربية القديمة كانت قد عبدت "الناقة" ففي حديث مالك بن كلثوم مع سادن صنم طيء إشارة إلى ذلك ففي محاولة استرداد مالك ناقة جارته أجابه السادن، إنها لربك3.
الناقة الأضحية
ومن الممكن الإتيان بدليل ثالث على تقديم العرب في الجاهلية الناقة أضحية. ففي مؤلف سميث الموسوم بـ"ديانات الساميين" يتحدث القديس نيلوس من القرن الرابع للميلاد عن كيفية تقديم أعراب سيناء للأضحية قائلا بما معناه: يوضع الجمل على مذبح حجري ويأمر زعيم القبيلة المشاركين بالطواف حول المذبح ثلاث مرات وهم يغنون ثم يحدث الزعيم الجرح الأول في الجمل ويحتسي من الدم بنهم وبعد ذلك تنقض الجماعة مقسمة الضحية بسيوفها إرباً إرباً وتلتهم اللحم النيء على عجل ما بين ظهور نجمة الصبح التي كانت التضحية من أجلها وخفوت نورها أمام الشمس يكون كل شيء قد انتهى بالكامل4.
والدليل الرابع على قبول الآلهة للإبل قرابين بدلاً من البشر مثل كبش هابيل الذي كان في الجنة وافتدى به الله إسماعيل حسب التقاليد الإسلامية ومثل بقرة النبي موسى ذات الأصل السماوي كما يذكر القرطبي. هناك روايات عديدة تذكر حادثة "القداح" التي نذر فيها عبد المطلب بن هاشم عند حفره لبئر زمزم أنه لو رزق بعشرة أولاد وكبروا فإذا منعوه من الحفر فسينحر واحدا منهم في الكعبة، وحال حصوله على العشرة بنين جمعهم بعد أن علم أنهم سيمنعونه وأخبرهم بنذره. وعند ضرب القداح عند هبل على بني طالب خرج القدح على عبد الله، والد الرسول، فافتداه عبد المطلب بعد تدخل قريش ومنعها من ذبح ولده وقد افتداه بمائة من الإبل نحرت وتركت ويقال: إنسان ولا سبع5.
ومن الممكن أن تكون الأسطورة قصة خلق فهل ناقة صالح تتحدث عن أصل الإبل المقدّس، لا سيما أن الإبل في الميثولوجيا الإسلامية تعرف ثقافيا. والإبل المجنحة، كما يروي ابن كثيرعن علي عن الرسول أن النوق البيض المجنحة تحمل المؤمنين يوم القيامة من قبورهم إلى الجنة6.
النبي صالح
وفيما يتعلق بشخصية النبي صالح، نرى أن الخطاب الإسلامي يحاول إضفاء صفات للرسول محمد عليه، فعمره يساوي عمر الرسول تقريبا فقد عاش ٥٨ عاما رغم أن بعض الروايات الشعبية تقول إنه عاش ١٨٠ عاما7. وهل كان صالح غريب قوم ثمود مثل السامري في قوم موسى وأحضر معه عبادة البقر؟ وهل أتى صالح من قبيلة كانت تعبد الإبل؟ وفي الخطاب الإسلامي تظهر الناقة كحيوان مقدّس ينبجس من صخرة الكاتبة كما ادعى صالح أمام بني ثمود، ويقول ابن كثير عن تلك الناقة: "كانت على ما ذكر خلقا هائلا ومنظرا رائعا، جوفاء وبراء يتحرك جنينها بين جنبيها8".
تنحر الناقة يوم الأربعاء ويوم الخميس تصفر الوجوه وفي يوم الجمعة تحمرّ وفي يوم السبت تسودّ وفي يوم الأحد "جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم ففاضت الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة "فأصبحوا في دارهم جاثمين"، ولم يبق من ذرية ثمود أحد، حتى ذلك الذي كان في الحرم، يمهله الله حتى يخرج فيأتيه حجر من السماء ويرديه قتيلا.
----
1ابن هشام، السيرة النبوية ١٤١-٢٤١.
2 ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج. ٢، تفسير سورة مريم ص. ١٣٧.
3 ابن إياس الحنفي، بدائع الزهور في وقائع الدهور. تونس، ص. ٧٢-٧٦.
4 ابن كثير، تفسير سورة هود، ج. ١، ص. ٥٤٠.
5 أنظر القاموس الحديث في كلمات القرآن، تفسير وبيان لفضيلة الأستاذ الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتى الديار المصرية السابق وعضو جماعة كبار العلماء. دار الجليل للطباعة والنشر، عكا، ١٩٦٨ ص. ٥٩، والمعنى الآخر "لا تكثروا عيالكم"؛ المفردات فى غريب القرأن تأليف أبى القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (٥٢ ٠هجرية) تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني، بيروت، د. ت.، ص. ٣٤٥.
6 أي تشابه بين الأسماء التي وردت في القصة والواقع هو صدفة محض.
7 أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت. ٥٢٠ هـ)، المفردات في غريب القرآن، تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني، بيروت د. ت. ، ص. ٤٨١، وينظر في المعاجم الأخرى مثل المنجد في اللغة والأدب والعلوم للويس معلوف القائل "سمّي نبيذا لان الذي يتخذه يأخذ تمرا او زبيبا فيلقيه في وعاء ويصب عليه الماء ويتركه حتى يفور فيصير مسكرا". والموضوع بحاجة إلى دراسة تأثيلية شاملة في موضع آخر.
8 "مثل صفوة التفاسير" لمحمد على الصابوني، القاهرة ط. ١، ١٩٩٧ ج. ٢، ص.٣٢٢، وتفسير الجلالين، العلامة جلال الدين محمد بن أحمد المحلي والحبر جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، مطبوعات مكتبة محمد نهاد هاشم الكتبي، د. ت. ص. ٤٢٠-٤٢١.
ميث