الضحك إكسير الحياة
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
تبدأ الوجنتان بالاحمرار والكتفان بالاهتزاز فتتّسع البسمة وينفغر الفم ليطلقَ قهقهاتِ الضحك. لا شكّ أن الضحك من أحسن الوسائل للراحة والاسترخاء والتواصل البشري منذ القِدم. يُقال إنّ دقيقتين لا غير من الضحك الحقيقي المتفجر من أعماق القلب، تساويان في مفعولهما الصحيّ خمسا وأربعين دقيقة من الخلود إلى الراحة. في خلال عملية الضحك الحقيقي يفرز هرمون يقوي المناعة وطاقة الجسم وتتكاثر خلايا الدم البيضاء والأكسجين في الدم، كما تتحرك ١٧ عضلة في الوجه و ٨٠ عضلة في أماكن أخرى في الجسم. لا نزاعَ في أن للضحك تأثيرا إيجابيا على الصحة الجسدية والروحية والنفسية. إن الإجهاد في الضحك الحقيقي يعني إعمال عضلات المعدة في تفعيل الأيْض (الميتابوليزم) وتقوية الرئتين وإنقاص نسبة السكر في الدم لدى مرضى السكر من الفئة الثانية. من الثابت علميا أن الضحك علاج ناجع جدا للضغوط والألام والصراعات. مما يجدر ذكرُه أن الضحك العميق والحقيقي مدة عشرين ثانية فقط يتمخّض عن جهد يعادل ثلاث دقائقَ من الركض. في مثل هذه الحالة تغدو عضلات البُطين الأسفل غضّة لينة. تشير بعض الأبحاث الحديثة إلى أن الضحكة تبدأ بالارتسام على وجه الطفل الرضيع العادي أو الأعمى أو الأصم بعد أسبوعين تقريباً من الولادة. الضحك يسبِق التكلم بأشهر كثيرة. هنالك أناس يضحكون أكثرَ من آخرين وذلك، على ما يبدو، لأسباب جينية. كما وتدلّ الأبحاث أن الذين يضحكون أكثر يعيشون مدّة أطول ممن يضحكون أقل. أسباب الضحك العادية كثيرة وأهمها سماع النكات أو مشاهدة مناظر هزلية مضحكة كما في الكاميرا الخفية مثلا أو إثر ملاماسات جسدية مثل الضغط على العظمة المرحة (Ulnar nerve). من المعروف أن الضحك قد يكون في أحيان كثيرة “معديا”، إذ أن انفجار شخص ما بموجة من الضحك الجامح قد تنتقل بسرعة البرق لباقي الموجودين ومن الصعوبة بمكان معرفة السبب بدقة. يوجد علم يُعنى بدراسة تأثير الضحك فسيولوجيا ونفسيا على الإنسان يدعى باسم Gelotology.
الضحك جدّ ضروري لا سيما في حياتنا المعاصرة المفعمة بالضغوط والهموم والإرهاصات المختلفة التي تُحيط بنا من كل حدب وصوب. الضحك وروح الدعابة صنوان لا يفترقان وفائدتهما الصحية معروفة منذ القدم، وكذلك من الناحية الاجتماعية، ولذلك فقد حرص الحكّام والملوك، عربا وأجانب قديما على إقامة مجالس للترفيه والترويح عن النفس. ويُروى عن هارون الرشيد (٧٦٣-٨٠٩) أنه قال ذات يوم "النوادر تشحذ الأذهان”. في التراث العربي هناك مثلا نوادر جحا والجاحظ في كتاب البخلاء والأصفهاني في كتاب الأغاني.
في العديد من الحالات يضحك الناس من الأوضاع العصيبة التي يعيشون فيها ليصبحَ التعامل معها أسهل وبدلا من ذرف الدموع وإطلاق الآهات تنطلق قهقهات الضحك. إنّ الخيط الفاصل بين الضحك والبكاء رقيق جدا، ففي كلتا الحالتين يخلد المرء إلى الراحة والانتعاش. يقال إن أنبل أنواع الضحك يتأتّى من التمتع بالقدرة على الضحك من أنفسنا إذ أن السخرية، كا يقال، تنبع من تجاهل الذات. لا بدّ من أن يُنظر إلى الضحك بجدية فهو كالعسل أو البلسم للجسم وللعقل على حدّ سواء. من الممكن تفسير القول العربي السائر "الضحك بلا سبب من قلّة الأدب" بأن من أهم أسباب الضحك ودواعيه الترويح عن النفس والاسترخاء العميق والصادق ولا دخل للأدب في هذا المجال اللهم إلا الإفراط في القهقهة بدون المحافظة على احترام الشخص واتزانه. وقد قال بعض الأطباء ناصحا بني البشر لإطالة العمر القيام بما يلي:
كُل نصفَ ما اعتدتَ أن تأكل.
نم ضعف ما اعتدت أن تنام.
إشرب ثلاثة أضعاف ما اعتدت أن تشرب.
إضحك أربعة أضعاف ما اعتدت أن تضحك.
لا ينبغي أخذ هذه الأوامر أو النصائح على عواهنها وكأنها أحكام وأوامر سماوية إذ أن بيت القصيد يتمثّل في أهمية هذه الممارسات الأربع والصلة ما بينها. حتى أن البسمة تكون ناجعة جدا في المعاملات الاجتماعية بين الناس، إنها أفضل وسيلة لولوج قلوب الآخرين.
من الأقوال والأمثال في الضحك ومنها العالمية نذكر:
إضحك تضحك لك الدنيا إبك تبكي لوحدك.
وجه ما بضحك للرغيف السخن.
شرّ البرية ما يضحك.
الضحك على اللحى.
الابتسام في وجه أخيك صدقة.
لا تقطف ثمرة الضحك وهي خضراء.
ضحكة بلهاء هي أكثر الأمور حمقاً في العالم.
الوجه الذي لا يضحك إطلاقاً شاهدٌ على رداءة القلب.
من الأفضل أن تثير الضحك من أن تثير الاشمئزاز.
من العُسر بمكان العثور على نكات تستحوذ على اهتمام السامعين كلهم وتنتزع البسمات بل والقهقهات فأذواق البشر وخلفياتهم ولغاتهم وثقافاتهم مختلفة، وبالرغم من ذلك فقد عثرنا على ما يلي وقد يعرف القراء أفضل منها:
في الهوى سوى!
لاحظ السجّان أن أحد السجناء لا يزوره أحد قط فناداه وسأله: إنّ أحدا لم يزرك منذ دخولك السجن، ألا يوجد لك أقارب أو أصدقاء؟ فردّ عليه السجين: لي أصدقاء عديدون وكلهم هنا معي في السجن.
المعلم: ما معنى كلمة سبيل. الطالب: طريق. المعلم: ممتاز. والأن ما معنى كلمة (سلسبيل) الطالب: طرطريق.