نقد العقل الإخواني
11-10-2013 مصطفى بوخال باحث في جامعة تلمسان
هل بإمكاننا الحديث عن نقد للتفكير السياسي للإخوان المسلمين في هذه المرحلة؟ خاصة وأن هذه الجماعة تتلقى ضربات قاسية هي ليست تحت الحزام بل على مستوى الركب.
أمام سطوة الأحداث في مصر وتدهور الحالة الاقتصادية والأمنية للمجتمع المصري، وتردّي الوضع السياسي الذي ساهمت في صنعه قوى محترفة في أساليب الصدام والإقصاء، ونظرا لارتباطنا التاريخي والفكري والعاطفي بالشعب المصري كانت هذه المحاولة التي تهدف إلى طرح مقاربة فكرية تساعد على قراءة الوضع المهتز هناك.
لا نريد من خلال هذه المساهمة أن نتخندق في ساحة أي طرف، لأن ذلك في نظري لا يخدم مصلحة الشعب المصري في هذه المرحلة، بل نودّ أن نجتهد في إيجاد أفكار تواصلية تطمح إلى فك شفرات الاحتقان السياسي وتدعم خطاب الوئام والتوافق بين جميع المصريين.
إن بعض المتتبعين للوضع المصري في مشاهده المتتابعة منذ عزل الرئيس مرسي يرى أن جماعة الإخوان هي الضحية، خاصة أن السلطة الفعلية بدأت بموجة من الاعتقالات طالت قيادات الإخوان في حزب الحرية والعدالة، ثم تواصلت التوقيفات والمحاكمات لقطاع واسع من إطارات الإخوان. والسؤال المطروح هنا هو: أين جماعة الإخوان في كل ما يحدث الآن؟ أين الرصيد الفكري والسياسي للجماعة أمام هذه التصفية الممنهجة لبنيتها؟ كيف يسمح الإخوان بعدما ساهموا في نجاح الثورة ونجحوا في الوصول إلى السلطة أن يساقوا إلى المحاكم والسجون ويسفه تاريخهم وتراثهم؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة وما شابهها يتطلب فتح أكثر من نافذة، ولكننا آثرنا مساءلة ومحاورة العقل الإخواني في هذا الأمر.
إن بدايات تشكل العقل الإخواني كانت مع بروز شخصية الإمام حسن البنا (1906-1949) في العشرينيات من القرن الماضي، وباعتراف الخصوم قبل الموالين كانت هذه الشخصية قوية ومؤثرة، تجمع بين قوة الإيمان نتيجة التربية الصوفية التي تلقاها من شيخه الحصافي، وأثّرت في تكوينه وقوة معرفة وطاقة فكرية ساعدته على بناء خطاب يمتاز بالبساطة في ظاهره، لكنه يمتلك الشحنة التأثيرية الاقناعية.
وفي البيئة السياسية للحكم الملكي في مصر وهي ترزح تحت الانتداب الانجليزي يؤسس حسن البنا مع مجموعة من الشباب المصري ”جماعة الإخوان المسلمين”، وحينها تبرز ملامح التفكير الإخواني الذي يأخذ على عاتقه مهمة إصلاح أوضاع المجتمع المصري من الناحية الثقافية والاجتماعية والدعوة إلى الالتزام بالخط الإسلامي بكل تفاصيله.
وقد نجحت حركة الإخوان، في اعتقادي، في الانتشار والتأثير في كل أنحاء الجمهورية وحتى خارجها، بسبب الشخصية الكاريزمية الفذة للمرشد الأول بالإضافة إلى السياق التاريخي والجيوسياسي للمنطقة آنذاك، فمن المعلوم أن شباب الإخوان كانوا من المشاركين في حرب فلسطين سنة 1948. وأرى أن المرحلة المزدهرة في تاريخ هذه الجماعة هي مرحلة البنا التي تميزت بوضوح الرؤية في الممارسة الدعوية، والتي كان يؤطرها ويرعى نموها، ويبرز ذلك جليا في محاضراته وكتاباته مثل ”مذكرات الدعوة و الداعية” و«المأثورات” وطرحه للأصول العشرين وإيمانه بالتعددية الفكرية التي تظهر في مقولته الشهيرة: ”نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه”، وبازدياد أفق العمل والنشاط لدى الإخوان باقتحام الساحة السياسية والمشاركة في الانتخابات، أثار ذلك تخوف الأحزاب السياسية التي قاومت فكر البنا آنذاك لمنع توسع رقعة أتباعه، وكانت بداية تشوش العلاقة بين السلطة والإخوان تطورت إلى الارتباك والتأزم ومع دخول الانجليز على الخط انتهى الوضع باغتيال المرشد سنة 1949.
يواصل الإخوان المسيرة في مرحلة ثانية، كانت بدايتها مع المرشد الثاني، الأستاذ حسن الهضيبي، الذي يحسب له تصديه للخلل الفكري الذي وقع فيه بعض الأوساط من جماهير الإخوان الذين واجهوا الانحراف الأخلاقي المتفشي في المجتمع وبعض الأوضاع التي رأوا أنها بعيدة عن مبادئ الإسلام بإرسال الأحكام التكفيرية، ما سبّب بلبلة في أوساط المثقفين وحتى البسطاء من الناس وكتب حينها الهضيبي كتابه ”دعاة لا قضاة”.
وتتميز هذه الفترة بالنجاح الميداني للإخوان، وبروزهم كقوة فاعلة في ثورة يوليو 1952 بعد تحالفهم مع الضباط الأحرار، لكن سرعان ما تنفجر العلاقة بينهما بعد حادث ”المنشية” المشهور. ومن ذلك الوقت يمكن التأريخ للانكسار والصدام الدراماتيكي بين السلطة والإخوان، والذي أودى بحياة عقول مفكرة من أبرزها ”سيد قطب” الذي كتب في الميدان الأدبي والنقدي قبل أن تتخطفه الأحداث السياسية ويخوض في القضايا الفكرية بعقل متوتر، بلغ مداه في كتابه ”معالم في الطريق”.
عبّر سيد قطب في كتاباته عن أزمة حادة كان يعاني منها العقل الإخواني في علاقته مع النظام والواقع المجتمعي. كما أن تلقي أفكاره من قِبل بعض المجموعات التي تربّت في المساحات المظلمة أدى إلى سلوك سبيل العنف كوسيلة للتغيير. لم يسلم أي من قيادات الإخوان أو النخبة من مدة معتبرة من حياته في السجن، كما أن القاعدة لم تنج من الأجواء النفسية المتوترة نتيجة اللاأمن والغربة الفكرية التي يعانون منها، بسبب غياب النشاط الفكري والسياسي في الهواء الطلق. في المقابل، عاشت الأحزاب والتيارات الفكرية الأخرى الصراع مع السلطة أو الأوضاع المجتمعية دون صدام حاد أو انفصام.
بالوصول إلى ثورة 25 يناير، يشارك الإخوان في الحراك الشعبي ويصلون إلى الحكم. ولكن لم يشفع لهم تاريخهم الطويل في الصراع السياسي والعمل الدعوي الذي لم يكن في غالبه تحت الضوء، ولا التراث الفكري الذي خلّفوه في الاصطدام بالسلطة من جديد والنزول إلى الأرض بالنتائج الكارثية المعروفة.
إن ما حدث يطرح علامات استفهام حادة على العقل العربي والإسلامي على السواء، ويجدر بالباحثين ولوج ميدان هذه الإشكاليات الفكرية والعقد السياسية التي ولدت الانكسار والتوتر في واقعنا العربي.
إن الإخوان وصلوا إلى القمة محمّلين بهذه الإشكاليات والعقد وإرث من انهزامات اليسار واليمين يتحمّله العقل العربي على العموم في مسيرته النهضوية، كل هذا عجّل بسقوط التجربة في ذلك الوقت القياسي.
الإخوان جزء من معادلة الفشل، فهم لم يحسنوا التواصل مع خصومهم وبرهنوا على عجزهم على المناورة السياسية التي تجنبهم ذلك الصدام الدراماتيكي مع السلطة، كما أن الإيمان بالمبادئ جعلهم لا يبرحون أماكنهم في ظل الحراك السياسي للطرف الآخر، يظهر ذلك جليا في الغيبوبة السياسية التي تميّز بها خطاب الرئيس مرسي الأخير.
إن الثبات على المبادئ لا يعني الجمود، لأن الوعي بالمبدأ يعطي حركية للعقل في مواجهة المخاطر، كما أن الالتزام بالموقف الفكري ينبغي تغذيته بالانفتاح على الآخر للوقوف بالمسافة نفسها مع المختلفين في ميدان الصراع السياسي، لكي لا يتحول الاحتكاك إلى دارة قصيرة.
yanissexp@gmail.com
http://www.elkhabar.com/ar/autres/mousahamat/359980.html