عبد العزيز غرمول يعود بذاكرته إلى 5 أكتوبر 88:
المسؤولون عن قتل المتظاهرين وتعذيبهم يجب أن يُحاكموا
حوار: وردة بوجملين
2013/10/24
الإعلامي والسياسي عبد العزيز غرمول
صورة: (ح.م)
مازلنا نجني ثمار أكتوبر المرة وندفع ثمنها حتى الآن
أحداث أكتوبر أفسدت المشروع الإسلامي ودفعت به إلى العنف
في هذا الحوار مع "الشروق"، يروي الإعلامي والسياسي عبد العزيز غرمول تفاصيل ما حدث في الخامس أكتوبر من سنة 1988 التي عايشها وكان حين ذلك صحفيا في مجلة "الوحدة"، كما يفند رئيس حزب الوطنيين الأحرار ما تردد بخصوص أن هذه الأحداث منحت التيار الإسلامي في ذلك الوقت جرأة الظهور، مؤكدا أن هذه الأحداث أفشلت المشروع الإسلامي السلمي الذي كان يتزعمه الشيخ محفوظ نحناح -رحمه الله- في ذلك الوقت.
غرمول انتقذ أيضا تستُّر النظام على الذين نفذوا جرائم التعذيب والقتل في حق الشعب الجزائري، مطالِباً بمحاكمتهم ومحاسبتهم.
ماذا حدث بالضبط في الخامس أكتوبر؟
ما حدث بالضبط يوم 5 أكتوبر هو خروج الشعب إلى الشارع والتظاهر، ولكن الخامس أكتوبر هو سلسلة طويلة من الأحداث المتراكمة، سواء فيما يتعلق بالعمل النقابي والإضرابات التي شنها العمال في المصانع، بالإضافة إلى أحداث كبيرة واجهتها الجزائر في تلك الفترة، ثم امتدت تلك الحركة إلى الشارع للمطالبة باحتياجات اجتماعية في مختلف أنحاء العاصمة، وأخذت رقعة الأحداث تتسع والغضب الشعبي يتراكم. كان يوم 4 أكتوبر هو اليوم الذي وصلت فيه تلك الاحتجاجات إلى قمتها ووصلت إلى داخل الجامعة الجزائرية، أدركنا عندها أن الوضع سينفجر، وبالفعل يوم 5 أكتوبر على الساعة التاسعة صباحا وكنت في تلك اللحظات في قاعة تحرير مجلة "الوحدة"، حيث أعمل صحفياً، أخذت أوراقي وقلمي وقلت للصحفيين: الثورة الآن في الشارع، علينا أن لا نتفرج عليها من قاعة التحرير .
هل شاركت في تلك المظاهرات؟
نعم. نزلت إلى الشارع وشاركت فيها كبقية الجزائريين.
ما الدافع وراء مشاركتك فيها؟
شاركت فيها، لأنني كنت أعيش غبنا كبيرا، باب حرية التعبير مغلق أمامي، وكنت يومها كاتبا معروفا وأستطيع أن أنشر خارج الجزائر، ولكن داخل الجزائر ممنوع من النشر حتى وأنا أعمل صحفياً كنت أكتب في حدود معينة، ويجب أن لا أتجاوز الخطوط الحمراء، مقالاتي تقرأ بدقة، بالإضافة إلى كون أن الظروف الاجتماعية السائدة في ذلك الوقت كانت تستدعي التضامن مع هذا الشعب، وكنت أمام موقف، وكان بالنسبة لي موقفا مهنيا تاريخيا، إما أن أبقى في قاعة التحرير وأكتب وجهة نظر النظام، أو أبقى في الشارع وأكتب وجهة نظر الشعب، فاخترت الشارع .
من أمر بإطلاق النار على المتظاهرين؟
- لقد سقط في تلك الأحداث مئاتُ القتلى، وأول من سقط كان صحفي وكالة الأنباء الجزائرية الذي كان يؤدي مهامه الصحفية، أما فيما يتعلق بمن أمر إطلاق النار فهذا أمر يتجاوزنا نحن، لأننا كنا في الشارع، لكن أريد أن أصحح "إشاعة" ترددت كثيرا وتتعلق بقول بعضهم إنه كان هناك تبادل لإطلاق النار بين قوات الأمن والمواطنين، لم يحدث شيء من هذا، ولكن إطلاق النار كان من جهة قوات مكافحة الشغب، وربما كان هناك تبادل لإطلاق النار بعدها بأيام، ولكنها نادرة ولا يقاس عليها، ويبدو لي انه أشيع لتبرير قتل المتظاهرين، والمؤسف أننا حتى الآن لا نعرف تفاصيل كثيرة عن أحداث 5 أكتوبر، وحتى عدد القتلى، والشيء الذي يخفيه هذا النظام هو كون أن عدد القتلى كان مرتفعا جدا وقارب 500 شخص أو أكثر، ولكن النظام لم يواجه هذه الحقيقة.
ماذا تقصد بقولك إن النظام لم يواجه هذه الحقيقة؟
يجب أن نحاسب من يقتل الآخرين، الشعوب ترتاح عندما تواجه نفسها من خلال الحقائق، يوجد أشخاص أعطوا أوامر بقتل المتظاهرين، ومن الضروري أن يُحاكموا ويحاسبوا فورا على ما فعلوا، ويجب أن يعرف الشعب الحقيقة، وهنا يحدث التغيير الحقيقي والسليم للنظام، ولكن حدث أن نظام المؤامرات والملفات السوداء والظلم والقهر أخفى الحقيقة عن الشعب ودفع به إلى أتون حرب إرهابية لمدة 15 سنة، تلك الحرب الإرهابية كانت نتيجة ما حدث في أكتوبر 1988.
يقال أن الإسلاميين ما كانوا ليجرؤوا على الظهور لولا هذه الأحداث؟
أبدا.. الإسلاميون كانوا سيظهرون آجلا أم عاجلا، لأنهم كانوا في طور التشكيل، وهذا النظام كان يعلم أنهم متواجدون في الشارع بقوة، وهم يمثلون بالنسبة للشعب الجزائري العدالة السماوية، لهذا كان الشعب متعاطفاً معهم، ولهذا فإن قلب الموازين في ذلك الوقت سيكون في صالح الإسلاميين، ولهذا اعتقد أن أحداث أكتوبر في ذلك الوقت أفسدت المشروع الإسلامي ودفعت به إلى العنف، بينما الإسلاميون في ذلك الوقت في أفضل وجه، وكان يمثلهم الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، وكان في ذلك الوقت إسلاما مسالما ودعويا، ويدعو إلى العدالة الاجتماعية والعودة إلى المصادر المعنوية للشعب الجزائري، لم يكن إسلام عنف ولا إسلام سلاح، والنظام هو الذي دفع ببعض الإسلاميين المغرر بهم إلى حمل السلاح ومواجهته، وحالما حملوا السلاح وواجهوه قام النظام بالاقتصاص من الشعب الجزائري ككل، والآن نحن نعيش تحت طائلة هذا النظام الذي مازال يقتص من هذا الشعب ولايزال حتى الآن، والأدلة كثيرة؛ سرقته لحق الشعب في تقرير مصيره، ومازال هذا النظام يصادر حق الشعب في انتخاب الرئيس الذي يحكمه والبرلمانيين الذين يمثلونه، كل هذه الحقوق قام النظام بمصادرتها، والآن نحن نعيش ثمار أكتوبر المرة ومازلنا ندفع ثمنها حتى الآن.
من تحمِّلون مسؤولية ما حدث في ذلك الوقت في ظل تركيز أصابع الاتهام على الجيش من جهة، واتهام الشاذلي ومساعدية بالضلوع في هذه الأحداث؟
للأسف، كنا محكومين بقيادة سياسية غير مؤهَّلة وليست في المستوى، رئيس الجمهورية في ذلك الوقت الشاذلي بن جديد لم يكن في مستوى إدارة الدولة بدليل أنه أخذ الجزائر من بومدين وهي وردة صاعدة متفتحة، وبعد ثماني سنوات أعادها إلى الجزائريين رماداً، يقولون إن الشاذلي كان طيباً وغير ذلك، أقول لك إن طيبته تبقى لعائلته وأصدقائه، ولكنه كان في ذلك المنصب رجل دولة، مصير الشعب بما فيها مصيري أنا كان بيده، اكتشفت للأسف انه لم يكن في المستوى، والقيادة السياسية لم تكن في المستوى، والجزائر في ذلك الوقت كان فيها مجموعة من التيارات، التيار المسيطر على الإدارة وأجهزة الدولة وهو المسمى "تيار الكاردينال"، وهو تيار الجنرال العربي بلخير وضباط فرنسا، أولئك كانوا يقومون بعملهم، ولقد قاموا به بشكل مثير للإعجاب بدليل أنهم ادخلوا الجزائر في حرب من الدم وهذه فرصة لا تتاح إلا للأشرار العباقرة. بالإضافة إلى تيار "الأفلان" الذي مازال يمارس السياسة بـ"البوط والعصى"، التيار لم يكن قادراً على توجيه عواطف الشعب الجزائري، وكانت عواطف نابعة من حبه للجزائر وانتمائه لثورة التحرير وقادة نوفمبر وقيم الحركة الوطنية الأصيلة، لم يستطيعوا إدارة هذه العواطف ففلتت السياسة من أيديهم، إضافة إلى القهر، هو التيار الأقوى في الجزائر. ويصل الجزائريون إلى درجة أنهم يخرجون في مظاهرات احتجاجا حاملين قففهم وينادون بحاجتهم إلى الغذاء والحليب والدواء، بينما يسمع أن هناك 26 مليار دولار في ذلك الوقت سرقت من خزينة الدولة، وأحب أن أقول إن هذا المبلغ كان كافيا لتغطية احتياجات هذا الشعب المسكين لعشر سنوات كاملة، لكن الشاذلي بن جديد، والعربي بلخير وجماعته وهذه المجموعات التي كانت تحكمنا على شكل عصابات فضلت مصالحها الشخصية على مصلحة الشعب، وبالتالي كانوا يعيشون "رفاهية السلطة"، والشعب يبحث عن قارورة زيت وكيس حليب فلا يجدهما، ولهذا اعتقد أن أحداث أكتوبر كان لا بد منها، وما يؤسفني في هذه الأحداث أن الشعب الجزائري لم يواصل حماية ثورته في ذلك الوقت فسرقوها منه وقاموا بتزويرها، واستطاعت هذه العصابات الاستيلاء على إرادة الشعب، ما يجعلني أشعر بالأسف، لأن الشعب الجزائري لو وجد في ذلك الوقت من يقود تلك الحركة الاحتجاجية الكبيرة، لكانت الجزائر اليوم بمستوى الدول المتقدمة، ولكانت في موقع قوة لا يستهان به.
تريد أن تقول إن الجزائريين جاعوا ولهذا خرجوا إلى الشارع، أليس كذلك؟
نعم، الجوع هو محرك التاريخ، وكل الثورات الكبرى التي قامت في العالم حدثت بدافع الجوع، ليس جوع البطن فقط، وعندما أخرج إلى الشارع أنا لا أطالب بالحصول على خبزة والعودة بها إلى المنزل، ولكن أريد أن احصل على فرصة صناعة غذائي وليس توفيره، بالإضافة إلى كل ما احتاجه في تربية أبنائي، ومفهوم الجوع ليس مفهوما غرائزيا، الشعب الجزائري لم يكن جائعا جوعا بيولوجيا فقط، ولكن كان جائعا من ناحية حقه في التكفل بنفسه وصناعة نفسه، بمعنى أنه كان جائعاً من ناحية الحريات التي تمنحه العيش بكرامة، وهذا هو المحرك الحقيقي للتاريخ.
أفهم من كلامك انك من بين النخبة الجزائرية التي اعتبرت هذه الأحداث بمثابة الربيع الجزائري، عكس المثقفين الذين سموه بـ"الصقيع"؟
في البداية كانت ربيعا، ولكن الأزهار التي بدأت تتفتح، أكلها "ماعز" السلطة في ذلك الوقت، كان ربيعا لم ينته، قطعوا الطريق أمامه قبل بدايته، وفجأة وجدنا أنفسنا في جهنم صيف، لكن اعتقد أن الجزائريين مازالوا قادرين على إحداث ربيعهم من خلال التغيير السلمي والواعي بظروف الجزائر، وتبقى تجربة الجزائريين في أكتوبر أكثر من تجربة ودرس في حياة الجزائريين، يجب أن يتعلموا منه ضرورة إكمال الثورات عند بدايتها ولا ينهونها ويتركونها لأياد أخرى تغتصبها منهم.
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/182200.html