بطل حرب أكتوبر 73.. حقائق وأسرار لجوئه للجزائر وإجباره على الرحيل منها:
هكذا طرد الفريق سعد الدين الشاذلي من الجزائر
عبد المنعم شيتور
الفريق سعد الدين الشاذلي
المجاهد لخضر بورڤعة "أرجّح أن المضايقات التي تعرّض لها الشاذلي كانت بطلب من السفارة الأمريكية".
الفريق سعد الدين الشاذلي هو رئيس أركان حرب القوّات المسلّحة المصرية من ماي 1971 إلى ديسمبر 1973، وهو أحد أكثر الوجوه العسكرية المصرية قربا من الجزائر وشعبها، خصوصا بعد أن اختارها كمستقرّ له بعد أن خرج من مصر لخلافات سياسية مع حكّامها لتحضنه ويعيش فيها كـ"رئيس دولة" كما تقول زوجته.
السادات: "الجزائر لن تقدّم شيئاً للمواجهة"
لا شكّ أنّ العلاقات الجزائرية المصرية كانت دائما رغم ما شابها بين الحين والآخر من توتر وخلافات، علاقة جد متجذّرة؛ كيف ولا ومصر كانت سبّاقة إلى مد يد العون إلى الجزائريين في سبيل استقلال البلاد واسترجاعها لسيادتها وما تبع ذلك من سياسات مشتركة للبلدين بعد الاستقلال.
وإذا كانت الجزائر قد شاركت إلى جانب المصريين في حروب 1967 والاستنزاف، فقد عقبت مشاركتها مرحلة برود في العلاقات وانتقادات جزائرية للمصريين في تعاملهم مع العدو الصهيوني وما تبع ذلك من سحب للقوّات الجزائرية في صيف 1970، إلى أن بدأ الإستعداد لحرب أكتوبر 73، وهنا يتحدّث سعد الدين الشاذلي في كتابه "مذكرات حرب أكتوبر" الذي ألّفه في الجزائر أنّه وبعد تنصيبه كرئيس للجنة الاستشارية للجامعة العربية حاول مع الرئيس أنور السادات أن يتواصل مع باقي الدّول العربية لطلب تحمّل مسؤوليتها في الحرب التي توشك على الاندلاع مع العدو الصهيوني، إلا أنّ أنور السادات وافق له على زيارة كل من ليبيا والسعودية لأنّ هاتين الدولتين فقط كما يذكر الشاذلي في مذكّراته على لسان السادات "على استعداد حقًا لتقديم العون، أمّا الدّول الأخرى الجزائر المغرب والعراق فإنّها لن تعطي شيئا"، ويكمل "إنّهم يزايدون فقط وسوف يستفيدون دعائيا من زيارتك، ولكنّهم لن يعطوا شيئا للمعركة" منبّها الشاذلي إلى أنّه عسكري ولا يعرف الكثير في السياسة قائلا له"كيف تقوم بزيارة دول تقوم يوميا بالتّهجم علينا وانتقاد سياساتنا؟"، ورغم ما ساقه السادات من حجج إلا أنّ الشاذلي حاول معه إلى أن أقنعه بجدوى الزيارة التي ستكون بصفته في الجامعة العربية وليست بصفته الرسمية.
بومدين:"الجزائريون دمهم سخون يا شاذلي"
كانت أوّل وجهة للشاذلي في سبيل مد جسر التواصل بين مصر كدولة مواجهة وباقي الدول العربية إلى الجزائر، حيث نزل فيها ضيفا على شرف الرئيس هوّاري بومدين وبعد لقاء جمعهما بيّن الشاذلي فيه لبومدين بأنّ الحرب قد تندلع في أي لحظة، ويجب أن تكون الجبهة مستعدة لخوض غمار الحرب، وذلك بغية مطالبة الجزائر بإرسال وحداتها العسكرية، ورغم أنّ بومدين شكك في مصداقية أن تكون هناك حربا حقّا إلا أنّه قال للشاذلي "إذا قامت الحرب فيجب أن تتأكّدوا أنّ الجزائر ستقوم بإرسال ما عندها لكي يقاتل الجزائريون جنبا إلى جنب مع إخوانهم المصريين"، لكن عندما طلب منه أن يباشر بإرسال الوحدات من الآن إلى أراضي المواجهة رفض بومدين أن تنزل القوّات دون وجود مناخ واضح لحرب، ليوضّح "نحن الجزائريون دماؤنا ساخنة إذا كانت هناك حربا فإنّنا نقاتل، إنّ رجالنا عندما نرسلهم إلى الحرب سوف يكونون بمعنويات عالية وعلى أهبة الاستعداد، وإذا طالت المدّة دون أن تكون هناك حرب فإنّهم سيثيرون المشكلات لكم ولنا" إلى أن اتّفقوا على جدول زمني قدّر بـ90 يوما على أنّه بعدها إذا لم تقع حرب فللجزائر أن تسحب وحداتها، ولم تمرّ الزيارة دون أن يبدي بومدين امتعاضه من تصرّفات الساسة المصريين الذين ينظرون إليه كرجل طموح يريد أن يتزعّم العرب نافيا ذلك ليؤكّد للشاذلي"أريد أن أضع يدي في أيديكم بنيّة صادقة لطرد الإسرائيليين من أراضينا المحتلة، إنّه من المهانة أن نرى هذه الدولة التوسعية تستمرّ في احتلال الأراضي العربية دون أن نستطيع نحن العرب أن نقوم بطردها"، وبعد جولة قادت الرجل إلى مجموعة من الوحدات العسكرية الجزائرية ونظرة خاطفة على السياسات العامّة المنتهجة، أبدى مجموعة من النّقاط التي أثارت انتباهه ومنها ما عبّر عنه بقوله"لقد فتنني إصدار قرارات بتعريب المؤسسات بعد قرن من محاولات الفرنسة".
الجزائر دفعت للسوفييت 200 مليون دولار
خلافا لرأي السادات الذي أبدى ثقته بالدّور السعودي الكبير؛ فقد بدا ضئيلا بالنسبة للدّعم العراقي لدول المواجهة والذي احتلّت به البلاد الصدارة تليها الجزائر، وهو ما يناقض تهوين الرئيس المصري من دعمهما، فما أن بدأت بوادر الحرب مع الكيان الصهيوني حتّى انطلق الشاذلي باسم مستعار إلى الجزائر، حيث التقى ببومدين وأخبره بآخر المستجدّات لكي تستعدّ البلاد لتحمّل مسؤوليتها في المواجهة، وهو ما كان حيث دفعت الجزائر إلى الجبهة المصرية -كما جاء في مذكّرات الشاذلي- بـسرب ميغ 21 وسرب سوخوي 7 وسرب ميغ 17، بينما عزّزت الجبهة الأردنية بلواء مدرّع، وحينها سافر الرئيس بومدين على الفور إلى الإتّحاد السوفيتي ودفع 200 مليون دولار "ثمنا لأي أسلحة وذخائر تحتاج إليها مصر وسوريا".
الشاذلي يلجأ إلى الجزائر ويعيش فيها 14 سنة
لم تكد حرب أكتوبر 1973 تضع أوزارها حتى اندلعت الخلافات بين سعد الدين الشاذلي والقيادة السياسية ممثلة في أنور السادات بسبب تدخّلات الأخير بقرارات عسكرية اعتبر الشاذلي أنّها سببت الكثير من الانتكاسات للجيش المصري والقوّات الداعمة له ومنها الجزائرية، ولم يلبث طويلا إلى أن جاءه قرار الإقالة من رأس أركان حرب القوّات المسلّحة، ما أثار امتعاضه.
وبعد أن عيّن سفيرا لمصر في البرتغال جاء عام 1978، حيث انتقد الشاذلي بشدة معاهدة كامب ديفد وعارضها علانية وترك منصبه واختار اللجوء السياسي إلى الجزائر من بين العديد من العروض التي قدّمت له وذلك حسب ما جاء في شهادته لقناة الجزيرة بتاريخ 10-04-99 "الجزائر.. الحكام فيها كانوا هم الجيل الذي قام بالثورة، والجيل الثائر يستطيع أن يقدر الثوار نفسهم، بعكس لو انقضى هذا الجيل، ويأتي جيل ثان مثل جيل ثورة 23 جويلية 1953 . فما دام هذا الجيلُ في الحكم فلن يكون هناك تغيّر في سياسة مصر، ويجب انتظار الجيل الذي سيخلفه، حيث ستكون توجهاته مختلفة".
وقد استقبل سعد الدين الشاذلي في الجزائر استقبال الأبطال والرؤساء حيث يؤكّد محي الدّين عميمور، وزير الإعلام الأسبق، في شهادته لـ"الشّروق" بأنّه "استقبل من طرف الرئيس الراحل هواري بومدين شخصيا وبعد أن أعطي له سكناً بنادي الصنوبر، نقل إلى إقامة بالأبيار، وقام على حراسته أفراد من الحرس الجمهوري"، وهو ما أكّدته زوجة الفقيد السيدة زينات السحيمي في تصريحات لها خصّت بها وسائل إعلام جزائرية قالت فيها إنّها "عاشت والفريق الشاذلي في الجزائر 14 سنة معززين مكرمين، بل إنهم كانوا يُعاملون بشكل راق مثل عائلة رئيس دولة". وتصف السيدة زينات السحيمي الجزائريين بـ"الملائكة"، وتحتفظ بكثير من الذكريات الرائعة من الجزائر التي وفرت لزوجها الحراسة، خشية تعرضه للاغتيال من قبل السادات ومن بعده مبارك، بناءً على تحذيرات وردت إليه من صهر الرئيس جمال عبد الناصر، أشرف مروان".
رمز الانتصار في حرب أكتوبر.. فخرٌ للجزائر
وفي شهادته عن فترة مكوث الفقيد بالجزائر أكّد الأستاذ عبد العالي رزّاقي أحد المقرّبين منه بأنّه كان لاجئا سياسيا كالبصري من المغرب ووزير خارجية سوريا، مؤكّدا أنّ "الجزائر استقبلته في إقامة مقابلة للسفارة الأمريكية بالأبيار ودعمته وبدأ ينشط بإصدار كتب ومجلات" كما شدّد على أنّ بيته كان مفتوحا للمثقفين الجزائريين وكان لهم لقاءٌ أسبوعي في بيته، في وقت كان مطلوبا بمصر في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، ولكن ذلك لم يمنعه من النّشاط وإصدار الكتب"، وبنفس الكلمات عبّر المجاهد لخضر بورقعة عن استقبال الجزائر للشاذلي واصفا الخطوة بأنّها "استضافة لرجل عروبي قومي"، خصوصاً وأنّه كان رمز الانتصار في حرب أكتوبر.
الشاذلي "أُهان في بلدي أفضل"
لم يبق "ضيوف" الجزائر بمنأى عن نيران دخول البلاد في النفق المظلم مع توقيف المسار الانتخابي واندلاع حرائق "المأساة الوطنية"، فمع مجيء الرئيس الراحل محمد بوضياف تعرّض الشاذلي والبصري -حسب عبد العالي رزّاقي- إلى مضايقات أمنية أدّت إلى رحيل البصري إلى المغرب حيث استقبل هناك من الملك محمد الثاني استقبال الأبطال، بينما أكّد المجاهد لخضر بورقعة أنّ الشاذلي طُلب منه التخلّي عن إقامته المقابلة للسفارة الأمريكية وأن ينتقل إلى موريتي بنادي الصنوبر، وهو ما اعتبره إهانة له رفضها وقال "أهان في بلدي خير من أن أهان عند شعب اخترت البقاء عنده".
وإذا كان البعض يقول بأنّ مجموعة من المسؤولين حاولوا الاستيلاء على سكنه الفخم الذي يقدّر بالملايير، وهو ما دفعهم إلى مضايقته، فإنّ المجاهد بورقعة يذهب بعيدا إلى إمكانية "ترجيح أنّ المضايقات وطلب رحيله من الإقامة قد تكون بطلب من السفارة الأمريكية" لِما كان يعرفون عنه من كتابات ضد أمريكا والكيان الصهيوني، وهكذا حزم أمتعته وكلّه حزن وأسف بعد أن كانت الجزائر الحاضن له بعد اختياره الحر للإقامة فيها.
بورڤعة: "رحيل الشاذلي إهانة للجزائر"
ويصف بورڤعة الواقعة بأنّها "كانت صدمة للجميع في رجل هو بطل العبور وكان محبوبا عند الدّول العربية والعالم الثالث" وكانت كل الشخصيات تنزل عليه في إقامته، معتبرا أنّ ذلك يشكّل"إهانة للجزائر قبل أن يكون ذلك إهانة للفقيد"، كما يؤكّد بأنّه قبل رحيله اتّصل به وطلب منه بأن يوزع ما كتبه في الجزائر كمذكراته حول حرب أكتوبر 1973، و"الحرب الصليبية الثامنة"، وكتاب "الخيار العسكري العربي"، و"أربع سنوات في السلك الدبلوماسي".
الشاذلي يرفض استعطاف مبارك
وإذا كان البصيري استقبل استقبال الأبطال في المغرب فإنّ سعد الدين الشاذلي قبض عليه فور وصوله إلى مطار القاهرة، وجرِّد من جميع الأوسمة والنياشين، وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن غيابياً، رغم أن القانون المصري ينص على أن الأحكام القضائية الصادرة غيابياً لا بد أن تخضع لمحاكمة أخرى فور حضور المتهم.
ووجهت للشاذلي تهمتان الأولى "نشر كتاب بدون موافقة مسبقة"، أي مذكراته حول حرب أكتوبر، والثانية "إفشاء أسرار عسكرية" في كتابه حول نفس الحرب، وأنكر الشاذلي صحة التهمة الأخيرة بشدة، بدعوى أن تلك الأسرار المزعومة كانت أسرارا حكومية وليست عسكرية، وأثناء وجوده بالسجن رفض أن يكتب خطاب استعطاف لمبارك للعفو عنه، اعتزازاً بنفسه وبأنه كان قائدا للطيّار مبارك في الجيش، وأقدمُ منه وأعلى منه رتبة عسكرية، إلى أن نجح فريق الدفاع عنه في الحصول على حكم قضائي صادر من أعلى محكمة مدنية وينص على أن الإدانة العسكرية السابقة غير قانونية، وأن الحكم العسكري الصادر ضده مخالفٌ للدستور، وأمرت المحكمة بالإفراج الفوري عنه، لكن الحكم لم يُنفذ وقضى سنة ونصف السنة بالسجن، وخرج بعدها ليعيش بعيدا عن أي ظهور رسمي.
الرئيس مرسي يكرّم الشاذلي
زوجة الراحل الفريق سعد الدّين الشاذلي الذي وافته المنيّة مع اندلاع أحداث ما يسمّي بالثورات العربية، وتوفي قبل سقوط مبارك بأيام قليلة، أجشهت بالبكاء وهي تثني على تكريم الرئيس الشرعي المختطف محمد مرسي للفقيد بعد فترة إهانته من قبل السادات ومبارك، حيث استغل الرئيس مرسي ذكرى حرب 6 أكتوبر 2012 ليكرّم الشاذلي ويعيد له اعتباره "وأصدر قرارا بمنح اسم الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة الراحل قلادة النيل العظمى"، وقال إنه منح الوسام للشاذلي "تقديرا لدوره البطولي في نصر أكتوبر المجيد".
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/181570.html