الربيع العربي أداء ركيك ودول في التفكيك
http://static.echoroukonline.com/ara/dzstatic/thumbnails/author/aklam/souhile_456658109.jpg
سهيل الخالدي
بعد شهرين من الآن يحتفل شعبنا في تونس بمرور ثلاث سنوات على حراكه الاجتماعي الواسع ضد النظام الاستبدادي، هذا الحراك الذي امتد إلى مصر وليبيا وسورية واليمن وتوجست منه دول عربية أخرى، حيث تمكن من تغيير المشهد السياسي في هذه البلدان. فكيف يمكن قراءة أداء هذا الحراك ومعرفة حصاده؟
نلاحظ ما يأتي:
1- إن الحراك الشعبي الذي بدا عفويا وصادقا ويملك كل الشرعية.. سرعان ما تم امتطاؤه، وسوقه إلى غير الأهداف التي انطلق من أجلها.
2 - إن الدول الكبرى التي امتطته وحرفته تملك داخل المجتمع العربي تكتلات سياسية وغير سياسية تعمل لحسابها وتمكنها من اللعب مع النظام وضده في الوقت عينه، وفي طليعة هذه التكتلات العاملة لحساب تلك الدول التيارات السياسية الإسلامية بشقيها السلفي والصوفي، المسلح وغير المسلح.
3- إن التكتلات التي استلمت السلطة بمساعدة علنية وغير علنية عسكرية وسياسية ومالية قادت بلدانها إلى كل مظاهر إلغاء الدولة وتنشيط مظاهر الحرب الأهلية عشائريا وإثنيا، مما يتفق تماما مع إستراتيجية إعادة الشرقنة عبر الفوضى الخلاقة التي رسمتها الدول الأمبريالية بقيادة واشنطن لصورة الوطن العربي في القرن الواحد والعشرين.
وبالتأكيد فإن النتيجة التي يخرج منها المرء هي أن الحراك الاجتماعي الذي بدأ في تونس فشل في مسعاه وكان وبالا على المجتمع العربي في المغرب والمشرق.
ولكن لماذا؟
أعتقد أن السبب الجوهري يعود إلى العلاقة بين السياسة والدين؛ حيث أننا نجد أن الشعب العربي برمته له كامل الثقة في دينه وأن هذا الدين هو خشبة خلاصه في دنياه وآخرته، حتى المسيحيين في العالم العربي الذين لاتتجاوز نسبتهم 3 بالمائة من السكان ولهم حوالي 20 مذهبا، يضعون ثقتهم في دين الأغلبية المسلمة، وفي داخل هذا الدين نجد أن المذاهب الإسلامية في معظمها تضع ثقتها في الأغلبية السنية، كما نجد أن الأثنيات غير العربية داخل الوطن العربي تضع ثقتها في العروبة التي هي جزء منها بدليل أن المذاهب وألإثنيات رغم ملاحظاتها الكثيرة والمحقة على الأنطمة العربية السنية لم تتحرك بدافع داخلي محض رغم ضغط التحالف الأمريكي الإيراني لتحريكها والتلويح بإقامة دول خاصة بها.
إذن لماذا هذا الدم ومن يتحمل مسؤوليته؟
أعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين التي تسلمت السلطة في تونس أولا ثم في مصر تتحمل مسئولية تاريخية ثقيلة كل ما جرى فيهما وفي ليبيا واليمن وفي سورية؛ حيث من الواضح أن دهاقنة هذه الجماعة المحليين والعالميين. فشلوا في الإجابة على الأسئلة التي طرحتها عليهم الأحداث، وربما لم يناقشوها أصلا نتيجة اعتمادهم على غير ذاتهم، ومن هذه الآسئلة:
أ - لمن الأولية للتنظيم السياسي الديني أم للدولة والمجتمع؟
ب - ما هي العلاقة الحقيقية بين الاقتصاد والآيديولوجيا.
وبناء على هذا الدم المتدفق في هذه البلدان التي تسلمت الجماعة سلطتها، يكاد المرء يجزم بأن دهاقنتها سواء في تونس او مصر او غيرها، لم يقرؤوا كتابا واحدا له قيمة في السياسة أو في الاقتصاد مثلهم في ذلك مثل منافسيهم من الأطياف السياسية والدينية الأخرى، فالديمقراطية التي يطالب بها المواطن العربي الذي تحرك، لم تكن ولايمكن أن تكون إيديولوجية محضة، إنها ليست فلسفة للتأمل أو للدروشة السياسية، بل هي في الأصل اقتصاد، وهذه المقولة موجودة في كتابات آدم سميث المنظر الأكبر للرأسمالية، بينما رأينا الغنوشي ومحمد بديع وعلي زيدان والسيسي وحتى محمد حسنين هيكل يتعاملون مع الديمقراطية وكأنها حضرة صوفية في زاوية سيدي المجذوب. وبالتالي لم يفهموا السياسة سوى أنها دين ولم يفهموا الدين سوى أنه سلطة.
وهذه مسألة لها عروقها وجذورها في فهم جماعة الأخوان المسلمين. فالدين في الوطن العربي يقف منذ قرون عديدة في موقع المبرر لكل سلوكات السلطة السياسية، فالخلاف بين علي ومعاوية تغطى بالدين، والخلاف بين المأمون والمعتزلة يغطى بالدين، والخلاف بين الفاطميين والعباسيين يغطى بالدين، والخلاف بين العثمانيين والعرب يغطى بالدين، فكل يجد له في الدين ما يغطيه، لأننا لازلنا نفسر الدين تفسيرا سياسيا ذكوريا، بالضبط كما نفسر التاريخ.
ماذا يعني ذلك؟
إنه يعني أن المواطن العربي الذي يثق في دينه، ليست له ذات الثقة في القائمين على هذا الدين لأنهم جعلوا من أنفسهم ساسة، وهو يريدهم رقباء على الساسة. أي أنهم يريدون الدولة وهو يريدهم في المجتمع. وهكذا فجماعة الإخوان تبدو في هذه اللحظة بعد3سنوات وكأنها خسرت الدولة والمجتمع معا.
وهنا مشكلة، فالدول الكبرى التي ساندت الإسلاميين للوصول إلى الدولة فعلت ذلك على خلفية أنهم الأقدر على تدجين المجتمع، فماذا ستفعل بهم إن فقدوا هذه القدرة، خاصة وأنها رغم سيطرتها على الدولة في النظام العربي، فإنها لاتريد لهذه الدولة تطورا، بل تسعى لإلغائها. أما المجتمع فمن يدخله في حروب تودي به إلى الانقراض غير هذه القوة الدينية المؤثرة فيه تأثيرا لايقاس معه تأثير القوى العلمانية من ليبرالية ويسارية؟
أما القوى القومية فتبدو في وضع أفضل من القوى الدينية والقوى العلمانية الأخرى مثل الليبرالية واليسارية، فرغم ما تلقته هذه القوى القومية من ناصرية وبعثية من ضربات سواء بسوء سلوكها في بعض المراحل نتيجة لفهمها الرديء للديمقراطية وبسبب الضربات التي تلقتها على يد الدول الكبرى وحلفائها من أدعياء الدين والليبراليين واليساريين، فإنها تبدو اليوم هي الأقرب لفهم المواطن العربي للدين والسياسة. ومن هنا نجد أن السيسي الذي ضرب الإخوان في مصر يحاول أن يتشبه بعبد الناصر، ووجدنا الأسد في سورية يؤيده بسرعة البرق، ووجدنا القوى الدينية تسارع في تونس لاغتيال رمزين أحدهما يساري والآخر قومي.
وهكذا يمكن القول إن أداء القوى السياسية في الوطن العربي من دينية وقومية وعلمانية بمختلف أطيافها هو أداء في غاية الركاكة، وساق الأمة إلى طريق الانقراض، إذ لايمكن أن نصف هذا الذي يجري في تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية والعراق سوى أنه سير أعمى نحو الهاوية حيث لادولة ولا مجتمع، فالكل تفكك.
قد يسأل القارئ الآن: وماهو الحل؟
بالتأكيد أن الجواب يكمن في تغيير النخبة العربية برمتها ثقافيا وسياسيا واقتصاديا..وهو الأمر الذي حدث في دول أوروبا الشرقية في تسعينيات القرن العشرين. . فكان أداؤها أفضل من أداء الحراك الاجتماعي العربي في هذه العشرية الثانية من القرن العشرين.. أما كيف يمكن أن يتم هذا التغيير ؟ إن ذلك يقتضي الانتقال من ثقافة الفتنة إلى ثقافة الوحدة..وهذا يعني ضرورة دراسة جدية جدا وعميقة جدا للتجربة الجزائرية. وهو مالم تجرؤ عليه سواء النخبة الجزائرية أو العربية عموما. فكل الباحثين يتمسكون بثقافة الفتنة الممتدة من عثمان بن عفان ومعاوية حتى مرسي والسيسي. وهاهم العرب تحت النار في زمن مفتوح.
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/183206.html