رثاء المنافقين للصديق مانديلا
الكاتب حبيب راشدين
حفل تأبين مانديلا كان كبيرا مهيبا، حوله المنظمون المحترفون إلى فرجة عالمية استقطبت أكثر من مائة رئيس دولة وحكومة، بمن فيهم جميع الرؤساء القتلة من أمريكا، بدءا بالسفاح بوش الصغير، وانتهاء بالقاتل كلينتن، جميعهم جاءوا، مثل آكلات الجيف، كل يريد نصيبه من أيقونة "مانديلا العالمي" وصنم "ماديبا الإفريقي"، كما كانت تصنع بعض الشعوب البدائية آلهة من التمر قبل التقاتل على أكلها.
كاريكاتور يسخر من زعماء العالم أثناء تأبين مانديلا
http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=12122013&id=a39c3e6c-7fd7-460b-931a-badc87e54a26
ولأن لكل أمة إمام، فقد كانت أمة المنافقين ممن حضر من رؤساء دول العالم، ينتظر خطبة إمامهم الأكبر أوباما، الذي حرص على تلميع إيقونة مانديلا، بكلمات مرت مر الكرام على معاناة شعب جنوب افريقيا من النظام العنصري الغربي النشأة، وعلى نصيبه من حرب الإبادة بتجارة العبيد، قبل أن ينتقل إلى لحظة أكل "الصنم ماديبا" حين شبهه بالرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن، والآباء المؤسسين لدولة الظلم الأكبر أمريكا، وقد جعل منهم آلهة كبار ملهمين للصغار من الآلهة مثل مانديلا، وزعم أنه يسترشد في حياته من سيرة مانديلا، فيما هو يرأس قوة البيض العظمى، التي تقود نظام الفصل العنصري بين البيض في شمال المعمورة، والملونين في جنوبها.
إلى جانب أوباما، كان على منصة المدعوين رؤساء الدول الغربية، نصيبهم من الجرائم في حق الأفارقة يفوق نصيب سلفهم من قبل، حتى أن الرئيس الفرنسي لم يكد يلقي بحفنة تراب على جثمان الفقيد الإفريقي، حتى عرج على وسط افريقيا يتفقد أحوال آلة القتل الفرنسية التي أرسلت مرة أخرى لتأديب الأفارقة.
دعونا نتوقف لحظة عند هذا النفاق الغربي والعالمي، في تعامله مع النجباء من نخب الجنوب، ونسأل لِمَ كل هذا الجهد في تصنيع أيقونة محترمة من شخص مانديلا، الذي هو بلا شك زعيم محترم عند أهل الجنوب؟ ولِم يجتهد الغرب في الثناء على شخصيات بعينها، فأثنى على غاندي، وتجاهل الأمير عبد القادر، ورفع من قدر سجين الاستعمار مانديلا، وتنكر لسجين الاستعمار بن بلة، الذي كرس جزءا من حياته لفضح جريمة إبادة السود والهنود الحمر، ومقابل أية خدمة كرم بجائزة نوبل السادات وعرفات مع نظيريهما من الصهاينة، فيما يطارد زعماء المقاومة في العالمين العربي والإسلامي بتهمة الإرهاب؟
كلمة السر خلف هذا التقدير لم تعد سرا، حين نعلم أن جميع من كرم من أهل الجنوب، إنما كان له فضل على المنظومة الغربية المهيمنة. فقد أنقذ غاندي الإمبراطورية البريطانية من ثورة شعبية كانت ستهينها كما أهانت الثورة الجزائرية الإمبراطورية الفرنسية، ومثله فعل مانديلا، الذي سمح بطي صفحة النظام العنصري الغربي دون إحراج الغرب بمساءلة أربابه عن الجريمة، وكان عرفات وأنور السادات يسيران على نفس الهدي.
ما شاهدناه أمس، لم يكن سوى فرجة عالمية، لعملية قرصنة واختطاف ونهب لميراث مناضل افريقي، على طريقة افتراس الغرب المنهجي المتواصل للناطق والصامت من الثروات، وللعقول الناضجة، والمواهب في جميع الفنون، في عملية استنزاف متواصلة.
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/187792.html