بشاعة القاعدة والهمجية الأميركية
2013-12-15
علي الظفيري
تكرر الأمر معي مرتين، الأولى لما قتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في باكستان، والثانية قبل أيام، مع الهجوم الدموي البشع وقتل الطاقم الطبي في مستشفى باليمن، في الحالتين كنت أتذكر الولايات المتحدة وسياساتها وسلوكها، وذلك في مقابل سلوك القاعدة، كأفراد وكتنظيم وكفكر، وهناك من يحاول فهم المسألة في إطار التبرير للقاعدة وأعمالها، أي أن إدانة الولايات المتحدة تُفهم على أنها تقليل من شأن الفعل الذي يرتكبه التنظيم، وهذه أكثر محاولة تضليل، سطحية وساذجة ومكشوفة، يمكن أن يتعرض لها المرء، فالشخص الذي لديه ألف مشكلة ومشكلة مع التيار الديني السلمي، مع أفكاره مواقفه وطريقة فهمه للأمور، لا تكون لديه مشكلة مع تيار اجتثاثي دموي خارج التاريخ! هذه تصلح أن تكون نكتة وليست تقييما لموقف.
مع إصابة رجل ما بالسرطان، يبدو هامشيا مناقشة التفاصيل المتعلقة بألم في أسنانه، أو وجع بسيط في أذنه، ليس تقليلا من أهمية هذه الآلام لدى الإنسان، لكنها ليست القضية المركزية أولا، والانشغال بها بعيدا عن العلة الرئيسية يشتت من الجهود المتعلقة بمواجهة المرض الأكبر، خاصة مع كون هذه الأمراض الصغيرة ناتجة عن الإصابة بالسرطان، ومرتبطة به ارتباطا وثيقا، وفي هذه الحالة نعمل على المسكنات ما أمكن، وإمكانية معالجة هذه الأعراض، لكن معظم العمل يتركز على الداء الرئيسي، وفي حالتنا تمثل السياسات الاستعمارية للولايات المتحدة المرض الرئيسي الذي نعاني منه جميعا، هيمنتها ونفوذها ومصالحها التي لا تضع اعتبارا لحياة الآخرين ومصالحهم، تحالفها مع الاستبداد ودعمها له على حساب المطالب الرئيسية للناس في أكثر من بلد، وغير ذلك الكثير، ما يجعل من هذه السياسات عدوا للمواطنين في كثير من البلدان.
إن مشكلتنا مع تنظيم القاعدة في غاية التعقيد، ولا يمكن استسهال تلخيصها في إدانة أو تبرؤ من منهجها، مشكلة أساسية أولا مع المنبع الفكري لهذا التنظيم، وهذا خلاف نخوضه في جدالاتنا اليومية، ومشكلة مع الطريقة المعتمدة في مواجهة الاستعمار الأميركي، وما تفرع عن ذلك من منهج عمل معتمد في مواجهة الأنظمة المستبدة الحليفة للولايات المتحدة، ومشكلة في الخافي من علاقات وتداخلات هذا التنظيم وارتباطاته، وشخصيا لدي إيمان كامل بتواطؤ أجزاء كبيرة من مكوناته مع الأنظمة واختراقه وتحريكه كيفما يريد المستبد، وفي اليمن التقيت من أبناء التنظيم السابقين من أكد لي هذا الأمر، وكيف أن نظام علي صالح كان يخطط ويحرك ويشرف على جانب من أعمال تنظيم القاعدة، وقيادات النظام على ارتباط وثيق بالمخابرات الأميركية ويتلقون دعما ماليا وسياسيا مباشرا في السابق، وهذا كفيل بإثارة الشك حول طبيعة التنظيم وأهدافه، وهؤلاء ممن تحدثت لهم، لا قدرة لديهم -حاليا– على الظهور والحديث في ظل المخاوف من استهدافهم، نظرا لأهمية ما سيتم كشفه من خبايا العلاقة بين النظام السابق والقاعدة، وهذا مجرد مثال واحد على ما أقول، والأمثلة والشواهد كثيرة.
من هذا المنطلق، ولأننا أمام تنظيم هلامي لا نعرف تفاصيله، ولا نستطيع تأكيد مسؤوليته الكاملة والمستقلة، ولأننا أمام جزر متناثرة يدعي كل منها وصلا بليلى، فالاتجاه بتفكيرنا نحو العلة الرئيسية هو الأجدى في مواجهة أفعال ومواقف القاعدة، إن كل ما يستند عليه هذا التنظيم هو محاربة الولايات المتحدة وحلفائها، أقصد على الصعيد النظري، لكن كل ما يقوم به يدعم ما يدعي محاربته، وتذكرون جيدا كيف اختفت القاعدة تماما في السنوات الأولى للربيع العربي، لما ظهر بشكل حقيقي ما يمكن أن يشكل خطرا على السياسات الأميركية ومصالح حليفها المستبد في بلادنا، أخرج الشعب العربي القاعدة من الباب، لكنها عادت من النافذة، وثمة من أعادها أو سمح لها بذلك!
http://alarab.qa/details.php?artid=273763&issueId=2197