منتديات الصمود الحر الشريف
زيارتكم تسرنا * ومشاركتكم لنا بالتسجيل والمساهمة في منتدياتنا تسعدنا * حللتم أهلا ونزلتم سهلا في منتدياتكم الصامدة الحرة الشريفة
منتديات الصمود الحر الشريف
زيارتكم تسرنا * ومشاركتكم لنا بالتسجيل والمساهمة في منتدياتنا تسعدنا * حللتم أهلا ونزلتم سهلا في منتدياتكم الصامدة الحرة الشريفة
منتديات الصمود الحر الشريف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الصمود الحر الشريف

هذه المنتديات تجمع الشرفاء والشريفات الذين يناضلون من أجل القضايا العادلة في فلسطين والعالمين العربي والإسلامي والعالم بأسره بالوسائل التعبيرية الشريفة والشرعية - لا تتحمل إدارة المنتديات مسؤولية ما ينشر فيها مما لا يعبر عن رأيها بالضرورة
 
الرئيسيةجديد اليوم*أحدث الصورالتسجيلدخول

وضع الأمريكان دستور العراق ........................... وضع الروس الآن دستور سوريا ..................... ربما هذا يعني أن سوريا من نصيب روسيا في مشروع الشرق الأوسط الجديد .............. لقد بدأ العد العكسي لزوال الدول العربية نهائيا من خريطة العالم

 

 التكيف في أنظمة أوتوقراطية: سلطة النظام في مصر وسورية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد المالك حمروش
المدير العام
المدير العام
عبد المالك حمروش


عدد المساهمات : 5782
تاريخ التسجيل : 26/02/2010
الموقع : https://elsoumoudelcharif.ahlamontada.com

التكيف في أنظمة أوتوقراطية: سلطة النظام في مصر وسورية Empty
مُساهمةموضوع: التكيف في أنظمة أوتوقراطية: سلطة النظام في مصر وسورية   التكيف في أنظمة أوتوقراطية: سلطة النظام في مصر وسورية I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 18, 2014 9:54 am





التكيف في أنظمة أوتوقراطية: سلطة النظام في مصر وسورية


هاني عوّاد | 13 فبراير ،2014



التكيف في أنظمة أوتوقراطية: سلطة النظام في مصر وسورية 812eeae8-aa45-4ad1-8c76-7763b30173fb


العنوان: Adaptable Autocrats: Regime Power in Egypt and Syria

المؤلف: جوشوا ستاشر

الناشر : مطبعة جامعة ستانفورد - ستانفورد - كاليفورنيا

السنة: 2012

عدد الصفحات: 224



هذا العمل مقاربة تفسيرية جادّة بين المشترك والمختلف في كلٍّ من النظام السوري والنظام المصري. ويعتبر المؤلّف أن فترة السبعينيات من القرن المنصرم كانت مهمة وحاسمة في حياة النظامين، وقد أدت إلى ولادة شكلين مختلفين من أنظمة الأبوية المحدثة (neo-patrimonial)، بلغة ماكس فيبر، وهو الأمر الذي كان له آثار كبيرة في تعقيد العلاقة بين المجتمعين ونخبهما من ناحية ونظامي الحكم وأجهزتهما الأيديولوجية من ناحية أخرى.

المقولة الأساسية التي بُنيت عليها فصول هذا الكتاب هي أن عوامل عديدة مرّت بها كلٌّ من جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية، جعلت النظام المصري يتسم بالمركزية وهيمنة مؤسسة الرئاسة على بقية مؤسسات الدولة والمجتمع، في حين أن مسار النظام السوري أخذ طابعًا لا مركزيًا يقوم فيه الرئيس في - أحسن أحواله- بدور اللاعب على التناقضات (arbitrator) بين مراكز قوى الدولة المتنافسة. ويدّعي الكاتب أن هذا التمييز هو الذي أدى إلى تغير رأس الدولة في مصر بشكلٍ سلمي نسبيًا في الثورة المصرية، في حين فضّلت الدولة السورية الذهاب إلى دائرة مفرغة من العنف لم تنتهِ فصولها إلى اليوم.


عن المركزية واللامركزية في مصر وسورية

يدّعي الكاتب جوشوا ستاشر (J. Stacher) أن ما حدث من تغييرات على بنية الأنظمة العربية طوال النصف الثاني من القرن العشرين وحتى هبوب عاصفة الثورات العربية، لم يكن قائمًا على تحوّلات إصلاحية حقيقية بقدر ما كان عملية تكيف لاحتواء مصادر التهديد المجتمعي (ص 21). وبغضّ النظر عن جدوى التمييز بين "التكيف" و"الإصلاح"، وهو تمييز إجرائي لا علمي، فإن الكاتب ينطلق من اقتراح نموذج يربط بين النخبة الحاكمة والمجتمع، لفهم أشكال التكيف داخل النظم الأتوقراطية، مستفيدًا من التحوّلات التي شهدتها الجمهوريات الاشتراكية السابقة.

يعتمد هذا النموذج على توحّد أو تفكّك النخبة والمعارضة المجتمعية  أو نفككهما بعضهما أمام بعض في أوقات الأزمات والثورات؛ ففي حال كانت النخبة موحّدة والمجتمع موحّدًا، فإن التغيير والتكيف بالعادة يكون سلسًا، وفي حال كانت كلٌّ  من المعارضة المجتمعية والنخبة الحاكمة مفككة، فإن سباقًا بينهما يجري لإعادة تنظيم الصفوف، وغالبًا ما تكون النخب أسرع في التعبئة والتنظيم من المجتمع (ص 20-21). وتنطبق الحالة الأولى، إلى حدٍّ كبير، على مصر، بينما الحالة الثانية هي التي حكمت مصير الثورة السورية وجعلت النظام السوري يحسم خياره تجاه المسار الدموي.

حول تفكك النخبة الحاكمة في سورية وتماسكها في مصر يدور بحث ستاشر، حيث يجد أن عقد السبعينيات كان بمنزلة مرحلة حاسمة في تشكّل نظاميْن أبويين أخذ كل واحد منهما مميزات مختلفة عن الآخر. ففي تلك الفترة استلم الرئيس الأسبق أنور السادات السلطة بعد وفاة عبد الناصر، وعمد في عملية استمرّت عقدًا من الزمن إلى زيادة سطوة مؤسسة الرئاسة وتعميق المركزية عبر إقصاء مراكز القوى، في ما عُرف آنذاك بحركة مايو التصحيحية.

كان إقصاء مراكز القوى في الحقيقة يعني نزع السياسة من أجهزة الدولة التنفيذية وضمان ولائها لمكتب الرئيس. وقد استغرقت هذه العملية بضع سنوات ابتدأت بإقالات واسعة لضبّاط كبار في الجيش المصري، وتفكيك الاتحاد الاشتراكي العربي وتهميش رموزه، ثمّ القيام في فترة لاحقة بخلق كيان حزبي آخر هو الحزب الوطني الديمقراطي، الذي كان بلا أيديولوجيا، ويهدف بالأساس إلى احتواء شرائح من الطبقة الوسطى المصرية والرأسماليين الملتفّين حول مشروع الدولة المصرية الجديدة: الانفتاح (ص 51-55).

هكذا اتخذ الصراع شكله داخل النخبة المصرية الحاكمة وخرج منه الرئيس أنور السادات منتصرًا ومطيحًا جميع منافسيه ومحتويًا بقية مؤسسات الدولة، على خلاف ما جرى في سورية، حيث عنت "الحركة التصحيحية" في الفترة الزمنية نفسها، تقوية نفوذ مؤسسات الدولة المختلفة وإكسابها شكلًا من أشكال الاستقلالية النسبية التي تشكّل ضامنًا يحمي النظام السوري من التفكك والانهيار، خاصّةً بعد التمرّد الطائفي الذي استمر خلال الفترة 1978-1982، والذي اضطر حافظ الأسد من أجل قمعه تعبئة مؤسسات الدولة، وأهمّها حزب البعث والأجهزة الأمنية بالإضافة إلى الجيش، عبر جعلها ملاذًا لأبناء الريف والأقليات المختلفة (ص 58 وما بعدها).

وبذلك لم يكن للأسد في عقدي السبعينيات والثمانينيات من خيار سوى تقاسم السلطة مع رجالات الأجهزة الأمنية وأركان حزب البعث والمؤسسة العسكرية، ويؤشر الكاتب إلى أن عدد أعضاء حزب البعث عشية إقصاء الأمين القطري المساعد لحزب البعث    صلاح جديد عن السلطة سنة 1970 كان لا يزيد عن 35.000 عضو، ليصل بعد سبع سنوات من حكم الأسد إلى حوالى 200 ألف، ثمّ في سنة 1980 إلى 375 ألفًا، ووصل العدد في سنة 1984 إلى أكثر من نصف مليون عضو، أي ما يزيد على 8 في المئة من إجمالي عدد سكّان سورية (ص 57).

ومع أن الأسد استطاع بهذه الطريقة تقوية دعائم مؤسسات النظام السوري، عبر ضمان التفاف قطاعات اجتماعية واسعة حول مؤسسات النظام الوليدة، فإن ذلك رسّخ اللامركزية في بنية النظام السوري وتوزيع السلطة على مؤسسات الدولة المختلفة، بحيث أصبح من غير الممكن لرأس النظام إجراء تعديلات عميقة على غرار ما قام به السادات، لأن ذلك لم يكن يعني سوى تهديد وجود النظام بأكمله، وبذلك تمّ إعدام إمكانات التحوّل/ التكيّف في بنية النظام السياسي السوري، ليتمَّ التعويض عن ذلك بالإغراق الأيديولوجي المتمحور حول القومية العربية والخطاب السياسي بشأن قضية فلسطين (ص 76-77).


مصر: شبكات زبائنية... سورية: منظمات اجتماعية

إن إحدى المساهمات الأساسية لهذا الكتاب هي في المقارنة بين نفوذ النخب العليا في كلٍّ من النظامين السياسيين المصري والسوري، وهي النخب التي ارتبطت بدرجة المركزية في كلا النظاميْن؛ ففي حين امتلكت النخب السورية المنتشرة في مؤسسات النظام - وخاصة حزب البعث والأجهزة الأمنية- مصادر حماية صلبة نجمت عن صيرورة اللامركزة التي ابتدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، كانت النخب المصرية تعيش في ظلّ مكتب الرئاسة المصرية، وكان تبوؤها مناصب شتى، أكانت برلمانية أم أمنية أم حتى حزبية، شكلًا من أشكال "الوهمِ" في ظلِّ نظام سياسي شديد المركزية.

يركّز ستاشر في الفصلين الثالث والرابع على الفترة الزمنية التي امتدّت من أواخر التسعينيات إلى أواسط العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. بالنسبة إلى مصر، كانت قرارات إزاحة كبار أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم واستبدالها بفريق نجل الرئيس مبارك من رجال الأعمال والنيوليبراليين سلسة، واحتاجت فقط إلى إجراء الانتخابات الحزبية الابتدائية (2001-2002)، وحينما قرّر رموز الحرس القديم (يوسف والي وصفوت الشريف وكمال الشاذلي)، المنافسة باستخدام شبكاتهم الزبائنية، أُطيحوا في المؤتمر الأول للحزب، ولم تملك تلك الرموز سوى التذمّر، أو في أحسن الأحوال الامتناع عن مساعدة رموز الحرس الجديد في خططهم السياسية والاقتصادية (ص 98-103).

المثال الآخر الذي يستدلّ به الكتاب هي ظاهرة عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق. لقد سطع نجم موسى بعد تسلّمه حقيبة الخارجية المصرية سنة 1991، خاصّةً بعد نشاطه إزاء ملفّ القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي أقلق الرئيس المصري ومعاونيه. وقد كان من السهل إزاحته عبر "الركل إلى الخارج"، حيث تمّ ترشيحه في سنة 2001 لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية. وفي الأشهر الانتقالية شاهد موسى بأمّ عينّه انفضاض أنصاره عنه، وتجريده من شبكته الزبائنية التي كان من المفترض أن تشكّل شبكة حمايةٍ له (ص 93-98).

تأخذ الصورة شكلًا مغايرًا في سورية؛ فإزاحة قيادي سوري ضمن النخب العليا عنت دائمًا زلزالًا في النظام السوري. وعلى عكس النظام السياسي المصري الذي اتسم بهيمنة مكتب الرئيس، فإن حافظ الأسد لم يكن قبل وفاته إلّا منسّقًا لتناقضات مؤسسات النظام المختلفة ومصالحها، وبعد وفاته، ورث نجله بشّار الأسد موقعه بتسوية مع مختلف أطراف النخبة، وهو ما أضعف موقع الرئيس السوري وجعله مركزًا من مراكز القوى، لا لاعبًا على تناقضاتها.

يبيّن ستاشر أن النفوذ السياسي الذي تمتّعت به النخب في النظام السوري كان ذا أهمية قصوى؛ فبينما كانت القيادات النخبوية في مصر تتمتع بحماية الشبكات الزبائنية التي تسيّر مصالحها في المجتمع المصري ولكنها عاجزة عن حمايتها من بطش السلطة التنفيذية العليا، كانت القيادات النخبوية السورية مزروعة في منظّمات مجتمعية عميقة الجذور تحصّنهم حتى من سطوة السلطة التنفيذية. وقد ازدادت هذه المنظّمات قوّة بعد التوريث، بحيث أصبح من غير المسموح لقيادي تجاوز حدوده إلى حدود القيادات الأخرى (ص126 وما بعدها).

ويدلل المؤلّف على النفوذ الواسع التي تتمتع به النخب في سورية بشواهد عديدة، فحزب البعث العربي الاشتراكي لم يكن ينفّذ قرارات الرئيس الجديد، ومن بين عشرات المراسيم التي وقّعها بشّار الأسد منذ توليه الحكم وحتى سنة 2005، لم ينفّذ الحزب منها إلّا العدد اليسير (ص 88- 89)، كما أن الرئيس السوري لم تكن له سوى حصة واحدة من مجموع الحصص في الجيش (ص 64)، وفي الواقع كانت مراكز القوى داخل هذه المؤسسات عائقًا أمام تغييرات بنيوية حقيقية تقوم بها السلطة التنفيذية، ومنها على سبيل المثال، مسار لبرلة الدولة الذي لم يكن ممكنًا بالطريقة التي حصلت في مصر، لأن حزب البعث لم يضمّ أكثر من 2 في المئة من الطبقة الوسطى العليا ورجال الأعمال، وهو ما يفسّر اتخاذ مسار اللبرلة البطيئة منذ سنة 1985، التي تتجنب صدامًا مفاجئًا وعنيفًا مع قواعد النظام الاجتماعية (ص 59).

وقد كان في إمكان الباحث أن يجمع شواهد عديدة لو تابع المشهد السياسي السوري بعد سنة 2005، وخصوصًا بعد أزمة اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري، حين عبّر مقتل وزير الداخلية السوري غازي كنعان، وهروب نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدّام، عمّا يشبه الزلزال السياسي هدّد التوازن الدقيق داخل بنية النظام السوري السياسية والأمنية.


مصر: الاحتواء... سورية: التجنيد

المحطة الثالثة التي يركّز عليها هذا الكتاب هي فهم العلاقة بين الراعي (patron) والرعية في شكلين من أشكال النظام الزبائني المحدث: المصري والسوري؛ فقد اختلفت ميكانيزمات تشكيل القاعدة الاجتماعية لكلا النظامين. وكما يبين ستاشر، فقد كانت الميكانيزم الرئيسة التي تحكم علاقة الرعاة برعيتهم في النظام الزبوني المصري هي الاحتواء (co-option)، بينما كانت الميكانيزم الأساسية في النظام الزبوني السوري هي التجنيد (recruitment)، وكلتا الميكانيزمين تمظهر من مظاهر المركزية أو اللامركزية في النظامين السياسيين المبحوثين.

نظرًا إلى المركزية التي يتميّز بها النظام السياسي المصري والقوّة الكبيرة لمنصب الرئيس، كان استحداث المؤسسات وصناعتها لاحتواءِ المثقفين المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان سهلًا، بل إن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم كان بالأصل "إطارًا" وظيفته احتواء النخب المصرية المختلفة والسماح لها بعبور المجال السياسي المصري (ص 121-122).

وفي الواقع، لم يكن من المهم من أجل الحصول على منصب ما في الحزب الوطني الحاكم أن يكون المرشّح ذا ميول أيديولوجية محددة. وفي العقد الأخير من عهد مبارك، ضُمَّ عشرات المرشّحين الذين ترشّحوا كمستقلين لانتخابات مجلس الشعب المصري سنتي 2000 و2005، بعد فوزهم بمقاعد البرلمان أمام منافسيهم من أعضاء الحزب الوطني.

ومع بروز نجم جمال مبارك، نجل الرئيس المصري، أُسس عدد كبير من المؤسسات والمجالس التي كانت وظيفتها احتواء أعضاء النخبة الذين لا تلائمهم المنافسة على مقاعد مجلس الشعب ذي السمعة السيئة مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس القومي للمرأة. هذه العملية التي أسماها المؤلّف councilization، كانت تهدف بالأساس إلى احتواء نشطاء حقوق الإنسان والمثقفين الذين قد يشكّلون مصادر إزعاج للرئيس المصري وحاشيته، عبر السماح لهم بالمشاركة في المجال السياسي داخل النظام السياسي نفسه (ص 130).

وقد بلغت هذه العملية مداها الأقصى إلى درجة تأسيس المجلس الأعلى للسياسات، وهو ما يشبه لجنة دراسة ومشورة (Think Tank)، مكوّن من أكثر من مئة شخصية عامّة تناقش الاقتراحات وتحيلها إلى مجلس الشورى. والغريب أن هذا المجلس تابع للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، والمدعوون إليه يصبحون بشكلٍ تلقائي أعضاء حزبيين، أي إنه يشكّل بصورة أو بأخرى مؤسسة احتواء داخل مؤسسة احتواء أخرى!

هكذا يتضّح أن الاحتواء، وهو الميكانيزم المستخدمة في النظام الزبوني المصري، كان تمظهرًا من مظاهر سهولة تشكيل المؤسسات من جانب السلطة المركزية، وضمّ النخب المجتمعية إليها، من دون أن يكون لهذه النخب أي قوّة حقيقية أو نفوذ سياسي. وفي الواقع، كانت النخب المصرية تعيش وهم ممارسة النقد السياسي والمعارضة، ولكنّها كانت في الحقيقة تقوّي النظام المصري وتوسّع من انتشاره في صفوف الطبقة الوسطى العليا وفي صفوف المثقفين. وقد كان من السهل في حال القطع مع النظام السياسي أو تحدّيه، أن يتمَّ استبعاد المعارضين من مؤسسات وهمية ليس لها نفوذ دستوري ولا قانوني، وبأبسط الأساليب مثل الشائعات، وهو الأسلوب ذاته الذي استُخدم لرسم الحدود بين نفوذ النخب ومواقعها (ص 113).

هذا يعطي تفسيرًا لجهاز الشائعات المصري الذي انفلت من عقاله مع إطاحة الرئيس مبارك؛ فعلى عكس المجال السياسي السوري الذي امتلك المنخرطون فيه نفوذًا حقيقيًا، كانت الشائعة هي السلاح الأكثر فاعلية لرسم حدود النخب العليا، ولجم اعتدائها على مساحات بعضها البعض. وفي أغلب الأحوال كانت الشائعة إجراء تحضيريًا لإقالة أحد المنخرطين في المجال السياسي او إقصائه، وهو الذي يستسلم لأنّه في الأصل لا يملك أي سلطة حقيقية أو نفوذ.

على العكس من النموذج المصري، كانت الميكانيزم المستخدمة في النظام الزبوني السوري هي التجنيد الذي يعني تحويل المثقفين والحقوقيين ونشطاء حقوق الإنسان والناشطين في مختلف المجالات من الطبقة الوسطى العليا إلى موظّفين في إحدى مؤسسات النظام. وقد كان المُجَنَّد سيفًا ذا حدّين، فهو من جهة يساعد النظام على اختراق صفوف الطبقة الوسطى السورية ويضمن إلى حدٍّ ما ولاءها بالترغيب أو بالترهيب، وهو من جهة أخرى يعمل لمصلحة مؤسسة ضدّ مؤسسة أخرى ويحفظ التوازن بين مؤسسات النظام المتصارعة على النفوذ. وقد امتلكت مؤسسات النظام في عهد حافظ الأسد، وبشكلٍ أوسع في عهد نجله، القدرة على تجنيد النخب بشكلٍ مستقلّ، لتنعكس الحدود بين مؤسسات النظام على النخبة السورية التي باتت نُخبًا لمؤسسات النظام (لا نخبة نظام) يعكس انسجام العلاقات بينها أو توتّرها العلاقات داخل النظام نفسه.

لم يكن النظام السوري قادرًا على استحداث مؤسسات جديدة تهدف إلى احتواء شرائح الطبقة الوسطى المُعارضة، ويشير الكاتب إلى تجربة المنتديات الثقافية بعد أن ورث بشار الأسد منصبه عن والده، ومحاولةِ المقربين من الرئيس لاحقًا تأسيس منظّمات تنموية، مثل "فردوس" و"مورد"،  فهمتها مراكز القوى الأخرى على أنّها محاولة لمدّ نفوذ الرئيس وتوسيع حدود سلطته، فجرى عرقلة جهودها والعمل بكلِّ السبل الممكنة لإفشالها (ص 137-139).

يتبين إذًا، وعلى عكس النموذج المصري، أن بنية النظام السوري لم تكن قادرة على خلق فضاءٍ رمزي يتمّ عن طريقه احتواء نخب الطبقة الوسطى، فالاحتواء يعني في النهاية السماح بهامشٍ لنقد مؤسسات النظام أو حتى بعضها، وقد يعني أيضًا التفاعل مع هذا النقد بالتكيف الذي يعني إجراء تعديلات مستمرّة تمس شخصيات من مؤسسات الدولة المختلفة، وهو ما لم يكن ممكنًا في ظلّ شكل السلطوية السورية المتسمة باللا مركزية. فبينما كانت المؤسسة في بنية النظام الأوتوقراطي المصري أقرب إلى الوعاء الذي يستخدمه مكتب الرئاسة لاحتواء معارضيه وتوزيع المنافع الرمزية عليهم، فقد كانت المؤسسة في النظام الأوتوقراطي السوري منظّمة اجتماعية تتولّى تنشئة أعضاءها وتربيتهم منذ الصغر، ويُعتبر الخارج عنها منشقًّا، مكانه السجن أو المنفى (ص 126).


عن هذا الكتاب...

يُحسب لهذا الكتاب تميّزه في إعطاء مقاربة مقارنة وتفسيرية تميّز- إلى حدٍّ ما- بين النظام الزبوني المصري والنظام الزبوني السوري بين نهاية التسعينيات وأواسط العقد الأول من القرن الحادي والعشرين،  لكن يؤخذ عليه تسرّعه في تعميم نتائجه وسحبها على بُنية النظامين بعد سنة 2005 وحتى اندلاع الثورات العربية.

لقد تخللت السنوات السبع التالية التي لم يناقشها الكاتب حوادث مفصلية وغنية أثّرت في النظامين في مصر وسورية؛ ففي سورية أدت مساهمة النظام السوري في صدِّ العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز/ يوليو 2006، والخروج من عزلته الدولية سنة 2007، إلى تقوية نفوذ الرئيس بشّار الأسد ومدّ سلطته إلى داخل حدود بقية المؤسسات ومراكز القوى، كما أدت السياسات الاقتصادية واتفاقيات التجارة الحرّة إلى استعدائه قطاعات شعبية واسعة في الأرياف كانت بعثية الهوى.

أمّا في مصر، فقد أدت حرب غزة في شتاء 2008-2009 وتواطؤ النظام المصري في حصار قطاع غزة، بالإضافة إلى مئات الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية التي تكثّفت بعد سنة 2005 وشملت مختلف مدن الجمهورية، إلى إضعاف وتقويض نظام الاحتواء الذي كان مرتكزًا أساسًا لمرونة السلطة في مصر. وقد قاد ذلك إلى تمرّد قطاع واسع من النخب المصرية على مؤسسات النظام، وهو تمرد أخذ شكلَ المقاطعة إن لم يكن شكل الاستعداء في بعض الأحيان.

كما أن التصوّر الذي بناه ستاشر حول المؤسسات المصرية يمكن تعميمه فقط على ما يُعرف بمؤسسات المجتمع المدني التي تضمّ منّظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية، ولكنّه لا ينسحب على بعض مؤسسات الدولة العميقة، مثل الجيش والقضاء، التي تأخذ طابعًا يقترب إلى حدٍّ كبير من الطوائف الاجتماعية، كما كشفت تطوّرات المشهد السياسي بعد سقوط مبارك.

وفي كلّ الأحوال، توفِّر مساهمة ستاشر مفاتيح ضرورية لتحليل تطوّر الأنظمة العربية الزبونية في مصر وسورية، بالإضافة إلى تحليل سلوك النخب السياسية والاجتماعية في كلا البلدين، وهو ما لم يتم تناوله في المكتبة العربية بشكلٍ كافٍ.


*هذه المراجعة منشورة في العدد السابع من دورية "عمران" (شتاء 2014)، الصفحات: 171-176،وهي مجلة فصليّة محكّمة للعلوم الاجتماعية والإنسانيّة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات.

للاطلاع على الورقة كاملة، انقر هنا، أو انقر على الصورة في الأسفل

التكيف في أنظمة أوتوقراطية: سلطة النظام في مصر وسورية 0012314354efd96f9a3a4


لقراءة الورقة بصيغة PDF


http://www.dohainstitute.org/release/b6029162-7551-4941-8c15-4f04125f030d

http://www.dohainstitute.org/file/Get/b008144a-51ac-4b5c-a8fa-8c0c50a39865.pdf

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elsoumoudelcharif.ahlamontada.com
 
التكيف في أنظمة أوتوقراطية: سلطة النظام في مصر وسورية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الصمود الحر الشريف :: Votre 1ère catégorie :: منتدى العالم - 2ème forum :: العالم العربي-
انتقل الى: