مصطفى بوقبة يكشف لـ"الشروق" / الحلقة الثانية
هناك مليــون "مجاهد مزيّف" في الجزائر
حاوره: بلقاسم عجاج
2014/03/05
المجاهد مصطفى بوقبة
مانديلا كان بيننا مالي الجنسية لدواعٍ أمنية وبقي ذلك سرّا نجهله
لولا بومدين لنسف الثورة َ "جيشُ القوة الثالثة" لعبد الرحمان فارس
كشف المجاهد مصطفى بوقبة، عن طرق التزوير التي تمت في الحصول على اعترافات بالعضوية في جيش التحرير. كما تطرق بوقبة، في الحلقة الثانية من حواره مع "الشروق" إلى أهم حدث في مركز "زغنغن" بالمغرب يتعلق بتدريب الزعيم نيلسون مانديلا على يد ثوار الجزائر.
برأيكم، أين يكمن لبّ الخلاف بين قيادة الأركان والحكومة المؤقتة؟
لقد رفض هواري بومدين عن طريق ممثله قائد أحمد أن تكون قوة بحوالي 50 ألف جزائري مجندين إجبارياً ساعة الاستقلال تحت قيادة عبد الرحمان فارس لتكون قوة محلية وفقا لاتفاقية ايفيان، وبقيت تلك القوة بلباس خاص وبالسلاح، في مؤامرة لتتصارع الولايات فيما بينها، ويبرز فارس كزعيم وقد يصبح رئيسا للجمهورية بقوته تلك.
وهذا هو الخلاف الأساسي بين بومدين والحكومة المؤقتة، وقد اعتبرها بومدين خيانة، أما بقية الأقاويل فكلها من باب الكذب ولا يوجد خلافٌ آخر، لأن الحكومة المؤقتة هي من قام بالمفاوضات.
وتحدِّد مقر عبد الرحمان فارس في بومرداس مع قوة محلية المسماة بالقوة الثالثة في الولاية الثالثة، التي كان بها كريم بلقاسم.
وكنا ساعتها نعيش أحداث الكونغو والصراع على السلطة بين 5 جنرالات ومنهم موبوتو، كازافوبو، شومبي، بتريس لومومبا. وبومدين تخوف من الصراع ورفض القوة المحلية و"ضباطها"، فخاف بومدين أن يحدث الصراع نفسه بالقوة الثالثة المحلية في الجزائر، وهي سبب صراع الحكومة المؤقتة وجيش الحدود.
كيف برز بومدين مع "جماعة وجدة" وهو من أقصى الجهة الشرقية؟
جاء بومدين من القاهرة بعدما تدرّب في أكاديمية القاهرة ثم أكاديمية عمان، وقد عاد على متن قارب لملكة الأردن والدة الملك الأردني الحالي، مملوء بالسلاح والمتفجرات سنة 1956، فنفذ أوامر أحمد بن بلّة والتحق بالغرب وعينه بوصوف نائبا له، نزولا عند طلب بن بلّة - موثق في رسالة - ورغم أن أصوله من قالمة، غير أن بن بلّة كتب رسالة لبومدين لكي يتجه بها صوب الولاية الخامسة بالجهة الغربية، وكانت منطقة الغرب قد التهبت وجرائد الاستعمار تشهد على تلك الأعمال الفدائية والعسكرية للثوار، ومعظم الحقائق تلقيناها من بومدين لاحقاً، بعد الاستقلال.
هل عايشتم في المغرب لحظات تدرب الزعيم نالسون مانديلا على يد المجاهدين الجزائريين؟
كنا في المغرب، حتى جاءنا أفراد ظهروا بالنسبة لنا كأفارقة، وكانوا يتدربون لوحدهم وحتى يبقى الأمر سرّا وقالوا لنا بأنهم ماليون، وحتى لا يعرف المستعمر والجنوب إفريقيون حقيقة وجود الزعيم مانديلا في الجزائر، وكنا سنأخذ صورة تذكارية بين جنود الحدود الشرقية والغربية فأرغمناهم على أخذ صورة معنا، ولم نبحث عن تفاصيل أكثر بشأنهم، لكن في الاستقلال دخلوا مع الجيش، وأنا كنت لا أزال في الجيش في اختصاص المدفعية ولي زملاء في شرشال، فقالوا لي: "هؤلاء ليسوا ماليين ويوجد بينهم واحد اسمه نيلسون مانديلا من جنوب إفريقيا ويتدربون للرجوع كعسكريين مدرَّبين"، فسألتهم: "تقصدون في الزغنغن؟"، فأكدوا ذلك وكنت لا أعرف عن مانديلا شيئا.
من هم الجنود الذي تتذكرهم ممن التقطوا صورا مع مانديلا؟
رأيت صورة تذكارية للزعيم مانديلا، في الأيام الأخيرة، في جريدة وطنية مع "جماعة فرنسا"، وهو ما أثار تساؤلاتي؟ وهم ضباط فرنسا الذين التحقوا بجيش التحرير في بداية سنة 1962، ولا يعرفون شيئا عن الثورة التحريرية، أو عن حرب العصابات، وقد يكون إشرافهم على مانديلا لتدريبه عسكرياً وهذا ممكن.
من درّب مانديلا عسكريا لا يفقه شيئا عن الثورة أو حرب العصابات
وعلى رأس الضباط الذين اقترحوا على الرئيس بومدين الاستنجاد بضباط الجيش الفرنسي من أصول جزائرية بدل الاستعانة بالأجانب، هم الضباط عبد المومن وقنايزية ونزّار، علما أن هؤلاء الضباط خرجوا من الجيش الفرنسي وبقوا مختبئين هنا وهناك.
وقد قام هؤلاء الضباط بإدراج جميع المتسللين داخل الجيش الوطني الشعبي، وكانوا بين سنوات 1959 و1962 داخل جيش التحرير، فأرادوا تقوية صفوفهم داخل الجيش وكانت لهم تلك الخطة، بعدما قبِل بومدين بهم مدربين لأفراد الجيش.
هل فعلا طبقت تلك الخطة داخل الجيش لفائدة تلك الزمرّة؟
في بوغار بالمدية قابلت محمد بن شريف ضابط برتبة رائد وكانت وقتها أعلى رتبة هي عقيد، وأحاط به ضباطُ فرنسا ووجدت نفس الأمر في شرشال، فقلت: "هذا لا يليق بالجزائر"، ولقد كنت في سكيكدة برتبة ضابط مع الجنرال رابح بوغابة، الذي كان برتبة نقيب آنذاك، وكذا النقيب الطيب دراجي، وقررت الخروج من الجيش سنة 1967، بعدما عملت في نزع الألغام مع الروس من خط شال ومررت عبر مختلف مناطق الناحية السادسة، وأردت الدخول إلى الوسط، لكن اصطدمت بانتشار ضباط فرنسا، وقلت: "الآن الدولة قائمة"، وخرجت دون أن أطلب أيّ وثيقة، واستغنيت عن أوراق الجيش وقدمت للبلدية طلب وثيقة شهادة العضوية في جيش التحرير، وتحصلت عليها بسهولة من طرف الأعضاء الأربعة والخامس رئيس البلدية، واتجهت إلى العمل في الإدارة الجزائرية وشغّلت أولادي إلى غاية التقاعد، وقطنت بالعاصمة وبقيت أتردد على القليعة.
غادرت الحياة العسكرية نحو المدنية، فكيف عدت مجددا لخوض معركة "المجاهدين المزيفين"؟
في سنة 1987، طلب مني المجاهدون بل وفرضوني بالقوة ضد "الجماعة التي تخيط في العضويات"، كعضو مكتب ولائي بمنظمة المجاهدين، وخضت معركة في31 أكتوبر 1987، عشية الفاتح نوفمبر، وهاجمت قدّور لحول والي تيبازة، ولجنة التنسيق الولائية التي يترأسها ومعه المحافظ وقائد القطاع العسكري، وقلت إنهم لا يعملون بالقوانين.
وقام هؤلاء بالاستعانة بشخصين - أحدهما توفي والثاني لا يزال حيا - نقلوهما إلى مقر الدرك الوطني لوضع ملف ضدي للانتهاء مني ومن مضايقاتي لهم، ووضع الدرك تقريراً رُفع للقيادة، وأخبرني من وقّع وعبد القادر والي رئيس دائرة القليعة صهر الوالي، والقيادة أخذت بكلامي. وفي 16 سبتمبر 1988، أي 10 أشهر فيما بعد، طلبوا مني الحضور في مؤتمر جبهة التحرير وأن أتناول الكلمة في نادي الصنوبر، وخلالها انتقدت كل ما قامت به الجبهة وما يتعلق بالمجلس الشعبي الوطني، وقلت: "إنه يولد قوانين ولا يعرف إن طبقوا أم لا، كولد الحجلة"، ولفتت انتباه الجميع وحصل تصفيق كبير عقب تدخلي، وبُث كلامي في أخبار الثامنة، حينما طلبت من الشاذلي وقلت له: "إن كان لديك قليلٌ من الشجاعة غيّر الأمور".
وبعد ثلاثة أسابيع وقعت أحداث 5 أكتوبر 1988، وفي يوم 10 أكتوبر، انتهت العملية لأنها كانت مؤطرة، وحصلت التعددية الحزبية وحرية التعبير.
كيف حصل التزوير في ملف "المجاهدين المزيفين"؟
بعدما رفع بومدين مستوى معيشية الشعب، أضاف المادة 85 ضمن دستور 1976، وقام بومدين بتحسين وضع المجاهدين، وطبقها مساعدية كوزير للمجاهدين، والتي تخص الأسبقية للمعطوبين من الحرب بالشهادات، وبأثر مالي رجعي منذ سنة 1962.
وهذه الخطوة، دفعت بالكثيرين إلى القيام بعملية تزوير جماعي للحصول على بطاقة العضوية في جيش التحرير وبالتالي الاستفادة من امتيازاتها المالية؛ ففي منطقتنا والتي لديّ عليها الدليل القاطع، عمد المزوِّرون إلى استخراج شهادات مجاهدين دون علمهم، ليضعوها في الملفات التي تقدم أصحابها لطلب العضوية.
وضِّح أكثر تفاصيل التزوير وطرقه المطبقة في الواقع؟
الطريقة الأولى في التزوير التي اكتشفتها في ولاية تيبازة رفقة مجموعة ممن معي من المجاهدين هي أن يتم استخراج شهادات العضوية من طرف منظمة المجاهدين ويضعونها في وثيقة الشهادة الثلاثية - وثيقة الشهود الثلاثة - وتوضع العضوية بالمعلومات الكافية ويتم وضع رقم خيالي لبطاقة التعريف ويتم التوقيع في مكان صاحب العضوية، ولديهم ختم البلدية فيصادق عليه، وترسل إلى وزارة المجاهدين للحصول على اعتراف.
بعدما رفع بومدين مستوى معيشية الشعب، أضاف المادة 85 ضمن دستور 1976، وقام بومدين بتحسين وضع المجاهدين، وطبقها مساعدية كوزير للمجاهدين، والتي تخص الأسبقية للمعطوبين من الحرب بالشهادات، وبأثر مالي رجعي منذ سنة 1962.
أما الطريقة الثانية: هناك مجاهدون يبعثون من الولايات جميعها الآلاف المؤلفة من ملفات كاملة، لطلب الاعتراف ولا يتم الرد عليها، وشاهدت في فيلا بومعراف الآلاف منها، وتلك الملفات التي تصل تُزوَّر بها ملفاتٌ أخرى لأشخاص يدفعون أموالا لنيل الاعتراف لهم ولذويهم.
والطريقة الثالثة: وجدنا في خنشلة وبعض الولايات أشخاصا كانوا "حركى" بالنياشين، ولدينا شهادات عن ذلك، وآخرين يعملون بمصانع فرنسية ولديهم تقاعد يثبت المدة، وحصلوا على العضوية في جيش التحرير.
كم يقدّر عدد الملفات المزورة بحسبكم؟
العدد الإجمالي يقدر بحوالي مليون شخص ممن لا يستحقون عضوية جيش التحرير، وأنا لا اتهمهم بأنهم "حركى" أو غير وطنيين، ولكن أقول أنهم لم يجاهدوا ضمن صفوف جيش التحرير.
تريد أن تشكك في نضال حتى العاملين بفدرالية فرنسا؟
لا، لكن أقول إن كثيراً منهم كانوا مناضلين في حزب الشعب وغيره، ولكن من هرب من البلاد بعد الثورة كان يدفع الاشتراك رغما عنه، وهو اشتراكٌ بسيط لفائدة الثورة لا يفوق واحد بالمائة من مدخوله الشهري.
وهل أصبح هؤلاء "مجاهدين" بالوثائق؟
نعم، أصبح معظمهم "مجاهدين" رغم أنني كنت هناك بفرنسا، وكان الاتفاق على أن مسؤول المنطقة ومسؤول الولاية هم فقط من تطبق عليهم صفة الجهاد لو نحصل على استقلالنا، وبأن هؤلاء المسؤولين مجاهدون بحكم التفرّغ للثورة والبقية ممن يشتغلون في المصانع أو يدرسون فلا يمكن اعتبارهم مجاهدين.
كم يقدّر عدد من حصل على صفة "مجاهد" من المغتربين؟
هناك حوالي مليون مغترب سنة 1962، فيما كان حوالي 300 ألف مغترب سنة 1954، حيث غادر حوالي 700 ألف جزائري إلى فرنسا بسبب الظروف التي كانت تعيشها الجزائر إبان الحرب التحريرية.
هل يمكن القول إن مليون مغترب أصبح "مجاهدا"؟
بالتأكيد، لأن الجميع وقّع لبعضه البعض شهاداته، باستثناء بعض المنتمين إلى الحركة المصالية الذين حوصروا في شرق فرنسا، بعدما غادروا ليون، والتي كان بها أتباع مصالي الحاج بقوة سنة 1959، بحكم أن مصالي كانت له نظرة تختلف عن أبنائه، أي مجموعة التخطيط للثورة، الذين تكونوا على يده وفي مدرسته.
من فجّر قضية "المجاهدين المزيفين"؟
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو من كشف القضية في ندوة صحفية بعد أول زيارة له خارج الوطن إلى فرنسا، وقد أقامها في باريس وأنا استغربت حينها، وقلت هذا أمرٌ خاص بالجزائر، وبوتفليقة دبلوماسي معروف على المستوى الدولي لأن كلامه في ساعة قدومه كان من ذهب، ومادام قالها بفرنسا فقد شككت أن هناك أمراً ما، وكمسؤول آنذلك في منظمة المجاهدين وحضرت مؤتمر المجاهدين وكتابة التاريخ سنة 1998، ودرايتي بتاريخ الجزائر، قلت: "إنه ولا بد من إعانة الرئيس في هذا الجانب".
تؤكد أن بداية عملك على الملف ذاته يعود إلى تصريح رئيس الجمهورية؟
في سنة 2000، كان الرئيس بوتفليقة قد مر على حكمه عام، وكنا كل 17 أفريل نحيي ذكرى استشهاد البطل سويداني بوجمعة، ويأتي المجاهدون من كل ناحية، فقلت بأن إعانة الرئيس في هذا الأمر ستكون من هذه المحطة، فلبست لباسي العسكري للثورة، وحملت سلاحي على ظهري، وقبل مجيء وزير المجاهدين ووالي تيبازة وأعضاء المجلس الولائي وكل السلطات إلى مقر بلدية القليعة، شرعت في توزيع مناشير على الحاضرين.
ماهو مضمونها؟
وهذه الخطوة، دفعت بالكثيرين إلى القيام بعملية تزوير جماعي للحصول على بطاقة العضوية في جيش التحرير وبالتالي الاستفادة من امتيازاتها المالية؛ ففي منطقتنا والتي لديّ عليها الدليل القاطع، عمد المزوِّرون إلى استخراج شهادات مجاهدين دون علمهم، ليضعوها في الملفات التي تقدم أصحابها لطلب العضوية.
كانت تدعو إلى تسوية صورة المجاهدين المشوَّهة، وهنا انزعج رئيس البلدية وطلب من الشرطة التدخل ولكنهم رفضوا، وأخبروا وزير المجاهدين الذي كان قادما في الطريق بما يحصل فقال: "اتركوه.. لا تتكلموا معه"، فلما وصل الوزير قدَّمت له المنشور ونسخة منه لرئيس المجلس الشعبي الولائي، وقلت إن الوزير محمد شريف عباس سيغتنم الحادثة ويشكّل لجنة تحقيق في الملف، لكن النظام بطبيعته يعيش في مساومات مع بعضهم البعض، ولأن الوزير ضُغط عليه من جهة ما، حتى لا يحصل شيء ولا تتم التصفية، فلم يحرك الوزير ساكنا فاستغربت الأمر.
هل تمتلك دليلا بوجود مساومات تعرض إليها الوزير؟
أعود إلى فترة تولي سعيد عبادو وزارة المجاهدين، فقد ابتهج بالمعرض الذي نظمته سنة 1996، وكان ذات المعرض فريدا من نوعه ولاحظ دعوة الرئيس المرحوم الشاذلي بن جديد في نوفمبر 1989، تبعا لتقرير الأمن وتقرير الرئاسة عن المعرض حول الثورة الجزائرية على المستوى الوطني، فحينها قرر سعيد عبادو بأن يعيّنني مسؤول أرشيف للثورة بالمنطقة، غير أن البعض وعلى رأسهم بلقاسم بن هني أخفوا التعيين الذي أقره عبادو.
كيف عرفت ذلك؟
الدليل اتضح فيما بعد بعدما جاء اليمين زروال إلى الحكم رئيسا في31 جانفي 1994، إذ قرر هذا الأخير أن يؤسس مجلس الأمة بعد تعديل الدستور في 1996، وأصبحنا ككل مرة نسعى في الانتخابات حتى يفوز بها الحزب القريب من المجاهدين، وأحضر بلقاسم بن هني معه درويش مصطفى من المنطقة وهو مقيم بالعاصمة لترشيحه كسيناتور في مجلس الأمة عن تيبازة، وقد عُيِّن بمجلس الأمة وقبلنا بذلك، حيث كان بن هني على رأس المنظمة.
وفي أحد الأيام، وأنا أسير في المدينة قال لي فلاح إن أراضيهم الفلاحية تُنتزع منهم من قبل رئيس المنظمة ويسلمها للسيناتور للتحكم فيه، ومنحه قطعة أرض فلاحية في مزرعة زبنطوط، وهذه المعلومة تلقيتها من مسؤول الفلاحين، فتنقلت إلى مسؤول مديرية المجاهدين بتيبازة، وقلت له: "نحن تعبنا.. صعد هذا السيناتور ليساعد الرئيس زروال، وأنتم تضعون حوله الشبهات والشعب يتحدث بأنه بمجرد قدومه استولى على الأراضي الفلاحية؟"، فقال لي: "سنلتقي في مكتبي بالقليعة"، وحينما التقيته بمكتب الدائرة للمجاهدين ارتفع الصراخ، فقال لي: "انتهى الأمر سنحضر لك تسميتك كمسؤول للأرشيف وذلك أمام سبعة مسؤولين للمجاهدين بالولاية"، وهي محاولة منه لتغطية القضية وهنا ظهر أن التعيين كان مخفياً، فوضع يده في يدي وقال: "أقسم أني سأجلب لك تعيينك"، وقلت في نفسي: أتغاضى عن القضية مؤقتا، حتى يجلب التعيين وأصبح أقوى مما أنا عليه، فسيمكنني ذلك من كشف الأمور.
هل جلب لك التعيين؟
للأسف، لما ذهب لجلب التعيين أعطوا له تكفلا طبيا للعلاج في غلازغوف بانجلترا، وقالوا له: لو يصبح مسؤولا - يقصدونني- عن الأرشيف سيكشف خبايانا وماضينا أثناء الثورة، فنسي العهد الذي التزم به أمام سبعة شهود.
وذهب إلى العلاج هناك دون مقابلتي، لكن ابنه فقد رجليه وهو هناك لأن العهد صعب، وابنه لا يستحق ما جرى له، لكن المثل الجزائري يقول: "اللي يديروها الوالدين تخرج في الأبناء"، ولهذا عرفت أن هناك تعيينا وتم إخفاؤه.
وعقب توزيع المناشير، اتصل بي مجاهدون من الولاية لاحقا، واجتمعوا في سيدي أعمر جنوب غرب تيبازة في دار المرحوم مرسلي، وأرسلوا لي مبعوثا ليطلبوا مني اللحاق بهم لأنهم بحاجة إليّ، ولكنني فقدت الثقة بهم، وقلت إن لهم أغراضاً مادية لتحقيقها، وكانوا في صراع مع المكتب الولائي، ومع ذلك ذهبت رغم عدم اقتناعي بالأمر.
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/197190.html