قال عنه بأنّه يكره العلماء... العربي دماغ العتروس يكشف لـ"الشروق" / الجزء الثالث
بن بلة فجّر مؤتمر طرابلس بشتمه لبن يوسف بن خدة
حاورته: آسيا شلابي
2014/03/25المجاهد والدبلوماسي والوزير السابق محمد العربي دماغ العتروس
صورة: (الشروق)
الصين كانت أكثر الدول التي ساعدت الثورة الجزائرية
فيدال كاسترو كان خائفا علينا في كوبا ولكن بن خدة أقنعه يركز المجاهد والدبلوماسي والوزير السابق العربي دماغ العتروس في هذه الحلقة على مهمته الدبلوماسية في أمريكا اللاتينية، حيث جاب دولها ممثلا للثورة التحريرية، مدافعا عن قضية وطنه، حريصا على كشف نفاق فرنسا الاستعمارية وجرائمها في حق الشعوب، كما يؤكد أن الهوس بالمناصب هو السبب المباشر في صراع القادة بعد الاستقلال، ويحمّل بن بلة جزءا كبيرا من المسؤولية بدءا بمؤتمر طرابلس ووصولا الى الدستور الأول للبلاد في 1963.هل كانت مهمتكم في أمريكا اللاتينية صعبة، خاصة وأنّ دولها كانت تعتبر فرنسا دولة عدل ومساواة وحقوق؟
قررت الحكومة المؤقتة أن يتوجه وفد إلى أمريكا اللاتينية للتعريف بالقضية الجزائرية، وكان على رأس الوفد بن يوسف بن خدة وكان معنا سكحال عمر والدكتور غنيش وغيرهم، جلنا هناك وبفضل تعليمات جمال عبد الناصر للسفراء المصريين والعرب رحبوا بنا، وكنا نجدهم ينتظروننا في المطار ويقيمون لنا المأدبات. ويدعون الإعلام والشخصيات المهمة، فيسروا لنا جولتنا هناك.
زرنا فنزويلا ثم الاورغواي ثم الأرجنتين ثم الشيلي ثم ريوديجانيرو بالبرازيل. عندما وصلنا إلى البرازيل لم نستطع مغادرة المطار لأن مدير الأمن في المطار توجه إلى يوسف بن خدة قائلا: إنه من المستحيل خروجنا لأن السلطات البرازيلية تقول إنها غير قادرة على حمايتنا، فقال له بن خدة لا نحتاج إلى حماية وعلاقتنا مع الشعب طيبة لا تحتاج إلى حراسة. وكان السبب الحقيقي هو تدخل فرنسا التي كان لها نفوذ في المنطقة. وبفضل تدخل سفير الجمهورية العربية المتحدة وسفير باكستان وسفير يوغسلافيا الذين تدخلوا ورفضوا مغادرة المطار ما لم يتم السماح لنا بالدخول لما نجحنا في الزيارة. دخلنا وكانت التلفزة البرازيلية في بداياتها، فحظينا بتغطية مهمة.
ما مدى استجابة دول أمريكا اللاتينية؟
كل الدول استجابت ودعمتنا ماعدا كولومبيا وكوستاريكا والبيرو. قام الدبلوماسي التونسي حسين التريكي الذي كان قبلنا في أمريكا اللاتينية وكان يحسن اللغة الاسبانية بالتمهيد لزيارتنا، لأننا كنا الوفد الثاني وقبلنا كان وفد فرحات عباس وكيوان ولكن لم يكن له الصدى الذي أحدثته زيارتنا. عندما كنا في "بنما" وكان القنصل العام للجمهورية العربية المتحدة يومها مصريا، نظم مأدبة عشاء في منزله ودعا نائب وزير الخارجية وبعض الصحفيين، وتناقشنا حول أوضاع الثورة الجزائرية سياسيا وعسكريا إضافة إلى جرائم فرنسا في حق الشعب الجزائري. في اليوم الموالي كانت افتتاحية أشهر جريدة هناك عن الثورة الجزائرية تحت عنوان "الوجه الآخر لفرنسا" مما دفع سفير فرنسا إلى الاحتجاج رسميا. وفي ألمانيا عبد الرحمن كرمان ومولود قاسم وبولحروف قدموا الكثير من الجهود لخدمة قضية الثورة الجزائرية.
من اختاركم لهذه المهمة؟
عندما تكوّن الوفد تم اقتراحي من طرف سعد دحلب. ثم اتجهنا إلى نيويورك وكانت آخر محطة هي كوبا بعد حربها، وعندما وصلنا هناك أردنا لقاء فيدال كاسترو، فالتقاه بن يوسف بن خدة، وتحدثا مطولا عن علاقة الجزائر بالاتحاد السوفياتي والصين والفيتنام الشمالية، ولم نواجه أي صعوبات رغم تخوفات كاسترو، علما أنّ الصين كانت أكثر الدول التي ساعدت الجزائر من بعد الدول العربية والإسلامية، عندما زرتُ الصين ضمن وفد كريم بلقاسم أفريل 1960، ثم توجهنا إلى بيونغ يونغ ثم الفيتنام حيث استقبلنا هوشي منه، وأنا من ألقى الخطاب هناك، فقال لي كريم بلقاسم أنت أكتب الخطاب والقه في ملعب "هانوي" أمام جياب وملايين الناس، وضم الوفد بوالصوف وكريم بلقاسم وبوعلام السايح وأحمد فرنسيس وعبد المالك بن حبيلس.
كيف كان صدى مظاهرات ديسمير 1960؟
كنا وقتها في الأمم المتحدة وعندما وصل خبر المظاهرات كان له وقع انفجار القنبلة، الجميع يتحدث عنها وعن مطالب المتظاهرين.
سنة 1962 كنت أمثل الجبهة والحكومة في مالي "منظمة بلدان مكتب الدار البيضاء"، بعض البلدان الإفريقية أيدت الثورة والحكومة المؤقتة، وبعض الدول لم تؤيد ذلك. على ما أذكر كانت مالي والسينغال دولة واحدة إلا أن كايتا المالي كان مع الثورة وسنغور كان ضدها وهو ما سبب الانفصال بينهما.
هذه المنظمة التي كان مقرها باماكو تكوّنت في الدار البيضاء بمبادرة من محمد الخامس وانضمت إليها الجزائر ممثلة في شخص فرحات عباس، ثم انضم إليها سيكوتوري من غينيا وموديبو كايتا من مالي ونكروما من غانا وجمال عبد الناصر من مصر، وكانت مع وجوب الاستمرار في تصفية الاستعمار وتأييد الثورة الجزائرية حتى انتصارها، وكان أمينها العام التهامي وزير عمل في المغرب وكان ملحقا عسكريا برتبة نقيب وقتها وعندما زرت المغرب في الثمانينات وجدته أصبح جنرالا مكلفا بشؤون القصر وعلاقاته الخارجية، وعينت أنا برتبة سفير من قبل سعد دحلب وكنت مكلفا بالتربية والثقافة، أما ابن السنهوري من مصر فكان مكلفا بالشؤون الاقتصادية والعضو المالي مكلفا بالشؤون السياسية والغاني كان مكلفا بالعلاقات بين الدول.
ماهي التنازلات التي قدمتها الحكومة المؤقتة في تفاوضها مع فرنسا وأغضبت بومدين أو جيش الحدود بشكل عام؟
أُجريت الكثير من الاتصالات ولكنها فشلت لأن فرنسا ظلت تطالبنا بالاستسلام، وأما فيما يخص ما حدث من خصومات ومهاترات بين الحكومة المؤقتة وجيش الحدود -لم أكن حاضرا وقتها- لأني لم أعد من مالي حتى أنشئت منظمة الوحدة الإفريقية في أديسا بابا سنة 1963، وارتأينا وقتها حل منظمة مكتب الدار البيضاء والانضمام إليها، فرجعت في شهر أوت من نفس السنة.
روى لي فيما بعد يوسف بن خدة وسعد دحلب اللذان شاركا مشاركة فعالة في المفاوضات، أن الأهم كان ضمان وحدة التراب وهو ما أذعن له في النهاية الفرنسيّون وقبلوا به، خاصة وأنهما كانا متخوفين من أن تؤول الجزائر إلى ما آلت إليه الفيتنام وكوريا من تقسيم ودمار، وهي النقطة التي رفض المفاوضون التنازل عليها حيث قال دحلب "تريدون فصل الشمال عن الجنوب وكأنكم تريدوننا واقفين وأرجلنا مقطوعة ونحن لا يمكن أن نقف من دون أرجلنا"، وكان موقف التوارڤ موقفا بطوليا وتاريخيا يجب أن ننوّه به دائما.
ماهي البنود غير المعلومة في اتفاقيات ايفيان والتي يقال إنها تنازلات كرست تبعية النظام الجزائري لفرنسا بعد الاستقلال؟
هذا ما يروّج له، ولكن المفاوضين ومن أشرف عليها أنكروا ذلك جملة وتفصيلا، وينفون وجود أي بنود سرية سواء ما تعلق بالقواعد، أو فيما جاء من بنود تضمن حقوقا للجالية الفرنسية والتي أنهتها منظمة الجيش الفرنسي الإرهابية وجرائمها البشعة، وربما بقاء جالية فرنسية، ولها حقوق في الجزائر، كان سيشكل مشكلا بعد الاستقلال، أي أن ايفيان لم تضمن استقلالا كاملا للجزائر، ولكن بفضل المنظمة التي أسسوها أبطلوا مفعول الشرط والحمد لله.
يصفها عثمان سعدي "بأغرب اتفاقية في تاريخ الدبلوماسية" لأن الطرف الجزائري أمضى باللغة الفرنسية؟
لا لوم عليهم، ربما كان عليهم ترجمة نص الاتفاقية إلى اللغة العربية، ولكن أوضاعنا في ذلك الوقت فرضت ذلك ومن حضر المفاوضات كانوا ممن تعلم باللغة الفرنسية وعليه كان اللوم في غير محله.
لماذا فضلت القيادات بعد خروجها من السجن الانضمام إلى قيادة الأركان بدل الحكومة المؤقتة وعلى رأسهم فرحات عباس الذي سجنته فيما بعد؟
حتى قبل انتهاء المفاوضات كانت الخصومة بين قيادة الأركان والحكومة المؤقتة قائمة أصلا، وأدت برئيس الحكومة آنذاك إلى عزل القيادة، إلا أنهم قاوموا قرار العزل وتمركزوا وانضمت إليهم القيادات التي كانت في السجن، لأنها لم تعترف بالحكومة المؤقتة، وانضم فرحات عباس أيضا إلى قيادة الأركان التي سجنته فيما بعد، لسوء الحظ كانت فترة حرجة وحساسة وما مرت به الثورة من خصومات ومآس كان أشد وأقسى من أي ثورة أخرى في العالم، طبعا ساندهم ياسف سعدي وعمر أوصديق وقيادات المنطقة الحرة ومعظمهم كانوا شيوعيين، لكن ثورتنا لم تكن شيوعية بل وطنية.
دخل بن خدة إلى الجزائر واستقبلته الجماهير استقبالا حارا، وقتها بدأ البعض في تحريضه على التصدي لقيادة الأركان واستعمال نفوذه فقال "هذه البلاد ذاقت الأمرّين وسال فيها من الدماء وديان وأزهق فيها من الأرواح ملايين، فلن تهدر قطرة دم واحدة وأنا مسؤول"، وعلى هذا الأساس دخل الجيش شرقا وغربا، ولسوء الحظ وقعت رغم ذلك مواجهات مع الجيش الداخلي كما هو معروف نرجو من الله أن ينظر إلينا بعين الرضا.
ثم جاءت مرحلة الرئيس الراحل أحمد بن بلة، هل فعلا قام بإرسال بوضياف وخيضر وآيت أحمد الى القاهرة واغتنم فرصة غيابهم لوضع دستور على المقاس؟
المكتب السياسي أراد إنشاء مجلس تأسيسي ترأسه فرحات عباس على أمل أن يقوم هذا المجلس بصياغة الدستور، وعندما كانوا على وشك الإعلان عن الدستور، قام بن بلة وجماعته بعقد اجتماع مواز في قاعة الأطلس وأعلنوا دستورا آخر، وهو ما أغضب فرحات عباس الذي قال كلمته المشهورة والبذيئة على هذا الدستور والمكان، حرره رجل قانون فرنسي وكان معهم بجاوي، إضافة إلى أنهم على اتصال مع أوروبيين ممن ساعدونا وقت الثورة أرادوا الاستفادة من المرحلة وبن بلة لم يمانع فوضعوا دستورا على مقاسه.
كنت حاضرا عند إعلان الدستور وكان حاضرا أيضا كل من الأستاذ مندوز متخصص في الكاثوليكية الذي علق على الدستور متوجها إلى محرره "والآن يبقى أن تفسر وتشرح للناس ما قصدت في هذا الدستور"، وكنت متواجدا بالجزائر صدفة وقتها، وكان بوضياف قد عيّن وزيرا للخارجية زرناه فقال لنا "أنا لا أقبل بالوزارة"، كان رافضا للتنظيم الجديد رفضا قاطعا، وأضاف "ما كانت هذه مقاصد الثورة"، رجعت إلى مالي لإنهاء المهام ووقعت الكثير من الأحداث وترأس خيضر المكتب السياسي.
بعد رجوع الجماعة من مصر كان خيضر أول من استقال، أنا آثرت الابتعاد عن هذا التصادم، لأن حب المناصب هو الذي جعل الصراع يشتد بين الإخوة.
الصراع اشتد بعد مؤتمر طرابلس أو المؤتمر "الغامض" كما يصفه بعض المؤرخين؟
كان الحاضرون في مؤتمر طرابلس يغلب عليهم الاتجاه الاشتراكي، وبن خدة بن يوسف كان يحب العدالة ولكنه لم يكن اشتراكيا، عكس بن بلة الذي أعلن اشتراكيته بمجرد خروجه من السجن، بل ولبس زيّهم، ما تسبب في انفجار الوضع هو ما قاله بن بلة من أقوال بذيئة في حق بن خدة، والذي احتج وترك الاجتماع . بن بلة كان يكره العلماء لكن صراعه معهم كان سياسيا وليس فكريا.
هل كنت مع فكرة تجريم الاستعمار وإجباره على الاعتذار على جرائمه أم تفضل أن تطوي الأجيال صفحة "فرنسا الاستعمارية"؟
الحركى مصيرهم سوّي من قبل منظمة جيش فرنسا الإرهابية التي لم تقبل باتفاقيات ايفيان، فنظم الأوروبيون أنفسهم لضرب الاتفاق، كانوا يقتلون الناس حتى المرضى في المستشفيات قتلوهم بصفة عشوائية، اليهود كانوا قلة شاركوا في قتالنا في الثورة وبقي عدد قليل جدا، أما يهود الجزائر فبدأت الهاغانا ترحلهم بمجرد احتلال إسرائيل لفلسطين، والقليل منهم فقط من فضلوا أن يبقوا فرنسيين على أن يتحولوا الى صهاينة.
ديغول نفسه عندما قيل له أنه يجب حماية الحركى قال "أنا لا أحب الخونة"، جنرال بارلونج الذي كان في المغرب هو من جاء بمصطلح الحركى، لأن فرنسا عندما واجهت المغاربة وجدت ما يسمى بالحركى أي كتيبة مقاومة، فجاءت الفكرة إنشاء فرق من الجزائريين الخائنين وتدريبهم لمساعدة فرنسا في حربها، وكان ذلك في منطقة الأوراس وفي شمال قسنطينة حيث استعملت فرنسا النابالم في سنة 1955 .
كنت مع أو ضد فكرة تأخير الإعلان عن الاستقلال من الثالث إلى الخامس جويلية 1962؟
التاريخ الرسمي للاستقلال هو الثالث من جويلية وليس الخامس من نفس الشهر، ولكن البعض ممن كانوا في علية القوم أرادوا أن يعلنوا هذه النتائج في الخامس جويلية الذي هو تاريخ احتلال الجزائر سنة 1830 لإلغاء التاريخ، الآن اختلفت الآراء والقراءات بين من يعتبر الخطوة إساءة لأنه احتفال بيوم الاحتلال، وهناك من يرى أن هذا التاريخ ألغى تاريخ الاستسلام والخضوع لفرنسا، كانت صوابا أو لم تكن هذه هي غايتهم، هم يحتفلون باستسلامنا ونحن نحتفل بانتصارنا "وجهات نظر".
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/199341.html