دستورية "محلب" وديكتاتورية غيره.. السيد إبراهيم أحمد

دستورية "محلب" وديكتاتورية غيره..


ونحن نترنح شعبًا وحكومة من تكلفة ثورتين باهظتي التكاليف، مازلنا نسدد فاتورتهما، ولم نجن منهما غير الشوك من توابع التحلل الأخلاقي، وزيادة البطالة، وازدياد معدل الجريمة، وسيادة البلطجة، وغياب الأمن، وافتقاد الرقابة، ليأتي السبكي لا ليقدم فنًا يحاول أن يتقاطع مع المجتمع في قضاياه ولكن يتوازى معه على نفس الوتيرة، بل المدهش أنه في أكثر الأحيان يسبقه ويشيطنه أكثر عبر توليفة اعتادها في معظم أفلامه التي تستهوي الطبقة الجديدة المستفيدة من هذا الوضع المقلوب، واستهوته أكثر ماديًا بحيث لم يعد يعبأ بغير تقديم المزيد والمزيد من الإثارة بالجسد والمعارك والسلاح والألفاظ دافعًا البلد أكثر نحو هاوية الانحطاط الخلقي والتحلل القيمي.

لا أدري لماذا أقام الأستاذ إبراهيم عيسى الدنيا ولم يقعدها حول هذا القرار الدستوري من رأس الحكومة المهندس محلب والذي جاء استجابة لصرخات الناس سواء في الفيس بوك عبر الصفحات المناهضة والمقاطعة لفن السبكي ومنها رموز عاملة في الحقل الفني من الذين روعهم برومو الفيلم.. فأين كنت أنت؟ّ!

أين كنت أنت وأنت تمسك بالعصا لتعلمنا الديمقراطية ووجوب نزول الحاكم على أمر المحكومين، وهذا عين ما فعله محلب وإن جاء متأخرًا، ثم تشخط وتنطر في القائمات على أمر المجلس القومي للمرأة؛ إذ كيف يجرؤن على التنديد بالفيلم وأنهنَّ مثلهن مثل الجماعات الإسلامية أو ما شابه فيما يطالبن به، أليس هذا حق أصيل للمجلس من حماية القيم المجتمعية؟!، ولو أنني عاتب على المجلس لأنه فقط يتربص بالفن بعد أن يخرج للمجتمع ولا يقدم المحددات التي يجب أن يراعيها أهل الفن قبلها في شكل حوار مجتمعي كما نبهتُ عن ذلك في لقاء تليفزيوني بقناة النيل للأخبار.

وجميل أن تتمترس بشعار الإبداع يحارب بالإبداع والفكر يحاربه الفكر، وهل ما قدمه السبكي ويقدمه يأتي تحت بند الفن أم الفتن؟!.. وهل يجب أن ينتظر رئيس الحكومة المنوط به اتخاذ القرار حتى يستيقظ الفنان لضميره كما يحاول الفنان محمد صبحي الاعتراض على استحياء، والميل للموافقة الجمعية لعموم الرافضين لهذا الإبداع، أو أن يخشى أحد الفنانين من أن هذا التدخل في أعمال الرقابة سيجعل قلم الرقيب يميل أكثر نحو رفض بعض الأعمال الفنية ايثارًا للسلامة.

وأعجب العجب أن يرفض "عيسى" أن السينما والفن الهابط هو الذي يفسد الشباب!! وكأن الرجل لم يكن شابًا أو مصريًا عايش ويعايش أهل مصر الذين ما زال يروعهم حوادث اغتصاب الأطفال، وزنا المحارم، وممارسة الرذيلة في النوادي والسينمات نفسها، ولم يعاصر حين ضج الناس من أفيشات الأفلام العارية في عهد مبارك وهي تملأ الشوارع، ومازال الناس يضجون من هذا الانفتاح على الألفاظ القبيحة والصارخة التي يقذفها التليفزيون عبر مسلسلاته في وجوه الناس من نساء وأطفال في البيوت بعد الثورتين.

من حق السبكي أن يلجأ للقضاء ومعه الحق مادام بحوزته تصريحات رقابية بإجازة الفيلم، ومادام كان الرجل ملتزمًا بتعليماتهم، وعلى السيد رئيس الوزراء معاقبة جهازه الذي أجاز.

ويبقى في النهاية أن من حق المبدع أن يبدع دون شطط أو إخلال بالأخلاق والأعراف وما يعتقد الناس، وهذا موجود حتى في المجتمعات العلمانية، ولا ننسى صرخات المجتمع الأمريكي من زيادة وسيادة العنف في الأفلام وتأثيره على الأطفال والصبية والذي ترك تأثيره من حوادث القتل المتكررة داخل المدارس.. أنحن أكثر ملكية من الملك في الحرية.