الانقلاب و نمط العلاقات الأساسية في المجتمع المصري
أ.الجيش
الصورة النمطية للجيش لدى المصريين تتجاوز التعاطف والحب أو التقدير إلى التبجيل وربما التقديس, ودعمت هذه الصورة الذهنية بعد ثورة يناير التى انحاز فيها الجيش ولو ظاهرا إلى جانب الثورة...بيد أن هذه الصورة النمطية أخذت في التراجع مع خطاب 3 يوليو والذي تم فيه عزل الرئيس المنتخب وتعطيل العمل بالدستور وحل مجلس الشورى المنتخب..حيث اعتبره بعض المصريين تدخلا في الشأن السياسي على غير ما يرغبون.
كذلك فإن تمادي الجيش في الهيمنة على المشهد السياسي والأمني معاً...والمواجهات المباشرة كما في أحدث الحرس الجمهوري ( 8يوليو 2013 والمنصة 26 يوليو ثم فض اعتصامي رابعة و النهضة بالقوة وإزهاق الأرواح برعاية وتنفيذ الجيش ومساندة الشرطة كما بدا للمتابعين ) وما تم في دلجا 16 /9 وسيناء وكرداسة 19/9 وناهيا 20 /9 وغيرها... وما تمخض عنه من اعتقالات وقتل عشوائي...كل هذه الأحداث, ساهمت اجتماعيا في تدشين لمرحلة جديدة لنمط علاقات متغير بين قطاع من المصريين والجيش تبدو فيما يلي:
- ساهمت في تشويه صورة الجيش لدى قطاع من المصريين الرافض لانقلاب 3 يوليو.
- اختزال الصورة الإدراكية للجيش في ذهن المؤيدين لانقلاب 3 يوليو بالصورة الضوئية لوزير الدفاع ( عبدالفتاح السيسي) والتي قامت الشئون المعنوية لجيش بطبع المليين منها في جمعة التفويض 26 يوليو 2013.
- بث حالة العداء لدى هذا القطاع وبين الجيش.أو على الأقل خلق حالة احتقان اجتماعي من الصعب التوقع زواله أو محوه في المستقبل القريب.
- استبدال صورة العدو لدي الجيش على الأقل المشاركين في هذه العمليات بظهور عدو جديد من الشعب المصري تحت ستار وغطاء كلمة (الإرهاب والعنف).غير المكلف أساساً بمواجهتهم..حيث تظل مهمة الجيوش الحدود.
( إن كثيراً من الصور التي التقطت بين المتظاهرين و الجيش في يناير 2011/ أصبح أصحابها نادمون عليها وعبروا عن ذلك عبر وسائل التوصل الاجتماعي الفيس بوك والتويتر وغيرها..حتى الأطفال أبرزوا صورا لذلك التعبير).
ب. المؤسستان الدينيتان ( الأزهر والكنيسة)
ظهرت المؤسستان الدينيتان الأزهر والكنيسة في خطاب 3 يوليو في محاولة لتمثيل دور الظهير الديني للانقلاب...رغم أن هاتين المؤسستين على مدى تاريخهما خال العقود الثلاثة الأخيرة كانتا بعيدة تماما عن العمل السياسي لميداني كانت دائماً أداة في يد النظام ومن ثم تفتقدان للمصداقية الشعبية إذ أن ظهورهما يستدعى دائما الصورة الذهنية المذكورة..واستنتج من هذا الظهور في أن قادة الانقلاب يريدون أن يضعوا الجميع أمام الجميع...أي جميع أفراد الشعب ( المسيحيون والمسلمون) فالأغلبية المسلمة والقطاع الرافض منها لما حدث في 3 يوليو عليه أن يرسم صورة جديدة لكنيسة المصرية وأنها مشاركة في الانقلاب لمصالح خاصة بطائفتها أما شيخ الأزهر فهو لا يعبر عند هذا القطاع إلا نفسه ( حيث أنه جزء أصيل من النظام المباركي السابق)
و من ناحية أخرى فإن التعامل مع الكنيسة في العقود الثلاثة الأخير كان يعتمد على طريقة ( العصا والجزرة ) حيث سيطرت الهيمنة الأمنية كما حدث مع الأزهر أيضا ً ولكن يضاف إلى ذلك: الجدار الاجتماعي الذي حاول الأمن أن يقيمه بين الكنيسة والتيار الإسلامي مستخدماً أسلوب الترهيب والتخويف من هذا التيار حال وصوله للحكم أو السلطة, لذلك كانت توجيهات الكنيسة في الانتخابات النيابية الأخيرة 2010 بتوجيه الأصوات إلى مرشحين ينتمون إلى الحزب الوطني في الأماكن التي يترشح فيها التيار الإسلامي, وهو نفس الأسلوب الذي اُستخدم معهم في 30 يونيو وساهم في ذلك الخطاب غير المسئول من بعض الدعاة المحسوبين على التيار الإسلامي إبان حكم الرئيس محمد مرسي.
ورغم المحاولات التي ظهرت عقب ثورة 25 يناير وطرق أبواب الكنيسة من جانب رموز العمل الإسلامي والذي لم يكن يتصوروا أن يقتربوا (فضلاً عن أن يدخلوا) من أبواب الكنائس. إلا أن الصورة الذهنية التي رُسمت في ذهن المسيحيين عن التيار الإسلامي ظلت راسخة و ظهرت في الحشد الهائل الذي انضم للاحتجاج الجماهيري في 30 يونيو, وظهور البابا تواضروس في خطاب الانقلاب 3 يوليو وإعلان تأييده المطلق لكل بنوده. وكانت هذه المحاولات من الحشد المسيحي يوم 30 يونيو و ظهور البابا في 3 يوليو هو ترسيخ لهذا الانقسام المفتعل بين الكنيسة والتيار الإسلامي . وكان الأثر الانقلابي لذلك واضحاً أولا: في ضرب كل محاولات التقارب الاجتماعي التي حاول هذا التيار الإسلامي وغيره من القوى الاجتماعية أن يقوم بها بعد الثورة ورداً على المحاولات الأمنية التي كانت دائماً تضع الألغام في هذه العلاقة الاجتماعية, ثانياً: توسيع دائرة الكراهية بين المصريين ضمن خطاب أوسع تم تدشينه وتنفيذه بمهرة فائقة تتجاوز قدرة منفذيه الظاهرين.