لماذا لا ترونني في الطرقات لدانيل عوز
حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
http://www.keter-books.co.il/page_14788
هذه هي الترجمة العربية لعنوان كتاب دانييل عوز الثالث الصادر عن دار النشر المعروفة في البلاد، كيتر، ٢٠١٥، ٩٥ صفحة من القطع الصغير )الاسم في العبرية والإنجليزية: מדוע לא תראוני בדרכים, Further up the Path) وهو مهدًى لعائلته. سبقه ديوانا شعر: حياة الرمل، كيتر ٢٠١٠ وبقايا حُبّ، إيڤن حوشن ٢٠١٣.
وُلد دانييل عاموس عوز عام ١٩٧٨ في كيبوتس حولداه، ترعرع في عَراد الواقعة في صحراء النقب، ويسكن حاليًا في تل أبيب. إنّه شاعر وصحفي وموسيقي، خرّيج جامعة بن غوريون في بئر السبع في موضوع الفلسفة بامتياز، وماجستير في نفس الموضوع من جامعة تل أبيب. بدأ عوز نشاطه الأدبي في أواخر تسعينات القرن الفائت؛ كان محرّرًا لركن الشعر في الموقع الإلكتروني יְקוּם תַּרְבּוּת (http://www.yekum.org/) لمدّة سنة ونصف. هو ابن الأديب المشهور عاموس عوز ونيلي عوز وله شقيقتان، البروفيسورة المؤرّخة والكاتبة فانيا عوز- زالتسبرچر والكاتبة في أدب الأطفال (سلسلة شكشوكه المعروفة) وإنتاج الأفلام الوثائقية چاليا عوز. كان دانييل عضوًا في جوقة ’’مفاتيح الغوّاصة‘‘ وهو يعزف على القيثارة وآلة الباس وأنتج فيلما ويعشق الموسيقى بصورة عامّة ووصل أخيرًا إلى موسيقى الجاز ويحبّ أفلام الرعب. نشر عوز انتاجه في عدة منابر محلية مثل: אורות, אלפיים, הארץ, גג, גרילה תרבות, וואלה, חדרים, מאזניים, מעיין, עיתון 77, עכשיו، Ynet, كما ونُشرت بعض قصائده في دوريات وإنثولوجيات (مجموعات مختارات أدبية) بالإنجليزية والإيطالية والسلوفانية. تُرجم بعض نتاجه الأدبي إلى سبع لغات.
عوز يبدو وعلى محيّاه مِسحة من الحياء، لا يولي موضوع الهوية أي اهتمام وهو يتستّر خلف الأقنعة؛ منعزل، يحرص على التجديد، أي قول ما لا يسمعه عادة، وهو لا يقرأ بما فيه الكفاية؛ التكرار ينغصّه إذ أنه يطمح في تمديد الأفق لا تقليصه. تتّسم لغته بدقة ورصانة لافتة للنظر وترجمته بمثابة تحدٍّ حقيقي. يحبّ عوز الفيلسوف والباحث اليهودي والنمساوي الأصل مارتن (مردخاي) بوبر (١٨٧٨-١٩٦٥) الذي عُرف مثلًا بتأييده لدولة ثنائية القومية للعرب واليهود في الديار المقدسة، ولا سيما كتابيه ’’أنا وأنتَ‘‘، ’’في سرّ الحديث‘‘. ومن الأدباء والشعراء الذين لهم مكانة لدى عوز نذكر هذه الأسماء: אלי אליהו, אלי בכר, ברוך לינק, גבריאל (מונבז’) מוקד, דליה פלח (اسم مستعار), חגית גרוסמן, יונה וולך, לאה איילון, לורן מילק, מאיה בז’רנו, ערן הדס (اسمه المستعار: צאלה כץ), פרץ –דרור בנאי (سوريّ الأصل), רוני סומק (الاسم الأصلي: רוני סומך، عراقي الأصل), רני יגיל, שגיא אלנקוה, שלמה זמיר (عراقي الأصل).
بين دفتي الكتيّب قيد العرض ستّ وثمانون قصّة قصيرة جدا أو خاطرة سريالية كُتبت في خلال سنوات. يبدو أن لا شيء هاما يربط بين هذه النصوص ولكن هناك ربما الكثير من الموتيڤات التيماثية الصغيرة المشتركة، هكذا صرّح الكاتب في إحدى المقابلات معه. وأضاف أن هذا الكتيب ينمّ عن القلق، مخيف أحيانًا، إنه حول الأشواك، يكشف باختصار شديد عن رحلات عظيمة وفيه شيء من السياسة، بالرغم من أن القارىء لا يتسنّى له التعرّف لا على إسرائيل فيه ولا على أية دولة أخرى. ويضيف الأديب عوز عن نفسه إنه مولع بفن الرعب وفي بعض قصصه نظرة تشكيكية جدا وربما تهكمية حتّى حول الفن والإبداع. يقول بأن لديه النزر اليسير مما يودّ قوله لأنه على عجلة من أمره وينظر إلى الأمام، ربما بسبب تلهفه لرؤية الآتي أو من جرّاء الخوف الناجم عن المرواحة في نفس المكان إذ أنه يعني الموت (بصلته محروقة؟). في رأيه، العمل الإبداعي، بصورة عامّة، لا بدّ أن يتمخّض عن خلق إثارة (גירוי) عاطفية أو فكرية لدى القارىء، وهذا العمل بمثابة لعبة ذات قواعد متغيرة. إنه لا يؤمن بالموهبة بل بالعمل المضني والرؤيا. شِعره معقّد ومقطّع ويظهر أنه يرغب في ألا يكون مفهومًا بالكامل في الكثير من الحالات. قسم من قصائده نُظم بضمير المتكلمة. يقول عوز أنه لا يتكلم العربية إلا أنه يحبّها ويثمّن عاليا كل عمل يرمي إلى جسر الهوّة بين الثقافتين العبرية والعربية. لعوز مواقف ونشاطات ترمي لنصرة المستضعفين والدفاع عنهم في الديار المقدسة مثل بدو العراقيب (http://gerila.co.il/HE/Default.aspx?iid=558&p=1). – —Ä… ⁄—»Ì… ·fi’Ìœ… fi’Ì—… ·⁄Ê“ Ê«·„fi’Êœ „‰Â« ÷̯: هذه ترجمة عربية لقصيدة قصيرة لعوز والمقصود منها واضح.
أُسس السياسة
لا وجودَ لشيء اسمه سياسة
هناك الهواء،
هناك الماء،
هناك الأرض،
هناك النار،
وهناك الناس
هناك ناس عندهم
هواء، ماء، أرض
وهناك ناس عندهم نار
فيما يلي ترجمة عربية لعيّنة عشوائية من الكتيّب ’’لماذا لا ترونني في الطرقات‘‘ وبين الهلالين إحالة إلى مكان القصّة في النصّ الأصلي. من عناوين القصص غير المترجمة أدناه أذكر: حُلم القطّ؛ الرفض؛ البيانو المتجمّد؛ صانع القبّعات؛ السفر نحو الشرق؛ المبرمج؛ تعريشة الحجر؛ الكلبة الحمراء؛ ناهب البنوك؛ برج أو بوّابة؛ الكل نسبي؛ مكتب الاستخبارات؛ الفنان الأصلي في العالم؛ الحصان المشكوم (المرسون، المربوط برسن)؛ القرية المحروقة؛ سائق الوزير؛ صباح صافٍ؛ مبادرة؛ سياج الحكمة الصمت؛ الأم الطازجة؛ الصيّاد؛ حُلم رئيس البلدية؛
١) خُوار القوى (ص. ١٠)
تصوّروا أنني وصلْتَكم خائرَ القِوى، بعد عدْو مُضنٍ محموم، كي أنقل بشرى مستعجلة، وبدون الهواء لا أقوى على إخراج ولو حتى مقاطع مقطّعة. كل ما في فيّ لهات، شهيق وزفير.
٢) بلا اسم (ص. ١٢)
لم يتمكّن والداه من إيجاد اسم له. عندما كان أبوه طريحَ الفراش، جلس الابن بجانبه ووضع يده بيد الوالد. الأب المنهك من جرّاء مرضه، جعّد حاجبيه كما في مسعى للتفكير. قال له: كفى، يا أبتي. ها أنا بنفسي ناديتك كل عمري أبي. يكفيني أني كنتُ ابنًا بالنسبة لك. الخالق سيغفر لك، لا ريبَ في ذلك، إذ لا اسمَ له أيضا.
٣) الميّت في نومه (ص. ١٤)
نام ولم يستيقظ. في الآخرة، سأل الحُرّاسَ فيما إذا مات في نومه. أجابوا: شو هادا بفرق عندك؟ إنك، على كل حال، تحلُم.
٤) كلبُ بيتنا (ص. ١٨):
لماذا لا تنوح يا كلبَ بيتنا؟ لماذا أنت ملتفٌ، مطمئن في مربضك، وتدعنا نخلد للنوم؟ في الواقع نلتَ فضلات الشواء، الملاطفة وأُخرجت للتنزّه في الحديقة. وأهل البيت حقّا قد قضوا على آخر برغوث في شعرك. بالرغم من كل هذا، ألن تخرج إلى ساحة الدار لإسماع عُواء حزين يتيم؟
- أمّي، والدتي مدفونة بعيدًا وكل إخوتي مشتتون في المدن. ها أنا الكلب الوحيد ولا كلب غيري من طرف هذا الأفق إلى طرفه الآخر.
٥) خنزير بري (ص. ١٩)
صادفني خنزير برّي علق في سياج من الأسلاك الشائكة، وهو جريح ومنهك بسبب صراعه بغية الإفلات. قبع بمرارة بما تبقّى له من قوّة من شدّة جوعه المعذّب وتوسّل أن أنقذه. استدعيتُ سيارة أجرة، وعدتُ بسرعة بخسّة ومقصّ شجر. التهم الخنزير البري الخسّة، لكن حين فتحتُ المقصّ لقطع السياج ألحّ عليّ بألا أفعل ذلك. اعتدتُ، لكني ما زلت جائعًا ووددت أن أستفسر: أتوافق على إحضار مزيد من الطعام.
٦) جيراني في البناية (ص. ٢١)
إنّي لا أدخل إلي جيراني في البناية، حتى لاقتراض سكّر أو بيض منهم. إني أخاف من كلب الجارة فوقي لئلا يعضني. إني لا أدوس على عتبة جاري تحتي كي لا تهرب هريرته وتختبىء. آمل أن يفهم جيراني لماذا لا أزورهم. ولكن، أضف إلى ذلك، آمل أن يفهم كل واحد منهم لماذا لا أزور الآخر.
٧) بائع أجراس البيت (ص. ٢٢)
قرع بائعٌ بابي وفي جُعبته أجراس كهربائية. قلتُ: لا حاجةَ لي بجرس كهذا فجرس بابي على ما يُرام، كما تبين لك أنت بنفسك! ارتسم الحزن والارتباك على وجهه عندما تأتأ مدافعًا: و… ولكن كيف استطعتَ اكتشافَ ذلك بدون أن أقرع الجرس؟ كان مسكينًا لدرجة إثارة الشفقة عليه، وعليه طلبتُ إليه أن يُركّب جرسًا آخرَ بجانب باب غرفة الاستحمام.
٨) راعي الضأن (ص. ٢٦)
لسوء حظي رعيتُ قطيع غنم، كانت كلّ غنماته تخاف من سخل رقيق وتبتعد عنه. منذ ولادته وهذا السخل يعوي كالذئب ولا مأمأة له ولا خُوار. عُواؤه تفاقم يوما إثرَ يوم وكأنه يجمّد الدماء. حتى أمّه ارتعبت وتوقّفت عن إرضاعه. هممتُ أن أسقي الحمل حليبًا من القِنينة ولكن عندما دنوتُ منه كشّر عن أنياب مخيفة ليردعَني. إنه لا يقضم العشب ولم يرغب في اللحم الذي طرأ على بالي إبقاءه له. إنه سخل وبلا حليب سينفق.
٩) البالون الرمادي (ص. ٢٧)
فتاة غائرة العينين لعقت قطعةَ حلوى مملّحة مثبتة على عود. وفي يدها اليسرى أمسكت ببالون رمادي. حيثما توجهتْ كان طائر الهدهد يرفرف فوقها. تاق الهدهد أن تفلت البالون الرماديَّ كي يحلّقَ عاليًا نحوه ويستطيع ثقبه.
١٠) الساعاتي (ص. ٣٣)
كم من الوقت يستغرق تصليحُ ساعتي ؟ - سألتُ الساعاتيَّ. أجاب: لن تعرف ذلك أبدًا.
١١) مكتب السكوت (ص. ٣٩)
- مرحبا. أهنا مكتب السكوت؟
- هُسسسسسسس!
١٢) الهدهد واليمامة (ص. ٤٤)
دعا الهدهد اليمامةَ إليه وفلّى قَمْلَها برأس منقاره. طاب لها ذلك وبقيت في عش الهدهد الذي مشط ريشَ اليمامة وسوّاه بكدٍّ بدءً بطرف الجناح الأيمن ولغاية طرف الجناح الأيسر. حين انتهى من ذلك قال: طيري الآن! رفضتِ اليمامة. نتف الهدهدُ ريشةً من اليمامة فغرغرت متوجعة. طيري! رفضت من جديد. نتف الهدهد ريشاتِ اليمامة الواحدةَ تلو الأخرى حتى غدت عاريةً وما قدرت على الطيران من عُشّ الهدهد، الذي فرّ من ثَمّ وبنى له عشًّا آخر!
١٣) القارئة (ص. ٤٥)
طافت عينا القارئة من على السطور ورأسها مركون على كفّ يدها دون أن تدري. نظرتها كانت مركّزة وعلامة تجعيد خفيفة ارتسمت على جبينها. كانت أناملها تزيح أحيانًا أطراف ذؤابتها، تمرّ على أنفها أو على شفتيها، أو تلمس وجهها عرضا. في لحظة ما تغيّرت ملامحها قليلا، وثبت عيناها قليلا إلى الأعلى بغية العودة إلى بداية الفقرة.
١٤) خمس دقائق (ص. ٤٧)
في نفس اللحظة استولى علينا جميعا التفاهم عمّا سيحدث بعد خمس دقائق. بمضي خمس دقائق وإذ نحن غارقون في ذكريات الماضي. مرّة، في وقت ما، كانت حيواتنا طافحة بالتوقعات والتخطيط للمستقبل. عمّا قريب كل هذا سيختفي في هاوية النسيان، أو على الأقل، هكذا يبدو الآن.
١٥) تأريخ (ص. ٥٠)
وماذا بشأن هذه الخَرابات؟ من أي عهد هي؟ - سألتُ عالِمَ الآثار. تورّد وجهه وأوجز بصوت خفيض: توجّه إلى الجنرال!
ولماذا دُمّر كل هذا؟ - سألتُ الجنرال الذي تأوّه: هذا يعرفه عالم الآثار.
١٦) التوأمان (ص. ٥٤)
ּأنا وشقيقي التوأم متماثلان لدرجة أننا الاثنان لا نُجيد التفريقَ فيما بيننا. أحيانًا أتوجّه إليه باسمي وأحيانًا هو يتقدّم لامتحاناتي ويرسُب فيها. مع هذا، كل الآخرين يميّزون بيننا بيُسر وسهولة.
١٧) الغريب (ص. ٥٨)
دعوه بالاسم ’الغريب‘. كان يمتعض: إنني لستُ غريبًا بالمرة! إنني معروف، بل ومحبوب أيضًا! أنتُمُ الغرباء.
مرّت الأيام ورضي صاغرًا بغربته هذه واعتاد أن يُسمّى ’الغريب‘. وأخيرًا، عندما أصبح ابن البلد، لم يفقهوا لماذا يحمل هذه الكنية وظنوه شاذًا غريبًا.
١٨) المريض (ص. ٦١)
أُلبس المريضُ بمئز لإعطائه دواءً طُوّر خصيصًا له، إلا أن الملعقة التي قدّمت له لشرب المحلول كانت ذات ثقوب. أخفوا الدواء في قرص طبي، إلا أنه كان مُرًّا، كبيرا، وفظًّا في شكله ولم يستسغ بلعه. في أعقاب هذا العلاج المنقوص، غضب المريض معلنًا بأنه لن يمرض ثانية.
١٩) باني الجسور (ص. ٦٦)
إنّه لا يقطع الجسور. يغطس حتى الركبتين لبنائها، ملطّخ بالوحل، إنه مزْكوم دائمًا.
٢٠) الكتاب الثاني (ص. ٧٤)
في أعقاب باكورة رواياته ’’الماء تحت الجسر‘‘ حيث صفحاته الثلاثمائة وثلاث صفحات بمثابة جملة واحدة طويلة، ملتوية ورصينة نحويًا، بزغ توقع كبير لكتابه الثاني. لذلك لم يتأخر في كتابة “شارع المسطرة”، وهو أيضا كُتب كجملة واحدة طويلة إلا أن النقطة الختامية محذوفة. عند وصوله لدار النشر وبيده المخطوط، اكتشف أنه نسي حافظة النقود (جزدانه) وأوراقه الثبوتية في البيت، والبوّاب الذي لم يعرفه منعه من الدخول. قطعة معدنية واحدة (أسيمون) كانت في جيبه، أُرغم على الجلوس على مقعد مجاور منتظرا دوره للتلفون العمومي، كي يخبر مكاتب دار النشر بأنه في المدخل والرواية الكاملة بيده. طال الانتظار ونفذ صبره. هلك (طقّ) من كثرة الملل، فتح المخطوط وتسنّى له إضافةُ آلاف النقط قبل أن يُستدعى للدخول.
٢١) حريق (ص. ٧٨)
يحذّر دائمًا بشكل لا يقبل التأويل من إلقاء عود كبريت مشتعل، ولكن عندما نريد إشعالَه نكتشف صعوبة ذلك. العيدان اليابسة تخون مهمتها وتأبى الاشتعال.
قد ترتعش شعلة بالورق وتفرفر كما السمكة في اليابسه.
٢٢) في أعلى السبيل (ص. ٨٤)
في أعلى المسرب رأيتُ طواويس لا لون لها. وفيما بعد أعلى المسرب شاهدتُ فتاة، أسنانها كالفحم سوادًا، تقشّر حبّة فاكهة غريبة. تحت كل طبقة في الحبّة طبقة أخرى، والفتاة تُتابع التقشيرَ وتتابع ولا يكفي. أطلبُ من جميع الصاعدين في هذه الطريق ألّا يطردوا الطواويس.
٢٣) لماذا لا ترونني في الطرق (ص. ٨٥)
سمعتُ رجال رحلات مستغربين لأنه لم يلتق بي أي واحد منهم في الطرق، وهذا في نظرهم يثير الشكَّ في مصداقية قصصي. لسبب ما تافه: لا أسير في الوسط بل أفضّل أن أخطو على امتداد خط الأفق.
٢٤) فجل الخيل الريفي (٩٥)
معظم المزروعات تذبل في أرض قريتنا النائية، ولا يتجذّر فيها أي نوع من أشجار الفاكهة. يحِبُّ تلك الأرضَ صنف بريٌّ من فجل الخيل الريفي (السريس، عند موسى بن ميمون) فقط، شبيه بالعلت، شديد المرارة ومنبوذ، وفي كل مكان آخر اجتث وغدا طيّ النسيان. لسوء حظّنا، وُلدنا هنا وهذا الفجل كسرة خبزنا وطيّب المذاق. مرّة كل بضع سنين، عندما يكون المحصول طيّب المذاق بشكل خاصّ، يسافر أحد أبناء القرية إلى المدينة محاولا الاتجار به، كما نتاجر نحن بأنسجة حائكينا. تفشل التجربة على الدوام، ومن فترة لأخرى يعود ويتكرر.