كيف احتفل السامريون بعيد الفسح قبل قرن من الزمان تقريبا؟
Haseeb Shehadeh
The University of Helsinki
في ما يلي خلاصة لما جاء في مقالة ضافية بالإنجليزية حول هذا الموضوع وهي:
John David Whiting, ُThe Last Israelitish Blood Sacrifice. How the Vanishing Samaritans Celebrate the Passover on Sacred Mount Gerizim. The National Geographic Magazine, Vol. XXXVII, No. 1, Washington, January 1920, pp. 1-46.
أي: جون ديڤيد وايتنچ، ּأضحية الدم الإسرائيلية الأخيرة. كيف يحتفل السامريون المتلاشون بعيد الفسح على جبل جريزيم المقدّس. مجلّة ’’ناشيونال جيوغرافيك‘‘، المجلد السابع والثلاثون، العدد ١، واشنطن، يناير ١٩٢٠، ص. ١-٤٦.
الكاتب:
ج. د. وايتنچ (١٨٨٢-١٩٥١) أوّل أمريكي ولد في حيّ الأميركان كولوني في القدس، حيث تأسّست جمعية طوباوية مسيحية عام ١٨٨١ من قِبل أمريكان وسويديين وآخرين، عاش ومات هناك. كان زوج چريس (Grace)، ابنة مؤسسَي الكولوني، هوراتيو وأنَّّه سبافورد ( Horatio & Anna Spafford)، مدير أعمال، مصوّر ومرشد سياحي للحجّاج وعلماء الآثار والسيّاح، أجاد العربية، نائب قنصل أمريكا في القدس للشؤون التجارية والزراعية في السنوات ١٩٠٨-١٩١٥، عمل لصالح مخابرات الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى. نشر مقالات عن الأراضي المقدّسة والشرق الأوسط في الدورية المذكورة أعلاه، وله مذكّرات تغطّي السنوات ١٩٠٥-١٩٤١ ومجموعات كبيرة من الصور عن الناس والأماكن والأحداث في فلسطين، لبنان، الأردن، سوريا، تركيا والآن هي محفوظة في مكتبة الكونغرس الأمريكي منذ ٢٠٠٥-٢٠٠٦ (http://www.loc.gov/pictures/).
كتب المؤلف هذه المقالة بعد مشاهدته لطقوس عيد القربان السامري أربع مرّات، مرّتين قبل الصراع العالمي الكبير (= الحرب العالمية الأولى) ومرّتين في غضونه. في المرّة الأولى كان شابًا والثانية كانت عام ١٩١٤. إذن، في ما يلي أهم النقاط الواردة في المقالة في نظرنا، وتتخلّلها أربعون صورة لأشخاص، مناظر وأشياء مثل: منظر عامّ لنابلس، جبل السامرة الذي اشتراه عُمري، قصر أحاب، خمس بنات سامريات يتعلّمن العبرية القديمة مع معلّم، كنيس السامريين من الداخل، أبو الحسن ابن الكاهن الأكبر يعقوب، الكاهن الأكبر يعقوب بن هارون، كاهن شاب ينسخ توراة، قرية عسكر، امرأة تنشل الماء من بئر يعقوب، مخيّم السامريين على جريزيم، خراف القربان، طائفة السامريين مجتمعة للقربان، نحر الخراف، شكّها في الأسياخ البلوطية، تمليحها (هناك صورة لجندي يعتمر كوفية وعلى خاصرته مسدّس، للحراسة، لا ذكر لذلك في النصّ)، تناول اللحم المشوي، أولاد، سامريون يصلّون، خبز الفطير، رفعُ الدَّرْج المقدس (مخطوط التوراة على الرقّ، قديم)، تعانق، الدَّرْج.
ما وضع بين قوسين: () أو ֶֻ[] إضافة منّي. في الواقع كنت أطمح أن أقرأ أكثر عن أحوال السامريين آنذاك في شتّى المجالات، العدد، رجال ونساء، الحياة اليومية، بعض العادات، مقابلات مع نخبة منهم، التعليم عندهم، مشكلة الزواج، المخطوطات، بعض المعلومات والانطباعات عن مثلا الكاهن الأكبر وآخرين، عدد الأفران (يبدو لي كان واحدا) والخراف، هل من اختلافات في الاحتفالات الأربعة؟ كيف تمكّن من تصوير درج أبيشع وهل كان ذلك بمحض مبادرته أم تلبية لطلب شخص آخر؟
السامريون:
إنّهم أطول الناس في فلسطين. وعندهم، كما هي الحال عند أغلب الشرقيين، يختار الوالدان العريسَ والعروسَ وهما طفلان، إذ أنّ الزواج يتمّ في سنّ مبكّرة. في نابلس فقط، تسكن طائفة السامريين الآيلة للانقراض، المتبقية من طائفة قديمة كبيرة جدًا، واحتفالها بعيد الفسح يجذب اهتمامًا ملحوظًا منذ ثلاثة قرون. يبلغ عدد سكان المدينة، التي تبعد عن القدس حوالي ٤٠ ميلا (حوالي ٦٤كم)، قرابة الـ ٢٧ ألف نسمة، معظمهم مسلمون، وهناك بعض الطوائف المسيحية وحفنة من السامريين، ولكن لا وجود لليهود. مدينة نابلس شهيرة بصابونها وبكنافتها (في الأصل: kanafie، ص. ٢) وبجبليْها، عيبال في الشمال وعلّوه ٣،٠٠٠ قدم (٩١٤،٤م.)، وجريزيم في الجنوب وعلّوه ٢٨٥٠ قدما ٦٨، ٨٦٨م.). يتكلّم وايتنچ عن كثرة شجر الصبّار (sabbir في الأصل) في نواحي عيبال، ويذكر أنّه ربّما سُمّي بهذا الاسم للصبر الذي يحتاجه المرء، في إعداد فاكهته الشهية للأكل (تأثيل شعبي, volk-etymology). نيابوليس (Neapolis) أي المدينة الجديدة، نابلس، بناها الإمبراطور ڤِسْبَسيان عام ٦٧م. السامريون خلافًا لليهود، عاشوا في بلاد الأجداد، بين الشعوب السامية، ولذلك فقد حافظوا حتى القرن العشرين على لمحة صافية تقريبًا عن الكنيس (في الأصل: الكنيسة وتستعمل هذه اللفظة بهذا المعنى كثيرا في التراث السامري العربي) اليهودي القديم. مثل بارز لبقاء طقس ديني قديم هو الاحتفال بعيد الفسح.
الدين السامري والدين اليهودي:
الدين السامري قريب من الدين اليهودي. الاختلافات الرئيسية تتمثّل في أن الدين السامري يتمحور حول جبل جريزيم، في حين أن الدين اليهودي يدور حول صهيون، القدس. كتاب السامريين المقدّس الوحيد هو أسفار موسى الخمسة أي التوراة فقط، أمّا لدى اليهود فهناك إضافة إلى ذلك الأنبياء والكتابات. نظرًا للتشابه بين الفريقين من حيث المعتقدات والممارسات، فإنّ أمر العداوة الشديدة والدائمة في ما بينهما، السامري واليهودي، غريب. إنّه العداء القائم دومًا بين الأصلي والمنشقّ. يعتقد السامريون أنّهم من سُلالة سِبط إفرايم، وأنّ الانشقاق بينهم وبين اليهود جاء نتيجة سوء إدارة كهنوت أولاد عِلي (Eli). أحد الاختلافات المميّزة بين السامريين واليهود، يتعلّق بموضوع منهاج التقويم. السامريون لا يسيرون حسب السنة القمرية فحسب، بل يأخذون في الحسبان أيضًا حركة الشمس. هذا النظام معقّد جدًّا، وهو بمثابة دراسة أساسية يقوم بها الكهنة الشباب. مرجعهم هو الإصحاح الأوّل في سفر التكوين الآية ١٤. لذلك يحتفل السامريون أحيانًا بعيد الفسح مع اليهود أو تقريبًا معهم، وفي بعض الأحيان يحلّ الرابع عشر من شهر أبيب شهرًا بعد عيد اليهود.
الكنيس ودَرْج أبيشع:
هناك كنيس سامري واحد، يعود بناؤه إلى قرون قليلة، فيه خزائن بسيطة لحفظ الكثير من توراوات مكتوبة على الرقّ، منها درج أبيشع ذائع الصيت. كلّ التوراوات السامرية وكتب الصلوات والكتب المدرسية مكتوبة بخط اليد. الرقّ كان مستعملا حتى قبل قرنين من الزمان. في ص. ١٢ صورة لصفحة من الدرج، ويدّعي الكاتب وايتنچ أنّها أوّل صورة لهذا المخطوط. يعتقد السامريون أنّ الناسخ هو حفيد أهرون، وكان ذلك في السنين الأولى لدخول بني [السنة الـ ١٣] بني إسرائيل أرض الميعاد. ويضيف الكاتب أنّه تمّ تصوير هذا الدرج بالكامل، وسيُنشر بحجمه الطبيعي. ستائر الكنيس مطرّزة جدا بالذهب. أغلى ما يملكه السامريون من وثائق هو هذا الدَرج؛ طوله حوالي ٧٠ قدمًا (٢١،٣٤م.)، وفي نهايته تقسّم أعمدته بشكل عمودي عبر فجوة صغيرة، تكون غالبًا بين حروف نفس الكلمة. [بعبارة أخرى أمامنا تشقيل cryptogram, الكاتب لا يستخدم هذه اللفظة]، يُذكر فيه اسم الناسخ وتاريخ النسخ إلخ. بدون إضافة أي شيء على نصّ التوراة [امتثالًا لما جاء في التوراة من عدم إضافة أو حذف أيّ شيء منها، أنظر سفر التثنية ١٣: ١]، ويُقرأ كما في الصينية من الأعلى إلى الأسفل. يؤكّد السامريون أن ناسخ الدرج هو أبيشع، حفيد أهرون كما ذكرنا. لا يمكن لأيّ طالب نزيه أن يقبل بهذا التاريخ البعيد، بالرغم من الاعتقاد بأنّ الدرج أقدم نسخة للتوراة في الوجود. هذا الدرج محفوظ بغيرة، لدرجة أنّ قلائل فقط من غير السامريين، قد رأوه والكثيرون من السامريين أنفسهم لم يروه إلا عند عرضه في حالات نادرة في الأعياد [ثلاث مرّات، في الأعياد: الفسح والأسابيع والعُرش] ويكون ملفوفًا داخل صندوق نحاسي ومرصّع بالفضة والذهب ومغطّى بقماش حريري، ويُعرض عامود واحد فقط. يرفعه الكاهن الأكبر فوق رأسه، والصندوق النحاسي يفتح ويتبرّك به المشاركون. ويذكر الكاتب ثانية أن الدرج قد صوّر كلّه مؤخّرًا وسيُنشر حالًا لصالح علماء العبرية (ص. ٢٣). عرض هذا الدرج الهشّ باستمرار ليس عمليًا ولذلك، ولسوء الحظّ، يفرض السامريون المعاصرون على ضيوفهم رؤية درج آخر يعود تاريخه لزمن متأخّر. وهكذا كلّ التصاوير التي أُعدّت وكأنّها لدرج أبيشع الأصلي، هي، في الواقع، لنسخة متأخرة.
عيد الفسح:
قبل أيّام قليلة من عيد الفسح يعِجّ الغيتو السامري بالنشاط والحياة. تُحمّل البغال والحمير بالخيام وبلوازم أخرى ويبدأ الجميع، الشاب والمسنّ، المريض والمعافى بترك منازلهم والقيام بالحجّ إلى جبل جريزيم، تلبية للأمر المذكور في سفر التثنية ١٦: ٥-٦ ”ولا تقدر على ذبح الفسح في إحدى قراك التي الله الهك معطيك الا في الموضع الذي اختار الله الهك لإسكان اسمه هناك هناك تذبح الفسح عشاء عند مغيب الشمس وقت خروجك من مصر“ [سفر التثنية ١٦: ٥-٦؛ أنظر: حسيب شحادة، الترجمة العربية لتوراة السامريين. المجلد الثاني: سفر اللاويين، سفر العدد وسفر تثنية الاشتراع. القدس: الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم والآداب، ٢٠٠١، ص. ٥٠٢-٥٠٣]. في كثير من الأحيان، يُحمل المرضى للغاية بأسرّتهم إلى المخيّم، وليس من النادر أن يولد الأطفال في هذه الفترة. ومن التجهيزات للعيد، ترتيب المخيّم وإعادة بناء التنّور أو الفرن الأرضي (في الأصل: tanoor or ground oven) لشيّ الأضاحي، والحصول على الحطب والأغصان الضرورية. الصعود إلى الجبل سيرًا على الأقدام أو ركوبًا على الدوابّ، يستغرق عادة ساعة. يتوجّه السامريون من ضواحي نابلس الغربية في طريق يمرّ بالمقبرة السامرية، وبأرض صخرية كثيرة الحجارة والأعشاب وهي مرعى للحمير والقطعان. وهذا الدرب الملتوي، حيث أشجار الزيتون وأشجار أخرى يصبح شديد الانحدار، ولا بدّ للماشين وللماشية من التوقّف بين الفينة والأخرى للاستراحة. وعند وصول قمّة الجبل، يرى الزائر أربعين خيمة مصرية ودمشقية بيضاء [كان عدد السامريين آنذاك قرابة الـ ١٥٠ نسمة]، مخيّم حقيقي وحيد، ذو أهمية دينية لبني إسرائيل السامريين في العالَم. يا للخسارة، هذه الخيام الأكثر حداثة، تستعمل بدلا من خيام شعر الماعز البدوية، الأشبه بكثير، إن لم تكن مماثلة للخيام التي استخدمت في خلال التيه في الصحراء. وأرض المخيّم ملك للسامريين وهي صغيرة، ولا نظام خاصًّا في نصب الخيام. لكل عائلة خيمة، وعدد قليل من الأسَر يملك خيمتين. في طرف المخيّم الشرقي توجد الكنيسة (في الأصل: kiniseh، ص. ٢٦) التي تقام فيها الطقوس في فترة المكوث في المخيّم. ونحو الشرق، حيث أعلى قمّة لجبل جريزيم، توجد الأطلال التي وقفت عليها ذات يوم المعابد، الهياكل. قمّة جبل جريزيم بالنسبة للسامري، هي أقدس بقعة على وجه الأرض، وهي تزخر بالأماكن والتداعيات المقدّسة. هناك يرى الزائر المكان الذي بنى عليه يهوشع المذبح الأوّل، المكوّن من اثني عشر حجرًا أخذت من الأردن. وفوق المذبح أساسات كنيسة مريم، التي بناها الإمبراطور زينون ورمّمها يوستنيان. وفي الجوار، مسجد مُقبّب صغير باسم الشيخ غانم (وهو مقام الولي الصالح عبد السلام بن غانم من الفترة الأيوبية) وهو مهمل الآن. وفي الجهة الجنوبية، يقال إن مذبحي آدم ونوح كانا هناك، وتحتهما الطريق الذي طرد منه آدم من الفردوس، ومن تراب الجبل كان قد خلق. ومن الجانب الآخر مذبح/مزار شيت، حجر دائري، ثم إلى الجنوب من هناك خندق وهو للسامريين منافس لجبل موريا في القدس. في هذا المكان يعتقد السامريون أنّ إبراهيم الخليل همّ بقربنة (تقديمه قربانا) ابنه الوحيد. وبعيدًا في سهل عسكر توجد بئر يعقوب، مستترة تحت كنيسة في طور البناء أُقيمت على أساسات صليبية.
في مركز المرتفع صخرة مسطّحة يسّميها السامريون باسم ”قدس الأقداس“ (في الأصل: Kuds el Akdas، ص. ٣١) لهيكلهم. إنّهم يأتون إليها حفاة في مناسبات معيّنة فقط، وهي تذكّر المرء بصخرة موريا الواقعة تحت قبّة الصخرة الرائعة. وفي قرية عورتا (Awerta) وتحت شجرة ضخمة، يوجد ضريحا ابن هارون وحفيده، إلعزار وفنحاس، أمّا ضريح يوسف الصغير الأبيض فموجود في السهل تحت جبل عيبال. وبالقرب من قرية عسكر (Sychar) حيث يوجد نبع غزير، تنمو فيه المزروعات مثل البصل والثوم والقمح والشعير.
تُشترى الخراف الصالحة للأضحيات قبل العيد بأيام معدودات، كما نصّت التوراة ”… في عاشر الشهر هذا يأخذوا لهم كل امرىء رأسا … كاملا ذكرا ابن سنته … ويكون لكم حفظا الى أربعة عشر يوما من الشهر هذا...“ [سفر الخروج ١٢: ٣-٥؛ أنظر حسيب شحادة، مج. ٢، ص. ٣١٢-٣١٣]. المشهد ليس هادئًا، عشرات من غير السامريين، فتيان وكهول قدموا ”لشم الهوا“ (في الأصل: ’’smell the air‘‘، ترجمة حرفية من العربية، ص. ٢٦)، إذ أنّه بالنسبة لأهالي نابلس ولا سيّما للفتيان هذه فرصة لا تفوّت لما فيها من إثارة.
وصلنا هناك قبل حلول الظلام بثلاث ساعات، والسامريون يبدؤون الحساب من غروب الشمس، إذن دعنا ننسى ساعاتنا الغربية بينما نحن على مرتفعات جريزيم. أوّل ما جذب انتباهنا عند اقترابنا من المخيم كانت غمامة الدخان المتصاعد من التنّور المشتعل لخمس ساعات لجز أو نتف الصوف ثم تمليح اللحم، وينظر في سفر اللاويين ٢: ١٣.
الصلاة:
لا بدّ للسامري من القيام بوُضوء محدّد قبل كلّ صلاة، يغسِل بالماء ثلاث مرّات كلا من اليدين، الفم، الأنف، الوجه، الأذنين والقدمين، بهذا الترتيب، ومثل المسلم يفرش بساط الصلاة وعليه أحيانًا تصميم المحراب. وعندما يتجمّع كل ذكور الطائفة، يقف الكاهن الأكبر يعقوب (في الأصل: Yakoub, Jacob، يلفظه السامريون: ياقُب) الموقّر واهنًا وغير حازم، مرتديًا جُبّة خضراء باهتة، أمام أبناء الطائفة. الكاهنان الثانيان، إسحق وتوفيق، يقفان خلفه ويتلوهما بشكل صفوف المسنون بحسب مراتبهم، وأصغر الأولاد يصطفّون بزوايا قائمة لصفوف أسمى المراتب. وحولهم من كلّ ناحية متفرّجون، معظمهم أولاد وشباب من نابلس. يقف المصلّون ووجوههم نحو الصخرة المقدّسة، قدس الأقداس، التي على قمّة الجبل شرقًا، وينحنون حتى الأرض في صلاتهم. تبدأ الصلاة بصلاة كتبها الكاهن حسن الصوري قبل حوالي سبعة قرون [الصحيح أنّ لا دلائل على كهنوته، اسمه الكامل: أبو الحسن إسحق فرج بن ماروث، وهو والد الطبيب والنحوي المعروف شمس الحكماء، أبو إسحق إبراهيم بن فرج بن ماروث، عاش أبو الحسن في أواخر القرن الحادي عشر وأوائل الثاني عشر، تُعزى إليه الترجمة العربية القديمة لتوراة السامريين وله من الكتب: الطبّاخ والمَعاد]. صفوف الكهنة الذين يرخون شعورهم (أنظر سفر اللاويين ٢١: ١-٥) والمسنّين تركع أو بالأحرى يجلسون على أعقابهم والأيدي على الرُّكَب أو ممدودة نحو السماء عند كل تضرّع. تنحني الرؤوس بانسجام وتلامس الجباه الأرضَ والتركيز بيّن. في نفس الوقت تكون الخراف المعدّة للقربان جاهزة حول المصلين. تنتهي الصلاة بإطلاق ’آمين‘ بصوت عال والكلّ يقف بصمت ويردّدون صلاة أخرى اسمها ”عقد النية“ (في الأصل: Akid el Niyeh، ص. ٣٣) وهي تأمّل تنمّ عن تكريس أرواحهم للصلاة. إنّها تشمل خمسة بنود أركان إيمانهم: الإيمان بالله، بموسى، بالتوراة، بجبل جريزيم وبيوم الحساب. ويذكر أنّ قصّة الخلق تسبق كلّ الصلوات وفي نهاية القصّة ترتّل ترنيمة في مدح الله (في الأصل: يهوه، وكان من الأجدر قول شيما كما يلفظه السامريون ولا يقولون أدوناي كاليهود). كلّ هذه الصلوات والقراءات والترانيم مدوّنة بالعبرية السامرية القديمة (بعضها هكذا والبعض الآخر بالآرامية السامرية أو بلغة هي خليط من الآرامية والعبرية والعربية تكوّنت في القرون الوسطى). بعد ذلك يقرأ الجميع الحاملون بأيديهم نُسخًا من التوراة بخطّ اليد ٢١ مقتطفًا، وردت فيها أسماء إبراهيم وإسحق ويعقوب (ذكرى الآباء)، كلّ ذلك بانسجام وتناغم. في خلال القراءة، وفي كلّ مرّة يذكر اسم الجلالة يضرب الرجال لحاهم من أعلى إلى أسفل ثلاثا. ثم يرفع الكاهن الأكبر عينيه نحو غروب الشمس، ويقرأ في سفر الخروج ١٢: ١-١٢ الخاصّة بالفسح. هناك شبَه ملحوظ بين زِيّ السامري ووضعيته عند الصلاة وبين المسلم. لباس السامري في هذه المناسبة هو بالأساس أبيض اللون، وهناك جبّة (jubbie، ص. ٣٣) قطنية كما لدى شيوخ المسلمين. الكهنة والمسنّون العاديون يلبسون الطربوش الأبيض، أما الأولاد والشباب فلا طرابيش لهم وهم يرتدون عادة السراويل والقمصان البيضاء. يرتدي السامري، باستثناء وقت الصلاة، العمامة النبيذية الداكنة، وذلك وفق مرسوم أحد الخلفاء للتفريق بينه وبين المسلم، الذي يستعمل العمامة البيضاء واليهودي السوداء.
النحر:
الكاهن الأكبر، يعقوب بن هارون (١٨٤٠-١٩١٦، كاهن أكبر ١٨٧٤-١٩١٦) يقف على قطعة قماش ويقود الطقوس. دَستان نحاسيان كبيران لغلي الماء، وبالقرب منهما تنّور أرضي لشيّ اللحم. والخراف (يبدو أنّها خمسة كما يظهر في صورة مرفقة بالمقالة) يمسكها الفتيان والشباب في شكل دائرة. بعد تلاوة ”ويكون لكم حفظا الى أربعة عشر يوما من الشهر هذا وليذبحه كل جوق جماعة بني اسرائيل“ [سفر الخروج ١٢: ٦؛ أنظر: حسيب شحادة، الترجمة العربية لتوراة السامريين. المجلد الأول: سفر التكوين وسفر الخروج. القدس: الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم والآداب، ١٩٨٩، ص. ٣١٢-٣١٣، وينظر هناك آية ٩ بخصوص أكل الذبيحة مشوية] عند سماع و’يذبحون‘ يبدأ الجزّارون الثلاثة المخوّلون، وبأيديهم سكاكين تلمع وحادّة كموس الحلاقة، بحركات ماهرة نحر الخراف الواحد تلو الآخر من الأعلى نحو الأسفل بسرعة خارقة. تلطّخ ملابس الفتيان بالدم. ويفسّر السامريون ”بين الغروبين“ أي: بين غروب الشمس والظلام، و’الشفق‘ في هذه البلاد قصير جدا. عند بداية عملية النحر، تتراجع حشود السامريين والأغيار عن الكاهن الأكبر، الذي يتلو من التوراة ويسير حول المذبح. إنّه مشهد شبيه ببابل، تلاوة الصلوات، صراخ، إنشاد وتصفيق بالأيدي. هذه الفرحة تشبه فرحة أولادنا في صباح عيد الميلاد أو حول الشجرة المتوهّجة. وفي هذه المعمعة يلطِّخ بعض الأولاد والبنات وجوههم بقطرات من دم الأضاحي. أحد الكهنة الشباب يجمع بعض الدم المسفوك في طشت، ويحمل حُزمة من الصعتر البري ويذهب ليقطُر على كل باب خيمة، أنظر سفر الخروج ١٢: ٢٢-٢٣. ويقال إن الصعتر يمنع تخثر الدم وهذه عادة عريقة. وفي هذه الأثناء يحمل الشباب صواني كبيرة مملوءة بأعشاب مرّة المذاق تنمو على الجبل، شبيهة بالخسّ البري ملفوفة بخبز عويص ويقدّمونها لغير السامريين رمزا للصداقة. الطعم المرّ يذكّر، بالطبع، بمرارة الطغيان المصري الفرعوني ضد بني إسرائيل وسرعة الهروب، أنظر سفر الخروج ١٢: ٣٩. الخبز مماثل لخبز البدو والفلاحين المتجولين. رغيف الخبز ضخم إلا أنّه نحيف جدا كالفطيرة قابل للثني وليس هشا كالمصّة (motsis، ص. ٣٥) اليهودية. بعد النحر يُصبّ الماء المغلي على الذبائح وينتف الصوف. بعد النحر يغادر النابلسيون المكان عائدين إلى بيوتهم.
يجري تنظيف الأحشاء من الطعام غير المهضوم ونزع الفضلات والقلب والكبد والرئتين على ضوء الفانوس مع الحرص الشديد على عدم كسر أية عظمة امتثالا لما ورد في التوراة، سفر الخروج ١٢: ٤٦. في عام ١٩١٥ وجد خروف بكلية واحدة.
يشقّ اللحم بعمق كاف لاستيعاب الملح وتقطع الكتف اليمنى لتشوى في سيخ منفرد فهي خاصّة بالكهنة، كما هي الحال بالنسبة لقطع من الرأس. أنظر سفر التثنية ١٨: ١٣.
بعد التمليح التامّ (أنظر سفر اللاويين ٢: ١٣) تُشكّ الذبائح بأسياخ/عصيّ/أعواد من شجر البلّوط بشكل طولي، بحيث يكون الرأس في أسفل السيخ الذي يتجاوز طوله عمق التنور الأرضي بقليل. وعمق التنور يساوي قامة رجل. توضع هذه الأسياخ المحمّلة باللحوم في الفرن الملتهب ويغطّى الفرن بإحكام بالأعشاب، بتراب سطح الأرض المعشوشب وبالطين وكلّ ذلك يكون جاهزًا سلفا (سفر الخروج ١٢: ٩).
وهكذا تكون الطقوس الدينية الثلاثة قد تمّت: صلاة الذبح (Salat el Dabih، في الأصل، ص. ٤١)، قبل نحر الخراف؛ صلاة السميط (في الأصل: Salat el Jismeet، ص. ٤١ ) عند نتف الصوف؛ صلاة الغروب (في الأصل: Salat el Garub، ص. ٤١). بعد ذلك يخلُد البعض للراحة في الخيام، والبعض الآخر يواصل الصلاة والقراءة للبقاء مستيقظا، في حين يجلس قلائل حول المذبح المشتعل.
عند انتهاء المراسم يأتي المشاركون، ينحنون ويقبّلون يد الكاهن الأكبر ويعايدونه قائلين: كل عام وأنت سالم [يقال في الآرامية السامرية: كُل شَتّا واتِمّا شاليمِم] وهو بدوره يباركهم ويعود إلى خيمته. ويتعانق المشتركون، أنظر سفر التكوين ٤٣: ٣.
تناول اللحم:
بعد ثلاث أو أربع ساعات يتمّ إخراج الخراف المشوية من الفرن، ويتحدّث الكاتب عن تناوله للحم مشوي شبيه بهذا أعدّه قرويون من القرى المجاورة، إذ لا يجوز بالمرّة لغير السامري التناول من قربانهم، تمشيًّا مع ما ذكر في التوراة، سفر الخروج ١٢: ٤٣، سفر اللاويين ٢٢: ١٠. حتّى بعد انتهاء الطقوس تُطمر الحفرة والفرن بالحجارة لئلا تقع أية عظمة متفحّمة أو كسرة في يد الأغيار، غير السامريين. عند اقتراب منتصف الليل، يوقظ منادون النائمين، وفجأة تدبّ الحياة من جديد على الجبل. يفتح الشباب فوّهة الفرن ويتعالى الصياح والصراخ، فتتصاعد سحابات الدخان، ولا يمكن رؤية الكثير بضوء الفانوس. وهنا تُتلى نفس الصلاة التي قيلت عند إنزال الخراف المذبوحة إلى الفرن. ترفع الأسياخ ويوضع اللحم في ’سدور‘ نحاسية كبيرة، وتفرز الأكتاف وتوضع في حصّة عائلة الكهنة. كل ّعائلة من العائلات الستّ، بكافّة أفرادها تتجمّع حول لحم خروف واحد، ويكون المسنّون والكهنة متمنطقين بحِزام، منتعلين وحاملين عصا أو عُكّازة تقليدًا لما كان عند فرارهم من مصر.
يُقدّم اللحم المشوي المتناثر مع الأعشاب المرّة المفرومة والخبز الفطير/غير المختمر على أطباق من القشّ. يجلس الكاهن الأكبر في الوسط وبصوت متهدّج يقول ”باسم الله أنادي: اسمع يا إسرائيل الله إلهنا الله واحد إلخ.“ (أنظر سفر التثنية ٦: ٤)، وفي الوقت نفسه ينضمّ الجميع لإنشاد ترنيمة قديمة عن الخروج، تذكر عددًا كبيرًا من بني إسرائيل الذين غادروا مصر، في حين أنّ الذين نزلوا إلى هناك أيّام يوسف كانوا سبعين شخصا. والآن يبدأ الجميع الجياع في تناول الطعام بشَره، يفسَخون اللحم عن العظم بالأصابع (أنظر سفر الخروج ١٢:٨، ١١). عند تناول اللحم المشوي بسرعة لا تُستعمل السكاكين أو الملاعق بل الأصابع ويحرِص الجميع، أفراد العائلات الستّ، على عدم كسر العظم عملًا بما جاء في سفر الخروج ١٢: ٤٦ وعدم إبقاء أيّ شيء من الأضاحيّ ّإلى الصباح وإلا فيجب أن يُحرق، أنظر سفر الخروج ١٢: ١٠. تجتمع كلّ عائلة حول لحم خروف مشوي واحد، الرجال والنساء والأولاد. يُحضر الطعام لأولائك المرضى الذين لم يتمكّنوا من مغادرة خيامهم فعليهم جميعا حتّى الأطفال الصغار جدًّا تناول ولو لقمة أو ملامسة الطعام لشفاههم، وذلك امتثالًا لأمر التوراة. العيد بحدّ ذاته، تناول اللحم، قصير جدا، دقائق قليلة، وعندها يقف الكاهن الأكبر متكىء على عصاه ويتلو صلاة قصيرة. تُجمع كل قطعة من العظم مهما كانت صغيرة وتوضع في المذبح لتُحرق صباحا. ولا يأكل بنو إسرائيل عِرق النسا، سفر التكوين ٣٢: ٣٣. ثم يغسل كلّ واحد بالماء الساخن الذي في الدسوت ويصبّ الماء من الإبريق على يديه واضعًا إياهما فوق الفرن لإزالة حتى أصغر قطعة من اللحم قد تكون ما زالت عالقة ليتمّ حرقها، أنظر سفر الخروج ١٢: ١٠. وهكذا ينتهي الاحتفال بقربان الفسح إحياء لذكرى الخروج من مصر. يعود كل شخص إلى خيمته لينام ساعات قليلة إذ في صباح اليوم التالي باكرًا يجتمع الجميع للصلاة، فهذا اليوم بمثابة سبت، أوّل أيّام الخبز الفطير. يعود المتفرّج إلى خيمته أو ينزل إلى نابلس في سكون الصباح الباكر.
أين النساء:
لا دور لهن في فترة ما بعد الظهر وبداية المساء، إنّهن في الخيام، في حين أن العاجزات عن القيام بالوضوء يمنعن من تناول القربان ويجمعن في خيمة واحدة. حياة المرأة السامرية مغمورة بأمور صغيرة، وبالكاد تخرج من بيتها، والنساء المسنّات غير متعلّمات بالمرّة و’انبسطن‘ جدا في الحديث مع زوجة الكاتب بالقرب من المذبح بلغتهن العربية وتحمّسن للتعريف بأولادهن نيامًا كانوا أم يقظين. يذكر الكاتب تحت صورة التقطها لطفل بأنّه كان معافى تمامًا عند تصويره. بُعيد ذلك مرِض وأمّه عزت تلك المصيبة للعين الحسودة الخاصّة بالكاميرا أو بالمصوّر (ص. ٣٥).
المرأة السامرية لا تتشدّد في موضوع الاختباء عن الرجال، ولكنّها تضع النقاب عندما تسير في الشارع، وتبتعد عند وجود الغرباء. بالكاد رأى الكاتب نساء في زيارتيه الأولى والثانية، أكلن حصّتهن من القربان في الخيام وكان من الممكن مشاهدة بعض الفتيات الصغيرات. في خلال سنوات الحرب [= العالمية الأولى] انعدم وجود السوّاح والأساتذة بقبّعاتهم الفلينية الكبيرة ودفاتر الملاحظات وأقلام الرصاص والزِيّ الغربي والأسئلة الفضولية التي تربك النساء وتشوّه الجوّ القديم للمشهد.
بعد العيد:
يبقى السامريون أُسبوعًا كاملًا بعد عيد الفسح في مخيّمهم على الجبل، وفي اليوم الأخير يحجّون فجرًا إلى قمّة الجبل المقدّس، بعد فرش البُسُط على الأرض، وتلاوة أركان إيمانهم الخمسة وقصّة الخلق بصمت، وبعد ذلك يقرأون بصوت عال وبتناغم سفر التكوين والرُّبع الأوّل من سفر الخروج، لغاية قصّة الفسح والهروب من مصر.
بدأ الكاتب مقالته بنظرة تشاؤمية وأنهاها كذلك بقوله: قد لا نرى مثل هذا الاحتفال ثانية فالسامريون يُحتضَرون [عدد السامريين اليوم ٨١٠ نسمة].