كتابان لفتحي فوراني جديران بالقراءة
حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
فتحي فوراني، بين مدينتين، سيرة ذاتيّة. لا ذكر لدار نشر. تصميم: ”مجد“ للتصميم والفنون، حيفا، ط. ١، ٢٠١٤؛ ط. ٢ مزيدة ومنقحة، ٢٠١٧. ٢٩٧ ص.
فتحي فوراني، حكاية عشق، سيرة أدبيّة. حيفا: دار المتنبي للنشر والتوزيع، ٢٠١٦، ٣٥٨ ص.
بين دفّتي هذين الكتابين ستّمائة وخمس وخمسون صفحة؛ يبدأ القارىء رحلته الماتعة فيهما، ولا يضعهما جانبًا إلّا بعد الوصول إلى تمامهما. هاتان السيرتان، ذاتية وأدبية، فيهما من هذا اللون ومن ذاك اللون الكتابي، إضافة لمواضيع كثيرة هامّة تخصّ صلب نواحٍ عديدة من الحياة العربية في البلاد، ثقافيًا واجتماعيًا، قوميًا وسياسيا، بلاد الآباء والأجداد. السيرة الذاتية هنا تختلف كثيرًا عن السيرة الذاتية التقليدية، هنا لا يشعر القارىء بوجود الكاتب، عبد الله، لفظة الأنا لا وجود لها ولا تفاصيل عن ”ابنة الكلب“ التي كانت السبب في ميلاد السيرة. وينسحب الأمر ذاته بخصوص الكتاب الآخر. أمامنا عمل أدبي ومعرفي رفيع مبنىً ومضمونًا، ولا بدّ للجيل الصاعد بشكل خاصّ أن يقرأ، لا بل أن يدرس ما رصد فيهما حول فترة زمنية ليست ببعيدة، ولكنّها غير معروفة كما ينبغي بالنسبة لقطاع واسع من فلذات أكبادنا في الوطن الغالي.
فتحي فوزي محيي الدين فوراني، أبو نزار، ليس بحاجة لتعريف بالنسبة لأهلنا في البلاد أو لمتابعي أخبارها، ومن يقرأ سيرتيه لن يضيف لنفسه الكثير من المعلومات والتفاصيل الشخصية والعائلية، بل سيعبّ ويعبّ من نبع ثرّ من الأحداث، الأفكار، التجارب، الأشخاص، النظريات، وكلّ ذلك بلغة جميلة، سليمة، سلسة، وبأسلوب جذّاب. تعرفّت شخصيًّا إلى فتحي في أواخر سنوات ستينات القرن الفائت أيّام دراستنا في الجامعة العبرية في القدس، ومنذ ذلك الوقت وحتّى يومنا هذا لم نلتق إلّا مؤخّرًا عبر الهاتف والبريد الإلكتروني المتعثر. مع هذا أشعر بأنّي أعرف الكثير عنه بعد قرائتي للكتابين المذكورين، من مواقف وآراء وفلسفة حياتية ومساهمات إزاء العديد من القضايا المركزية للأقلية القومية العربية في البلاد. وفي تقديري، تتبوّأ مساهمته في تدريس اللغة العربية وآدابها في الكلية الأرثوذكسية في حيفا مدّة الثلاثة عقود ونيّف، أعلى درجات سلّم إنجازات الفوراني الصفدي الأصل. أقول هذا وفي ذهني حالة العربية، لا سيّما الدارجة، أو كما تسمّى العِرْبية، وموجات العبرنة والتعبرن المستمرّة التي تتعرّض لها منذ سبعة عقود. زد إلى ذلك، مؤلفاته الأخرى التي تُعنى بالعربية وآدابها مثل: الأخطاء الشائعة في اللغة العربية؛ امتحانات في قواعد اللغة العربية؛ أقواس، في النصّ الأدبي والثقافي وقواعد اللغة العربية؛ حكايات من تاريخ العرب القصصي؛ مختارات من الشعر القديم؛ مختارات من الشعر الحديث؛ مختارات من القصة القصيرة. في هذا السياق، كنت أطمح للمزيد من الكتابة عن عُصارة تجربة الفوراني الغنية في تدريس العربية، بعبارة موجزة عن فلسفته في هذا المضمار، من قبيل ما ذكره عن ملاحظة الأستاذ حبيب حزّان (١٩٠٦-١٩٩١) له في موضوع الإنشاء ”لا يجوز أن تجمع ”كما وواو العطف“، لأن كلًا منهما تفيد العطف“ (حكاية عشق، ص. ٦٦ في الأسفل)؛ والكلّ يعرف أنّ هذا الخطأ شائع في أيّامنا. هذه الملاحظة تذكّرني بما قاله الأستاذ المرحوم مطانس مطانس لنا في الصفّ الحادي عشر، على ما أذكر، في مدرسة ينّي ينّي الثانوية في كفرياسيف في بداية ستينات القرن العشرين؛ قال: ”الخزانة لا تفتح أبدًا“، أي حركة الخاء هي الكسرة لا الفتحة.
السيرة الذاتية تحتلّ المائتين وستّ وعشرين صفحة الأولى، من صفد إلى الناصرة، ٣٨٧-١٠٩؛ من الناصرة إلى حيفا، ١١٠-٢٢٦. القسم الأخير، إضاءات نقدية ص. ٢٢٧-٢٨٩، هو بمثابة آراء وانطباعات ما كتبه خمسة عشر كاتبًا في صحيفة الإتّحاد أمثال: حاتم عيد خوري، خالد تركي، عبد الخالق أسدي، محمد خليل، محمد هيبي، نبيه القاسم. هذه الكتابات ليست نقدية بالمعنى العلمي الدقيق للفظة.
في حكاية عشق تسعة وأربعون بابًا بمعدل سبع صفحات في كلّ واحد منها مثل: هؤلاء علّموني: حبيب غطّاس، ميشيل حدّد، حبيب حزّان؛ صحيفة ”الاتحاد“ والقارىء الأوّل، رابطة الأدباء والمثقفين العرب، مجلة ”الجديد“، مجله ”الفجر“، ”جان هائم“ في شوارع الكرمل!، ”شهادات أكاديمية“ للبيع، عليكم نراهن .. ونحن متفائلون.
في ما يلي أُسجّل عبارات واستعمالات لغوية بالعربية المعيارية؛ أخرى بالعامية؛ عينة من السجع، عيّنة من الهفوات اللغوية والطباعية/الحاسوبية؛ ”سذ“ تعني سيرة ذاتية، ”حع“ اختصار حكاية عشق. أحيانًا ترد الكلمات العامية بين معقوفتين وأحيانًا بدونهما ولست أدري ما الفائدة من استخدام النقطتين .. في مواضع كثيرة وكذلك علامة التعجّب.
أ) المعيارية: (عن العربية المكتوبة جاء: سذ: قدس أقداس هُويتنا القومية، ١٩٢؛ حع: سيدة اللغات، ٢١، ٦٣، ٣٢٦؛ أجمل اللغات، ٤٧؛ معانقة ربة الجمال .. لغتنا القومية!، ٧٧؛ اللغة العربية الجميلة ..، ٢٤٩، ٣١٦، ٣٥٠، ٣٥٢؛ أذكر أنّ مثل هذه النعوت لا محلّ لها في الأبحاث اللغوية المعاصرة).
١) سذ: يهلّ الجواب ويحاول، ١٣؛ والتملّي من أحاديثهم، ١٣-١٤؛ تُفرَش الموائد الثقافية ..، ١٤؛ في جهات الدنيا الأربع؛ ١٨؛ عصافير تتقافز، ٢٤، ٤٢؛ البيوت الكانت عامرة، ٣٤؛ تحت زخّ الرصاص، ٣٨؛ البرد يقطّ المسمار، ٤٣، ٧١؛ صراخ يقطّع نياط القلب ..، ٥٣؛ تآمر عليه ذوو القُربى وذوو ”البُعدى“!، ٦٥؛ تموز الذي يغلي فيه الماء في الكوز؛ ونكنكن (لم أُصادف هذا الفعل من قبلُ) حول الكانون (الموقدة)، ٧٢؛ الخاء والضاد، خرّاط، أخرط، وملاحظة فوراني عن بعض النحاة والخبراء في الساميات أنّهما تتبادلان الأدوار أحيانا، هي مزحة وقد لا يفهم ذلك كثيرون. ٧٥؛ كريمة المحتد؛ عزّ نظيره..، ٨٤، ١٩٦؛ من القرن الغارب، ٩٧؛ وراحت تغذّ الخُطى، ١٣٦؛ تخرّجوا من معطف الكلية، ٢٠١، ٢١٤، ٢١٥، ٢١٦؛ يمزق نياط القلب .. وينعف الدماء لتغمر خارطة، ٢٠٦؛ في الوصول بوتيرة سلحفاوية! ٢٢٢؛ حسب الأبتثية، ٢٢٧.
٢) حع: تخبىء في عبّها، ١١؛ ينابيع ثقافية ثرّة نهلنا من مياهها الزمزمزية، ١١؛ والخارجة لتوّها من قاع الحرمان، ١٣؛ وعبّوا وعبّوا فما ارتووا، ١٨؛ حرث الكتاب حرثًا وقرأه من ألفه إلى يائه، ٢٨؛ نخلة باسقة قطوفها دانية، ٤٩؛ ولم أرَ في عيوب الناس شيئًا كنقص القادرين على التمام!؟، ٦١؛ فلا تترك الحروف عارية بلا نقاط، ١١٠؛ يعبّ عبد الله من هذا النبع الثقافي الثرّ، ١١٤، ٣٠١؛ تحت زخ الرصاص ..، ١١٦؛ زوّادتي الأبدية في مشوار العمر!، ١١٨؛ تخرجوا من معطف أخي نعمة الصباغ؛ ويعبّ من نبع المعرفة، ١٢٣، ١٢٦؛ أشكال الحروف المختلفة رأسًا ووسطًا وذنبًا، ١٣٨؛ هذا الرجل .. عزّ نظيره، ١٣٩، ٣١٢، ٣٣٨؛ يجمع المجد من طرفيه/أطرافه، ١٥٨، ١٨٥؛ القرن الهارب ، ١٦٠؛ يغذّ الخُطى، ١٦٠؛ جيل مدجج بالعزم والإصرار العنيد، ١٧٨؛ وعندما عزّت كتب التدريس، ١٩٩؛ فقنينة الشمع الأحمر - جابر عثرات الكرام، ٢٠٠؛ ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخُ، ٢٣٢؛ قد فاعت جحافل الجنّ، ٢٤١؛ من كل فجّ وصوب، ٢٤٢؛ عبارة جموحة تفيض كبرياء، ٣١٢؛ نمتطي صهوة القطار الأرضي الحديث، ٣٢١؛ لم يبق لنا ما نراهن عليه إلا العلم، ٣٥٢
ب) العاميّة:
سذ: وتسلبطوا على البشر والشجر والحجر، ٢٠، ٢٦؛ عرقسوس .. أسكيمو وشوكولاتة.. ٢٤، ١٠٧؛ وجع يخلع نيعك، ٢٧؛ ”ويدخنس“ الرجال تاركين الميدان إلى ”حميدان“، ٣٩؛ ”لبد“ في كمين صغير خلف سور يحيط بالبيت .. كنا نسميه ”المُحوّطة“، ٤٠؛ الدفاع عن الغلابى، ٤٦؛ ”راقة راقة“، ٤٨؛ أصابيع البُبُّو يا خيار، ٥٢، ١٠٧؛ وعلى الرأس ”مظلة“ اصطلح على تسميتها ”قبوعًا، ٥٥؛ وأما الثاني فعلقته سُخنة ..، ويأخذ يتلوّى ويلعبط، ٥٩؛ لا للثياب ”المُمزّعة“، ٦٥؛ الدنيا كبّ من عند الربّ ..؛ المزاريب تشقع .. وتملأ البراميل كروشها، ٧١؛ صراخه الصاعد من ”قراقيح“ القلب، ٧٤؛ أفتر شيف؛ تنظيف البايب (الغليون) بنكّاشة صغيرة؛، ٧٨؛ يشلع القلب، ٧٩؛ ينتفض ويتزعفل، ٨٥؛ يوشك أن يطقّ من القهرّ. ١٢٢؛ تصل ”مسطولًا“ من فائض التعب والإرهاق، ١٣٤؛ التي تنغل في هذه الغابة! ١٣٦؛ ”صافي يا لبن“، ١٤٤، ١٥٩ ؛ إخوات الشليتة!، ١٨٠؛ وينعف الدماء لتغمر خارطة، ٢٠٦.
٢) حع: الله يصبحكو ويربحكو، ١٨؛ الفتية على المكتبة .. ويقحفونها، ٤٧؛ صف العسكر طوط طوط؛ نصف كيلو قوقوز أبيض، ٢١؛ فيشلع العم يونان أذنه؛ “ولدناتهم”، ٥٠؛ فيغشغش الطلاب ضحكًا، ٥٢؛ من قراقيح القلب، ٥٣؛ وكيف ”نبحبش“ ..، ٧٣؛ ويا ديغول إطلع برّه .. الجزائر صارت حرّة، ٨٨؛ ويشلع أذنها، ٩٤، ٢٥٤؛ وجار الصالون .. ينغل نغلًا!، ١٠٠؛ ويطبّش الفخار الوطني بعضه بعضًا ..، ١٠٤؛ التي دحدلت ”أنكشارية“ الجنرال ومسحت فيهم الأرض، ١١١؛ وصافي يا لبن!، ١١٤، فلفّ بن غوريون ذيله و”سكسك“ .. وانسحب من سيناء!، ١٤٧؛ الذي خلص كازه ويحنّ للرجوع إلى صباه ..؛ وهل ستنجح الماشطة في ترميم الشعر العكش!؟، ١٥٠؛ ”الخرابيش“ المتشابكة، ١٦٠، ٢٣٤، ٢٦٦؛ من ”قاع الدست“ ، ٢٤٣؛ وطيّر ضبان عقله ..، ٢٤٤؛ ببلاش .. فهل رجعت بشيء غير العمى والطراش!؟، ٢٧٠؛ وحافته الصفنة، ٢٧١؛ قد “دشعوا” إلى المكتبات الكبرى والصغرى والأكشاك وقحفوا ما في المكتبات قحفًا ..، ٢٧٣؛ وطبّوه بدنًا ساخنًا وسطلوه سطلًا مبينًا، ٣٠٤.
ت) سجع:
١) سذ: فكدت أروح في داهية .. غير أنني قمت في عافية، ١٣؛ وتسلبطوا على البشر والشجر والحجر، ٢٠، ٢٦؛ ليس له قلب ولا ربّ، ٧٣؛ وتكاد روحه تنشلع وتنخلع وتنقلع من جسده، ٧٤؛ منفية منسية، ٨٦؛ ورحنا نعبّ نعبّ ولا نتعب، ٩٩؛ خط أنيق ورشيق، ١٠٢؛ وتنهض الأحساد والأحقاد والأوغاد من جحورها وأوكارها، ١٣٨؛ وتتجند جميع الخفافيش والبرابيش والعناكب والعراقب و”الأقارب“ والثعالب والذئاب والكلاب، ١٣٨؛ فارعًا دارعًا، ٢١٩.
٢) حع: عزّ فيه القريب والنسيب والحبيب، ٣٠؛ والتنقيح والتصليح والتصحيح .. والتشطيب والتبويب والترتيب؛ سقطاتنا وهفواتنا وهناتنا، ٣٥؛ أن نبتكر ونخترع ونبدع؛ ويكثر الغمز واللمز، ٤١؛ وتكون المطاردات والمدافشات والمجاحشات والملاكمات والمسبّات، ٤٣؛ فنعبّ نعبّ .. من كوثرها العذب .. ولا نتعب!، ٧٦؛ الغُربى … القُربى، ١٢٠؛ جنيّة شهية ..، ١٧٤، فمهرجانات الهزّ واللّز والمزّ والدزّ على أشدّها!، ١٨٣، سبب الفزع والهلع والمياط والهرج والمرج ..، ٢٤٢؛ القول الصريح .. في فن التطنيش والتكليح، ٢٦١؛ وكان أديبًا حبيبًا لبيبًا أريبًا، ٢٦١؛ استعدادًا لليوم الموعود .. وتحقيقًا للهدف المنشود، ٢٦٢؛ وبعد تجشّم مشاقّ السفر.. وركوب الخطر..، ٢٦٤؛ وكان ممتعًا ومثيرًا وأثيرًا، ٢٦٦؛ شهادات وبكالوريسات وماسترات ودالات وبروفات ..، ٢٧٥؛ شوقًا شبقًا يضوع عبقًا، ٣١٠؛ أجيال صاعدة واعدة، ٣٥٢؛ بـ”شلعة أذن“ نقدية أبويّة، ٣١٨.
ث) هفوات لغوية وقعت سهوًا:
سذ: وهناك يكون الهول الذي يَقِفُّ له شعر الرأس..، ٥٨؛ من أقاصي القطب شمالي، ٧٣؛ بإصبعين فولاذيين، ٧٤؛ هداة البال، ٧٩؛ يوشك أن يطقّ من القهرّ. ١٢٢؛ في هذا البيت الصغير ذو القلب الكبير، ١٧؛ ومن ثمَّ عمل بائع كتب متجوِّل، ١٤٧؛ غير أن أننا نرى، ١٥٥؛ العديد من الأصدقاء والكتاب والشعراء والمثقفون .. الذين، ١٥٩؛ بمستقبل أفضل للشعب الباقي وطن آبائه وأجداده، ١٨٩؛ يمحض إرادتنا ..، ٢١٩؛ واتختزال، ٢٩٢.
٢) حع: وابداوا من النقطة، ٣٣؛ حنّا إبزاهيم، ٥٧؛ بالجماهير الغقيرة ..، ٨٧؛ ومنارات المعرفة..، ٩١؛ وتمتلى جيب عبد الله، ٢٠١؛ ومعهم فقهاء الظلام أن أنه بات، ٢٥٣؛ إحدى القرى البعربية، ٢٥٦؛ جّرب، ٢٦٤؛ فضائح يقفّ لها شعر الرأس ..، ٢٧٦؛ سألوا أبا تمام: أيُّ قصائدك أحب إليك؟ فأجاب: كلّهم أولادي، ٣١٦؛ فإننا الواجب يقضي أن نتوقف لحظة..، ٣٣٩.