النافع والمضلل في جسور اللغة،
القواميس العربية-الفنلندية
وقاعدة ”شيء خير من لا شيء“
عرض ومراجعة أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
شهِد العَقْد الأوّل من القرن الواحد والعشرين نشاطًا معجميًا ملحوظًا بين اللغتين الفنلندية والعربية، ومن الصعوبة بمكان تعليل هذه الظاهرة اللافتة للنظر هنا في بلاد الشمال، إذ لا عدد ناطقي العربية القاطنين في فنلندا والمقدّر ببضعة آلاف قد تزايد بشكل بارز ولا عدد طلاب العربية من الفنلنديين في الجامعة الوحيدة التي تدرّس ”عن“ العربية والدراسات الإسلامية قد تزايد في الفترة المذكورة بأي شكل كان. أضف إلى ذلك أنّ حجم وطبيعة العلاقات التجارية والثقافية بين العالم العربي وفنلندا لم يطرأ عليه تغيير جذري. وبالرغم من هذا الواقع، نقول إنّ صدور مؤلفات في المعجمية الثنائية المذكورة يضلّ بادرة خير من الناحية البحثية اللغوية البحتة، فاللغة بمثابة مرآة للمجتمع وثقافته. مثل هذه المعاجم ضرورية ومرحّب بها في كل وقت لا سيما إذا كانت مرتكزة على أسس الصناعة المعجمية الحديثة نظريًا وتطبيقيًا ولا نصيبَ للهواة في هذا المضمار.
من المعروف أنّ هذه البادرة جاءت متأخرة وغير ناضجة، إذا ما علمنا أنّ بداياتٍ متواضعةً لتدريس العربية في فنلندا في جامعة توركو، تعود إلى ثلاثة قرون تقريبًا وأنجبت البلاد مستشرقين وباحثين مرموقين أمثال بيتر فورسكال (1732-1763) وجورج آوغست ولين (1811-1852) وإدوارد وسترمارك (1862ـ1939) والباحثة الانثروبولوجية هيلما (حليمة) غرانغفيست (1890-1972) وآبلي ساريسالو (1896-1986) واللغوي الفذّ يوسّي تنلي أرو (1928-1983) وإلى المعاصرين الأستاذين إركي سالونن وهيكي پالفا.
لا ريب أن الدكتور المهندس الفلسطيني، تيسير سليم خليل، الذي عاش في روسيا وفي فنلندا سنواتٍ عديدةً كان له قَصَب السَّبْق في إعداد معجم فنلندي - عربي يضمّ خمسة وثلاثين ألف كلمة موزّعة على 441 ص. وصدر هذا القاموس عام 2004 في عمّان (لا ذكر لسنة الطباعة، ISBN 952-91-4340-0). ويذكر أنّ اهتمام السيد خليل بإعداد مثل هذا المعجم قد بدأ قبل ذلك، ففي العام 1992 صدر له بعمّان أيضا قاموس فنلندي-عربي أصغر، 234 ص. من الحجم الصغير وفيه اثنا عشر ألف لفظة. يقينًا كان السيد خليل جريئًا في مشروعه هذا وديدنه ”شيء خير من لا شيء“ ولا بدّ من بداية مهما كانت متواضعة، وكانت بدايته تلك عبر اللغة الروسية التي يجيدها، فنلندي روسي عربي.
وفي العام 2006 صدر في فنلندا قاموس فنلندي عربي جديد أعده السيد لقمان عباس الذي يعمل ترجمانًا ويعيش في فنلندا منذ أكثر من خمسة عشر عاما وبين دفتيه 344 ص. وثلاثون ألف كلمة. تلاه في بدايات عام 2007 المعجم العربي الفنلندي الرابع وهو الأكبر حجمًا والأطول مخاضًا من حيث الإعداد، ما يقارب العقد من السنين، تأليف السيد السفير المصري الأسبق في هلسنكي، محمود مهدي عبد الله (نعت في بعض المقالات بالفنلندية بـ” الدبلوماسي الذي وقع في حبّ اللغة الفنلندية”)، 1316 ص. مشتملة على ستة وأربعين ألف كلمة. أشرف على هذا القاموس الذي روّج له إثر صدوره كثيرًا في فنلندا وفي جمهورية مصر العربية، أستاذ اللغة العربية بجامعة هلسنكي السيد هيكّي پالڤا وساهم في إنجاز المراحل الأخيرة من القاموس ثلاثة أشخاص، فنلنديان ومصري. وكان كاتب هذه السطور قد نشر عرضًا مفصلًا لهذا القاموس في العديد من الصحف العربية الإلكترونية وملخصًا بالفنلندية وللراغب في قراءة ذلك البحث في محرّك غوغل عن: قاموس فنلندي عربي حسيب شحادة وينسحب الأمر ذاته بخصوص مراجعتي لقاموس السيد عباس.
وفي بداية العام 2008 صدر قاموسان ثنائيا اللغة: قاموس عربي-فنلندي للسيدة مارية الهلالي، طالبة مغربية الأصل وتعيش في فنلندا، 952 ص. ويضمّ أكثر من ثلاثين ألف كلمة، وقاموس فنلندي -عربي-فنلندي للسيد إلياس حرب، لبناني الأصل ويعمل منذ سنوات كثيرة ترجمانًا في فنلندا وفي قاموسه هذا زهاء خمسة وثلاثين ألف لفظة معروضة في ألف صفحة تقريبا.
ارتأيت كعادتي أن أقدّم عرضًا نقديًا لمثل هذه المعاجم، وهنا يأتي دور هذا القاموس الأوّل من نوعه: عربي-فنلندي. ثمة أمور ومواصفات معيّنة كثيرة وهامّة ينبغي البتّ فيها جيدًا قبل الشروع في إعداد أيّ معجم ثنائي اللغة. يُذكر أنه حتى ستينات القرن العشرين، اتّسمت صناعة المعاجم بالطابع التجريبي المبني على خبرة واضعي القواميس في الماضي، إلا أنّ الوضع الآن جد مختلف نتيجة التطور الملحوظ في علم اللسانيات المعاصر، لا سيّما في علم المفردات. (أنظر مثلا: على القاسمي، علم اللغة وصناعة المعجم. بيروت 2004، ومسائل في المعجم لإبراهيم بن مراد والمعجم العربي: بحوث في المادة والمنهج والتطبيق لرياض زكي وصناعة المعجم الحديث لأحمد مختار عمر). انطلاقا من ذلك نقول: إعداد معجم ثنائي اللغة يتطلّب أكثر بكثير من معرفة اللغتين معرفة لا جدال فيها؛ مصادر الإعداد ومنهاجه؛ قواميس سابقة، وفي هذا المجال لا أحد من معدّي المعاجم الثنائية الفنلندية العربية يذكر سابقه، وكأنّ الجميع يبدأ من الصفر ولا وجود لمحاولات ترجمية تراكمية ذات شأن؛ قراءات نصوص تخصصية؛ حوسبة المعجم؛ طبيعة المادة المنتقاة؛ منهاج الجمع والتبويب؛ حدود القاموس؛ كيفية عرض المفردات وتبويب المعاني وفق أسس لغوية معيّنة؛ لمن معدّ هذا القاموس؟ مستويات اللغة وعصورها؛ طبيعة تبيان القواعد ومدى ذلك؛ الاختصارات المستخدمة؛ النقحرة والتأثيل؛ الأمثلة ووسائل إيضاح أخرى.
يمكن القول إنّ إعداد مثل هذه المعاجم اللغوية يُشبه إلى حدّ ما عملية الترجمة من لغة إلى أخرى من حيث توفّرُ ثلاثة شروط أساسية في المترجم الناجح، كما هو معروف منذ العصر العباسي على الأقل. إجادة لغة الأصل ولغة الترجمة ومعرفة كنه الموضوع المنقول. نضيف إلى هذه المقولة أنّ التأكيد يجب أن ينصّب بالأساس على اللغة المنقول إليها، إذ لا نكشف سترًا إذا قلنا أنّ هناك مترجمين كُثر يترجمون إلى لغات أمهاتهم كتبًا كثيرة من لغات لا يتكلّمونها البتّة. بعبارة مقتضبة مفسّرة، إذا ترجم أستاذ فنلندي القرآن الكريمَ إلى الفنلندية، فهذا لا يعني بالضرورة أنّه متمكّن من العربية من الناحية التطبيقية، قراءة وحديثا وكتابة. في الترجمة هناك سياق يساعد على إيجاد المقابل الملائم في اللغة المنقول إليها، والاتّكاء على ترجمات سابقة وبلغات أوروبية معروفة، أمّا في القاموس، فعلى جامعه أن يأتي بجميع المعاني الممكنة وَفق السياقات الممكنة. أضف إلى ذلك البون الشاسع ما بين اللغتين والثقافتين العربية والفنلندية من جهة، وشُحّ المصادر والمؤلّفات المترجمة من الواحدة للأخرى مباشرة. هناك مثلا الكتاب العالمي ”سنوحي المصري“ لميكا ڤالتري (١٩٠٨-١٩٧٩) بالعربية إلا أنّ الترجمة اعتمدت الترجمة الإنجليزية وهي بحاجة إلى تقييم علمي.
كل هذه الضرورات تقريبًا لم تلق اهتمامًا يُذكر في القواميس الثنائية الفنلندية العربية التي صدرت حتى يومنا هذا. في مقدّمتها القصيرة بالفنلندية والعربية، لا تقول السيدة الهلالي الكثير عن خصائص قاموسها ومنهجية إعداده، اللهمّ إلا بعض التعميمات التي لا يعوّل عليها كثيرًا مثل: جاء القاموس لتلبية حاجة الوافد العربي والطالب الفنلندي للغة العربية والتأصيل لأعمال مستقبلية حول المشترك بين الثقافتين العربية والفنلندية؛ والقاموس في تقدير المعدّة مساهمة لبناء جسر بين اللغتين والثقافتين العربية والفنلندية. هاتان الغايتان لصالح العربي الوافد من جهة ولطالب العربية الفنلندي من ناحية أخرى لا تسيران جنبًا إلى جنب، ولذلك تستوجبان إعدادًا دقيقًا وشاملا قبل التطبيق. على سبيل المثال، لا وجود لأيّة معلومات عن الفنلندية لا في المقدّمة ولا في الملحقات ولا في المتن، ذكر تفاصيل صرفية مثلا. لا ذكر بالمرّة للمصدر أو المصادر المعجمية العربية التي اعتمدتها المعِدّة. قد يكون: الرائد، معجم لغوي عصري رُتبت مفرداته وَفقا لحروفها الأولى، تأليف جبران مسعود، بيروت ط. سابعة 1992 واحدًا منها.
وهناك إثبات لقائمة بالاختصارات المستخدمة في المعجم وعددها تسعة وأربعون، وهي معروضة وَفق الأبجدية الفنلندية مرّة ووَفق العربية كرّة أخرى وذكر ”القرآن“، أساس العربية، غائب في حين وجود تنويه بالعهدين القديم والجديد. ومثل هذه الاختصارات هنا بأغلبها الكاسح، على الأقلّ، لا طائل تحتها، فما الداعي والمنفعة من ذكر المختصر “جغ” أي جغرافيا إثر ذكر اسم بلد مثل ”فلسطين“. ويلاحظ المتفحِّص وجود بعض الاختصارات المستعملة مثل ”مص“ أي مصدر و”ج“ أي جمع و”ريَا“ أي “رياضة” و”محك“ أي محكية، المقصود كلمة دخيلة أجنبية و ” ميت“ و”فل“ و “صف” (؟) إلا أنّها لم تثبت في القائمة المذكورة. ومن ناحية أخرى، يعثر المتصفِّح على اختصارات في متن المعجم مغايرة لما ورد في قائمتيه المثبتين في صدره مثل ”تا“ بدلا من ” تار“ أي ”تاريخ“ و”مسي“ بدلا من ”مس“ أي مسيحي و”عسك“ بدلا من ”عس“ أي عسكري، ويلاحظ عدم إبقاء فراغ كاف بعد الفاصلة. وحبّذا لو أكثرت السيدة الهلالي من استعمال إشارة الضد أو العكس# واكتفت بإيراد صيغة الماضي فقط من الأبنية فعّل وحتى استفعل أي ، II ـ X إذ أنّ صيغة المضارع ثابتة؛ وفي بعض الحالات أدخلت المعدّة المغربية عيناتٍ من الاستعمال العربي في بلادها الأصلية مثل مِنجرة بمعنى مبراة ونوّار أي شهر أيار والوزير الأول أي رئيس الوزراء، بطاقة التعريف أي بطاقة الهوية وإشهار أي دعاية وغشت أي آب؛ وأحيانا تسلّلت بعض الألفاظ العامية مثل ”بوّس“ أي ”قبّل“ ”وطاب“ المريض أي ”شُفي“ و”حفّض“ الطفل. ومما يجدُر ذكره إدخال بعض الكلمات والتعابير الحديثة مثل: غرامة تهديدية؛ كلب ذئبي؛ غليظ الذهن؛ فرْنج يفرنج، ومكْنن يمكنن؛ وفِلاكة؛ وقَنبل يُقنبل؛ ومنضح منضحة.
وما لفت نظري أيضًا إيراد الرأي القائل بأنّ من لا يعمل هو وحده المعصوم عن الخطأ، وبدوري أضيف أن مثل هذا القول لا حاجة له في عمل أكاديمي عصري حيث سُبل تفادي الأخطاء والهَنات على أنواعها وأجناسها كثيرة جدًّا بفضل التقدّم التقني الذي ننعم به. بعبارة مغايرة، شيء أحسن من لا شيء في الصناعة المعجمية أو الأبحاث العلمية الراهنة، يتوقّف على جودة هذا الشيء، ففي اعتقادنا شيء سيّء ومضلِّل ليس أفضلَ من لا شيء لأن استئصال الأخطاء الراسخة دونه خرْط القَتاد وفي هذه الحالة من الأفضل البداية من الصفر غلى قاعدة مدروسة راسخة.
والقاموس قيد المراجعة جاء وَفق حروف أوائل الكلمات (لا ذكر للأصوات الأجنبية پ وڤ وچ بثلاث نقط وكذلك لحرف ”لا“، رقم 29) وليس كما هو معتاد حسب جذور الألفاظ، إلا أنّ هذا النهج لم يراع بحذافيره في الترتيب الداخلي (أنظر مثلا ص. 150, 154). يُعتبر المعلم بطرس البستاني (1819-1883) العلم البارز من أعلام النهضة العربية الحديثة، أوّل من ألّف قاموسًا عربيًا مبوَّبًا وَفق الأحرف الأبجدية، وذلك لمساعدة الموظّفين في الوزارات المختلفة الذين لا يتوقون لمعرفة صرف العربية ونحوها. من نافلة القول أنّ لمثل هذا الترتيب الأبجدي وجه إيجابي وهو سهولة إيجاد الكلمات دون التفكيك والرجوع إلى أصولها، إلا أنّ السؤال الوجيه هل هذا الترتيب مفيد وناجع وملائم لطالب اللغة العربية في الجامعة؟ الجواب بالنفي طبعًا، إذ على هذا الطالب تعلّم صرف العربية وَفق فلسفة الجذور الثلاثية (ثم الرباعية والخماسية) وأوزان الفعل، الخمسة عشر وما يدرّس في الغرب عادة العشرة الأولى باستثناء التاسع، إفْعلَّ. ونضيف إنّ فلسفة السنخ في المدرستين اللغويتين العربيتين الأساسيتين، البصرة والكوفة منطلقة من الفعل الثلاثي أو المصدر. ويتساءل المرء ما المقصود بالضبط من ”دراج أكثر الكلمات استعمالا...“؟ ما مِعيار شيوع الاستعمال لدى السيدة الهلالي؟ هلِ استندت إلى أبحاث إحصائية حول نسبة شيوع مفردات معيّنة في أنماط لغوية معيّنة قديمة أو راهنة وما هي؟
وقعت في هذه المقدّمة القصيرة بعض الهفوات والأخطاء في النقحرة والنحو ولا نذكر هنا الأسلوب مثل ”..لأن بعض الأفعال تحمل معانٍ مختلفة حسب حركة عين الفعل المضارع“، وينظر في الصفحات: 909, 931. وفي نهاية القاموس ملحقات تشمُل مواد مختلفة الطول والقِصر تحت عناوين مثل: جمل مفيدة، كالتحايا وطلب المساعدة وإشارات وإرشادات وأسئلة عامّة وفي مكتب العمل وعند الطبيب وعند طبيب النساء وأيّام الأسبوع وكم الساعة والأرقام والتقويمات ومجموعة من الأمثال الفصيحة في العربية وما يقابلها أو تفسيرها بالفنلندية (بناءً على أي مصدر؟) تعدادها قرابة المائتين مبوّبة وَفق الحقل الدلالي دون الإشارة إليه ووفق الترتيب الأبجدي لأوّل حرف في المثل أو القول السائر ومن هذه الأمثال: الأذواق والألوان لا تناقش؛ والسؤال أهذا مثل عربي أصيل أم دخيل من الفرنسية؛ الكلام الجارح لا يدمي!؛ اصطاد في ماء عكر، وينسب هذا القول السائر لمصر مع أنه عام في اللغة المكتوبة وهو عادة ”الاصطياد في المياه العكرة“؛ جزار ويتعشى باللفت (مغربي)؛ تُعرف الشجرة من ثمارها، أليس هذا مثل إنجليزي ومقابله العربي قد يكون: تخبر عن مجهوله مرآتُه والأمر ذاته ينسحب على: أما ترى الماء بتكراره في الصخرة الصماء قد أثر؟ ذهب السمهى، أهذا مثل شائع سيصادفه الدارس الفنلندي للعربية؟ الفأر المستعجل يقع في فم القط؛ في ص. 922 ما الصلة بين الصحّة والنقش على الحجر؟ وبعد إيراد الأمثال هناك لمحة عن بعض مبادىء اللغة العربية بالفنلندية تليها قائمة بالعربية والمقابل الفنلندي لقرابة مائة وخمسين اسم دولة واسم عاصمة كل منها والنسبة لهذه الدولة، وهنا أيضا ألا تكفي قائمة تضم بعض الأقطار العربية والأجنبية؟ في مثل تفاقم مثل هذه المواد يغدو القاموس لا قاموس ولا موسوعة بالتعريف السليم. ثمّ يحُِقُ لسائل أن يسأل ما الفائدة من إيراد صيغة النسبة النظرية لبعض البلدان مثل ”أروغوايي“ فهي، كما يعلم كل ناطق بالضاد، غير مستساغة وغير مستعملة (لم يأت غوغل إلا بنتيجتين، أنظر “طوغو” وحسنا صنعت المعدّة بإبقاء خانة النسبة فارغة)؛ ”قمُري“ أمستعملة أو جزر قُمري أو ببساطة شخص من جزر القُمر؟
وَفق هذا الترتيب الأبجدي لأوائل الكلمات يحتلّ حرف الألف المرتبة الأولى من حيث العددُ، أكثر من مائة وخمسين صفحة، ومثل هذا المنهاج قد يفيد سائحًا أو عاملا لمدّة محدودة لتحقيق بعض التفاهم وتسيير بعض الأمور البسيطة والملحّة، إلا أن الطالب الجامعي والوافد العربي المثقّف بحاجة إلى معجم يستند إلى أصول الصرف والنحو العربيين. نهج ألفبائي خارجي كهذا يضع ” سائل“ من ”سأل“ و”سائل“ من ”سيل“ مع بعض وكأنّهما واحد وشتّان ما بينهما.
هناك عدّة مآخذ أساسية على هذا المعجم، ولا بد من التنويه بها بالعناوين التالية: أخطاء لغوية طباعية وسهو قليلة مثلا ص. 187, 291, 682, 702, 682, 782، 844, 909 وإملائية مثلا ص. 891 وكذلك بالإملاء الفنلندي، مثلا ص. 917, ( في اللغة الأصل، العربية؛ نقحرة) مثلا: 541, 931, 936, 947, 948, 949؛ عدم دقّة ومحدودية في تعداد معاني اللفظة العربية؛ لا منهجية ثابتة في ذكر المفرد والجمع والجنس في الشقّ العربي وقلِ الشيء ذاته بخصوص الجمع بالفنلندية وطريقة تصريف الأفعال والأسماء؛ مشكلة طبيعة وحجم ما أُدرج من كلمات وما أُهمل لم تحظ بعناية كافية؛ هناك العشرات من الألفاظ الغريبة، في تقديرنا، والتي وجدت طريقها إلى المعجم وأخرى شائعة في نظرنا وأهملت؛ نحن نتكلم هنا عن اللغة العربية المكتوبة ولا مجال لإدخال أيّة عامية من مئات العاميات العربية؛ تكرار (ينظر مثلا في: 10, 22, 23, 31, 33, 38, 61, 65, 165, 191, 325, 326, 478, 542, 650).
والآن إلى بعض العيّنات من الأمثلة: وقعت أخطاء كثيرة جدًّا في النحو، التشكيل لا سيّما في تنوين الممنوع من الصرف (diptote) وفي الصرف ولن أذكر التصحيح إلا أحيانا واكتفي بالإشارة إلى مواطن الخطأ: أخمُصُ؛ أداءُ خِدْمةً؛ بِمَحْضِ إرادَتَهُ؛ أُرْز؛ أرمِني؛ أزاحَ الثلج من الطريق؛ أمراض معديّة؛ انخفضَ السعرِ؛ انخلع كتفه؛ بشكلٍ أفضلٍ؛ برمَ عَقْداً؛ براهينٌ؛ بِنْصَر؛ توابيتٌ؛ بُخُور؛ مِسيحِ؛ تحاسيرٌ؛ حامل بمعنى حبلى وليس حاملة؛ تراويحٌ؛ طوابعٍ؛ مواعيدٍ؛ حار يحير (ص. 327)؛ قِرار؛ تَرَسانة وليس تِرْسانة؛ مفاتيحٍ؛ حذاء بكعب عالي؛ إيابٌ لا إيّاب (ص. 431 وفي ص. 151 صحيح)؛ جمع ”مأوى“ مآوٍ وليس مَآوى (ص. 752)؛ معهد عالي (ص. 808)؛ المرأةٌ (ص. 816)؛ حتى يرجعُ الدرّ في الضرع؛ سخا يسخُ؛ شَعرية؛ سورة الصافاتٌ؛ ضاق ذِرْعا والصحيح ذَرعا؛ طباشيرٌ؛ طماطمٌ؛ عبايات؛ عناوينٌ؛ تخذير موضعي؛ وزراءٌ؛ هدير بدلا من هديل الحمام وهديل مذكورة بعيد ذلك ص. 874؛ وَهَبَ يَهِبُ؛ وَهّم يُوهِمُ؛ ياسمينٌ؛ رَبِحُ اليانصيب؛ سارق سرّاق؛ شهادة شواهد (ص. 549).
وهناك مأخذ رئيسي آخر متعلّق بالدقّة والشمولية والترتيب في انتقاء المقابلات الفنلندية للألفاظ والعبارات العربية، مثلا عبارة ”ثوم معمّر“ المستعمل في قاموسي محمود مهدي عبد الله وماريا الهلالي؛ في قاموس تيسير خليل: بصل أخضر( لا وجود لها في المعاجم العربية العادية وهي غير شائعة وقد يفهم العربي العادي أن ذلك نوع من الثوم يعيش طويلا ولا حاجة لزرعه كل عام كالثوم العادي الخ. في الواقع كل من عاش في فنلندا وزرع حبوب هذه النبتة الصغيرة المتكاثفة في حديقة بيته وأكل منها يعرف أن المقصود هو بصل أخضر ذو أوراق نحيفة وخضراء يستعملها الفنلنديون إما للزينة على وجه الساندويتشات المالحة وإما في إعداد الصلصلة فالعادة لديهم عدم تناول أوراق البصل الخضراء. وتُدعى هذه النبتة بالفنلندية ruohosipuli والمعنى الحرفي ”بصل الحشيش“ ربّما لدقّة الأوراق كالحشيش. وإليك قائمة مختارة تندرج تحت عنوان المأخذ المذكور: الأجوف واوي أو يائي ولا وجود لألفي فالألف منقلبة إمّا عن واو أو ياء؛ الأريز هو الصقيع وليس البرْد؛ جمع أفعى أفاعٍ لا أفاعي؛ جمع بطاقة الشائع هو بطاقات وليس بطائق؛ أتمّ دراسته شيء و jatkaa opintojaan ، تابع، استمر في الخ أمر ثانٍ؛ هل البهار أكلٌ؟ لماذا ”إبراهيم“ ”دين“ بين قوسين؟ لا يكفي القول إن “حالك” معناه “شديد السواد”؛ إِصْبع لا أُصبع؛ صفار البيضة لا أصفر البيضة؛ أصمُّ لا أصمٌّ؛ جادة ليست بالضبط “طريقا” tie؛ القول إن معنى ”أيّان“ ”متى“ million، يجانب الصواب والاستعمال فأيّان اسم شرط زماني يجزم فعلين واسم استفهام أيضا؛ ”تاقة“ غير شائعة أوّلا وليست libido أي ”شهوة جنسية“ ثانيا؛ المقابل العربي لـ palovakuutus هو مثلا: تأمين من خطر الحريق أو تأمين ضد الحريق/الحرائق وليس ”تأمين الحريق“ وهي ترجمة حرفية للفظة الفنلندية! وقلِ الأمر ذاته بصدد ”التأمين الصحي“ وليس ”تأمين المرض“ ؛ اعوجاج العظام ليس بالضبط riisitauti، كُساح قد يكون أقرب للصواب ؛ تبغدد لا يعني السكن في بغداد فقط بل انتسب إليها وتشبّه بأهلها وتكبّر؛ ”تجلّد“ ليس من ”الجَلَد“ أي الصبر فقط بل ومن ”الجليد“؛ هناك فرق واضح بين ”تحت أمرك“ و kaskysta ؛ تَخْت ج. تُخوت ليس فرشة patja؛ ترجمة ج. تراجم غير ترجمات؛ ”الترخيم“ ليس فقط حذف مثل ”يا صاحِ“ بدلا من صاحب؛ التزلج على الجليد أفضل من التزحلق؛ الثرثار و puhelias مختلفان فالأوّل فيه مَسحة جلية من السلبية أما الثاني فحيادي؛ ثمَّ يعني هناك وليس عندها sillion؛ جمع ثمرة ثمرات وثِمار هو جمع الجمع ولا ذكر لهذا الجمع البتّة في المعجم كلّه؛ ثوب أثواب ليس قُماش kangas ؛ في العربية يُقال: شاهد عِيان وليس شاهد عين/عيون (قارن ص. 641, 642)؛ الغاب والغابة ليسا مترادفين؛ الغثيان ليس pahoinvointi أي توّعك؛ الغداء ليس وجبة الظهر فحسب بل والفطور أيضا؛ الفصاحة لا تقتصر على الحديث؛ القفا ليس العنق بل مؤخرته، الكُفتة ليست اللحم المفروم jauheliha بهذه السذاجة بل طبق عربي معروف من كرات أو أصابع اللحم الهبر المفروم مع البصل والبقدونس مقلية قليلا، شرائح من البطاطا المقلية قليلا ووضع كل هذا في صينية بالفرن للإنضاج؛ مفهوم ”الكوخ“ لا يُعطي أي تصوّر حقيقي لـ mökki أي البيت الصيفي الواقع عادة في الريف وبالقرب من البحيرة واليوم فيه عادة الكثير من وسائل الراحة المنزلية؛ اللبن ليس حليبا في كلّ الشرق الأدنى؛ النَحْويّ ليس باحث النحو بقدر مؤلِّف فيه؛ النديم ليس كل صديق ورفيق عادة بل المنادم على الشراب؛ نشرة أخبار ليست من التلفاز فقط؛ نشر (دين) ليس ”القيامة“ ylösnousemus؛ النشيد ليس مقتصرًا على النشيد الوطني hymni؛ النضيدة ليست في الغالب فرشة بل وسادة واللفظة غير شائعة في نظرنا؛ النُعاس غير النوم؛ لا يقال ”نقصت الأسعار“ بل هبطت؛ ليس جمع ”أحمر“ حُمرا دائما بل حمراء أيضا؛ أحقّاً ”أحسنت“ تُعطي نفس معنى hieno homma ؟؛ نهارك سعيد لا تعني بالضبط ”مرحبا“؛ نوّن لا تعني وضع حركة طويلة في نهاية الكلمة؛ نوّه معناه أيضا أشار، ذَكر؛ الهدنة لا يمكن شرحها بـ”سلام معقود“ إذ أنّها وقف حرب لأجل مسمّى؛ هل ”الاشتياق“ هو دائما ”مشتعل“، palava kaipaus؛ أعمى القلب لا يعني بالضرورة من لا يتعلّم oppimaton؛ إغريقي هو يوناني قديم؛ أهل البادية ليسوا أهل الريف maalaiset؛ علم البديع ليس القدرة على التكلّم؛ البشير ليس نبي الإسلام فقط؛ أجامَع ووقع في حب و rakastella واحد؟؛ جُبنة بيضاء و rahka مختلفتان ولعلّ أقرب لفظة عربية ”خثارة اللبن“؛ جُبن ذائب، لا أدري ما هذا بالضبط بدون الأصل الفنلندي sulatejuusto! وأقرب مقابل عربي قد يكون ”لبنة“؛ لماذا “”حيزبون“ شتيمة؟؛ ”سائر“ ليس دائما بمعنى ”الكل“؛ خراء و ulosteet مترادفتان ولكن بمستويين مختلفين؛ العربي المسيحي لا يُخطىء في التمييز بين ”الخوري“ و”القسّيس“؛ المنخل يختلف عن الغربال وهو عدّة أنواع كالضابوط والفاروط؛ يقال ميلادي ويكتب الحرف م بعد ذكر السنة ولا يقال أو يكتب ”بعد الميلاد“؛ وظيفة لا تعني فقط ما ذُكر؛ تفسير الاستعمار غير دقيق؛ الإعراب ليس تصريفا؛ ناصري ليس نسبة للناصرة فقط بل ولعبد الناصر أيضا؛ الشخص السائل هو الذي يطرح سؤالا وهو المستعطي أو المستجدي أيضا؛ علم الصرف لا يقتصر على تصريف الأفعال؛ لحم أبيض هو لحم الخنزير أيضا؛ ألا يُقال عادة في العربية الأدبية المعاصرة: زميل في الدراسة وليس أخ في الدراسة، حالة الطقس بدلا من أخبار الطقس، جعله أخضر بدلا من أخضر، أعفي فلانا من المسؤولية بدلا من أخلى ...؛ استدان منه شيئا وليس أدان منه شيئا؛ أذاب ليس نقع liuotta؛ المقابِلات الفنلندية للعبارة ”أغرب عن وجهي“ ليست بنفس المستوى الاجتماعي: haivy, ala vetaa, painu hiiteen؛ وليحاول القارىء إيجاد هذه العبارة في المعجم؛ توت الأرض أم توت أرضي وفراولة؟؛ أجام يجوم يعني يبحث عن etsia ؟ أمن فرق بين ”صحيفة” و”جريدة”؟ كلام جزل هو كلام فصيح متين لا كلام جميل؛ الجزمة تركية الأصل: çizme لا تعني ببساطة ”الحذاء“ بل كما يعلم الجميع نوعا مطاطيا خاصا ذا ساق طويلة؛ يقال ”أحمر الشفاه“ لا ”حمرة الشفاه“؛ ألا نقول بالعربية ”النشّال“ بدلا من ”سارق الجيوب“ وهذا نقل شبه حرفي من الفنلندية taskuvaras.
مأخذ آخر قد يندرج تحت ” ألفاظ حوشية“ بالنسبة للمثقف العربي اليوم وهاك بعض الأمثلة: آكل الخضَر والشائع نباتي؛ امتحان ولوج الجامعة بدلا من اللفظة العادية ”دخول“؛ اسم عائلي أم اسم العائلة؟ امتحش بمعنى احترق؛ باقول بمعنى muki وهو فنجان بعروة/أذُن إلا أن الباقول بدونها؛ بَلْغاريا؛ بنّ مسحوق، بنْك ج. أبناك؛ بيع بالتجزئة أي بالمفرّق؛ بَيوع بمعنى بائع جيّد؛ حرف التاج؛ دار التبار بمعنى جهنم؛ تُبّان بمعنى”المايوه“ أي بالفنلندية uimapuku وحرفيا بِذلة السباحة؛ أبّ بمعني العشب؛ ثُؤاط بمعنى الزكام؛ ثاقل بمعنى الثقيل؛ تِرْفاس أي نوع من الفطريات؛ تقطيع الشراب بمعنى تخفيفه؛ لم لا يُذكر الجمع الشائع لثَدْي وهو أثْداء بدلا من المهجور ”ثِدِيّ“؟ يوم غيوم أي غائم؛ ثلاج بمعنى بائع البوظة؛ ثوم قصبيّ و talvisipuli ماذا يفهم كل من العربي والفنلندي منهما؟ فها يفهو بمعنى سها يسهو وليس نسي ينسى (ص. 678)؛ كُريضة؛ لجة السماء؛ ملعقة شاي وملعقة حساء أهذا استعمال عربي أصيل أم كلمات مترجمة من اللغات الأجنبية ولا مكان لها في الأسلوب العربي الجيّد فالعربي يقول ملعقة صغيرة وأخرى كبيرة ولا حاجة لذكر أي سائل بعدهما؛ جزّر العشب؛ جازىء بمعنى راضٍ؛ سافر عنه المرض، أهذا استعمال عربي شائع؟ يقال: سافرت عنه الحمّى عادة؛ أشعة فوْبنفسجية؟ خطأ شائع في العديد من المعاجم الثنائية إدخال ما يقال بلغة أجنبية إلى العربية بغض النظر عن أن هذه الجزئية لا وجود لها لدى العرب، مثلا يقال في العديد من اللغات عند تناول الطعام bonne apetite وبالفنلندية hyvaa ruokahalua إلا أن العربية لا تستخدم مثل هذا النمط المؤدّب من التعامل بل يتمنّى الشخص الصحّة والعافية ويقول هنيئًا مريئًا للآكل بعد دعوته للمشاركة في تناول الطعام. لذلك ”شهية طيبة“ هي نقل حرفي ولا مقام لها هنا.
ويؤخذ على هذا المعجم أيضًا عدم إدراج الكثير من الكلمات والتعابير الأساسية مثل: آه؛ لا شكر على واجب؛ تشكّر؛ الأضحى؛ المولد النبوي؛ أثلج صدره؛ أجمعُ؛ احتياجات خاصة؛ حوسبة؛ احتسب؛ احترز؛ أحرى؛ أقلّ من؛ بصل أخضر أما البصل الأحمر فمذكور؛ من نافلة القول؛ قهوة أهلا وسهلا وقهوة مع السلامة وقهوة سادة، نعيمًا، العاقبة عندك؛ الحاسوب رغم وجود المختصر ”حا“؛ حاشا وكلا؛ ”فتح“ أي حركة التحرير الفلسطينية بدلا من ”حتف“ التي تعني الموت؛ فسطاط المدينة؛ قاب قوسين أو أدنى؛ لات، فعل لازم ومتعدٍ؛ جاب يجوب؛ أعماق؛ عنديات الخ الخ. ويشار إلى أنّه في بعض الأحيان كان المنطلق معكوسًا أي من الفنلندية إلى العربية مثل فرشاة الأظافر وغسل الظهر، بيت ريفي، بيت مستقل، تاج السنّ، بصل أحمر، غرفة التدخين، رجل الثلج؛ لحم الثور.
أجل إنّ صناعة المعجم ثنائي اللغة جدّ شاقة وتحتاج إلى أكثر بكثير من معرفة اللغتين عمليا، إنّها عِلم قائم بذاته له مبادؤه وأصوله وطرقه! وتندرج هنا مواضيع كثيرة مثل: نوع المعجم؛ الهدف المنشود ولمن هو معدّ؛ طرق وأنواع الترتيب المعجمي؛ سعة المعجم؛ التأصيل الاشتقاقي؛ شكل المعجم؛ جمع المادة وتبويبها؛اختيار المادّة المعجمية، طرق الشرح والتسلسل الزمني والعام والخاصّ؛ اختيار الوحدات المعجمية؛ البنط والترقيم والرموز والاختصارات.