النظام عودنا على توزيع الأدوار في مسرحيات انتخابية .. الانتخابات الرئاسية في الجزائر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"النظام عودنا على توزيع الأدوار في مسرحيات انتخابية"
أخبار الوطن
7 فبراير 2019 (منذ يومين) - حاوره: حميد يس
قال أستاذ العلوم السياسية، سفيان صخري، في حوار مع "الخبر"، إن الجزائريين يتطلعون إلى بناء جمهورية جديدة "على أساس الإرادة الشعبية وبرنامج دولة، وليس مشروع سلطة ناتج عن صراع بين زمر أو جماعات مصالح". وتفاعل مع قضايا كثيرة تخص ترشح غديري وموقع الجيش في رئاسيات 2019.
برأيك هل عجز النظام عن إيجاد مرشح بديل للرئيس بوتفليقة؟ أم أنه خضع لرغبته في عهدة خامسة؟
لقد ركز نظام بوتفليقة في تسيير الحكم على آلية أساسية وهي شخصنة النظام والدولة، وبدلا من تمتين نظام الحكم والدولة الجزائرية بمؤسسات قوية لا تزول بزوال الأشخاص اعتمد نمط تسيير الدولة الحالي على زبائنية خاضعة تستفيد من العوائد الريعية مقابل تأليه الحاكم وإعلان الولاء المطلق للرئيس، وبالتالي من المنطقي أن هذا النوع من الأنظمة عاجز عن التجديد أو التكيف أو حتى التفكير في بدائل سياسية أخرى تخرج عن إطار شخص الرئيس، لأن ذهاب الرئيس يعني ضمنيا انهيار المنظومة ونهاية حتمية لكل الامتيازات المادية التي تتمتع بها الزبائنية المحيطة بالحاكم، والدليل على ذلك أن زبائنية النظام مصرة على سيناريو الخامسة رغم أنها تعلم أن نمط الحكم الحالي انتهت صلاحيته ووصل إلى مرحلة إفلاس على كل المستويات.
من جهة أخرى، لا أصدق أن الوضعية الصحية الحالية للرئيس تسمح له بأن يفكر في البقاء أو يعي ما يجري حوله، أما فيما يخص ربط العهدة الخامسة بتحقيق أمنية أو وصية تركها الرئيس قبل تدهور وضعه الصحي فمن غير المنطقي أن نرهن مصير شعب ودولة ومستقبل الأجيال الصاعدة بأمنية شخص، مهما كان، لأن ذلك ضرب من الخيال والجنون.
زيادة على ذلك، الذهاب إلى سيناريو الخامسة يتطلب اختراقات قانونية ودستورية فادحة والدوس مرة أخرى على إرادة وسيادة الشعب، وهذا ما يفسر التهديدات الأخيرة التي وجهها الأمين العام للأرندي والوزير الأول الحالي، أحمد أويحيى، لكل من يعارض هذا الواقع المفروض، لأن دعاة الخامسة يعلمون جيدا أن تحقيق مسعاهم يتطلب تنفيذ عملية سطو جديدة على السلطة بالنصب والقوة والتحايل.
لقد أصبحنا موضوع نكت السخرية والاستهزاء عند الأعداء والأصدقاء، وأخشى أن استمرار هذا الوضع المفروض سيرسخ عند الشعوب والمجتمعات الأخرى صورة نمطية عن الجزائريين ترتبط بالرضوخ والجنون السياسي، بعدما كانت صورتنا بين الأمم متصلة بروح المقاومة والشهامة ورفض الاستبداد.
هل الهوشة التي تدور حول المرشح العسكري علي غديري تدل على وجود منافس حقيقي لمرشح النظام، وهل تعطي مصداقية لمن يقول إن جهة دفعته للترشح بغرض إثارة حركية مزيفة في الانتخابات؟
الخرجة الإعلامية الأولى لعلي غديري في جريدة الوطن زرعت الأمل في نفوس الكثير من الجزائريين وأكدت أن مؤسسات الدولة مازال فيها وطنيون أحرار يرفضون الانحرافات الخطيرة التي نعيشها. من جهة أخرى، دعوة علي غديري إلى إحداث القطيعة دون نكران وضرورة إرساء دولة القانون والمؤسسات وتحقيق نقلة جيلية في ممارسة الحكم لفتت انتباه شرائح عديدة من الشعب والنخب والشباب. لكن بمجرد إعلان علي غديري الترشح للرئاسيات والذي رافقته تغطية إعلامية قوية وخطاب شرس في مواجهة السلطة من رجل لم يكن معروفا في الوسط السياسي وتحول في فترة وجيزة إلى فاعل سياسي مهم في المعادلة، بدأت الشكوك تثار حول دور هذا المرشح في الاستحقاقات المقبلة وإمكانية اصطناعه من طرف النظام كمرشح معارض، لإعطاء مصداقية للرئاسيات القادمة التي يمكن أن تكرس استمرار الحكم بدل القطيعة.
أظن أن هذه الشكوك مشروعة، لأن النظام عود الشعب والنخب على فبركة مسرحيات انتخابية يوزع فيها الأدوار على المرشحين والأحزاب
هل سينحاز الجيش للرئيس بوتفليقة؟
لقد لعبت مؤسسة الجيش دورا مهما في أهم التحولات والمحطات السياسية الحاسمة التي عرفتها الجزائر المستقلة وبما أن الجيش هو جيش الوطن والشعب فعليه أن يكون وفيا للوطن والشعب ولا يكون أبدا في خدمة أي شخص مهما كانت مكانته، ومن المفروض أن ينطبق هذا على كل مؤسسات الدولة التي عليها احترام الحيادية في المواعيد الانتخابية. من جهة أخرى، علينا التأكيد أن أمنية الشعب هي بناء جزائر جديدة من خلال منافسة انتخابية شريفة ومتحضرة، فالشعب لا يهمه أي صراع في هرم السلطة أو حول السلطة بقدر ما يهمه إرساء برنامج قوي لبناء دولة تليق بمقدرات الجزائر وتقضي على المشاكل اليومية للمواطن. لقد بنيت الجمهورية الجزائرية الأولى على أساس إفرازات صراع عصب حدث عشية الاستقلال والذي أدى إلى انحرافات مازلنا نعيشها إلى الآن، وبالتالي نتمنى أن تبنى الجمهورية الثانية على أساس الإرادة الشعبية وبرنامج دولة وليس مشروع سلطة وتسلط ناتج عن صراع بين زمر أو جماعات مصالح.
هل ترى في مرشح "حمس"، رئيسها عبد الرزاق مقري، منافسا لمرشح السلطة في حال تخطي عقبة جمع التوقيعات؟
عبد الرزاق مقري شخصية سياسية تتمتع بقوة وبلاغة الخطاب وحركة مجتمع السلم تحتوي على طاقات وكوادر يرجع الفضل في تكوينها وإبرازها للمجاهد الراحل محفوظ نحناح الذي فتح المجال للكفاءات عكس العديد من قادة الأحزاب الحاليين الذين يهجرون الكفاءات من أحزابهم. زيادة على ذلك، "حمس" لديها وعاء انتخابي سيمكنها من اجتياز عقبة جمع التوقيعات بأريحية. المشكل المطروح مع "حمس" والمرشح مقري هو التذبذب في المواقف والتناقض في التوجهات الذي عرفته الحركة في الآونة الأخيرة والذي ضرب مصداقية "حمس" بقيادة مقري.
فبعدما نسي المواطن تورط "حمس" في التحالف الرئاسي من خلال توجهات المعارضة الشرسة التي أبداها مقري في إطار مشروع الانتقال الديمقراطي، سرعان ما انحرفت بوصلة "حمس" من خلال بعض الخرجات المضطربة والمتناقضة، على غرار محاولة الانفراد بالتفاوض مع الرئاسة باسم تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي إلى المطالبة بتدخل الجيش في العملية السياسية ثم مبادرة التوافق الوطني، وكان ختام هذا المسار المضطرب والغريب دعوة إلى اختراق الدستور، من خلال تزكية مشروع غير قانوني وخطير تمثل في مبادرة تأجيل الانتخابات.
ما الذي يدفع شقيق الرئيس ومستشاره إلى التفاوض مع مقري حول تأجيل الرئاسيات حسب ما جاء في وثيقة لرئيس "حمس" بخصوص لقاءات تكررت مع السعيد بوتفليقة؟
مشروع تأجيل الرئاسيات كان عبارة عن محاولة يائسة لتمرير حيلة غير قانونية لتمديد حكم الرئيس الحالي بالنظر الى المجازفة الكبيرة التي يمكن أن يخوضها النظام في حالة تجسيد مشروع الخامسة بسبب الحالة الصحية لرئيس الجمهورية التي لا تسمح باجتياز شروط وإجراءات العملية الانتخابية. اذا كانت للسلطة نية حسنة في التفاوض عليها تنظيم اتفاق حول انسحاب سلمي ومشرف من خلال تنظيم عملية انتخابية نزيهة ترجع مفاتيح تسيير الدولة إلى الشعب الجزائري.