كتاب مفتوح لرؤساء البلديات والمجالس المحليّة العربية في البلاد
تحيّة صادقة وبعد،
أتوجّه إليكم، حضرات الرؤساء الأفاضل، بهذا الطلب آملًا أن يحظى باهتمامكم واهتمام الأعضاء، لما فيه من فائدة ومصلحة لأجيالنا الصاعدة. من البيّن للجميع، أنّ وضع تدريس اللغة العربية المِعيارية في مختلف المؤسّسات التعليمية في البلاد، ليس على ما يُرام. هذا الوضع، أخذ بالتدهور تدريجيًا منذ قيام الدولة وحتّى يومنا هذا. هذا التدهور مسّ وما زال يمسّ اللغة المحكية في البلاد المطعّمة بقدر كبير من العبرية بدون مسوّغات لغوية ضرورية. أضف إلى ذلك، إنّ غياب جامعة عربية في البلاد، يعقّد وضع اللغة العربية المعيارية، فالجامعات الإسرائيلية التي تدرّس العربية وآدابها، لا تؤهّل معلمين للعربية فهي، كما يعلم الكثيرون، ديدنها البحث وتستعمل العبرية في التدريس ولا مكان للعربية حديثًا وكتابة (باستثناء جامعة حيفا منذ فترة). هناك يتعلّم الطالب عن العربية ويترجم منها إلى العبرية. اللغة، أيّة لغة طبيعية، هي الإنسان، هويّته، كيانه، وأهمّ وسيلة لاكتساب العلم والمعرفة لتكوين الذات وتطويرها. واللغة العربية المعيارية أو الفصيحة المعاصرة، ليست في الواقع لغة أمّ أي عربي، إذ أنّ اللغة الأولى التي يتعلّمها الطفل العربي هي لهجته المحليّة، وشتّان ما بينها وبين اللغة المكتوبة الفصيحة من حيث القواعد، الصرف والنحو والمعجم.
لا شكّ أنّ أحد العوامل الأساسية لتغيير وضع مستوى العربية نحو الأفضل هو المعلّم. المعلّم القدير والمخلص والغيور على لغته وقوميته وتراثه، بمقدوره أن يحبّب العربية على فلذات أبنائنا. ومن المعروف علميًّا أن التمكّن من لغة الإنسان القومية، معناه توفير الإمكانيات الكفيلة باكتساب لغات أخرى أيضا.
وجاءت المصادقة مؤخّرًا في تموز ٢٠١٨ على قانون الأساس، قانون القومية، لإزالة الوهم بأنّ العربية لغة رسمية في البلاد. وفي البند الرابع من القانون ذي الأحد عشر بندًا ورد ما معناه: ”أ. اللغة العبرية هي لغة الدولة؛ ب. للغة العربية مكانة خاصّة في الدولة؛ تنظيم استخدام اللغة العربية في المؤسسات الرسمية أو في التوجّه إليها سيكون بموجب القانون؛ ت. لا يمسّ ما ورد في هذا البند بالمكانة التي أعطيت فعليًا للغة العربية قبل إقرار قانون الأساس هذا“. لاحظوا ”بالمكانة التي أعطيت فعليًا للغة العربية قبل إقرار قانون الأساس هذا“. بعبارة موجزة: جاء هذا القانون لقوننة ما كان على أرض الواقع ورسمية العربية في البلاد منذ ١٩٢٢ وحتى التاسع عشر من تموّز ٢٠١٨ كانت حبرًا على ورق تقريبًا. بعد إقرار هذا القانون لا يحقّ للوسط العربي بالمطالبة بحقوق تخصّ تدريس العربية وكلّ ما يمكن أن يحصل عليه يكون بمثابة ”استجداء، فتات، حسنة، شِحدة“.
على ضوء هذه الخلاصة الموجزة، أقترح على الرؤساء المحترمين أن يدعموا ماديًّا طالبين/طالبتين أو أكثر متميّزين في اللغة العربية في امتحانات البلوغ/البجروت كلّ سنة لمتابعة الدراسة في إحدى كليّات التربية السبع في البلاد، والعودة بعد التخرّج للتدريس في مدارس مدنهم وقراهم. أُضيف أخيرًا وليس آخراً أنّ الاستثمار في تأهيل مربي/مربيات الجيل المبكر هو الأفضل والأنجع للمدى البعيد.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام،
حسيب جريس حريز شحادة
بروفيسور في اللغات السامية وثقافاتها
كفرياسيف/هلسنكي
ملحق:
”ضع شعبًا في السلاسل
جرّدهم من ملابسهم
سدّ أفواههم، لكنّهم ما زالوا أحرارا
خُذ منهم أعمالَهم وجوازاتِ سفرهم
والموائد التي يأكلون عليها
والأسرّة التي ينامون عليها
لكنّهم ما زالوا أغنياء
إنّ الشعب يَفتقرُ ويُستعبد
عندما يُسلب اللسان
الذي تركه الأجدادُ وعندها يضيع إلى الأبد“
الشاعر الصقلّي، إجنتزيا بوتينا
ملحق:
اقتراحات وتوصيات ومواقف لحماية العربية، لا سيّما في البلاد، وترسيخها وتطويرها
١) حبّ العربية واحترامُها يجب أن يتجلّى بالفعل لا بالقول فقط.
٢) لا بدّ من التعاون بين العائلة ومدرّسي العربية، بغية تحقيق الحبّ والاحترام المذكورين.
٣) العمل الجادّ من أجل تقليص نسبة الأميّة لدى النساء فهنّ عماد التربية الأولى.
٤) تجربة الدكتور عبد الله مصطفى الدنّان في تعليم العربية المعيارية الميسّرة ابتداءً من مرحلة روضة الأطفال، جديرة بالتطبيق في بعض الأماكن على الأقلّ، حيث يُبدي بعض أولياء الأمور المثقّفين استعدادًا للمساهمة في تطبيق تعليم المحادثة بالعربية المكتوبة الميسّرة.
٥) يجب تعليم اللّغة العربية المعيارية فقط (لا عبرية ولا إنجليزية أو فرنسية في هذه الفترة) في الصفوف الابتدائية الثلاثة-الأربعة الأولى. إنّ التمكّن من لغة الأمّ عامل هامّ جدًّا في بلورة الهوية القومية وفي اكتساب لغات أخرى.
٦) وجوب توفير المكتبات والحواسيب في كلّ المدارس والمكتبات العامّة، في جميع التجمّعات السكّانية العربية.
٧) تشجيع الطلاب المناسبين على اختيار خمس وحدات في امتحانات البجروت/البلوغ للّغة العربية، ومن ثَمّ التخصّص بها للانخراط في سلك التدريس مستقبلًا.
٨) محاولة ترسيخ حبّ المطالعة منذ الصغر ليصدق القول ”إنّ أمّة إقرأ تقرأ“!
٩) تشجيع التلاميذ على إعداد نشرات الحائط والقيام بفعّاليات ثقافية غير منهجية.
١٠) القراءة والتحدّث والكتابة باللّغة العربية أمور ضرورية جدًّا، إذ أنّ كلّ عضو لا يؤدّي وظيفتَه سيندرس، لا محالة.
١١) غنيّ عن القول، إنّ تعليم قواعد العربية، يجب أن يكون وظيفيًّا ووَفق المنهجية والأبحاث المعاصرة. لا بدّ من بذل جهود جادّة لتمكين الطلاب من اكتساب الملَكة اللّسانية، وهذا يتأتّى من خلال القراءة المستمرّة لأمّهات الأدب والاستماع للعربية المعيارية المعاصرة. في نهاية المطاف يصل الإنسان الجادّ إلى مستوى قريب من لغة الأم لهذا النمط اللّغوي.
١٢) على مدرّسي المواضيع الأخرى، مثل التاريخ والجغرافيا والمدنيات، ممارسة لغة بين بين بقدر الإمكان.
١٣) لغة التدريس في الكليات العربية للتربية يجب أن تكون العربية فقط، وحبّذا لو التزم بذلك كلّ المدرّسين طواعية، بدون تشريع قانون بهذا الصدد (طبعًا باستثناء تدريس لغات أخرى كالعبرية والإنجليزية). لا بدّ من التأكيد على الرسالة الهامّة الملقاة على هذه الكليات في مجال إعداد كادر مدرّسي العربية في المدارس الابتدائية والثانوية. إنّها تقوم مقام الجامعات لغيابها في البلاد والجامعات الإسرائيلية، كما هو معروف، لا تؤهّل مثل أولائك المدرّسين لأنّ لغة التدريس هي العبرية وسماع العربية هناك سلعة نادرة. همّ الجامعات بحث اللغة والتكلّم عنها بلغة أخرى، لا التحدّث بها، كما هي الحالات حيال اللغات الحيّة الأخرى. والجدير بالذكر أنّ الكليّات المذكورة تولي جُلّ الأهمية للنواحي التربوية مقارنة بمساقات المعرفة مثل اللغة العربية وآدابها، ولا بدّ من تغيير هذا الواقع وإعطاء الأولوية للغة.
١٤) لا بدّ من إجراء امتحان نهائي شامل، تحريريًا وشفويًا لخرّيجي كليّات التربية والجامعات، قبيل انخراطهم في سلك التربية والتعليم، وذلك من أجل اختيار المعلمين الأكفاء (أشكر عزيزي الدكتور الشاعر إياس يوسف ناصر على تذكيري بهذه النقطة).
١٥) يجب استعمال العربية في كلّ مراسلات المجالس والبلديات العربية.
١٦) إقامة جامعة عربية في إسرائيل ضرورة قُصوى لحماية العربية وتطويرها.
١٧) على المنظّمات غير الحكومية البالغ عددها زهاء الألفين، استخدام العربية، والأمر ذاته ينسحب بالنسبة للمصانع الصغيرة والورشات.
١٨) على الشخصيات العربية العامّة، مثل أعضاء الكنيست استعمال لغتهم القومية، إذ انّ استخدام العبرية (قد يكون أسهل للبعض) لن يُقنع أغلبية الأعضاء، ولن يحظى بتعاطفهم. الأمل معقود لسماع العربية في الكنيست طالما أنّ الأمر مُتاح.
١٩) وجوب إيجاد خبراء في اللّغة العربية في إدارة الإذاعة والتلفزيون والصحافة الورقية والإلكترونية (حتّى اليوم أسمع من صوت إسرائيل، مكان، الشين سينًا عند قراءة النشرة الجوية).
٢٠) على الأحزاب العربية إدراج موضوع اللّغة في خُطَطها وبرامجها.
٢١) على كاهل مجمعَي اللّغة العربية في الناصرة وفي باقة الغربية، ملقاة مهمّة إيجاد بدائل عربية ملائمة لما في العربية من دخيل عبري صارخ، والمساهمة في تأهيل مدرّسي العربية من خلال دورات استكمالية دورية منتظمة.
٢٢) يجب أوّلاً استعمال العربية بموجب القانون، في كتابة أسماء المحلّات على أنواعها في المدن والبلدات العربية.
٢٣) بمقدور الناس حماية لغتهم ورعايتها إن رغبوا في ذلك، وليس فقط إلحاق الهزيمة بالنظام. ربيع اللّغة العربية لن يكون مجرّد حلم خيالي.
٢٤) الاستمرار في النضال على مختلف الصُّعد، من أجل جعل العربية لغة حيّة نابضة في الواقع، وليس على الورق فحسب.
٢٥) العربية (أيّ نمط من أنماطها) لغة الإسلام العربي والمسيحية العربية ولغة أُم غير العرب مثل يهود البلاد العربية، الأقباط، الموارنة، الأمازيغ، بعض الأكراد، بعض الأرمن، القرّائين والسامريين إلخ.
٢٦) ضرورة جمع وتوثيق مختلف ألوان الفولكلور الفلسطيني، مثل الحكايات والأغاني والأمثال والطرائف والأشعار والألغاز، من أفواه المسنّين والمسنّات قبل فوات الأوان.
٢٧) يجب حماية الطبيعة وتعلّم أسماء الثروتين، الحيوانية والنباتية، في إطار البرنامج الدراسي.
٢٨) ضرورة عقد ندوات من أجل ترقية وتحديث مناهج تدريس اللغة العربية.
٢٩) إنشاء نوادٍ بإشراف أدباء متبحّرين بالعربية وغيورين عليها في مدارس كبرى.
٣٠) تخصيص جوائز تشجيعية ومالية للأوائل في امتحانات الثانوية في موضوع اللغة العربية.
٣١) يجب إعداد معلّمات الجيل المبكّر لغويًّا وبيدوغوجيًا على أفضل شكل ممكن، فعلى كاهلهن ملقاة رسالة سامية لا تتكرّر، تحبيب الطفل باللغة العربية منذ نعومة أظفاره، وإسماعه العربية الميسّرة في شتّى الفعاليات بمحبّة وتشجيع، ففي هذا الجيل يكون دماغ الطفل كالمغنطيس لتذويت اللغة أية لغة.
٣٢) وزارة التربية والتعليم هي بمثابة جيش الدفاع الإسرائيلي بالنسبة للعبرية، والسؤال الطبيعي المطروح الآن: من سيكون المدافع المؤهّل عن العربية؟ إنّه معلّم العربية وأبناؤها الشعراء والمثقفون والكتّاب الحقيقيون!