الكاهن قتلني
ترجمة ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها راضي بن الأمين بن صالح صدقة الصباحي (رتسون بن بنياميم بن شلح صدقة الصفري، ١٩٢٢-١٩٩٠، من أشهر المثقّفين السامريين في العصر الحديث) بالعبرية على مسامع ابنه الأمين (بنياميم)، الذي نقّحها، اعتنى بأسلوبها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٣٢-١٢٣٣، ١ آذار ٢٠١٧، ص. ٢٩-٣١. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني.
بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري الساكنين في مائة وستين بيتًا تقريبًا، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة ترزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّرين، الشقيقَين، الأمين وحسني (بنياميم ويفت، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).
” الساحر الهندي
وصل إلى نابلس في القرن العاشر للميلاد ساحر هندي ومعه نسخة من القرآن، كان يمارس السيمياء (تخمينات سحرية) ويبني أعماله على آيات قرآنية ليزيد الإيمان في قلوب العرب. ”فقط المكتوب في القرآن هو الحقيقة والصدق“، هذا ما كان يردّده الساحر مرارًا وتكرارًا. كان بحوزته جدول الأبجدية بدون ترتيب. كان يسأل شخصًا ما ”ما اسمك؟“ ويجيب مثلا يحزقيل. كان الساحر يأخذ الحرف ياء من السطر الأول، حاء من الثامن إلخ. ويجمع كلمات متعلقة بآيات من القرآن ويفسّرها وعلى ضوئها كان يجيب السائل أو المتوجّه له. وهكذا كان يُثبت أنّ قوانين القرآن مرتبطة بألفاظ السماء بصدد معظم حظ ومستقبل كل إنسان.
ذات يوم، أخذ أحد العرب النابلسيين هذا الشيخ جانبًا وهمس له ”كلّنا نؤمن بأقوالك، ما رأيك في أن تدخل إيماننا في قلب كاهن السامريين الأكبر. هيا نتوّجه إليه، أعرّفك عليه واشرح له تأثير القرآن على قوانين السماء والأرض“. هكذا كان، حينما التقى الشيخ بالكاهن الأكبر، وبعد حديث مطوّل وتصادقا، قال الكاهن الأكبر للشيخ ”بوسعك إدخال مثل هذه الأمور إلى رؤوس الحمقى والجهّال، إلّا أنّك لا تستطيع أن تكذب عليّ، إذ لدينا كتاب مقدّس قبل القرآن، نزل من السماء“. وما هو، سأل الشيخ مستغربًا. ”التوراة! توراة موسى بن عمران“، ردّ الكاهن الأكبر مستطردًا ”هل حضرتُه قرأ التوراة؟“. ”نعم، قرأتها وأعرفها بحذافيرها“، أجاب الشيخ. سأله الكاهن الأكبر ”هل تذكر ما ورد فيها على لسان سيّدنا موسى؟“، ”فلتحفظوها وتمتثلوها انّها حكمتكم وفطنتكم لبصائر الشعوب الذين يسمعون كل السنن هذه ويقولون انّ شعبا حكيما وفطنا الشعب العظيم هذا“ [سفر التثنية ٤: ٦، أنظر حسيب شحادة، الترجمة العربية لتوراة السامريين، المجلّد الثاني: سفر اللاويين، سفر العدد وسفر تثنية الاشتراع. القدس: الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم والآداب، ٢٠٠١، ص. ٤٢٩]. بعد حديث طويل دار بينهما اتّفقا اتّباع طريقة الأبجدية الخاصّة بالشيخ. عملا بموجبها، فحصا اسميهما واسمي والدتيهما وجدّتيهما، أخرجا من كلّ سطر الحروف المطلوبة، وفي النهاية تكوّنت جملة بالعربية غير موجودة في القرآن. هذه الجملة هي: إذا أردت أن تسأل ما هو دين الحقّ عند الله، دين الحق هو إسرائيل.
التفت الشيخ نحو الكاهن الأكبر قائلا ”هذه الطريقة غير صالحة وغير ناجعة، أتعرف طريقة أخرى؟“. أجاب الكاهن ”طريقة أبينا يعقوب“ ووافق الشيخ عليها. ضحّى الكاهن الأكبر أُضحيتين لربّ العالمين، الواحدة من أجل الكاهن الأكبر والأخرى من أجل الشيخ، وذلك ليناما طاهرين، وكلّ واحد منهما يقصّ في الصباح التالي ما حلم في نومه.
الكاهن قتلني
استيقظ الكاهن الأكبر لصلاة الفجر، وإذا به يسمع صيحاتٍ منطلقةً من الحيّ العربي، حيث بات الشيخ. وعندما استفسر الكاهن الأكبر عن ذلك، قيل له إنّ صديقك الشيخ غير موجود. من يدري ماذا فعلت به. قام في منتصف الليل، وكان يصرخ بصوت عال: قتلني الكاهن، قتلني الكاهن. في ذلك الصباح، أتوا ليعتدوا على الكاهن فقال لهم: ”هذه الليلة لم أغادر عتبة بيتي، ولكنكم تستطيعون رفع دعوى ضدي أمام القاضي“. استدعى القاضي الكاهنَ وسأله: ”ما كنه هذه الضجّة؟“ قصّ الكاهن عليه كلّ ما حدث ودار بينهما من اتّفاق. ثم سأل القاضي الكاهنَ ”وأنت ما رأيت في الحلم؟“ ”إذا وعدني حضرته بألّا يُساء إليّ شرحت الحقيقة“، قال الكاهن. وعده القاضي بإخلاص وقصّ الكاهن الأكبر: ”رأيت في حلمي فينحاس بن إلعزر بن أبيشع الكاهن [كاهن أكبر، القرن السادس عشر، طلب من الرميحي كتابة كتاب مولد موسى] والرمح مستلّ بيده يقول لي: عقبون [اسم شخصي لتسعة كهنة كبار، آخرهم عاش في القرن الثامن للميلاد عندما كانت الآرامية لغة محكية وقبل ذلك في زمن الهيكل الأول والثاني وفق التقويم اليهودي كان الاسمان عقب، عقبيه على منوال ما ورد في التوراة: سفر العدد ١٤: ٢٤، اسمي كهنة كبار. أشكر صديقي الأمين صدقة الذي وافاني بهذه الملاحظة، ١٤ أيار ٢٠١٧] لا تخف ولا تجزع؛ أيّ شعب عظيم له الهةٌ قريبة إليه كمثل الله آلهنا في كل دعائنا اليه؛ وأيّ شعب عظيم له سنن وأحكام عدل ككل الشريعة هذه التي أنا جاعل بين أيديكم اليوم“ [سفر التثنية ١: ٢١؛ ٤: ٧-٨، أنظر شحادة المذكور آنفًا، ص. ٤٠٧، ٤٢٩]. “