شاهد عيان على بطولات تركية خارقة في مقاومة الإنزال الصهيوني
بعد ساعات من الإفراج عنه
صحفي ''الخبر'' يروي تفاصيل قرصنة سفينة الحرية
عاش أسطول الحرية، الذي كان متوجها لكسر الحصار عن غزة، ليلة الثلاثاء الماضية، ليلة رعب حقيقية. فبينما كان هذا الأخير يستعد لدخول المياه الإقليمية لغزة، قامت القوات البحرية الإسرائيلية بمحاصرته وكان مشكلا من 6 سفن، أكبرها التركية ''مرمرة'' التي كانت تقل 700 متضامن.
باقتراب الأسطول من المياه الإقليمية بغزة، قام الأسطول الحربي الإسرائيلي المشكل من 20 بارجة وزورقا بحريا بمتابعة ''أسطول الحرية'' عن بعد، لتقوم بعدها القوات الإسرائيلية بأمر قائد سفينة ''مرمرة''، في حدود الساعة الثامنة من مساء الإثنين، بالتوقف، رغم أن السفينة كانت لا تزال في المياه الدولية. لكن قائد السفينة رفض الامتثال للأوامر الإسرائيلية، ليواصل إبحاره نحو غزة. فقام الأسطول البحري الإسرائيلي بمراقبة القافلة لمدة 6 ساعات كاملة، من العاشرة ليلا إلى غاية الرابعة والنصف صباحا.
وبعد إخبارنا بمحاصرتنا من قبل القوات العسكرية الإسرائيلية، طُلب من جميع ركاب السفينة لبس صدريات النجاة، وتم تقسيم الباخرة إلى مناطق، كل منطقة يقوم بحراستها وفد من الوفود المشاركة. وكان الوفد الجزائري المكون من 32 فردا قد أسندت له مهمة حراسة الجهة اليمنى من مقدمة السفينة.
وأمام هذه التطورات بقينا نراقب تحركات البوارج الإسرائيلية طيلة الليلة، ولم ينم أي أحد ممن كان على ظهر السفينة. ومع اقتراب وقت الفجر، ولما كان الكل يهم للقيام بالصلاة، اقتربت البوارج الحربية الإسرائيلية وقامت أربع زوارق حربية بالتمركز أمام وخلف السفينة، وأخرى على جهتي اليمين واليسار، لتصبح السفينة محاصرة من كل جانب، تلتها محاولة إنزال الجنود على ظهر السفينة.
لكن الوفود المتضامنة قامت بالتصدي للإسرائيليين ومنعتهم من الصعود بقذفهم بلوالب حديدية كانت كميات كبيرة منها في المكان الذي تجمع فيه الوفد الجزائري، الأمر الذي دفع بالزورق إلى الترنح إلى الخلف بسبب غزارة عملية الرجم. ونفس الشيء بالنسبة للزوارق الأخرى التي تراجعت بسبب رشها بالمياه بواسطة الخراطيم.
بعد فشل الصعود إلى السفينة قاموا بعملية إنزال بالمروحيات
وبعد فشل الجنود الإسرائيليين في الصعود إلى ظهر السفينة، بسبب المقاومة الكبيرة التي أبداها أفراد الوفد، تدخلت القوات الجوية بفرق خاصة عبر طائرات الهليكوبتر، وتم إنزال عشرات الجنود على ظهر السفينة. لكن وبمجرد أن وطأت قدما أول جندي إسرائيلي سفينة ''مرمرة''، تدخل نفر من الشباب الأتراك الذين كانوا يتولون مهمة حراسة سطح السفينة وقمرة قيادتها، وقاموا بأسره والدفع به إلى أسفل السفينة، وتم تكبيله ونزع اللثام عن وجهه، لتكون المفاجأة كبيرة. كان الجندي يبكي بحرارة وجسده يرتعش، بالرغم من أنه لم يعامل بسوء، ليتم بعد ذلك إنزاله إلى الأسفل ليلحق به زميله الثاني الذي أسر بدوره، ليوضعا جانبا مع نزع سلاحيهما ووضعهما جانبا دون أن يلمس أسلحتهما أحد.
كانت الرصاصات مصوبة بين العينين
وأمام هذه الوضعية، تدخل جنود إسرائيليون وقاموا بضرب المقاومين بالقنابل الصوتية والدخانية والرصاص المطاطي، بهدف إضعاف صفوف المقاومة ونشر الرعب بينهم. لكن ذلك لم ينفع أمام المقاومة الشرسة التي أبداها الوفد التركي الذي كان يتولى حراسة سطح السفينة، ما دفع الجنود الإسرائيليين الذين كان من بينهم نسوة، بتكثيف عمليات الإنزال. لكن هذه المرة تدخل قناصون إسرائيليون فقاموا بضرب الشباب الأتراك بالذخيرة الحية، ما أسفر عن مقتل 10 منهم وجرح العشرات. وقد شاهدت شخصيا 4 شهداء منهم كانوا ممددين على الأرض، من بينهم مسؤول قاعة الصحافة. وكانت الطلقات كلها مصوبة إلى الجبهة وما بين العينين، في حين كان هناك حوالي 50 جريحا بفعل الرصاص المطاطي والرصاص الانشطاري الذي ينفجر داخل الجسم ويقذف بمسامير في أنحاء الجسم.
أخذوا ابن قائد السفينة الرضيع رهينة... ثم انتزعوا كاميرات التصوير
وبعد حوالي ساعة ونصف ساعة من المقاومة الشرسة للشباب، تمكن القناصة من اقتحام قمرة القيادة وأمروا قائد السفينة بالتوقف عن الإبحار. لكن الربان رفض مجددا الامتثال لأوامر العسكر الإسرائيليين، ليكون رد فعلهم مروعا، حيث قاموا باختطاف ابن قائد السفينة الذي كان في حضن والدته والذي يبلغ من العمر حوالي سنة، وبكل برودة دم قام أحد الجنود بتوجيه مسدسه إلى رأس الرضيع وهدد بقتله، حينها رضخ قائد السفينة إلى رجاء الأتراك الذين طالبوه بالتوقف للحفاظ على روح رضيعه.
وبعد توقيف السفينة، استولى الإسرائيليون على قمرة القيادة وتوقفت معها كل مظاهر المقاومة، وأول شيء قام به الجنود الإسرائيليون هو اقتلاع الكاميرات التي كانت منصبة على سطح السفينة والتي صورت عملية الاقتحام والإنزال حتى لا يتركوا أي شيء يدينهم.
ليتم بعدها إصدار أوامر لجميع الركاب بالدخول إلى الغرف، وهو الأمر الذي امتثل له الجميع، ما عدا الوفد الجزائري الذي بقي مرابطا في مكانه في الطابق الثالث من الباخرة، فكان آخر مكان استلمه الإسرائيليون كانت الجهة التي كان يحرسها الوفد الجزائري.
وقد أعطيت تعليمات بألا أحد يتحرك من مكانه بعد أن اشتد الضرب بالرصاص والقنابل الدخانية التي كانت تطلق مواد كيمياوية تحجب الرؤية لمدة ساعتين. وقد أصيب أحد الجزائريين في عينه بفعل هذه المواد، ويتعلق الأمر بالنائب السابق لحركة النهضة، السيد ذويبي محمد (يوجد اليوم بعمان لإجراء عملية جراحية على عينيه، وقد تدوم إقامته في الأردن أياما).
اقترب أحد الجنود من جريح وأطلق النار عليه فهشم رأسه
وبعد ساعة من توقف المقاومة، صعد الجنود الإسرائيليون إلى الباخرة بالعشرات، توغلوا إلى داخل الباخرة وقاموا باسترجاع الجنديين المأسورين، وشرعوا في التهديد باستعمال السلاح وتكبيل الجميع، نساء ورجالا وأطفالا، بواسطة أشرطة بلاستيكية. وقد شدت إلى حد أن وصل بالبعض إلى الصراخ من شدة الألم، ومنهم من سقط مغشى عليه.
وبعد أن انتهوا من عمليات التكبيل، قاموا بإخراجنا إلى سطح الباخرة. وكان من بيننا الجرحى الذين كانوا ممددين وهم ينزفون دما. وكان أحدهم ممددا على السطح متأثرا بجراحه التي أصيب بها في رجله. ورغم ذلك أمروه بالوقوف، لكنه لم يستطع بسبب إصابته البليغة، فاقترب منه أحد الجنود وصوب المسدس نحو رأسه وأطلق النار عليه فهشم رأسه بكل برودة دم، ليسقط شهيدا أمام مرأى الجميع، كما تعرض باقي الجرحى إلى الضرب، ومنعوا من تلقي الإسعافات الأولية.
وإن كان كل أعضاء الوفد مكبلين ولا يقوون حتى على ملامسة رؤوسهم، إلا أن الجنود الإسرائيليين الذين كانوا مدججين بالأسلحة لم يستطيعوا أن يخفوا ارتباكهم، حيث كانوا مرعوبين. كان ذلك باديا في حركاتهم وارتعاش أجسادهم أمامنا نحن المكبلين، كما أنهم بقوا طول الوقت ملثمين، وقد بقينا على هذه الحالة مدة 5 ساعات ونحن تحت أشعة الشمس في عرض البحر.
بالموازاة مع ذلك، قام الجنود الإسرائيليون بتفتيش كل الباخرة وقلبوا ما بداخلها رأسا على عقب وأفرغوا كل الأغراض وبعثـروها في كل مكان، كما صادروا كل أجهزة التصوير وكاميرات الصحفيين والحواسيب النقالة. وبعد خمس ساعات من الاقتحامات والتفتيش الدقيق، أعطيت الأوامر بالإقلاع في اتجاه ميناء أسدود الإسرائيلي. ثم شرعت طائرات الهليكوبتر في نقل جثث الشهداء والجرحى. وفي منتصف النهار أمرونا بالنزول إلى داخل الباخرة. وطيلة هذه المدة، منعونا من قضاء حوائجنا، وهي الوضعية التي بقينا عليها لعدة ساعات، وكان ذلك دون أن يقدموا لنا لا أكلا ولا شربا.
وبعد أن تضرر العديد من الركاب، قام أحد الجنود باختياري أنا وصحفيا بجريدة ''البلاد'' وصحفيا من قناة ''الجزيرة'' لتقديم الماء للركاب، بعد أن فكوا وثاقنا، وقمنا بتقديم الماء للجميع وهم مكبلو اليدين، كما قمنا بمساعدة الجرحى.
قال لي أحد المحققين إنه من أصل جزائري... من قسنطينة تحديدا
وأبحرت السفينة من الساعة التاسعة صباحا إلى غاية الساعة السابعة مساء، حيث دخلنا ميناء أسدود. وكانت ترافقنا طوال عملية الإبحار 20 بارجة وزورقا بحريا. وبعد رسو السفينة في الميناء، بقينا على ظهرها ونحن على حالنا مكبلين إلى غاية الساعة السادسة صباحا، دون أكل ولا شرب. ليصعد جنود فيأمروننا بالنزول. وبدأوا يخرجوننا فرادى ويوجهوننا إلى خيم نصبت على رصيف الميناء.
وفور توجهنا إلى الخيم، صادروا هواتفنا النقالة وجوازات سفرنا، جردونا من ألبستنا وتركونا فقط بالملابس الداخلية، ثم فتشونا بصورة دقيقة وفي كل أنحاء الجسم. وصاحبت ذلك عملية التحقيق التي تولاها عساكر يتكلمون العربية بكل طلاقة، بلهجة قريبة من الشامية. والمفاجأة أن هؤلاء أغلبهم يهود من أصول جزائرية وتونسية ومغربية. أحدهم تجاوز العقد الخامس، لما قلت له بأنني من الجزائر سألني: ''من أي ولاية؟''. وهو السؤال الذي كرره على كل الوفد الجزائري، ثم قال بأن أصوله جزائرية من مدينة قسنطينة وبأنه يعرف الجزائر جيدا. وحاول المحققون أن يكسبوا ودنا والتقرب منا بداعي أصولهم العربية والجزائرية، بهدف الحصول على معلومات كانوا يريدون الوصول إليها. إلا أن كل الوفود كانت قد اتفقت قبل عمليات الاقتحام على ألا نجيب عن أي سؤال يوجه إلينا بدون حضور محام، وألا نمضي على أي وثيقة بما فيها محضر التحقيق.
وتمحورت أسئلة التحقيق حول كيفية القدوم من الجزائر وكم مرة سافرت إلى تركيا؟ وهل سبق أن زرت دولا عربية أخرى؟ وهل عند الدخول إلى هذه الدول طلب منا تأشيرة أم لا؟
وخلال عمليات التحقيق، وجهت لنا تهمة الدخول إلى إسرائيل بطريقة غير شرعية، رغم أنه تمت قرصنتنا في المياه الدولية على بعد 76 ميلا عن شاطئ غزة.
جاءنا وفد الصليب الأحمر وطلب منا توصيات إلى ذوينا
وبعد الانتهاء من عمليات التحقيق معنا، وضعونا في حافلات مدرعة واتجهوا بنا إلى سجن بئر السبع، الواقع جنوبي فلسطين المحتلة، والذي وصلناه بعد حوالي ساعتين من السير، ليدخلونا إلى السجن الذي شيد مؤخرا، وكنا نحن أول زواره، واقتادونا إلى الزنازين وكان رقم زنزانتي هو 5118 التي تقاسمتها مع جزائريين إثنين وصحفي من قناة ''الحوار'' اللندنية.
وبعد مرور ساعات داخل الزنازين سمعنا طرقا على باب كان وراءه جنود قدموا لنا لباسا رياضيا ومنشفة وقميصا وجوارب، بالإضافة إلى ألبسة داخلية، وكانت ألبسة مرفوقة بوجبة غذائية تمثلت في خيار وفلفل وإجاصة لم يكتمل نضجها. وبعد بضع ساعات، زارنا وفد من الصليب الدولي وأخذوا معلومات عنا للاتصال بأهالينا، كما زارنا محام فلسطيني من عرب 48 قدم لنا بعض الشروحات عن حقوقنا والإجراءات التي سنقوم بها في حالة تقديمنا للمحاكمة.
وعقب زيارة المحامي الفلسطيني، وصل وفد من القناصلة المعتمدين لدى تل أبيب للتحدث مع رعاياهم بهدف تسوية إجراءات الترحيل، وكان من بينهم القنصل الأردني الذي تكفل بإجراءات الترحيل لكل الوفود العربية.
وبعد قضائنا 20 ساعة في السجن، أصدرت أوامر بإخراجنا في مجموعات ووضعونا، حوالي منتصف الليل، في الحافلات وصادروا أغراضنا الشخصية، خصوصا أن الكثير منا خرج مرتديا ألبسة السجن، بعد أن اضطروا إلى تغيير ألبستهم المتسخة التي كانوا يرتدونها، وكنت أنا واحدا من بين هؤلاء نظرا للحالة الكارثية التي كنا عليها بعدما منعونا من تغيير ملابسنا قبل النزول من الباخرة.
الوصول إلى الحدود الأردنية وبالضبط إلى جسر الملك حسين، انطلاقا من سجن بئر السبع، تطلب منا السير حوالي 4 ساعات، وعند الوصول على النقطة الحدودية أرجعوا جوازات السفر إلى الجميع، إلا البعض منهم، وكنت أنا من بين الذين استثنوا من الحصول على جواز السفر. وعندما قمت بالاحتجاج على ذلك، كان تبريرهم بأنهم لم يجدوا جوازي بالرغم من أنني قدمته عند عملية التحقيق.
وبعد عبورنا الحدود نحو الأردن، وجدنا في استقبالنا السفير الجزائري لدى المملكة الهاشمية الأردنية وباقي سفراء الدول العربية، بالإضافة إلى ممثلين عن السلطات الأردنية وحشود كبيرة من الناس. ثم أدخلونا إلى خيمة رفعت خصيصا بالمناسبة، ليتقدم مسؤول أردني ألقى كلمة، شكر فيها كل الوفود واعتبر ما قامت به قافلة كسر الحصار بالعمل البطولي الذي رفع رأس الشعوب العربية. وبعد مكوثنا هناك حوالي نصف ساعة، والتقطنا شيئا من أنفاسنا، توجهنا بالحافلات إلى العاصمة الأردنية التي وصلناها بعد حوالي ساعة ونصف ساعة من السير، وكان ذلك في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا، وقامت السلطات الأردنية بالحجز لنا في فندق ''كراون بلازا''، وحضر السفير الجزائري وقال بأن السلطات الجزائرية العليا تتابع أخبارنا. وفي الصباح خرج أعضاء الوفد الجزائري لزيارة العاصمة الأردنية وشراء ألبسة لنا بهدف التخلص من ألبسة سجن بئر السبع.
المصدر :العائد من سجن بئر السبع: صحفي ''الخبر'' حميد زعاطشي
الخبر الجزائرية هذا الصباح