الخفاش
عبدالله الناصر
جاء الولد راكضاًَ نحو أبيه وهو يقول لقد اكتشفت شيئاً مهماً..! قال الأب وما ذاك؟! قال مدرس العلوم.. قال وما به؟ قال الولد لقد اكتشفت أنه يكذب..!!
قال الأب لا تقل ذلك يا بني وكن مؤدباً.. وإياك أن تكذّب أساتذتك الأجلاء. فهؤلاء حقهم الإكبار والتقدير وقد قال السلف الصالح: من عملني حرفاً كنت له عبداً.. فكيف تتهم أستاذك بالكذب..؟ قال الابن دعك يا أبتي من هذا الكلام، وهذه النصائح.. وصدقني أنني اكتشفت أن أستاذ العلوم يكذب..!
قال الأب: وما برهانك يا بني على كذب أستاذ العلوم؟
قال الابن بحماسة: الخفاش يا أبي الخفاش..!!
صاح الأب هل جننت..؟ ما علاقة الخفاش بصدق الأستاذ من كذبه..؟
قال الولد إن الأستاذ كان يقول لنا إن الخفاش لا يظهر إلا في الليل، وإنه ينام متدلياً، وإنه لا خير، ولا نفع فيه، وانه منتن الرائحة، وإن مخلفاته سامة، وإنه قذر ويمص دماء الأطفال، وانه لا يطير ولا يخرج إلا في الظلام لأن الضوء يؤذيه، فهو ليس من الكائنات الضوئية.. بل من الكائنات الظلماء التي لا تعيش إلا في الكهوف وفي الخرائب..! وقال أستاذنا إن الجاحظ قد ذكر في كتابه «الحيوان» أن النساء يزعمن أن الخفاش إذا عض صبياً فإنه لا ينزع سنه من لحمه حتى يسمع نهيق حمار وحشي..!!
قال الأب لقد صدق الأستاذ في كل ما قال وما كذب في شيء.. رد الابن في استغراب وقال حتى أنت يا أبي تكذب؟ صاح الأب وكاد يصفع الولد لقلة أدبه.. ولكن الابن بادر أباه بقوله: ولكنني يا أبي رأيت خفاشاً ضخماً وفي النهار!! والناس مجتمعون حوله ينظرون إليه..!!
فاستغرب الأب، وتحيّر قليلاً.. ولكنه استدرك وقال: ربما يا بني أن هذا الخفاش الذي رأيته مريض.. وأن النهار طلع عليه ولم يتمكن من الطيران.. قال الابن كلا يا أبي كلا، ما كان الخفاش مريضاً.. لقد رأيته صحيحاً وفي كامل عافيته!! بل لقد رأيت الناس تلتقط له الصور.. ورأيت شخصاً له أذنان كأذنيْ الحمار يُجري معه مقابلة تلفزيونية.. صاح الأب بأعلى صوته وكاد يضرب ابنه وقال: أنت الكاذب الأشر.. فهب أن الخفاش خرج، وطار في النهار، وأصبحت عيناه القبيحتان تستقبلان الضوء.. هب أن هذا كله صحيح.. لكن كيف لي أن أصدقك بأن حوارا أجري معه؟!
فسكت الولد وأسقط في يده لأنه لم يستطع أن يرد على أبيه وتسلل هارباً من أمامه.. وتوعد الأب ابنه بسبب جرأته وقلة أدبه وافتعاله الكذب على أستاذه، وتماديه في الكذب إلى درجة أنه رأى الخفاش في النهار، وانه رأى مذيعاً له أذنان مثل أذنيْ الحمار يجري معه حواراً..
وبعد أن سكن غضب الأب وهدأت نفسه قليلاً.. طلب القهوة والشاي، كي يروح عن نفسه من مناكدات ابنه الكذاب.. ففتح التلفزيون عله يجد شيئاً يسليه.. فإذا به وجهاً لوجه يشاهد حواراً مع الخفاش..!!