يوسف المحيميدحينما تخرج من المسجد في إحدى الصلوات، وتجد شابًّا سعوديًّا يجلس منكسرًا عند الأحذية، يمدّ يده سائلاً المصلين صدقة، فيهمزه العامل ذو اللباس البنجابي بخمسة ريالات، تود أن تصرخ لكن في فمك ماء!
حينما تقرأ هجمة الصحافة الغربية على القضاء السعودي، بعدما أصدر قاضٍ في تبوك حكمًا يوجب إجراء عملية جراحية في العمود الفقري لأحد المتهمين، لجعله مشلولاً، لأنه متهم بالعنف ضد امرأة أصيبت بالشلل، وذلك من باب السن بالسن، تودّ أن تنادي بصوتك المحبوس، لأن في فمك ماء!
حينما تعرف أن أمن الحرم المكّي استطاع أن يعيد جوّال وزير السياحة الماليزي السابق الذي سُرق منه أثناء الطواف، بينما عدد المفقودين في الحرم يوميًا يبلغ مائة مفقود، معظمهم من الأطفال، تود أن تؤجل ابتسامتك كي تتكلم، لكنك تكتشف أن في فمك ماء!
حينما تعرف أن الرقم القياسي لتكلفة المعيشة كما أعلنت مصلحة الإحصاءات العامة مؤخرًا قد ارتفع 3% خلال شهر يوليو الماضي مقارنة مع الشهر الذي سبقه، أي خلال شهر واحد فقط، وتتذكّر زيادة الـ 5% في الرواتب الحكومية قبل خمس سنوات، تودّ أن تقول شيئًا قبل أن تتنبّه إلى أن في فمك ماء!
حينما يصرّح مدير مكتب مكافحة التسول ومركز استقبال الأطفال المتسولين الأجانب بمكة المكرمة بأنهم قبضوا خلال عام ونصف على أكثر من 600 طفل وطفلة متسولين، وأن وراءهم تجار الأطفال والإعاقات، فإنك توشك أن تقول بأن السبب هو... فتتذكّر أن فمك مملوء بالماء!
حينما يكشف مسؤول في أمانة جدة عن مخالفات على أحد الاستشاريين في الأمانة، أبرزها إغفال أنظمة التصريف في ثلاثة أنفاق هي: البواخر والحمراء وفلسطين، لا تملك ألا أن تفكّر وتخطط بصمت كيف تنشئ مصنعًا للقوارب أو البواخر، كي تستفيد من الغرق المحتمل قريبًا، كل ما عليك هو أن تعمل بصمت، وألا تتحدث لأحد، بل لن تفعل أصلاً، لأن في فمك ماء!
حينما تعلم أن 70 حارسًا أمنيًا بجامعة الباحة لم يستلموا مرتباتهم منذ خمسة أشهر، وأن الواحد منهم لا يتقاضى أكثر من 1600 ريال شهريًا، وأنهم يعولون أسرهم الفقيرة، وأنهم نموذج لعدد كبير من آبائنا وإخواننا في هذا الوطن، تتململ من على كرسيك الوثير، وتكاد أن تقول شيئًا يخفف حريق صدرك، لكنك تتذكّر أن في فمك ماء!
حينما تعرف أن خريجي الثانوية العامة وخريجاتها يبلغ عددهم 300 ألف سنويًا، وأن الجامعات المنتشرة بالمملكة لا تستوعب، بأي حال من الأحوال، أكثر من 200 ألف سنويًا، وحينما تفكّر بمصير 100 ألف شاب وشابة فائضين عن الحاجة سنويًا، لم تقبلهم الجامعات، وتكدسوا في بيوت لا تخلو من بطالة معظم من فيها، تفكّر وتفكّر وتنتفض، وتلفظ الماء من فمك بغتة، وتلهث بعرق يغطي وجهك، قبل أن تقول: آآآآآآه يا وطن