عن مجوعة القدس لنا
حل مشكلة العملاء
سليمان أبو ستة
بالهجوم وبالهجوم فقط يمكن حل هذه المشكلة، هكذا أتصور الأمر كما في ظني البسيط، فإن الاكتفاء بالدفاع فحسب؛ لا يكفي للانتصار في المعركة الأخطر، ليس على العمل المقاوم من ناحية الخسائر البشرية والمادية فقط، بل وعلى الروح المعنوية للجهاد الفلسطيني وأنصاره، وأعتقد أن أعظم فائدة لعملية خطف الجندي الصهيوني جلعاد شاليط؛ هي كسر ما حاول الصهاينة كذبا وزورا زراعته في أذهان الناس من أن العملاء منتشرون في كل مكان، وقادرون على الوصول إلى أي هدف، وكشف أي عمل جهادي، واغتيال أو اعتقال أي راغب في المقاومة، أو ساع إليها، ومن هنا فعلى هؤلاء جمعيا أن يختبئوا أكثر، وأن يختفوا عن الأنظار، وأن يتحول عملهم الجهادي إلى نجاح متواصل في الفرار من مراقبة العدو، وأجهزته التصنتية البشرية .. أقول إن العدو -وربما نجح بذلك في فترة من الفترات- أراد أن يزرع لدينا اعتقادا يدفعنا للشك السلبي في كل ما حولنا، أو كما يقول الناس لدينا (أن يشك الإنسان في أخيه وربما في نفسه أحيانا)..
هذا ما أراد العدو أن يصل إليه على الدوام، لكن المقاومة نجحت وصنعت نماذج عملاقة -وعملاقة هنا نسبة إلى إمكاناتها- وقبل أن أذكر كيف يمكن عبر الهجوم أن نساهم في حل هذه المشكلة، لابد أن نؤكد على بديهية بسيطة تقول بأن كل شعب في الدنيا يحتوي نسبة من القابلين للتعاون مع العدو، وعندما أقول كل شعب فأنني أعني كل شعب على الإطلاق، ولا استثني أحدا من ذلك.. حدث هذا عبر التاريخ كثيرا.. ألمانيا على سبيل المثال وجدت من الفرنسيين أبان احتلالها لبلادهم من يتعاون معها.. الاتحاد السوفيتي وجد من الأمريكان من يتعاونون معه، بل ويمدونه بأسرار القنبلة النووية.. والأمريكان كذلك وجدوا من السوفييت من يتعاون معهم.. بل عندما جاء أبرهة ليهدم الكعبة وجد من العرب الكرام من يساندوه، ولا يزال أبو رغال ملعونا على كل لسان، وعندما جاء التتار لذبح الحضارة الإسلامية وجدوا كذلك من يهرع لنيل رضاهم، وهكذا لو مضينا نعدد لوصلنا إلى إعداد لا حصر لها من الشعوب التي اندس بين صفوفها من باع نفسه للشيطان.. وعندما أذكر هذه الحقيقة فإنما أريد منها شيئين؛ الأول: أن صفنا يحتوي على عدد من العملاء وهذه حقيقة لابد أن نتأكد منها دون أن تصدمنا قط، ولا يجب أن تفقدنا الثقة في أنفسنا، ومقاومتنا، وحقنا، ومبادئنا .. ولأننا تأكدنا من وجود تلك الفئة، فلابد أن نعمل على حصرها، ولا أقول القضاء عليها، لأن ذلك من المستحيل كما أعتقد، ثم إننا يجب أن نعمل على تقليل أضرارها قدر المستطاع، وخطوة واحدة فقط قد تقلص الضرر بشكل هائل، ألا وهي تعليم أنفسنا كتمان السر، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما أراد غزوة ألا وأعلن أنها يريد غيرها، حتى أبي بكر وعمر لم يكونا في بعض الأحيان يعلمان إلى أين يريد النبي عليه الصلاة والسلام، والناس في البادية يحتفظون بأسرارهم بشكل عجيب، لدرجة أنك لو حاولت أن تصل إلى معلومة ولو من خلال طفل صغير حتى، فإنك لن تصل إلى النتيجة المرجوة بأي حال من الأحوال غالبا، وتصوري أن هذا ناتج عن تربية بإمكاننا أن نصل إليها، أو إلى جزء منها على الأقل.
أما الشيء الثاني الذي أريد أن أصل إليه؛ أن الاحتلال الصهيوني فيه من يقبل حتما التعاون معنا، والتجسس على كيانه الزائل، وهذا هو الهجوم الذي قصدته في بداية حديثي، فالشاباك الصهيوني متفرغ تماما لمهاجمتنا، والفتك بشبابنا، وإسقاطهم في كل وحول القذارة، وطالما واصلنا نحن دفاعنا السلبي الحالي، فسيواصل هو هجومه الشرس، لكننا متى انتقلنا إلى مرحلة العمل على دفع عدد من الصهاينة المحتلين إلى التعاون معنا، وسنجد من هؤلاء كثير، فسنصل إلى عدة نتائج مهمة؛ وهي:
أولا: الانتصار في الحرب النفسية على صعيدنا الداخلي، وعلى صعيد الاحتلال، فأنصارنا سيدركون أن الأعداء يألمون كما نألم، ويعانون كما نعاني، أما ما يسمى بشعب الاحتلال فسيدرك أنه كيان هش مريض، بل أنه يعاني من مرض مستفحل، ناتج عن الجذور المتعددة لشذاذ الآفاق، الذين اجتمعوا من كل قطر وواد..
ثانيا: إشغال جهاز الأمن الصهيوني بالبحث عن هؤلاء وكشفهم، مما يتطلب جهودا هائلة منه، وأزعم أن السعي لكشف عميل واحد، يتطلب من الجهد ما يوازي إسقاط عشرات العملاء.. فتخيل لو أن المقاومة أرسلت مجموعة من المتخصصين إلى تايلاند على سبيل المثال؛ لإسقاط سائح صهيوني هناك، سائح واحد فقط، فهذا سيدفع الجهاز الأمني الصهيوني، إذا ما أكتشف الأمر، إلى إرسال عدد كبير من متخصصيه للبحث عن حل للمشكلة، ثم تخيل أن الأمر تكرر في قبرص، ثم في الهند، ثم في الكونغو، ثم في تركيا، والساحة متسعة بل ومتسعة جدا، والأمر لا يتطلب إلا مالا، وخبرة تتراكم مع الوقت، وقد نخاف الفشل إلا أننا إذا فشلنا فسنفشل مرة واحدة، ثم نتعلم من الدرس، ومن ينزل السوق لا يشتري مجانا..
ثالثا: لهذا الأمر انعكاس هائل على العمل المقاوم، فعميل صهيوني واحد سيفيدنا أكثر من مئات المجاهدين، وبذلك نوفر الدماء والجهود، ونستعد للمعركة الفاصلة، وإذا ما نجحنا في إسقاط عدد من الصهاينة، فسنشكل بهم جهاز ردع يعمل في المدن الفلسطينية المحتلة بمنتهى الراحة، لنتمكن من رد الصاع إلى المحتل صاعين، فنحفظ شعبنا من العدوان الصهيوني، الذي لن يتوقف إلا بدرع الردع الأقوى من كل سلاح..ثم إننا سنتمكن من خلال هؤلاء من إدخال السلاح إلى الضفة المحتلة، وبتكاليف ضئيلة جدا، فالصهيوني الذي يتحرك بين سيناء وفلسطين المحتلة والضفة الغربية دون إن يجد معيقا، سينقل ما شئنا من سلاح إلى هنالك، كل ذلك مقابل حفنة دولارات يأخذها صاغرا، ليكون لنا مع النصر موعدا ومع فلسطين لقاءً، وإن الكيان الصهيوني إلى زوال، وأهل الإسلام إلى نصر قريب قريب، لكننا بحاجة إلى عقول تفكر، وأموال تدفع، وروح تغامر، والهجوم خير وسيلة للدفاع..