ما الجديد في مهرجان الدوحة السينمائي؟ أحمد صلاح زكي
بي بي سي - الدوحة
ما الذي يمكن أن يقدمه مهرجان سينمائي في الدوحة للسينما، خصوصا أن توقيت المهرجان يتقاطع مع مهرجان لندن السينمائي ويأتي بعد أيام قليلة من انتهاء مهرجان أبوظبي السينمائي؟
وإذا نظرنا الى المكان فإن المهرجان يقام في إقليم به عدة مهرجانات سينمائية أبرزها مهرجان دبي ومهرجان أبوظبي ومهرجان القاهرة السينمائي، بالاضافة الى عدد كبير من المهرجانات والفعاليات السينمائية التي تقام في أنحاء متفرقة من العالم العربي على مدار العام.
والاجابة على هذا السؤال تكمن في ثلاثة عناصر: أولا: اختيارات الأفلام المعروضة أو المشاركة في مسابقات المهرجان. ثانيا: الفعاليات والأنشطة المصاحبة للمهرجان. ثالثا: أسماء من حضروا المهرجان.
اختيارات الأفلامحاول المهرجان طوال أيامه الخمسة أن يركز على الفكرة الأساسية له وهي الترويج لنقاط تلاقي الشرق مع الغرب، سواء في أفكار الأفلام المعروضة أو في تعاون صناع أفلام من الشرق مع استديوهات إنتاج من الغرب.
لهذا السبب كان فيلم الافتتاح هو Outside the Law أو "خارج القانون" للمخرج الجزائري الذي يحمل الجنسية الفرنسية رشيد بوشارب. الفيلم يتناول مرحلة حرجة من مراحل الكفاح الجزائري المسلح ضد السلطات الفرنسية خلال حقبة الاستعمار.
نجوم في المهرجان
قابلت رشيد بوشارب في الدوحة وسألته عن السبب وراء صنعه لهذا الفيلم وأجاب أنه حين كان يصور فيلمه Days of Glory أو "أيام المجد"، والذي يتعرض لرحلة جنود جزائريين في صفوف الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية، وجد أن لقصة فيلم "أيام المجد" تكملة وأن هذه التكملة "ستكون استعراضا لتجربة فريدة من نوعها في مجال النضال من أجل الاستقلال وهي نقل المعركة لدولة الاحتلال، فرنسا، وعدم الاكتفاء بالكفاح المسلح في الدولة المستعمرة، وهي الجزائر".
وبالتالي فإن هذا الفيلم يمثل نوعية الأفلام التي يريد المهرجان استقطابها. فالفيلم يتحدث عن منطقة زمنية التقى فيها الشرق بالغرب ولو من خلال العنف! والمخرج جزائري الممثلين ذوو أصول عربية فيما الانتاج وطواقم العمل فرنسية. وهذه منطقة التقاء ثانية تمثل البعد التقني.
أما فيلم الختام فكان The First Grader أو "الملتحق بالصف الأول" وهو فيلم من إنتاج بي بي سي وصندوق المملكة المتحدة للفيلم، ومن إخراج البريطاني جاستين شادويك وبطولة الممثلة البريطانية ناعومي هاريس والممثل الكيني وليفر ليتوندو.
الفيلم يحكي قصة مزارع كيني دخل التاريخ عندما أصبح أكبر طالب يلتحق بمرحلة التعليم الابتدائية سنا في العالم وذلك في عام 2003.
التقيت بمخرج الفيلم وطاقم العمل وكان لهم جميعا نفس الرأي حول المهرجان، وهو أنه يمثل فرصة استثنائية لهم للتعرف على السينما العربية وعلى صناع الأفلام من العالم العربي. جاستين تشادويك ذهب أبعد من ذلك وأضاف أن المهرجان قدم له فرصة لرؤية مدينة عصرية كالدوحة مليئة بناطحات السحاب كي تصبح مسرحا لأحد مشاريعه السينمائية في المستقبل.
وبالتالي فإن المهرجان استطاع أن يروج للدوحة كمقصد سينمائي وهذا يعني الكثير بالنسبة للقائمين عليه من المسؤولين القطريين.
وبين فيلم الافتتاح وفيلم الختام عرضت أفلام لعبت على نفس الوتر، وهو التقاء الشرق بالغرب، مثل فيلم Just Like us أو "مثلنا" وهو من فيلم وثائقي من إخراج الممثل الكوميدي الأمريكي ذا الأصل المصري أحمد أحمد. والفيلم يوثق لرحلة قام بها أحمد أحمد مع رفاقه من ممثلي الكوميديا لتقديم عروض كوميدية تعرف باسم Stand-up comedy shows في مدن الشرق الأوسط.
والفيلم يقدم فرصة نادرة للتعرف على شريحة من الشباب في المجتمع السعودي والذي يهتم بالثقافة الغربية ويحاول محاكة النمط الغربي في الحياة داخل مجتمع محافظ كالمجتمع السعودي. كما يقدم لنا الفيلم ما واجهه الممثلون من مواقف كاشفة للكثير مما تواجهه مجتمعات دبي وبيروت والقاهرة والرياض، وحتى الجالية العربية المقيمة في الولايات المتحدة والتي ينتمي إليها أحمد أحمد.
التقيت أيضا بأحمد أحمد وزميله إريك جريفن وتحدثا معي حول الفيلم وفكرته التي بدأت عندما أخبر أحمد أحمد زملائه الأمريكيين بأنه يقدم عروضا كوميدية في الشرق الأوسط، فسألوه إن كانت تقدم في القواعد العسكرية الامريكية.
وعندما أخبرهم بأنه يقدمها للجمهور العربي، سألوه إن كانت بالانجليزية. وأجابهم أنها بالانجليزية وأن الجمهور يتفاعل معها، وهنا أتت فكرة هذه الرحلة وفكرة توثيقها سينمائيا والخروج بفيلم مدته اثنتين وسبعين دقيقة من أكثر من مئتي ساعة تصوير.
كما عرض في المهرجان أفلام تمثل نوعية جديدة من السينما في العالم العربي وهي السينما المستقلة أو السينما التي تعتمد على تكلفة إنتاج محدودة للغاية. ومن أبرز الأفلام التي عرضت فيلم "حاوي" للمخرج المصري إبراهيم البطوط والذي حصل على تمويل قطري من أجل استكمال تصويره.
تحدث إبراهيم البطوط لـ بي بي سي حول نوعية السينما التي يقدمها وحول إصراره الدائم على عدم كتابة نص لأفلامه والاعتماد على الارتجال وعلى ممثلين هواة. وكانت إجابته أنه ما زال يحاول البحث عن طريقة لصنع أفلام تعبر عن القضايا والأفكار التي تشغله بأي وسيلة متوفرة له ودون أن يقدم تنازلات للمنتجين.
أما سبب أنه يعتمد على الحوار المرتجل فإن ذلك يرجع الى إحساسه بأن الفيلم المكتوب هو فيلم محبوس على الورق وليس حرا مثل الفيلم الذي يعتمد على الارتجال والحوار العفوي.
وربما لهذه الأسباب كلها فاز فيلم إبراهيم البطوط "حاوي" بجائزة أفضل فيلم عربي في مسابقة الأفلام العربية الروائية.
أنشطة المهرجانتنوعت أنشطة الدورة الثانية من هذا المهرجان وشملت ورشا دراسية لصناع الأفلام واحتفاليات لعرض أفلام قصيرة. لكن أبرز هذه الأنشطة كانت الندوات الدراسية من قبل نجوم كبار في صناعة السينما لصناع الأفلام من الشباب.
هذا العام كان أبرز المتحدثين الممثل الأمريكي روبرت دينيرو والمخرج الجزائري رشيد بوشارب والمخرجة الهندية ميرا ناير والممثل الأمريكي كيفن سبيسي والممثلة الأمريكية سلمى حايك.
كما عرض على هامش المهرجان معرض للمصورة الفوتوغرافية الفرنسية المقيمة في نيويورك بريجيت لاكومب والتي علقت صورها في أروقة الحي الثقافي، حيث يقام المهرجان، وفي الشوراع الرئيسية المؤدية الى الحي الثقافي في العاصمة القطرية.
وقدم المهرجان فرصة لتقديم النصح والارشاد لثمانية مخرجين مقيمن في قطر وذلك ضمن فعالية حملت اسم "احتفالية أفلام العشر دقائق".
وبالتالي فكل هذه الفعاليات والأنشطة هي إجابة على ما الذي قدمه المهرجان لصناع الأفلام في هذه المنطقة من العالم.
الأسماء الحاضرةالأسماء التي حضرت الى المهرجان قدمت له فائدة كبيرة وهي وضعه على خريطة المهرجانات السينمائية في منطقة الشرق الأوسط وفي تدعيم مكانته على أجندة مزدحمة بالفعاليات السينمائية.
روبرت دينيرو كان أبرز الحاضرين، وإن كان حضوره متوقعا لأن المهرجان هو النسخة القطرية من المهرجان الذي أنشأه في نيويورك عام 2002 من أجل دعم صناعة السينما في نيويورك في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.
على البساط الأحمر تحدث روبرت دينيرو لبي بي سي العربية باقتضاب وقال إن الهدف من مهرجان ترايبكا الدوحة هو جمع الشرق مع الغرب من خلال السينما.
كما حضر الى المهرجان الممثل الأمريكي كيفن سبيسي والذي عرض له فيلمه الأخير Casino Jack والذي لم يعرض بعد تجاريا.
مهرجان الدوحة شهد حضور عدد كبير من نجوم السينما العالميين
في مقابلة خاصة لبي بي سي العربية، تحدثت سبيسي حول فيلمه وحول توقيت عرضه قبل انتخابات الكونجرس خصوصا وأنه يهاجم الجمهوريين بضراوة. لكن أبرز ما أكد عليه سبيسي في حواره هو في قدرة صناع الأفلام من العالم العربي على المنافسة على المستوى العالمي وعلى أن هذه الفرصة تمثل حوارا هاما بين الشرق والغرب وبديلا للصراع.
كما حضر الى المهرجان المخرج الأمريكي جوليان شنابل والذي عرض له فيلمه الأخير "ميرال". تحدثت معه حول الفيلم وحول المهرجان وكان متفائلا جدا بمستقبل صناع الأفلام العرب والذي تعاون معهم من خلال نص رولا جبريل وتمثيل ياسمين المصري، والذين تحدثوا بدورهم لبي بي سي العربية وأخبروني عن سعادتهم بالفيلم وعن تعاونهم مع جوليان شنابل وعن رغبتهم في تقديم صورة مختلفة للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، بعيدا عن الصورة النمطية للأفلام الأمريكية التجارية.
ومن الأسماء التي حضرت أيضا الممثل البريطاني ألكسندر صديق والممثلة الهندية فريدا بينتو. كان لي معهم أيضا حوار حول فيلمهم "ميرال" وقد أكدوا على أهمية هذا العمل في تقديم فكرة مختلفة عن المجتمع الفلسطيني.
كما تحدثوا أيضا عن نوعية الأدوار التي يقومون بها في السينما الغربية وحول آفاق التعاون بين صناع أفلام من الشرق وبين استديوهات إنتاج سينمائية موجودة في الغرب.
وبالاضافة الى الأسماء الغربية حضر الى المهرجان أسماء تعبر عن السينما العربية سواء التجارية أو المستقلة مثل عادل إمام الذي حضر من أجل تكريمه ويسرا بصفتها رئيسة لجنة التحكيم والممثلة الشابة بسمة.
نكهة خاصةوبالتالي فإن خمسة أيام من العروض السينمائية والفعاليات والأنشطة التي تتمحور حول صناعة الأفلام في دولة صغيرة لا توجد بها صناعة للسينما، يضفي على مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي نكهة خاصة جدا بين المهرجانات السينمائية القريبة منه جغرافيا أو زمانيا.
فهو من جهة يقدم الفرصة لسينما جديدة في العالم العربي ولصناع أفلام يبحثون عن تمويل، ومن جهة أخرى يعرف المجتمع المحلي بسينما عالمية مختلفة عن تلك التي اعتاد عليها في دور السينما المحلية والتي تأتي أغلب أفلامها من استديوهات الانتاج السينمائي الامريكية.
لكن تبقى الاستمرارية على هذا النهج في الاختيارات السينمائية هي الحكم على مدى قدرة مهرجان سينمائي في الدوحة على ترسيخ مكانته بين مهرجانات أكثر عراقة منه في المنطقة وربما أكثر قدرة على جذب النجوم والاهتمام الاعلامي.
*************************